د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نشر في صفحة الرأي في جريدة المدينة بتاريخ 16/ 10/ 2024م
إسلام بحيري أحد أعضاء مجلس أمناء مركز تكوين الفكر العربي، تخرج من كلية الحقوق عام 1997، حصل على الماجستير في طرائق التعامل مع التراث من جامعة ويلز.
ويلاحظ أنّه لم يكن له ظهور تلفزيوني قبل حصوله على الماجستير، وكأنّي بجامعة ويلز قد أعطته مع الماجستير معول هدم التراث الإسلامي برمته من خلال برامجه التلفازية المهاجمة للتراث الإسلامي والهادمة له في العديد من القنوات المصرية الخاصة إلى جانب الجزيرة مباشر، والحُرّة الأمريكية التي قدّم فيها برنامجه” إسلام حر”.
وقد وصف بحيري كتب التراث الإسلامي في برنامجه”مع إسلام” الذي كان يُذاع على قناة القاهرة والناس بأنّها «لعنة، وأنّها كتب معادية للعالم، وكتب النفايات البشرية، وركام يندفن ويحترق، وأنّها كلها مبنية على النفاق والكذب والتدليس، وأنّها المصدر الرئيسي لكل إرهاب وقتل باسم الدين»
هذا من ضمن ما جاء في تقرير مجمع البحوث الإسلامية عن برنامج ” مع إسلام” الذي قدّمه بحيري في قناة القاهرة والناس الذي تم توقيفه ومحاكمة بحيري وسجنه لمدة سنة، وقبل شهر من نهاية المدة حصل على عفو رئاسي.[رابط تقرير مجمع البحوث الإسلامية https://2u.pw/8G8vIxLI.
، وعندما سأله المذيع طوني خليفة في برنامج توتر عالي المُذاع على قناة المشهد، التي أذيعت في 26 إبريل عام 2023م عمّا إن كان قد تغيّر مبدأه الفكري بعد السجن، فكان جوابه:”المبدأ الفكري هو هو ما تغير، أتغيّرتْ مفرداتي الشديدة عشان الناس تقبل ما أقوله مش خوف من المحاكم، لأنّي أكتشفتُ أنّ الكلام القاسي ما يوصلَّش الفكرة للناس.
وعندما سأله:” لو لم تولد في عائلة مسلمة هل كنت أخترت الإسلام دينًا لك؟
فأجابه: الحقيقة تجربة عايزة خبرة اختبرها. أنا ما أخترتتهاش .أنا أختبرت الدين وأنا داخله فوجدته قطعة من اللؤلؤ في وسط بحر من الطين!!
الأستاذ طوني:”سؤالي واضح لو لم تولد مسلم هل كنت سعيدًا أن تكون مسلمًا أو ربما رحت لخيار آخر؟
رد عليه:”أنا كان يهمني ساعتهاـــ أعتقد ده حيبقى اختياري ـــ أنّ أؤمن بالله من أي دين سماوي، لأنّ الأديان عندي كلها متساوية ليس هناك أفضلية.
الأستاذ طوني: الإسلام دين الله ؟
أجاب: دين الله على العموم فكل الأديان عند الله هي الإسلام، القرآن وصف المسيحيين واليهود بمسلمين، وكل الأديان عند الله الإسلام.
الأستاذ طوني: “أنت غير متمسك بدينك؟
أجاب: “أنا متمسك به لأنّي ولدت فيه ووجدته جميل ومختصر ورائق إلى الله.” [شاهد البرنامج على هذا الرابط https://2u.pw/Zkw54FIt]
وأتوقف هنا عند قوله:” أنّ أؤمن بالله من أي دين سماوي، لأنّ الأديان عندي كلها متساوية ليس هناك أفضلية.. القرآن وصف المسيحيين واليهود بمسلمين، وكل الأديان عند الله الإسلام.”
وأرد عليه بهذه الآيات الكريمات:
(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[التوبة: 30-32](لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة: 17](لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ)[المائدة: 73]
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 73](فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)[البقرة: 79]
والله جل شأنه في الإسلام(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ)[الأنعام : 101](قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الإخلاص](لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى :11]
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة: 3]
أمّا عن قوله عن الإسلام:” قطعة من اللؤلؤ في بحر من الطين.” ليوهم النّاس أنّه المصلح المنقذ الذي سيخرج الإسلام من البحر الطيني الغارق فيه بنبذ كل ما هو تراث ـــ فالتراث هو بحر الطين، وهو من قبل ثمان سنوات وصفه بأنّه «لعنة، وأنّ كتبه معادية للعالم، وكتب النفايات البشرية، وركام يندفن ويحترق، وأنّها كلها مبنية على النفاق والكذب والتدليس، وأنّها المصدر الرئيسي لكل إرهاب وقتل باسم الدين»
ولستُ أدري هو أعطى لنفسه حق مصادرة تراث الأمة الإسلامية بأكمله، وبالتالي مصادرة تاريخها وهويتها وكيانها، أم جامعة ويلز؟
إن كان بعض العلماء الأوائل أخطأ في فهم بعض النصوص القرآنية، لعدم تحررهم من أعراف وعادات وتقاليد مجتمعاتهم في جاهليتها، فلا يعني التعميم على الجميع، وممّا يستدعي التوقف عنده أنّ عددًا من المستشرقين أشادوا بإنجازات العرب في مختلف العلوم في مختلف المجالات، وهاهي بعض الشهادات من مستشرقين غربيين:
” المعجزة التي حققها العرب” تحت هذا العنوان كتبت المستشرقة الألمانية ( زيغريد هونكة ) في كتابها”شمس العرب تسطع على الغرب” تقول :
“نحن الآن في سنة ألف للميلاد، لقد نشر ابن النديم تاجر الكتب في بغداد بالأمس القريب فهرسًا للعلوم يضم في عشرة مجلدات أسماء جميع الكتب التي صدرت باللغة العربية في الفلسفة والفلك والرياضيات والطبيعيات والكيمياء والطب حتى ذلك الحين… وفي الأندلس تجتذب قرطبة طلاب العلم من كل أنحاء الشرق بل والغرب أيضًا بمدارسها العليا ومكتباتها العظيمة التي جمع لها الخليفة الحكم الثاني وهو من أشهر علماء عصره في مليون من الكتب القيمة جمعها له عشرات من رجاله وعلق الخليفة بنفسه على هوامش عدد كبير منها قبل وفاته، وذلك قبل نهاية القرن العاشر بأربعة وعشرين عامًا… وفي القاهرة رتب مئات العمال والفنيين في مكتبتي الخليفة مليونين ومئتين من المجلدات، وهو يعادل عشرين ضعفًا ما حوته مكتبة الاسكندرية الوحيدة في عصرها… أنّه لمن المعلوم تمامًا أنه ليس ثمة أحد في روما له من المعرفة ما يؤهله لأن يعمل جوابًا لتلك المكتبة وأنى لنا أن نعلم الناس ونحن في حاجة لمن يعلمنا أن فاقد الشيء لا يعطيه ” هذا ما قاله متحسرًا من يعرف الحقيقة تمام المعرفة أعني به جربرت فون أو لياك الذي ارتقى كرسي البابوية في روما عام 999 ميلادية باسم البابا سلفزوس الثاني…. في هذا العام نفسه نشر أبو القاسم مبادئ الجراحة التي ظلت شائعة لقرون عدة، وشرح البيروني للفكر العالمي دوران الأرض حول الشمس، واكتشف الحسن بن الهيثم قوانين الرؤية وأجرى التجارب بالمرايا والعدسات المستديرة والاسطوانية والمخروطية، وبينما كان العالم العربي يسرع في هذا العام نحو قمة عصره الذهبي وقف الغرب مذهولًا، وقد تولاه الفزع، بترقب نهاية العالم عما قريب ويعظ القيصر الشاب أوتو الثالث وهو ابن عشرين ربيعًا الناس، فيقول:” والآن سيأتي المسيح ويحضر الناس ليقنص من هذا العالم … وبينما أوتو الثالث يتشدق بهذه الكلمات الجوفاء كان ابن سينا وهو حينذاك أيضًا فتى في العشرين من عمره قد بدأ يملأ الدنيا بأنباء انتصاراته العلمية الباهرة، إنَّ هذه القفزة السريعة المدهشة في سلم الحضارة التي قفزها أبناء الصحراء، والتي بدأت من اللاشيء لهي ظاهرة جديرة بالاعتبار في تاريخ الفكر الإنساني وأنَّ انتصاراتهم العلمية المتلاحقة التي جعلت منهم سادة للشعوب المتحضرة في هذا العصر لفريدة في نوعها لدرجة تجعلها أعظم من أن تقارن بغيرها، وتدعونا هنا أن نقف هنيهة متأملين كيف حدث هذا ؟ وكيف أمكن لشعب لم يمثل قبل دورًا حضاريًا أو سياسيًا يذكر أن يقف مع الإغريق في فترة وجيزة على قدم المساواة ؟ .”وتستمر قائلة:” إنَّ ما حققه العرب لم تستطع أن تحققه شعوب كثيرة أخرى كانت تمتلك من مقومات الحضارة ما قد كان يؤهلها لهذا، بيزنطية وريثة الحضارتين الشرقية والإغريقية بقيت على جهالتها مع أنّها بلغتها اليونانية كانت أقرب للناس إلى الحضارة الإغريقية والسوريون هم تلامذة الإغريق كان لهم من الحضارة قبل الإسلام حظ وفير ولقد غفلوا عن طريق الترجمة كثيرًا من أعمال الإغريق إلى لغتهم ولكنهم أيضًأ كبيزنطة فشلوا في أن يجعلوا مما اقتبسوه من الإغريق بذرة الحضارة تزدهر، كما فعل العرب فيها بعد، ولم تكن فارس التي اكتسبت من حضارات الصين والهند والإغريق بأسعد حظًا من بيزنطيه أو سوريا وبرغم تحسن الحالة الاقتصادية في تلك البلاد ورعاية الدولة للعلوم والعلماء، فإنّه لم يسمح لحضارة تلك البلاد أن تصبح حضارة مبتكرة مؤثرة إلّا في جو عقلي آخر وفي ثنايا حضارة ثانية أنجع هي الحضارة العربية، لم يأت خلفاء الإغريق على عشر الحضارة من بيزنطة، أو من سوريا، ولم يأتوا من فارس، حلقة الاتصال بين حضارتي الشرق والغرب، هل أتى سادة الحضارة الجدباء من قلب الصحراء الجدباء ليتبوأوا فجأة مركز الزعامة بين حضارات العالم، بلا منازع مدة ثمانية قرون، وبهذا ازدهرت حضارتهم أكثر من حضارة الإغريق أنفسهم”
هذا إقرار من المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه بتفوق الحضارة الإسلامية على جميع الحضارات: الإغريقية والبيزنطية والفارسية والهنديو الصينية والسورية تقصد ( الفينيقية ) وقصر تفكير الغرب الذي كان يشرف على نهاية العالم في الوقت الذي بلغ العرب قمة عصرهم الذهبي.”
وبعد هذا الإقرار المنصف تساءلت المستشرقة الألمانية هذه التساؤلات:
ما هي المقومات التي احتاجها هذا الشعب ليبعث مثل هذا البعث ؟
وما هي العوامل التاريخية والاجتماعية والروحية والفكرية التي كان لابد لها أن تجتمع لتخلق هذه المعجزة التي حققها العرب؟
للحديث صلة.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال: https://2u.pw/orYoSqN0