د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 09/ 10 / 2024م
لقد عرفنا في الحلقة السابقة، وما سبقها من مقالات رؤية إبراهيم عيسى لأسباب فتنة مقتل سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه وأحداثها وشخوصها، وعند قراءاتنا لما كتبه بعض المستشرقين في ذات الموضوع نجد وكأنّ الأستاذ إبراهيم عيسى قد نقلها عنهم، مع أنّه يدّعي أنّ مصادره الطبقات الكبرى لابن سعد والكامل في التاريخ للطبري والبداية والنهاية لابن كثير، والكامل في التاريخ، وأسد الغابة لابن الأثير، وسير أعلام النبلاء للذهبي، وصحيح البخاري، ولم يذكر ولا مرجعًا واحدًا لمستشرق، ولنقرأ معًا ما كتبه المستشرق اليهودي الفرنسي كلود كاهن عن فتنة مقتل سيدنا عثمان رضي الله عنه ” تعرّض عثمان لتهمة محاباة أقربائه، كما تعرّض لمناهضة متزايدة من قبل أولئك الخصوم، وهي زوجة الرسول التي مازالت آنئذ في ريعان شبابها، وكان علي أيضًا وهو ابن عم النبي وصهره خصمًا لعثمان، وكذلك عمرو بن العاص، وغيره في مصر، وكان لا مفر من قيام التحالف بين مبعوثي هؤلاء وهؤلاء أولئك من الخصوم، وأدى هذا التحالف في اغتيال الخليفة العجوز أثناء صلاته، وفي ظروف لا تخلوا من الغموض.” [كلود كاهن: تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، ص 32]
فهنا نجد إبراهيم عيسى ردّد ما ذكره هذا المستشرق من حيث اتهام أم المؤمنين السيدة عائشة وسيدنا علي بن أبي رضي الله عنهما باشتراكهما في مناهضة سيدنا عثمان، وفي الفتنة رغم أنّه لا يخفى عن الجميع أنّ السيدة عائشة رضي الله عنها خرجت إلى صفين مطالبة بدم قتلة عثمان رضي الله عنه، أمّا سيدنا علي رضي الله عنه فقد جعل ولديه الحسن والحسين رضي الله عنهما يحرسان بيت سيدنا عثمان رضي الله عنه لحمايته من المتمردين، وعندما عرض عليه متمردو مصر مبايعته على الخلافة بإيعاذ من عبد الله بن سبأ نهرهم، ورفض مبايعتهم له، وقد قالها ابن كثير في البداية والنهاية:”وأمّا ما ذكره بعض الناس من أنّ بعض الصحابة أسهم ورضي بقتله، فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أِنّه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه، بل كلهم كرهه ومقته وسب من فعله.[ 7/221]
ونلاحظ هنا أنّه رغم أنّ البداية والنهاية لابن كثير من مراجع رواية الأستاذ إبراهيم عيسى إلّا أنّه استبعد نفي ابن كثير مشاركة أحد من الصحابة رضوان الله عليهم في الفتنة، لأنّه لم يوافق هواه.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى نجد كلود كاهن لم يذكر أنّ عبد الله من سبأ وراء الفتنة، وكذلك عيسى، بل أخفى الأخير علاقة عبد الله بن سبأ بإثارة الفتنة، وأنّ من قتلوا سيدنا عثمان من رجال ابن سبأ وأتباعه، ورغم أنّ الطبري ذكر هذا، وهو من ضمن مراجعه، ولكنّ عيسى تجاهله للأسف الشديد؛ لنهجه منهج المستشرقين الانتقائي في كتاباتهم عن الإسلام والسيرة النبوية والصحابة رضوان عليهم، فيأخذون بالروايات الضعيفة، ويتركون الروايات الصحيحة، وهنا نجد عيسى تفوق عليهم باقتطاعه من الرواية الجزء الذي يوافق هواه، فهو الذي ذكر أنّ تاريخ الطبري ضمن مراجعه، والطبري أورد عدة روايات عن دفن سيدنا عثمان رضي الله عنه، منها رواية للواقدي التي ذكر فيها أنّ سعد بن راشد حدثه عن صالح بن كيسان أنّه قال: “لمّا قتل عثمان رضي الله عنه قال رجل:” يدفن بدير سلع مقبرة اليهود ..” فأخذ عيسى هذا الجزء من الرواية، وترك باقيها الذي جاء فيها:” فقال حكيم بن حزام: والله لا يكون هذا أبدًا، وأحد من ولد قصي حي حتى كاد الشر يلتحم، فقال ابن عديس البلوي: “أيها الشيخ وما يضرك أين يدفن”: فقال حكيم بن حزام فلا يدفن إلّا ببقيع الفرقد حيث دفن سلفه وفرطه، فخرج به حكيم بن حزام في اثني عشر رجلًا، وفيهم الزبي، فصلى عليه حكيم بن حزام، قال الواقدي: الثبت أنّه صلى عليه جبير بن مطيعم.[الطبري: 5/432، 433]
هذه رواية الواقدي كاملة التي أوردها الطبري، أخذ منها الأستاذ إبراهيم جملة واحدة لتخدم هدفه، وترك باقيها.
وهذا ليس بمستغرب على إبراهيم عيسى، فهو ينهج نهج أستاذه وقدوته ومثله الأعلى ، ومثل قدوة زملائه من أعضاء مجلس أمناء مركز تكوين للفكر العربي، وهم يوسف زيدان فراس الحوّاس وإسلام بحيري حتى أطلقوا على المؤتمر الأول لمركزهم” خمسون عامًا على رحيل طه حسين أين نحن من التجديد اليوم؟ والتجديد الذي يعنونه هو حذوْ حذوَ طه حسين في نقل الفكر الاستشراقي بما يحمله من التشكيك في كتاب الله أنّه من عند الله والتشكيك في السنة والسيرة النبوية، والنيل من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صحابته رضوان الله عليهم، وهذا ما يمثله فكر قدوتهم طه حسين الذي لا يجرؤ أحد على كشف حقيقة فكره، ومنهجه الاستشراقي التشكيكي، وإلّا يُشنّ عليه هجومًا عنيفًا من قبلهم، ويُتهم بالتكفيري المُتخلِّف، في وقت إبراهيم عيسى سخر من القرآن الكريم [رواية رحلة الدم ، ص 86]،كما سخر من سيدنا عثمان يقوله”عثمان باشا” [ ص 232] وقوله في الصفحة ذاتها لسيدنا عثمان رضي الله عنه، على لسان محمد بن حذيفة” لقد أضعت سنة نبيك، كما أضعت خاتمه”، ومع هذا نجد إسلام بحيري يصف إبراهيم عيسى بالمفكر العظيم!
هذا وممّا ينبغي التنويه إليه أنّني سأذكر أسماء الرباعي من أعضاء مجلس أمناء مركز تكوين الفكر العربي مجرّدة من لقب دكتور ،أو أستاذ، وذلك لأنّ جميعهم، مع أيقونتهم طه حسين لم يُصّلوا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم(إلّا نادرًا، محتذين حذو المستشرقين الذين لا يصلون عليه لأنّهم غير مسلمين، ولكن أربعتهم مسلمون، فلماذا لا يصلون عليه؟ إن كان الله جل جلاله وملائكته يصلون عليه وأمرنا الله بالصلاة عليه(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56] فمن هم حتى لا يُصلون عليه؟
كما أنّهم لا يترضون على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيذكرون أسماءهم مجردة كأي واحد من الناس مع علو قدرهم ومكانتهم، بل نجد إبراهيم عيسى سخر من سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه بقوله :”عثمان باشا”!
فإن كانوا لا يحترمون خاتم الأنبياء والمرسلين، وصحابته رضي الله عنهم، فكيف نُجلّهم ونوقرهم، ونطلق عليهم أساتذة ودكاترة؟ من لا يحترم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم لا يُحترم!
ولتتضح لكم منابع فكر دعاة الإصلاح الديني من تنويري مركز تكوين الفكر العربي، سأضع فكر طه حسين أحد رموزهم تحت المجهر في مقالات قادمة إن شاء الله.
البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://n9.cl/zdiay