د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في صفحة الرأي بتاريخ 21 يونيه 2023م
الآثار النبوية في المدينتيْن المقدستيْن (مكة المكرمة والمدينة المنورة) تشهد اهتمامًا كبيرًا من الهيئة السعودية للسياحة للحفاظ على ما تبقى منها؛ إذ اندثر بعضها بحكم الزمن، وبعضها الثاني أُزيل ودخل في توسعة الحرميْن الشريفيْن، وبعضها الثالث أُزيل من قبل بعض المتطرفين الذين زعموا أنّ الإبقاء عليها نوع من الشرك، والغلو في الإطراء بالنبي صلى الله عليه وسلّم، وبعضها الرابع لا يزال قائمًا فهي سجل حي لتاريخ السيرة النبوية وتكوين الدولة الإسلامية الأولى، وسأبدأ بالآثار النبوية في مكة المكرّمة، وفي مقدمتها:
- المسجد الحرام في مكة المكرمة الذي يضم الكعبة المشرفة والحجر الأسود وزمزم والصفا والمروة، ومقام سيدنا إبراهيم الذي ورد ذكره في قوله تعالى: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾[آل عمران: من الآية 97]، وقوله:(وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)[البقرة: 126]وهو الحِجْر الذي كان يقوم عليه إبراهيم علية السلام لبناء البيت الحرام، كما يوجد في المسجد الحرام الركن الأسود والركن اليماني والركن الشامي والركن العراقي. وقد ورد في الحديث الصحيح أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال:” الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة”.
- 2. مسجد الجن: وهو من المساجد التاريخية القديمة المعروفة بمكة ويقع بأعلى مكة أمام مقبرة المعلاة الجنوبية. ويعرف هذا المسجد عند أهل مكة بمسجد(الحرس) وسمي بهذا الاسم لأنّ صاحب الحرس كان يطوف بمكة حتى إذا انتهى إليه وقف عنده ولم يتجاوزه حتى توافى عنده وحرسه، ويقال إنّه يقع في موضوع الخط الذي خط رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود في الليلة التي استمع إليه فيها الجن، كما عُرف أيضًا بمسجد البيعة لما يُروى أنّ الجن بايعوا عليه الصلاة والسلام في ذلك الموضع. وفي هذا المكان نزلت سورة الجن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ على الجن ربعًا من القرآن الكريم، وبذلك سمي مسجد الجن.
- 3. مسجد الراية:من المساجد الأثرية القديمة بمكة يقع بأعلاها عند الردم الأعلى عند بئر جبير بين مطعم بن عدي المعروفة بالبئر العليا. وسمي بهذا الاسم لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وقف مع الجيش، ووضع الراية وصلى هناك عندما عزم على فتح مكة في سنة 8ه، ووصل إلى أعلى مكة عند بئر جبير.
- مسجد التنعيم :يقع في الشمال الغربي من مكة ويبعد عن المسجد الحرام حوالي 6148 متر، وقد أحرم النبي عليه الصلاة والسلام من موضعه فبني في هذا المكان مسجد التنعيم، ومسجد عائشة ويعرف في الوقت الحالي بمسجد العمرة وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام عبد الرحمن بن أبي بكر أن يذهب بأخته عائشة رضي الله عنها إلى التنعيم لتحرم بعمرة منه. وكل من يريد العمرة بإمكانه أن يأتي التنعيم ويحرم منه.
- مسجد الحديبية:تعرف منطقة الحديبية في الوقت الحاضر بـ (الشمـيسي) وتبعد عن المسجد الحرام بحوالى25 كلم. وسميت الحديبية ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها. وقد بني في المكان الذي اعتمر منه النبي عليه الصلاة والسلام مسجدًا ويعتبر من الآثار الإسلامية المهمة وبني إلى جانبه مسجد حديث يشاهدهُ الذاهب إلى مكة على يمينه.
- مسجد الجعرانة:تعتبر الجعرانة اليوم قرية صغيرة في صدر وادي سرف فيها مسجد يعتمر منه أهل مكة وتربطها بمكة طريق معبدة. وكان النبي عليه الصلاة والسلام اعتمر منها بعد يوم الطائف، ثم خرج منها ليلًا ثم أتى بالعمرة وعاد من ليلته. وفي المكان الذي أحرم منه النبي صلى الله عليه وسلم بني فيه مسجد يعرف بمسجد الجعرانة وقد رمم عدة مرات ووسع.
- مقبرة(المعلاة):وهي تضم قبور كثير من الصحابة، وتقع المقبرة في الشمال الشرقي من مكة المكرمة على شارع الحجون على الجهة اليمنى للقادم إلى المسجد الحرام وعلى الجهة اليسرى للذاهب إلى المعابدة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها وقد روي ابن عباس رضي الله عنهما أنّ قال لمقبرة مكة عليه الصلاة والسلام “نعم المقبرة هذه”. ومن أشهر الصحابة رضوان الله عليهم المدفونين بالمعلاة: السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها وعبد الله بن الزبير بن العوام ، وأمّه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما وغيرهم من الصحابة والتابعين وأهل الفضل والدين الذين يصعب حصرهم وعدهم.
- جبل حراء أو جبل النور:ويعرف الآن عند أهل مكة بجبل النور، وهو على يسار الذاهب من مكة إلى منى، ويبلغ ارتفاعه 634 مترًا. ويقع في هذا الجبل غار حراء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه ويعتكف قبل أن ينزل عليه الوحي إلى أن جاءه الملك جبريل ونزل عليه قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾(العلق:1)، وما زال الغار قائماً الآن وهو عبارة عن فجوة بابها نحو الشمال تسع نحو خمسة أشخاص جلوسا وارتفاعه قامة متوسطة، والواقف على هذا الجبل يرى مكة وأبنيتها كما يرى جبل ثور.
- جيل ثور:يقع من جهة المسفلة على طريق اليمن ويبلغ ارتفاعه 759 مترًا ويبعد هذا الجبل عن المسجد الحرام بثلاث كيلومترات، وفي هذا الجبل الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رفيقه أبي بكر رضي الله عنه، ومساحة الغار تقدر بمترين مربعين. والغار يقع فوق جبل ثور وباب الغار يكون في أعلاه لا في جانبه.
- شعب أبي طالب: يقع قرب المسجد الحرام خلف الصفا والمروة وكان فيه منازل بني هاشم ومساكنهم وقد وقع في هذا الشعب حدث تاريخي مهم وهو حصار قريش لبني هاشم من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين الذين أمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام وعندما رأوا إصرار أبي طالب على حماية النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه فاجتمعت قريش في دار الندوة وقرروا مقاطعتهم وحصارهم في شعب أبي طالب بحيث لا يجالسون ولا يكلمون ولا يبايعون ولا ينكحون حتى يموتوا جوعًا أو يرجع محمد صلى الله عليه وسلم عن دعوته.
الآثار النبوية في المدينة المنورة التي لا تزال قائمة حتى الآن:
- المسجد النبوي الشريف الذي به الحجرة النبوية ( حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها حيث توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ودفن فيها ، ودفن فيها أيضًا صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وكذلك الروضة الشريفة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم” ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة”
- مسجد قباء أول مسجد أُسس على التقوى.
- مسجد الجمعة الذي صليت فيه أول جمعة أُقيمت في المدينة المنورة، فعندما خرج النبي صلى عليه وسلم من قباء متوجهًا إلى المدينة المنورة أدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في بطن الوادي، وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة فبنى المسجد حيث صلى الله النبي عليه الصلاة والسلام ويبعد مسجد الجمعة عن مسجد قباء حوالي 500م وعن المدينة نحو 2500 م.
- مسجد القبلتين ، وهو المسجد الذي نزلت فيه على الرسول صلى الله عليه وسلم آية تغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾[البقرة: 144]
- مسجد الغمامة سُمي بالغمامة لما يقال من أنّ غمامة حجبت الشمس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما صلى صلاة الاستسقاء في المسجد وقال: “هذا مجمعنا ومستمطرنا ومدعانا لعيدنا، لفطرنا وأضحانا، فلا تبنى فيه لبنة ولا خيمة”، فبعد دعاء الاستسقاء ظللته الغمامة، ونزل المطر إجابة لدعائه، وسمي بذلك مسجد الغمامة.
- مسجد الإجابة : سمي بهذا الاسم لحادثة رواها مسلم في صحيحه حيث قال: روي أنّ رسول الله ﷺ أقبل ذات يوم من العالية حتى مرّ بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربّه طويلاً، ثم انصرف إلينا، فقال: سألت ربّي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالسّنة(انقطاع المطر) فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالفرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.
كما سمي بمسجد المباهلة: وقال ابن هشام: قيل إنّ المباهلة بين النبي ﷺ، ووفد نصارى نجران وقعت في هذا المسجد، فسمي بمسجد المباهلة. كما سُمي بمسجد بني معاوية وهو لبني معاوية بن مالك بن عوف من الأوس.
- المساجد السبعة: وهي من أهم المعالم التي يزورها القادمون إلى المدينة المنورة، وهي مجموعة مساجد صغيرة عددها الحقيقي ستة، وليست سبعة، ولكنها اشتهرت بهذا الاسم، نظرًا لإضافة البعض مسجد القبلتين ضمن هذه المساجد، وذلك لأنّ من يزورها يزور ذلك المسجد أيضًا في نفس الرحلة فيصبح عددها سبعة. وتقع هذه المساجد الصغيرة في الجهة الغربية من جبل سلع عند جزء من الخندق الذي حفره المسلمون في عهد النبوة للدفاع عن المدينة المنورة عندما زحفت إليها قريش والقبائل المتحالفة معها سنة 5 ه. ويروى أنّها كانت مواقع مرابطة ومراقبة في تلك الموقعة، وقد سمي كل مسجد باسم من رابط فيه، عدا مسجد الفتح الذي بني في موقع قبة ضربت لرسول الل، وهو أكبر المساجد السبعة، مبني فوق رابية في السفح الغربي لجبل سلع، ومسجد سلمان الفارسي صاحب فكرة حفر الخندق لتحصين المدينة من الأحزاب يقع جنوبي مسجد الفتح مباشرة. ومساجد أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، علي بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء رضي الله عنهم.
ومن الأماكن الأثرية المهمة في المدينة المنورة
- جبل أحد وهو من أشهر الجبال وأهمها يقع شمال غربي المدينة ويبعد عنها حوالي أربع كيلومترات. وفيه وقعت المعركة الشهيرة التي استشهد فيها سبعون من الصحابة وعلى رأسهم سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنّه قال:”هذا جبل يحبنا ونحبه”
- مقبرة البقيع:تقع في الجهة الجنوبية الشرقية للمسجد النبوي الشريف. وللبقيع أهمية عظيمة عند المسلمين تضم كثيرًا من الصحابة وآل البيت الكرام والتابعين، فدفن فيه بنات النبي عليه الصلاة والسلام وزوجاته ما عدا خديجة وميمونة رضي الله عنهما .
وأشهر الآبار الأثرية الباقية بالمدينة المنورة : بئر غرس:تقع شرق مسجد قباء. روى أنّ النبي (ص) قال:”إذا أنا مت فاغسلوني من بئر غرس”، وبئر رومن:وتعرف ببئر عثمان لأنّ عثمان رضي الله عنه اشتراها وجعلها وقفًا لله وتقع شمال مسجد القبلتين وقد اتخذت سنة 1398هـ مقرًا للوحدة الزراعية وإدارتها العامة. ولا زالت البئر قائمة داخل بستان، وبئر بضاعة يقع شمال غربي المسجد النبوي الشريف إلى جانب سقيفة بني ساعده. وكانت تقع سابقًا في بستان بضاعة، وقد أُزيلت منذ وقت قريبًا بسبب توسعة ميدان الحرم النبوي الشريف، ويبعد محلها عن المسجد الشريف حوالي 500م. وروي أنّه عليه الصلاة والسلام شرب منها وتوضأ، وبئر حاء:كانت لأبي طلحة الأنصاري رضى الله عنه وكانت أحب أمواله إليه، وقد ورد في الصحيح أنّ النبي دخل عليها، وشرب منها وقد أدخلت في نطاق التوسعة الشمالية للمسجد النبوي الشريف.
هذه بعض الآثار النبوية الباقية في المدينتيْن المقدستيْن.
البريد الالكتروني : suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/843709/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-2030