Home » لماذا أيّد الغرب المسيحي إعلان إسرائيل الحرب على غزة وهدم بيوتها على سكانها؟
نشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة في 18 أكتوبر 2023م
كلنا يعلم أنّ إسرائيل صنيعة الغرب، ابتداءً من إعطاء وزير الخارجية البريطاني بلفور وعدًا لليهود عام 1917م بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، إلى تأييده لهذا الوعد خدمة لمصالحه في المنطقة العربية بتمكينه الصهيونية العالمية لتكوين دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات ومن الأرز إلى النخيل إرضاءً للوبي اليهودي والصهيونية العالمية المسيطريْن على الاقتصاد والإعلام العالمييْن، والمتحكمة في نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والإدارات المحلية في الولايات المتحدة الأمريكية والبلاد الأوروبية، وهذه أهم أسباب التأييد الغربي الأعمى لإسرائيل، واستخدام دوله الكبرى حق الفيتو في مجلس الأمن لتعطيل ما تتخذ من قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، وتدين إسرائيل، وكذلك إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لما تقوم به من قتل وتدمير وتجويع الشعب الفلسطيني في غزة تحت ذريعة الدفاع عن نفسها من شعب أعزل محاصر ومُحتل من قبلها، وتحت هذه الذريعة سلحّت المستوطنين الإسرائليين في مستوطناتها لقتل الفلسطينيين العُرّل!
هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك فئة من العقليات المسيحية الغربية المتدينة المسيطر عليها اليهود وتوجيههم لها وفق ما يريدون، وهذا ما كشف عنه المؤرخ البريطاني” أرنولد توينبي الذي بيّن موقف اليهود من شعوب العالم في كتابه “مشكلة اليهودية العالمية” وكيف سيطّروا على العقلية المسيحية وتوجيهها وفق ما يريدون، مبينًا نظرتهم الاستعلائية تجاه شعوب العالم وموقفهم منهم، فهم يعتبرون غيرهم أقل منهم منزلة وأنهّم الشعب المختار، أمّا شعوب العالم فهم في مركز منحط يطلقون على أفرادها كلمة “الأميين” هم بتعبيرات الشاعر البريطانى كبلينج Kippling سلالات دنيا لا شريعة لها. وتقبلت الكنيسة المسيحية دون مناقشة تفسير اليهود لتاريخهم كما ورد في التوراة مما تضمه بين طياتها من المطاعن ضد الشعوب التي احتكوا بها كالفينيقيين والفلسطينيين والأوروبيين والموابيين والعموريين والدمشقيين، وانفرد اليهود في هذا الميدان بإقدامهم على رفع سجل تاريخهم إلى منزلة التقديس، ونجاحهم نجاحًا لا يبارى في إيهام مئات الملايين من البشر على مدى الأحقاب أو يناقشه مناقشة علمية عقاب الله في الدنيا والآخرة، ومن الناحية الأخرى لا يوجد لأعداء اليهود والقدامى من ينهض للدفاع عن قضيتهم إلا أصوات العلماء والباحثين الخافتة، وتعتبر المذاهب المسيحية على اختلافها التاريخ اليهودي تاريخًا مقدسًا المسيح، ومهما يكن نصيب الفرد المسيحي من الاستنارة الفكرية ومقدار تحرره الذهني فيصعب عليه بمكان أن يتخلص من التراث اليهودي في المسيحية، لأنّه كامن في شعوره الباطن ويوجه مسار تفكيره وبالتالي، فإذا كانت الكشوف الأثرية تهدم ادعاءات اليهود، وتلقى أضواء صادقة على المجتمعات الأخرى، فما برحت جمهرة المسيحيين تأخذ التاريخ اليهودي، كما ورد في التوراة قضية مسلمًا بها، ثم يبين سبب تقوقع اليهود، فيقول:”.. تشبث اليهود بفكرة أنّهم الشعب المختار فاقتضاهم عجزهم عن الاستجابة لتحدي ظهور المسيحية، ثم الإسلام إلى التقوقع روحانيًا وفكريًا، ولولا ظهورهما لعاشت اليهودية في ظل وثنية هيلينية. وأنَّ الصدمات العنيفة التي أصابت النفسية اليهودية يرجع تحول العقيدة اليهودية القديمة إلى ما أصبحت عليه بعد ذلك من تحجر وكراهية العالم لليهود وبالتالي، وفي طليعة تلك الصدمات ما كابدته اليهودية على أيدي بنوخذ نصر في العقد الثاني من القرن السادس قبل الميلاد، وأنطيوخس الرابع خلال العقد الثاني من القرن السادس قبل الميلاد، والرومان أثناء الحروب الرومانية إبان القرنين الأوليين الميلاديين تأثير على التاريخ اليهودي أقوى من تأثير ظهور المسيحية.[فؤاد محمد شبل: مشكلة اليهودية العالمية، دراسة تحليلية لآراء توينبي، ص 9-12،القاهرة:الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ،1970م.]
فلهذا كله نجد مسؤولين أمريكان وأروبيين يُعلنون تأييدهم لإسرائيل في ما تقوم به من خرق للقانون الدولي وفي ما ترتكبه من جرائم حرب وعقوبات جماعية التي يُحرمها القانون الدولي بمنع الماء والطعام والكهرباء والطاقة والدواء والاتصالات عن أكثر من مليونين وربع مليون إنسان، ولم تكتف بذلك، بل استمر قصفها، ممّا ترتب عليه، كما قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 11 أكتوبر 2023 إنّ أكثر من ألف وحدة سكنية في غزة دُمرت جراء القصف الإسرائيلي.” والأعداد آخذة في الزيادة وهناك مئات المنازل لم تعد صالحة للسكن.
هذا وقد أعلنت الأنروا في 14 أكتوبر أنّ عدد النازحين من سكان غزة قد بلغ مليون نازح.
وقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في اليوم الثامن من بدء القتال 2215 شهيدًا، و8714 جريحًا في غزة و54 شهيدًا وأكثر من 1100 جريح في الضفة، والأعداد آخذة في الزيادة، وقد أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه استخدم أربعة آلاف طن من المتفجرات في ستة آلاف قنبلة في غاراته على غزة في غضون ستة أيام، بل نجد الجيش الإسرائيلي ينذر مليون ومائة ألف من سكان غزة النزوح إلى جنوب وادي غزة خلال 24 ساعة لقصف بيوتهم وأحيائهم، وهذا التهجير القسري جريمة حرب تستهدف منه تصفية القضية الفلسطينية، وهذا مارفضه الفلسطينيون وسائر الدول العربية، ولابد أن تتصدى له الأمم المتحدة بقوة وتوقفه بحزم، وليس الاكتفاء بمطالبتها إلغاء هذا القرار دون أن تتخذ خطوات عملية بإجبار إسرائيل على إيقافه، بل نجد فرنسا تُصدر قانون يُحرِّم التظاهر لصالح الفلسطينيين
كما نجد وزير الأمن القومي الإسرائيلي يُسلِّح المستوطنين لقتل الفلسطينيين، وأمام هذا كله نجد صمتًا من المجتمع الدولي، بل نجد تأييدًا من الولايات المتحدة وبريطانيا ,وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بصورة خاصة لما تقوم به إسرائيل من انتهاكات للقانون الدولي وقتل وتدمير، واستخدام القنابل الفسفورية البيضاء المُحرّمة دوليًا، وتزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر، بدعوى حقها في الدفاع عن نفسها، مع أنّ القانون الدولي لا يعطي دولة الاحتلال هذا الحق ، ولم نسمع أصواتًا تطالب بإعطاء الشعب الفلسطيني حق الدفاع عن نفسه من الغاصب المحتل الذي يُمارس ضده القتل والإرهاب والتعذيب والسجن والتدمير على مدى 75 عامًا، كما لم نسمع صوتًا من المجتمع الدولي يُطالب فرض عقوبات على إسرائيل، طوال هذه السنين ، وتوجيه تهم جرائم حرب لنتنياهو ووزير دفاعه على ما قاما ويقومان به في غزة الآن، ومطالبة محاكمتهما في المحكمة الدولية، عكس ما تم اتخاذه تجاه روسيا عند قيامها بعمليتها العسكرية ضد أوكرانيا، مع أنّ روسيا قاتلت جيشًا مدعمًا بأسلحة لا حصر لها من الدول الغربية حتى نفذت مخازن أسلحتهم من السلاح والمعدات والذخائر، بينما إسرائيل أعلنت الحرب على شعب أعزل أحتلته، وأنهكه حصارها له على مدى 16 عامًا، وكأنّ الأوكرانيين بشر، والفلسطينيون حيوانات بشرية، كما وصفهم وزير الدفاع الإسرائيلي حين إعلانه حصار غزة بقطع المياه والكهرباء والوقود والطعام والدواء والاتصالات عن غزة.
إنّ هذه الأحداث أكدّت أنّ إسرائيل دولة عدائية انتقامية لا أمان لها، ولن تتنازل عن تنفيذ مخططها بإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وسعيها للتطبيع مع الدول العربية للتمكّن من السيطرة على اقتصادها، ومن ثم الانقضاض عليها، ونهب خيراتها واستعباد شعوبها، وهذا ما نصّت عليه برتوكولاتهم، وعندئذ نجد الدول الغربية ستقف إلى جانبها تحت ذريعة حقها في الدفاع عن نفسها، فأحداث غزة الآن أثبتت انحياز الولايات المتحدة الكامل لإسرائيل، كما أسقطت القناع الغربي المتشدق بحماية حقوق الإنسان؛ إذ تبيّن أنّ هذا التشدق ما هو إلّا ذريعة للتدخل في شؤون الدول العربية ودول العالم الثالث لبسط نفوذه عليهم، امّا الإنسان الحريصون على حقوقه هو الإنسان الأبيض الذي يمثله الإنسان الغربي المتحضّر بمن فيه الإسرائيلي؛ إذ يعتبرونه غربي متحضِّر، وهذا ما تنص عليه المناهج الدراسية الإسرائيلية، وهذا إقرار منهم أنّ فلسطين ليست وطنهم فما الذي أتى بهم إليها؟