د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 3/ 10/ 2024م
زعم إبراهيم عيسى في روايته ” رحلة الدم” أنّ أسباب قتل سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه أنّه حابى أقاربه بالمناصب والعطايا من أموال بيت المال، ولو فرضنا جدلًا صحة مزاعمه فهذا لا يبرر محاصرته أربعين يومًا، في بيته وقتله بهذه الطريق البشعة.
فعند التمعّن في أحداث الفتنة الكبرى لا نجد مبررات منطقية لحدوثها، وما أدّت إليه، ممّا يؤكد أنّها عملية منظمّة مخطط لها؛ إذ خرجت جموع من البصرة والكوفة، ومصر إلى المدينة المنورة في وقت واحد مدعين أنّهم قادمون لأداء مناسك الحج ، وهم هادفون محاصرة سيدنا عثمان رضي الله عنه في بيته لإرغامه على التنحي عن الحكم، أو قتله لمجرّد أنّه عيّن بعض الكفاءات من بني أمية في بعض المناصب، وليس هو وحده الذي فعل ذلك، فهو اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم والخليفتين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من قبله، فقد عملوا على تولية من رجال من بني أمية فكُتّاب الوحي من بني أمية 10 من 46، هم: عثمان بن عفان، وخالد بن سعيد بن العاص، وعبد الله بن رواحة، وأبو سفيان صخر بن حرب، ويزيد بن أبي سفيان، ومعاوية بن أبي سفيان وأبان بن سعيد بن العاص، وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، وعمرو بن العاص رضوان الله عليهم.
ومن بني أمية الذين ولّاهم الرسول صلى الله عليه وسلم: على مناطق اليمن وحضرموت، خالد بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، وعلى الخط ( حاليًا) القطيف أبان بن سعيد بن العاص بن أمية، وعلى نجران ولى أبو سفيان بن حرب بن أمية، أمّا يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية أحد قادة الجيوش في فتوح الشام، فقد ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على دمشق، وعمرو بن العاص قائد جيش فتح مصر ولّاه على مصر، ومعاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية أحد قادة الجيوش في فتوح الشام، ولاه دمشق وبعلبك والبلقاء.
وحينما تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ولاياتهم عامًا كاملًا، وبعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة، وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة. في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما رآه في مصلحة المسلمين، فقد ضم البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل، فمثلًا عزل عمرو بن العاص رضي الله عنه من ولاية مصر، وولى عبدالله بن رواحة، وولى معاوية على ولاية الشام بدلًا من دمشق وبعلبك والبلقاء، .والكوفة كانت للمغيرة بن شعبة، فنقل ولايتها إلى سعيد بن العاص، وهؤلاء الولاة غير مشكوك في كفاءتهم، وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس، كما أنّه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال. كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، كان يشترط أحيانًا بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين، فهل يستدعي هذا عزله في حين نجد من هؤلاء الثوّار من رزحوا تحت حكم الروم والبيزنطيين والفرس قرون عديدة، وعانوا من الظلم والاستعباد والاضطهاد أمرّ المعاناة، ولكن لم نسمع أنّ مجموعة منهم حاصرت قصور قياصرة الروم وأكاسرة الفرس لقتلهم، بينما أصبح هؤلاء ينعمون بالحرية والعدالة في العهد العربي الإسلامي، فما الذي دفعهم إلى هذه الثورة العارمة مالم يكن هناك محرضًا لهم على سيدنا عثمان رضي الله عنه، والسؤال الذي يطرح نفسه هو : من وراء هذه الفتنة؟
إنّ اليهود هم من لهم مصلحة في بث الفرقة بين المسلمين الذين استطاعوا في أقل من عقديْن أن يسقطوا أكبر امبراطوريتيْن في العالم آنذاك، وهما الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية، رغم محاربتهم للإسلام منذ بزوغ فجره، وحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، وهم الذين أشعلوا حربًا ضروسًا بين الأوس والخزرج في يثرب قبل الإسلام استمرّت (140) عامًا بينهم سميت ب” يوم بُعاث” ، والتي توقّفت قبل الهجرة بخمسة أعوام، فكان وراء فتنة مقتل سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء ومعروف بابن السوداء، أظهر الإسلام ووقف موقف العلماء، حاول التأثير في الأعراب والأمصار والذين دانوا حديثًا بالإسلام. جعل يطعن في الخليفة عثمان ويقول أنّه عين الولاة لقرابتهم به، وبعد أن صار لعبد الله بن سبأ أتباع في ذي الحجة من عام 35 هـ جمع المتمردون أنفسهم من البصرة، والكوفة، ومصر، و بدأوا في التوجه ناحية المدينة المنورة؛ لمطالبة عثمان بالرجوع عن موقفه، وعزل بعض الأمراء من بني أمية، وأظهروا أنّهم أتوا للحج. وأضمروا إحداث فتنة كبيرة طبقًا لخطة عبد الله بن سبأ، وكان مجموع المتمردين على الأقل حوالي ألفين توجهوا نحو المدينة، وخرج من كل مدينة أربع فرق، وكان على رأس فرق البصرة حكيم بن جبلّة، وبشر بن شريح، وذريح بن عباد، وابن المحرك الحنفي، وعليهم جميعًا حرقوص بن زهير السعدي، وكان على رأس الفرق التي خرجت من الكوفة الأشتر النخعي(توفي سنة 37ه مسمومًا).
وكان على رأس الفرق التي خرجت من مصر الغافقي بن حرب العكي، وتحته أربع فرق أخرى بقيادة عبد الرحمن بن عديس، وكنانة بن بشر، وسودان بن حمران، وقطيرة السكوني. كما كان من القادة الخارجين على رأس المتمردين الأشتر النخعي، وحكيم بن جبلّة أحد أشرار ولصوص البصرة المشهورين بالسرقة، وسودان بن حمران الذي خرج من مصر، وهو من قبيلة سكون باليمن، وعندما كان يستعرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه القبائل الخارجة للجهاد سنة 14 هـ، مرت عليه قبيلة سكون اليمنية، وكان في هذه القبيلة سودان بن حمران، فنظر إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم أعرض عنهم، ثم نظر إليهم، ثم أعرض عنهم، ثم نظر إليهم، ثم أعرض عنهم- ثلاث مرات-، ثم قال رضي الله عنه: سبحان الله إنّي عنهم لمتردد، والله ما مر بي قوم أكره لي منهم.
وكان منهم سودان بن حمران، وخالد بن ملجم الذي كان له دور كبير بعد ذلك في الفتنة، وهذا مما يدلّ على قوة الفراسة عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أما الغافقي فكان متزعمًا للفتنة في مصر ظاهرًا، بينما كان ابنُ سبأ يحرك الأمور من الداخل، والغافقي بن حرب العكي من اليمن، وقَطَن مصر بعد فتحها، وكان محبًا للظهور وللرئاسة، وكان متحدثًا ذكيًا، وكان عالِمًا بالدين أيضًا، وبعد خروج هذه المجموعات الثلاثة بكل هذه الفرق أمّروا عليهم جميعًا الغافقي بن حرب العكي، واقترب المتمردون من المدينة، وعسكروا قريبًا منها، وكان عبد الله بن سبأ موجودًا في الفرق التي خرجت من مصر،لكنه لم يعلن عن اسمه [https://rasoulallah.net/ar/articles/article/4573/]
وكنانة بن بشر كان واحدًا منهم، وهو أيضًا من قنائص ابن سبأ في مصر[الطبري:5/ 99) وكان كنانة بن بشر أميرا على إحدى هذه الفرق(الطبري 5: 103) ثم كان في طليعة من اقتحم الدار على عثمان وبيده شعلة من نار تنضح بالنفط، فدخل من دار عمرو بن حزم ودخلت الشعل على أثره (الطبري 5: 123). ووصل كنانة التجيبي إلى عثمان فأشعره مشقصًا(أي نصلًا طويلًا عريضًا) فانتضح الدم على آية(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ،)(الطبري 5: 126) وقطع يد نائلة زوجة عثمان، واتكأ بالسيف على صدر عثمان وقتله (الطبري 5: 131)
للحديث صلة.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://n9.cl/6hdyi