د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 27 إبريل 2030م
يُعد البحث العلمي من أبرز العناصر التي تعوّل عليها «رؤية المملكة 2030» الهادفة إلى تطوير الاقتصاد وتنويعه وتخفيف الاعتماد على النفط والتحوُّل إلى الاقتصاد المعرفي. وعلى الرغم من حداثة عهد البحث العلمي في المملكة مقارنة ببعض دول العالم، فإنّه خطا خلال السنوات القليلة الماضية خطوات كبيرة، وضعته في الصف الأول إقليميًا وفي الصفوف الأولى عالميًا ، وتهدف رؤية 2030 إلى زيادة القدرة التنافسيّة للمملكة وتصنيفات جامعاتها، مما يظهر أهميّة دعم قطاع البحث والتطوير في السعودية. حيث يُعد مجال البحث العلمي والتطوير التقني من الأدوات المهمة التي سوف تسهم في تنفيذ رؤية المملكة العربية السعودية 2030. ويرتبطان بالتنافسية والإنتاجية والاستدامة، ويعتمدان بشكل رئيس على القدرات البشرية، وقد ظهر الاهتمام بالبحث العلمي في المملكة بظهور الجامعات الحديثة قبل نحو نصف قرن، غير أنّه بعد مسيرة كانت بطيئة في بداياتها، هذا وقد نصّت «اللائحة الموحَّدة للبحث العلمي في الجامعات» الصادرة عام 1419هـ، على إنشاء عمادة باسم «عمادة البحث العلمي» في كل جامعة سعودية، وأن تكون أهداف البحوث التي تُجرى في الجامعات إثراء المعارف والعلوم في جميع المجالات المفيدة، وعلى وجه الخصوص فيما يأتي:
- إبراز المنهج الإسلامي ومنجزاته في تاريخ الحضارة والعلوم الإنسانية.
- جمع التراث العربي والإسلامي والعناية به وفهرسته وتحقيقه وتيسيره للباحثين.
- تقديم المشورة العلمية وتطوير الحلول العلمية والعملية للمشكلات التي تواجه المجتمع من خلال الأبحاث والدراسات التي تطلب إعدادها جهات حكومية أو أهلية.
- نقل وتوطين التقنية الحديثة، والمشاركة في تطويرها وتطويعها لتلائم الظروف المحلية لخدمة أغراض التنمية.
- ربط البحث العلمي بأهداف الجامعة وخطط التنمية، وتلافي الازدواجية والتكرار، والاستفادة من الدراسات السابقة.
- تنمية جيل من الباحثين السعوديين وتدريبهم على إجراء البحوث الأصيلة ذات المستوى الرفيع، وذلك عن طريق إشراك طلاب الدراسات العليا والمعيدين والمحاضرين ومساعدي الباحثين في تنفيذ البحوث العلمية.
- الارتقاء بمستوى التعليم الجامعي والدراسات العليا.
ودعت اللائحة إلى نشر نتائج البحث العلمي في أوعية النشر المحلية والدولية، والتعاون مع الهيئات البحثية داخل المملكة وخارجها عن طريق تبادل المعارف والخبرات، وتوفير وسائل الاتصالات الحديثة والإصدارات العلمية من دوريات وكتب وغيرها.
هذا ويوجد بالمملكة أكثر من 88 مركزًا بحثيًا متنوعًا يشمل النظم الهندسية المركبة (CCES) والفضاء والطيران (CEAA)وتقنية النانو الحيوية (JCIN)والمواد المتقدّمة والتصنيع CAMM وتقنية النانو الخضراء CEGNوالبتروكيماويات KOPRCوتطبيقات الاتصالات CETA، والمواد النانوية لتطبيقات الطاقة النظيفة CENCE، والموروثيات المشترك CE، والطب النانوي CE، وبحوث المياه والطاقة، ولتقنية البناء والتشييد، و للفيزياء التطبيقية، وتقنية الاتصالات وأمن المعلومات، والإلكترونيات والضوئيات ، وبحوث الأحياء والبيئة، والتقنية الزراعية والدوائية، ومعهد بحوث الفضاء، ومعهد بحوث العلوم النووية، ومعهد بحوث الطاقة الذرية، ويهدف هذا المعهد تسخير وتطوير التقنية النووية لخدمة التنمية الزراعية والصناعية والصحية والبحثية والاقتصادية والأمنية والوقائية في السعودية مع مراعاة حماية الإنسان والبيئة من أخطار الإشعاعات المؤينة. تأسس كإدارة للطاقة الذرية في السعودية عام 1979م وتغير اسمه إلى معهد بحوث الطاقة الذرية عام 1408هـ، مركز بحوث الطب والعلوم الطبیة، ومركز بحوث العلوم الهندسية والمعمارية، وبحوث العلوم الصيدلانية، وبحوث العلوم الاجتماعية، وبحوث اللغة العربية وآدابها، وبحوث الدراسات الإسلامية، وبحوث التعليم الإسلامي، والبحوث التربوية والنفسية، وبحوث الحج والعمرة، ومركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.
وتحقيقًا لرؤية المملكة العربية السعودية 2030، وبرنامج التحول الوطني، أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 9317 تاريخ 19-02-1437هــ، بشأن قيام الجامعات بالعمل على إنشاء صناديق لدعم البحث العلمي تمول من الأفراد – من خريجي الجامعات وغيرهم، والشركات، وزيادة التواصل مع القطاع الخاص لتشجيعه على تمويل البحث العلمي من خلال مراكز التميز وكراسي البحث العلمي، ومن هذه الصناديق: صندوق جامعة الملك سعود، ومكتب رعاية الأبحاث بجامعة الملك عبد الله.
ونتيجة لهذا الدعم المالي وتنوع وكثرة مراكز ومعاهد الأبحاث التي قاربت من المائة مركزًا ومعهدًا حقّقت الجامعات السعودية قفزة علمية متميزة في مجال البحث العلمي مما مكَّنها من تربع هرم التميز البحثي بين الدول العربية خاصة ممن سبقتها في هذا المجال بسنوات، ووضع عدد من الباحثين في الجامعات السعودية في قائمة أفضل 2 % من الباحثين على مستوى العالم والذي تصدره جامعة ستانفورد. ولم تحتوي هذه القائمة فقط على باحثين من الجامعات السعودية الكبرى، بل تزينت كذلك بأسماء باحثين من جامعات سعودية ناشئةـ، وممن مكّنها من تحقيق هذه القفزة اتخاذها بعض الخطوات، منها :
- التعاقد مع من يملك رصيدًا جيدًا من النشر العلمي حتى يستمر بنفس العطاء .
- ابتعاث عدد من المعيدين إلى أميز الجامعات العالمية حتى يعودوا بإمكانيات عالية تمكنهم من مواصلة البحث العلمي المميز.
- تجهيز المعامل بتلك الجامعات بآخر التقنيات لتواكب هذا التميز البحثي.
- تمويل سخي لعدد كبير من الأبحاث. ليس هذا فحسب ولكن عددًا من الجامعات السعودية تصرف مكافآت للنشر في المجلات عالية التأثير. ومع الصعوبة البالغة في النشر في مثل هذه المجلات إلا أنّ أسماء الجامعات السعودية بدأت تتزايد على عناوين أبحاث تلك المجلات. هذا الأمر.
ونتيجة لهذه الجهود في مجال البحث العلمي ودعمه المادي والمالي والمعنوي تقدّمت المملكة لتحتل المرتبة ال23 عالميًا من بين (92) بلدًا للعام 2017، وذلك طبقًا للأرقام الصادرة من مكتب براءات الاختراع الأمريكي التابع لوزارة التجارة الأمريكية والمرتبط بمكتبي الاختراعات الأوروبي والياباني (USPTO)، حيث وصل عدد براءات الاختراع السعودية في 2017 إلى 664 براءة اختراع، وفي عام 2016، سجلت 517 براءة ، في عام 2015، سجلت 409 براءة.
وقد حقق قطاع الأبحاث والتطوير في المملكة العربيّة السعوديّة تقدمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة وهو يتمتع ببعض نقاط القوة الواضحة للغاية، ومن ذلك على سبيل المثال:في عام 2015، نشرت المملكة العربيّة السعوديّة أكثر من 47000 ورقة علمية ما بين 2013-2015. وقامت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، إحدى الجهات الفاعلة الرئيسيّة في النظام الإيكولوجي، بتنفيذ الخطة الوطنيّة للعلوم والتقنية والابتكار، هذه الخطة موّلت أكثر من 1,852 مشروعًا في العلوم والتقنية، وقدمت دعم للمشاريع يقدر بأكثر من 3.2 مليار ريال سعودي لمشاريع متخصصة في العلوم والتقنية. بينما تمتلك جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وقفًا بقيمة 20 مليار دولار، مما سمح بإنشاء مراكز متخصصة وشراكات صناعيّة وارتفاع معدلات ترخيص البراءات وتسويق المنتجات؛ وجذب أفضل المواهب في جميع أنحاء المملكة العربيّة السعوديّة إلى مراكزها البحثيّة التي يبلغ عددها 10 مراكز. وأنشأت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن شراكة بحثيّة مع معهد ماساتشوستس للتقنية، مما أنتج في الفترة ما بين عام 2008 وعام 2016 أكثر من 530 منشورًا. ونشرت جامعة الملك عبد العزيز 157 مقالة ظهرت في دوريات تحظى باحترام كبير في عام 2016. كما يوجد لدى جامعة الملك عبد العزيز مركز التميز في أبحاث الجينوم الطبي، وهو مركز رائد في مجال أبحاث علم الجينوم الطبي في المنطقة الغربيّة للمملكة العربيّة السعوديّة. وأنشأت جامعة الملك سعود 10 مراكز و4 معاهد تدعم برامجها البحثيّة، وفي عام 2020، صنف مؤشر نيتشر (Nature) جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) في المرتبة 119 من بين 500 مؤسسة أكاديمية على مستوى العالم. هذا التصنيف يضع كاوست في المرتبة الأولى في المملكة العربية السعودية. وكانت «كاوست» قد صنفت مؤشر نيتشر عام 2019، في المرتبة الأولى في المملكة و18 من بين المؤسسات العالمية البارزة في عدد المقالات عالية الجودة المنشورة في مجال العلوم الطبيعية.
وقد ارتفع عدد الجامعات السعودية في التصنيف العالمي للجامعات “شنغهاي” لعام 2022 إلى 7 جامعات سعودية مقارنةً بـ 4 جامعات في عام 2019، حسب آخر نسخة من التصنيف؛ إذ لم يفصلها عن الدخول ضمن أفضل 100 جامعة في العالم سوى 21 مركزًا، فقد حققت الجامعات السعودية مراكز متقدمة، من بينها المركز 121 عالميًا الذي حققته جامعة الملك سعود متصدرةً بذلك الجامعات السعودية، والعربية تلتها جامعة الملك عبدالعزيز التي حلت في المركز 149 عالميًا.وكشف التصنيف عن تقدُّم في مراكز جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وجامعة الطائف وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك خالد منذ دخولها التصنيف، لأول مرة العام 2021، كما دخلت جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز في التصنيف لأول مرة هذا العام.
البريد الاليكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com