د. سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في 27 أكتوبر 2022م
ممّا لا شك فيه أنّ التقدّم الصناعي سيساعد في تعزيز سيادة الدولة على أراضيها مع تحقيق الاستقلال الاقتصادي والسياسي بعيدًا عن التبعية للخارج وإملاءاته المترتبة على استيراد السلاح وقطع غياراته، والسلع الرئيسة والتكنولوجيا، إضافة إلى تحقيق الازدهار الاقتصادي للدولة عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي وتدعيم الناتج المحلي الإجمالي مما يؤدي إلى زيادة ثروة ورفاهية الشعب السعودي والمُقيمين على أرض المملكة العربية السعودية، وتوفير فرص عمل ووظائف في العديد من المجالات مما يؤدي إلى حل مشكلة البطالة والفقر ورفع مستوى المعيشة، وتوفير المنتجات المصنعة محليًا وبأسعار مناسبة للمواطنين. كما تسهم الصناعة في تطوير كثير من القطاعات الأخرى عن طريق المنتجات التي تقدمها لخدمة هذه القطاعات مثل: الزراعة، التجارة، النقل، التعليم، السياحة، كما أن الصناعة تقلص الاستيراد من الخارج، الأمر الذي يؤدي إلى خفض الضغوط على الموازنة العامة للدولة وتحسين ميزان المدفوعات، وفي الوقت ذاته سيؤدي إلى إمكانية التصدير، وهذا يترتب عليه زيادة حصيلة الموازنة العامة من العملات الأجنبية؛ لذلك فإنّ 18 أكتوبر 2022 م تاريخ يُحفر في ذاكرة كل سعودي وسعودية، ففيه اطلق ولي العهد ، ورئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الاستراتيجية الوطنية للصناعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان الاستراتيجية الوطنية للصناعة السعودية الهادفة إلى تحويل اقتصاد المملكة من اقتصاد نفطي في مجمله إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030؛ إذ يعد القطاع الصناعي أحد مرتكزات رؤية السعودية 2030، ويحظى باهتمام كبير من القيادة، فأُنشئت وزارة مستقلة للصناعة والثروة المعدنية للاهتمام بهذيْن القطاعيْن، وعدد من البرامج والكيانات الأخرى، مما نتج عنه مضاعفة عدد المنشآت الصناعية التي لم يكن يتجاوز عددها 7,206 مصانع أنشئت خلال 42 عامًا، ليقفز عددها بعد انطلاق الرؤية بأكثر من 50% ليصل إلى 10,640 منشأة صناعية في عام 2022. وستعمل الاستراتيجية الوطنية للصناعة على دفع عجلة النمو في القطاع لتصل أعداد المصانع إلى نحو 36,000 مصنع بحلول عام 2035، فكما قال ولي العهد: “لدينا جميع الممكنات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، من مواهب شابة طموحة، وموقع جغرافي متميز، وموارد طبيعية غنية، وشركات صناعية وطنية رائدة. ومن خلال الاستراتيجية الوطنية للصناعة وبالشراكة مع القطاع الخاص ستصبح المملكة قوة صناعية رائدة تسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية، وتصدر المنتجات عالية التقنية إلى العالم.”[ وكالة الأنباء السعودية “واس.]
هذا وتركز الاستراتيجية الوطنية للصناعة على 12 قطاعًا فرعيًا لتنويع الاقتصاد الصناعي في المملكة، فيما حددت أكثر من 800 فرصة استثمارية بقيمة تريليون ريال سعودي، لتشكل فصلًا جديدًا من النمو المستدام للقطاع، بما يحقق عوائد اقتصادية طموحة للمملكة بحلول عام 2030، تشمل: مضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو 3 مرات، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال سعودي.
كذلك تعمل الاستراتيجية على وصول مجموع قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، إضافة إلى استحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة.
إنّ المملكة العربية السعودية تتطلع من خلال الاستراتيجية الوطنية للصناعة، إلى تمكين القطاع الخاص ، وزيادة مرونة وتنافسية القطاع الصناعي ، إضافة إلى المرونة الصناعية، التي تضمن استمرارية الوصول إلى السلع المهمة من أجل رفاهية المواطن واستمرارية النشاط الاقتصادي، وقيادة التكامل الإقليمي الصناعي لسلاسل القيمة، والاستفادة من مواطن القوة في الاقتصاد السعودي، وتحقيق الريادة العالمية في مجموعة من السلع المختارة، من خلال الاستثمار في التقنيات الجديدة الواعدة، ولتحقيق هذه المستهدفات الوطنية الطموحة، طُور نموذج حوكمة للقطاع الصناعي من خلال تشكيل اللجنة العليا للصناعة، برئاسة ولي العهد ليشرف على تطوير القطاع، إضافة إلى تشكيل المجلس الصناعي بمشاركة القطاع الخاص، لضمان إشراك المستثمرين الصناعيين في صنع القرار وتطوير السياسات.
ومن الصناعات التي ركزّت عليها الاستراتيجية:
- صناعة هياكل الطائرات، ويعد مشروع مصنع المواد المركبة لإنتاج هياكل الطائرات أحد المشاريع الكبرى التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، الذي دشنه الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، وهو خطوة متقدمة في مجال تصنيع منتجات الطيران داخل المملكة، والمشروع الأكبر في منطقة الشرق الأوسط ، ويسهم في تحقيق أحد مستهدفات رؤية السعودية 2030.
- صناعة السيارات الكهربائية، وقد بدأت شركة لوسيد للسيارات الكهربائية أعمال بناء مصنع متقدم لها في المملكة بطاقة إنتاجية تبلغ 155 ألف سيارة سنويًا وباستثمارات تزيد على 12.3 مليار ريال، والبدء بصناعة السيارات الكهربائية في المملكة يعكس التزامها القوي بجذب استثمارات نوعية تسهم في تنويع الاقتصاد ونقل التقنية وتطوير المهارات لدى الشباب السعودي، كما تعكس التزام المملكة العالمي بتعزيز الاقتصاد الأخضر وتخفيف الانبعاثات الكربونية”.
- صناعة الأدوية، وتشمل نشاطات سبيماكو الدوائية وشركاتها التابعة سلسلة القطاع الدوائي بالكامل بدءً من نشاط البحث والتطوير وتصنيع المواد الأولية للأدوية وانتهاء بالتسويق والتوزيع للأدوية بالإضافة إلى تقديم الرعاية الصحية، مما يمنحها أهمية إستراتيجية وميزة تنافسية في سلاسل القيمة في القطاع الصحي.
إنّ القطاع الصناعي في المملكة يستند على أسس صناعية متينة، ونجاحات بنيت على مدى 50 عامًا، حيث أسهم في إضافة أكثر من 340 مليار ريال( 90.6 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي، ووفر العديد من الوظائف النوعية، وفرص ريادة الأعمال في المجالات الصناعية المتعددة؛ إذ تحظى المملكة بوجود شركات صناعية وطنية رائدة، أسهمت في وضع الصناعة السعودية في مصاف الصناعات المتقدمة إقليميًا وعالميًا، إذ تُعد المملكة اليوم رابع أكبر مصنع للمنتجات البتروكيماوية على مستوى العالم، فيما تسهم مخرجاتها الصناعية في تزويد سلاسل الإمداد والتصنيع العالمية، التي تدخل في إنتاج العديد من الصناعات. ويأتي إطلاق الاستراتيجية متوائمًا مع التوجهات العالمية في القطاع، مثل : مستهدفات السعودية والمزايا التنافسية التي تتمتع بها، المتمثلة في الموقع الجغرافي، ووفرة الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة، والقدرات البشرية، والقوة الشرائية، والسياسات النقدية المستقرة، والثورة الصناعية الرابعة، وقد تم تدشين مركز الثورة الصناعية الرابعة بالمملكة، على هامش أعمال المنتدى السعودي الأول للثورة الصناعية الرابعة، ويأتي ذلك في إطار التعاون الاستراتيجي بين حكومة المملكة والمنتدى الاقتصادي العالمي WEF.
وتجربة المملكة في مشروع”ذا لاين” في نيوم الذي أعلن عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي يطوع البيانات والذكاء الاصطناعي لخلق تجربة دون منغصات مع المحافظة على البيئة، وما يحدث في نيوم اليوم هو بمثابة أكبر منصة ابتكارية للتخطيط للنماذج الحضرية ومدن المستقبل للـ 150 سنة القادمة [وكالة الأنباء السعودية “واس”.]
البريد الكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال :