مؤسسة تكوين الفكر العربي

قراءة متأنية لرواية رحلة الدم لإبراهيم عيسى(2)

By 3 أشهر مضىNo Comments

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 19/9/ 2024م

 أواصل الحديث عمّا استوقفني في رواية “رحلة الدم” لإبراهيم عيسى أثناء قراءتي لها:

ثالثًا:  نيله من شخص سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وتصويره بالقسوة والخشونة[ص 192]، فقصته مع الأطفال الأيتام وأمهم الذين سمعهم يبكون  من الجوع  أثناء تفقده الرعية، فذهب إلى بيت المال، وحمل على ظهره كيسًا من الدقيق وسمنًا وعسلًا، وطهى لهم الطعام بنفسه تشهد على حنانه ورقة مشاعره، ويقظة ضميره وخوفه من الله، والغريب أنّ الأستاذ عيسى رغم نيله من سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه إلّا أنّه لم يذكر قصة المصري الذي ضربه بالسوط  ولد عمرو بن العاص لفوزه عليه في السباق قائلًا له:” خُذها وأنا ابن الأكرمين، فشكاه لسيدنا عمر، فاستدعى سيدنا عمر الابن وأباه(عمرو بن العاص رضي الله عنه )إلى المدينة، وقال سيدنا عمر للمصري:” اضرب ابن الأكرمين، فضربه، ولمّا فرغ منه، قال عمر للمصري:”ضع على عمرو!” فقال:” يا أمير المؤمنين إنّما ابنه الذي ضربني وقد اشتفيتُ منه، فما كان من عمر أن وجه حديثه لعمرو بن العاص بكلمته الشهيرة:”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟” فهذه القصة لم يوردها المؤلف، لأنّها تؤكد على عدل الفاروق رضي الله عنه، والمؤلف لا يريد أن يسجل أية محمدة ومكرمة لصحابي جليل من كبار صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يخالف الصورة التي يصوِّر صحابة الرسول رضوان عليهم في روايته أنّهم  لا هم لهم إلاّ المال والغنائم والنساء، يشتم بعضهم البعض بأقذع الألفاظ، بل وصل الأمر إلى قتل بعضهم البعض، وبلغ به الأمر إلى اتهام أم المؤمنين السيدة عائشة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنّهما حرّضا على قتل سيدنا عثمان رضي الله عنه، مع أنّ السيدة عائشة خرجت إلى صفين مطالبة بدم قتلة عثمان رضي الله عنه، وسيدنا علي طلب من ولديه الحسن والحسين أن يحرسا سيدنا عثمان وحمايته من اعتداء الثوّار، كما نجد تشويهه لصور كبار الصحابة امتد إلى أولادهم فاتهم محمد من أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنَه همّ بقتل سيدتا عثمان، وتراجع، وخاطبه بكلمات قاسية خالية من أي تقدير لصحابي جليل وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المبشرين بالجنة وحاكم المسلمين، (ص661) وهو برئ من هذا الاتهام.

بل زعم أنّ السيدة عائشة  رضي الله عنها على علم بما سيفعله أخوها (ص 628)  كما اتهم عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن ابن عديس بقتل سيدنا عثمان رضي الله عنهم(649)

   أمّا عبد الرحمن بن عديس فهو من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت أنّه من أصحاب الشجرة، إنّما أتى ذلك الخبر عن ابن لهيعة وهو شديد الضعف، وخبر كونه من قتلة عثمان إنّما جاء من طريق الواقدي. وزعم ابن ماكولا أنّ الدارقطني قد نقل ذلك، لكنه لم يذكر الإسناد. فلعل المرجع هو الواقدي، والواقدي ليس من الثقات.

 خلاصة القول: لم يُشارك أحد من الصحابة في قتل عثمان رضي الله عنه، كما  قال النووي في ” شرح مسلم “(148/5) وقال ابن كثير: وأما ما يذكره بعض الناس من أنّ بعض الصحابة أسهم ورضي بقتله: فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنّه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه ، بل كلهم كرهه ، ومقته، وسبَّ من فعله. [البداية والنهاية 7/ 221] ، والبداية والنهاية من مراجع المؤلف، ولكنه لم يأخذ بنفي ابن كثير أنّ أحدًا من الصحابة شارك في قتل سيدنا عثمان رضي الله عنه!

رابعًا: طعنه في نسب سيدنا عمرو العاص زاعمًا أنّ أمّه بغي، وهذا الاتهام لم يأت في خبر صحيح الإسناد وقد أشار إليه الطبري في تاريخه عند ذكر خبر وقعة صفين من رواية أبي مخنّف الشيعي الكذّاب، كما ورد في بعض كتب الأدب، وكتب الأدب لا تعتني بأسانيد الأخبار وصحتها، وإنّما عنايتها بجمع الغرائب والنوادر من الأخبار والخطب والأشعار، وإن كانت مصنوعة ومكذوبة[د. سعد بن عبد الله بن سعد الماجد: موقف المستشرقين من الصحابة رضي الله عنهم. ص 573]،والحقيقة أنّ أم عمرو بن العاص رضي الله عنه هي سلمى بنت حرملة من بني جلان بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. وكانت من سبايا العرب أُسرت خلال المعارك وبيعت في سوق عكاظ، حيث اشتراها الفاكه بن المغيرة، ثم باعها عبد الله بن جدعان. بعد ذلك، أصبحت ملكًا للعاص بن وائل، وهو والد عمرو بن العاص.[ابن عبد البر:الاستيعاب، دار الفكر سنة 1427 – 2006.3 /1185]، وكذلك طعنه في نسب التابعي عقب بن نافع فاتح أفريقية بالزعم أنّ أمه أم عمرو بن العاص، وهذا خلاف لما أورده ابن عبد البر في الاستيعاب عن سلمى بنت حرملة أم سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه.

خامسًا: وصف جنود جيش المسلمين”أميون لا يحفظون قرآن ربهم… وأنّ منهم لم يأت مصر شاهرًا سيفه… بل فاتحًا فمه…( كناية عن هدفه الأموال والغنائم)[ ص 203]وكيف يقول لا يحفظون قرآن ربهم، وفيهم من كبار الصحابة، أمثال الزُبير بن العوَّام وعبادة بن الصَّامت، والمُقداد بن الأسود، ومسلمة بن مُخلَّد وغيرهم رضوان الله عليهم؟ ولكن الأستاذ إبراهيم عيسى ترك هؤلاء، وسلّط الضوء على عبد الرحمن ابن ملجم الخارجي قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وجعله هو الوحيد الذي يحفظ القرآن، ويقرأه، ويُعلِّمه، وهو البطل الرئيسي لروايته، وأقرب إلى المثالية، ويناديه بِِ يا حافظ القرآن”، ويا قارئ القرآن!، بل نجده يبرر لقتله سيدنا علي رضي الله عنه بطريق غير مباشر من خلال المشهد الأخير في روايته، وهو مشهد مبايعة سيدنا علي كرّم الله وجهه؛ إذ مد ابن ملجم يده لمبايعته، ولكن سيدنا علي لم يُمكِّنه منها(ص 707) فردد وتمتم ابن ملجم (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)[ص708]

للحديث صلة.

البريد الاليكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://2u.pw/FsM1mzmH

Leave a Reply