د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة 5 يناير 2023م

    التنمية الحضرية إحدى أبرز مظاهر التنمية الشاملة والمستدامة ويتمثل ذلك بزيادة المراكز الحضرية من حيث الحجم والعدد، والبنية التحتية والخدماتية والتطورات الاجتماعية والاقتصادية. ,وقد ظهر مفهوم التنمية الحضرية انطلاقا من النصف الثاني من القرن العشرين في العديد من الدول المتقدمة ، مثل بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا.

وقد قامت هيئة الأمم المتحدة بدور فعال في نشر فكرة التنمية الحضرية على المستوى الدولي الذي بدأ بالمجتمعات الريفية عام  1951م ، وامتد عام 1957 م إلى المجتمعات الحضرية، وكانت التنمية الحضرية والريفية المستدامتين ضمن أهداف وبرامج رؤية المملكة 2030م، والمملكة تسير بخطوات حثيثة في سبيل تحقيقها متخذة عدة مسارات في آن واحد، وسأتحدّث في مقالي هذا عن التنمية الحضرية، ومن المسارات التي اتبعتها المملكة في سبيل تحقيها:

أولًا : القضاء على العشوائيات بالبدء بخطة تطوير الأحياء العشوائية  في مكة المكرمة وجدة والرياض لتوفير حياة كريمة لسكان هذه المناطق وتطوير بعض الاحياء مثل عمليات الهدم في جدة ومكة والتي لا توجد بها بنية تحتية توفر للمواطنين الحياة الكريمة والمناطق الحضارية الملائمة التي تتوافق مع رؤية المملكة 2030 والتي تهدف الى تطوير والارتقاء بحياة المواطن السعودي وتوفير السكن الملائم والمناطق السكنية التي تحتوي على كافة مظاهر الحياة الادمية حيث تفتقد إلى كافة الخدمات الصحية والتعليمية والتنظيمية ومعظم العقارات مخالفة لشروط البناء وآيلة للسقوط وأصبحت تلك المناطق مأوى للجريمة وللخارجين عن القانون بسبب الكثافة السكانية المرتفعة وسوء التنظيم والتخطيط؛ لذا صدر قرار إزالة العشوائيات في الرياض 2022، كما تمّ إزالة (30 ) حيًا عشوائيًا في جدة، كما يعمل البرنامج على تطوير القطاع البلدي، شاملًا أنسنة المدن، وتحسين المشهد الحضري، والارتقاء بالخدمات المقدمة، وذلك بهدف تأمين جودة حياة رفيعة لسكان وزوّار المملكة.

ثانيًا: برنامج مستقبل المدن، وهو عبارة عن برنامج تعاون بين وزارة الشؤون البلدية والقروية وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، قد تم تنفيذه بالتعاون الوثيق مع أمانات 17 مدينة سعودية رئيسية تم اختيارها بناء على أحجامها السكانية المختلفة وتوزيعها الجغرافي، إلى جانب مجموعة من المعايير المعتمدة على القدرات والإمكانيات الاقتصادية لخلق تنمية إقليمية أكثر توازنًا بين مدن المملكة العربية السعودية   من جميع مناطق المملكة، كالرياض مكة المكرمة، المدينة المنورة، جدة، الطائف، الدمام، القطيف، الأحساء، أبها، نجران، جازان، حائل، عرعر، الباحة، بريدة، سكاكا. ولقد أجريت العديد من المراجعات على مستوى تلك المدن، مع تحليل تفصیلي ومتعمق لخمس مدن باعتبارها تمثل عينة نموذجية للمدن السعودية، حيث نظرت هذه المراجعات في الروابط بين التخطيط الحضري والتخطيط الإقليمي من خلال فحص المدينة داخل منطقتها الفرعية، ودراسة بعض القضايا المحددة على مستوى المجاورات السكنية.

ثالثًا: الاهتمام باقتصاد المدن؛ إذ يشكل اقتصاد المدن 70 % من إجمال الناتج العالمي تقريبًا، ومع إدراك البلاد للدور الاقتصادي الهام الذي تشكّله المدن، قامت العديد من الحكومات المحلية والإقليمية حول العالم بوضع خطط تهدف لتحويل المدن إلى مراكز حضرية لها طاقة إنتاجية وتنافسية أكبر، عبر تقديم بيئة ملائمة للعملاء، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف لجذب استثمارات ضخمة وتنشيط حركة الأعمال.

وباعتبار المملكة دولة نفطية، فقد اعتمدت في تطوير بنيتها التحتية على الاقتصاد النفطي الذي ازدهر بقوة خلال العقود القليلة الماضية، ممّا أدى إلى تطوير ونمو كبيرين لمراكزها الحضرية الرئيسية. وقد أدت هذه الظاهرة إلى زيادة نسبة السكان في المناطق الحضرية بمقدار 4 أضعاف منذ عام 1950. حيث زادت نسبتهم في المناطق الحضرية لتصل إلى 83.1% اليوم، مقارنة بنسبة 21.3% فقط عام 1950. الأمر الذي يجعل المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر الاقتصادات المتحولة للتمدّن، بتجمعات سكانية حضرية تتجاوز 80% من أصل مجموع سكانها.[ http://www.ksclg.org/publication-project/english-saudi-cities-the-key-to-our-future-economy/]

  كما أنّ هناك بعض المدن الكبيرة مثل الرياض، وجدة، والدمام ومكة المكرمة، تضم كثافة سكانية كبيرة مستدامة (سواء من المواطنين أو العمالة الوافدة). وتشارك هذه البلدان بنسبة كبيرة من إجمالي الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية، كما تُعد أسواقًا كبيرة للسلع والخدمات. ووفقًا للتقرير الذي أصدره اقتصاديو جامعة أكسفورد “المدن العالمية 2030″، والذي يتوقع الاتجاهات الاقتصادية العالمية والفرص السوقية في 750 مدينة الأكبر عالميًا، حلّت الرياض وجدة في المراكز 19 و 47 بالترتيب، من بين أكبر 50 مدينة متوقع لها أن تشهد الزيادة الأكبر في الكثافة السكانية وإجمالي الناتج المحلي على حد سواء.

رابعًا: إنشاء مراكز تجارية وسكنية وسط المدينة “داون تاون” في 12 مدينة داخل المملكة، بهدف تحريك البيئة التجارية في مدن السعودية، عبر توفير أنشطة متنوعة ومرافق خاصة للتدريب والتطوير في تلك المراكز، بناءً على مكتسبات كل مدينة في المملكة، سواء في الأنشطة الصناعية أو الزراعية أو التراثية، ويترتب على هذا إعادة عمران المناطق القديمة في أواسط المدن مع الحفاظ على المباني الأثرية بترميمها ويأتي هذا في الوقت الذي تشهد فيه السعودية حراكًا اقتصاديًا ضخمًا بفضل إطلاق العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية الكبرى في مختلف المناطق، مع تأسيس المزيد من الهيئات الملكية والتطويرية لعديد من المدن في المملكة، والتي ساهمت في حوكمة أعمال التطوير وتسريع وتيرة إنجاز المشاريع مع رفع كفاءة العاملين فيها.

خامسًا:إنشاء المدن الذكية، كشف الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، النقاب عن خطط “ذي لاين” في يناير/كانون الثاني 2021، وهو أول مشروع إنشائي لمنطقة الأعمال نيوم بتكلفة 500 مليار دولار بهدف تنويع اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم.كشف الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، النقاب عن خطط “ذي لاين” في يناير/كانون الثاني 2021، وهو أول مشروع إنشائي لمنطقة الأعمال نيوم بتكلفة 500 مليار دولار بهدف تنويع اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم.فقد كشف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، النقاب عن خطط “ذي لاين” في يناير/كانون الثاني 2021، وهو أول مشروع إنشائي لمنطقة الأعمال نيوم بتكلفة 500 مليار دولار بهدف تنويع اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم.وأعلن بن سلمان خلال عرض تقديمي في جدة في 25 يوليو/تموز، عن تصاميم المدينة التي “ستُبنى وفقًا لأحدث تقنيات البناء وعمليات التصنيع من قبل معماريين ومهندسين عالميين، وتستهدف تحقيق مثالية العيش، وتعالج التحديات الملحة التي تواجه البشرية”.

وتأتي تصاميم “ذي لاين” انعكاسًا لما ستكون عليه المجتمعات الحضرية مستقبلًا في بيئة خالية من الشوارع والسيارات والانبعاثات، وتسهم في المحافظة على 95% من أراضي نيوم للطبيعة، وتعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100%، لجعل صحة الإنسان ورفاهيته أولوية مطلقة بدلًا من أولوية النقل والبنية التحتية كما في المدن التقليدية.

سادسًا : إنشاء 7 مدن جديدة تمر المملكة العربية السعودية بمرحلة من التحول تستهدف تقليل الاعتماد على النفط والذي استمر لأكثر من نصف قرن مصدرًا رئيسيًا للدخل، مستغلة بذلك مواردها الطبيعية الوفيرة في الاستعداد لعصر ما بعد النفط.

وتقوم السعودية بتحويل آلاف الكيلومترات المربعة من الرمال إلى مدن جديدة، حيث تسعى إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط وخلق فرص عمل وتعزيز الاستثمار.وتشمل قائمة هذه المشاريع ما يلي:

  1. مشروع البحر الأحمر السياحي العالمي الذي أطلقه ولي العهد  والذي سيقام على أحد أكثر المواقع الطبيعية جمالًا وتنوعًا في العالم، بالتعاون مع أهم وأكبر الشركات العالمية في قطاع الضيافة والفندقة، لتطوير منتجعات سياحية استثنائية على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي أملج والوجه ،ويشكل مشروع “البحر الأحمر” تجسيدًا عمليًا لأحد محاور رؤية 2030، سيقام على عدد من الجزر والمواقع الجبلية والشواطئ، ليصبح وجهة رائدة لسياحة الاستجمام والأنشطة والمغامرات.
  2. مشروع الفيصلية يقع في الجهة الغربية من مكة المكرمة، ويحتوي على وحدات سكنية ومرافق ترفيهية ومطار وميناء بحري، ويقع على مساحة 2450 كم2، أي ما يقرب من حجم مدينة موسكو.
  3. مدينة القدية وستكون أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية في المملكة، جنوب غرب الرياض.وسيتم تطوير المشروع على 334 كيلومترًا مربعًا، وسوف تشمل منطقة سفاري ومتنزه “سيكس فلاجس” الترفيهي، ويعتبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي هو المستثمر الرئيسي إلى جانب مستثمرين محليين ودوليين. إنّ تأسيس القدية وتعزيز مكانتها كواجهة سياحية عالمية تدعم رؤية المملكة  2030 لجذب السياحة المحلية والإقليمية والدولية باعتبارها مساهمًا رئيسيًا في تنويع مصادر الدخل الوطني غير النفطي.
  4. مدينة الملك عبد الله الاقتصادية تعد أول مدينة ذات ملكية خاصة في السعودية، حيث يجري تطويرها من قبل شركة إعمار المدينة الاقتصادية، وهي شركة ذات ملكية مشتركة بين الحكومة وأكبر شركة عقارية في دبي “إعمار” العقارية.ويغطي المشروع منطقة في مساحة بروكسل، واستقطب المشروع 7.9 مليار دولار من الاستثمارات، وحصل على ما يكفي من النقد والائتمان لتمويل إنفاقه المخطط له خلال العقد المقبل.ويشمل المشروع ميناء عميقًا، ومركزًا لوجستيًا تبلغ مساحته 55 كم، ومركزا رياضيًا وترفيهيًا، وأكثر من 6500 عقار سكني.
  5. مركز الملك عبد الله المالي الذي سيكون منطقة معفاة من التأشيرات، وترتبط بقطار مباشرة مع المطار، وستشكل محورًا لصناعة خدمات المال والأعمال في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط، ومقرًا لأكبر الشركات العالمية، وأقيم على مساحة 1.6 مليون م2 شمال الرياض، لتحتضن العاصمة أكبر صرح مالي بمنطقة الشرق الأوسط يضاهي نظراءه بالعالم، وفي مقدمتهم “مركز لندن كناري وارف المالي” الذي أنشئ على مساحة 345 ألف متر مربع. وصمّم المركز كمنظومة اقتصادية متكاملة تضم 127 برجًا استثماريًا، منها برج للمقر الرئيس لهيئة السوق المالية على ارتفاع 385 مترًا، ومقر للسوق، ويسعى مركز الملك عبدالله المالي من خلال إنشاء “الأكاديمية المالية” إلى تلبية حاجة الطلب المحلي والعالمي على المؤهلين في المجالات المالية وإدارة الاستثمارات الحديثة.
  6. مدينة المعرفة الاقتصادية تقع داخل منطقة المدينة المنورة، حيث تبعد 5 كيلومترات فقط عن المسجد النبوي الشريف، و8 كيلومترات من مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي. وتمتد على مسافة 3.5 كيلومتر على جانبي طريق الملك عبدالعزيز، وربطت بمحطة قطار الحرمين، مما يسمح بالوصول إلى مدينتي جدة ومكة المكرمة في أقل من ساعتين. تكمن فرص الاستثمار بمدينة المعرفة قطاعات عديدة مثل: التعليم، الضيافة، السياحة، السكن، الرعاية الصحية وقطاعات تجارية، لتلبي احتياجات سكان المدينة المنورة، عدد سكانها أكثر من مليون نسمة،(وكذلك الزائرين) والمقدر عددهم بأكثر من 10 ملايين زائر سنويًا.
  7. مدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد الاقتصادية، وتقع بين المنطقة الوسطى ومنطقة الحدود الشمالية، وتبعد 8 كيلومترات من مدينة حائل، ويمكن الوصول لها بالطيران من 11 عاصمة عربية في حدود الساعة.تستهدف المدينة تطوير 156كم2 من الأراضي في حائل، فضلًا عن مدينة سكنية، وسوف يتم ربط المدينة مع المنطقة الشرقية وكبرى المدن السعودية والخليجية عبر طريق بري سريع وخط السكة الحديد الذي يربط الشمال والجنوب.

وبعد هذا ملخص مشاريع التنمية الحضرية المستدامة طبقًا لرؤية المملكة 2030 باكتمالها إن شاء الله ستصبح المملكة في مصاف الدول المتقدمة .

البريد الالكتروني : suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/821931/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-2030

Leave a Reply