د. سهيلة زين العابدين حمّاد

  نادرًا ما تجد في هذا الزمان شاب شغوف بتاريخ مدينته وتراثها العلمي والفكري والحضاري ويقطع المسافات الطويلة متنقلًا بين بلد وآخر بحثًا عن الوثائق والصور التي توثق ما يكتبه من أحداث ووقائع، وقد وجدتُ هذه الصفات في شخص ابن المدينة المنورة البار، وعاشق تاريخها وتراثها الطبيب المؤرخ والمحقق الدكتور سعيد بن وليد بن محمد سعيد طوله، وهو من اسرة عريقة في المدينة، كتب عنها المؤرخ عبد الرحمن بن عبد الكريم الأنصاري المتوفى عام (1195ه) في كتابه( تحفة المحبين والأصحاب في معرفة ما لأهل المدينة من أنساب)وقد كان فيها الامامة والخطابة في الحرم النبوي الشريف، منهم الإمام والخطيب أبو بكر بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد أبو الطاهر طوله (توفي 1325هـ) وكان معاصرًا لجدي لأبي محمد حمّاد وأخويه أبي    بكر وعمر، وقد خطب نيابة عنه جدي الإمام والخطيب بالمسجد النبوي  أبو بكر حمّاد (عم والدي) خطبة جُمعية في غرة صفر عام 1320ه، وفي 7 ذي الحجة عام 1320هـ، كما خطب جدي أبو بكر حمّاد خطبة جُمعية بالإنابة عن الأفندي عمر طوله 16 ربيع الثاني عام 1314ه( انظر نص الخطبة بخط جدي أبي بكر حمّاد في ص 623 من كتاب المدينة المنورة وقصة آل حمّاد للدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد، نقلًا من مخطوطة ديوان الخطب لجدي أبو بكر محمد صالح إبراهيم حمّاد) كما خطب نيابة عنه في 18 ذي القعدة عام 1325هـ[المدينة المنورة وقصة آل حمّاد للدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد، النسخة الاليكترونية الأولى. المكتبة الاليكترونية للدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد. رابط التحميل:  https://docdro.id/nR5OEa. ص 615 ، 616]

  ولقد نشأ الطبيب الشاب سعيد طوله في بيت علم ودين، حفظ القرآن الكريم على والده، وقرأ العلم على العديد من المشايخ، أمّا  تاريخ المدينة المنورة فقد أخذه عن جده لأمه الشيخ  حمزة بن عبد السلام صيرفي، والشيخ حسن بن مصطفى صيرفي الذي لازمه  حتى وفاته، وقرأ  عليه ذكريات العهود الثلاثة للأستاذ محمد حسين زيدان، والدرة الثمينة في النحو، وشيئًا من الرسالة في الفقه المالكي، واجزاء من كتاب الأغاني في الأدب وأملاه كتابًا في تاريخ المدينة  وأجازه، وأخذ عن الشيخ عبد القادر بن ابراهيم السمان، والشيخ محمد صديق الميمني، والشيخ عبد الرحمن بن ابراهيم كعكي، والشيخ عارف بن قمر القادري، والشيخ حمد بن محمد عبد القادر ملا، وغيرهم كثير وجميعهم أجازوه.

   إلى جانب هذا التحق بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز وتخرج فيها، وأكمل الزمالة السعودية في الطب الوقائي والصحة العامة، ويعمل الآن  استشاري في الطب الوقائي في المدينة المنورة.

  رحل إلى تركيا والمغرب ومصر وأوروبا والهند مرارًا وجمع الوثائق والكتب والمخطوطات، وطلب شراء العديد من الوثائق في الهند وغيرها فيما يخص تاريخ المدينة، كما أشترى امن إسطنبول العديد من الصُرّر والصور والوثائق  العثمانية المتعلقة بأهالي المدينة المنورة، كما صوّر الكثير من المخطوطات المدنية في المكتبات الخاصة في المدينة المنورة وفي خارجها.

ألقى بعض المحاضرات في النادي الأدبي بالمدينة، ومركز الملك فيصل بالرياض وشارك في العديد من الندوات والمجالس،  وله من الكتب المطبوعة: “سفر برلك وجلاء أهل المدينة المنورة،” و”لمحات من الحياة العلمية في المدينة المنورة ” ، ومن الكتب التي لم تطبع: سبحة العقيق الثمينة في سير أعيان المدينة، وتاريخ الرواية والاسناد في المدينة، وتاريخ التصوف في المدينة، والأضواء الوقّادة في سلالة بيت طوله زاده(رسالة صغيرة)وتحقيقات لبعض المخطوطات المدنية.

وممّا يتميز به هذا المؤرخ والمحقق الشاب أنّه لا يبخل على المؤرخين والباحثين في التاريخ الأسري بما لديه من مخطوطات ووثائق ومؤلفات متعلقة ببحوثهم ودراساتهم ومؤلفاتهم وأُسرهم ،  فمع أنّه لا توجد سابق معرفة لي به، فقد زوّدني مشكورًاـــ عبر الواتساب ـــ بِكمٍ من الوثائق والمخطوطات عن آل حمّاد التي أوردتها في كتابي الاليكتروني( المدينة المنورة وقصة آل حمّاد) من أهمها:

  1. صورة من صفحتين من مخطوطة بخط جدي محمد صالح بن محمد سعيد حمّاد لكتاب “ذخيرة الخير” تأليف السيد أحمد بن علوي باحسن جمل الليل عام 1225ه. وهي محفوظة في مكتبة الأحقاف بتريم رقم(2684)
  2. ما ورد في مخطوطة كتاب تحفة الدهر ونفحة الزهر للشيخ عمر بن عبد السلام داغستاني (مخطوط في مكتبة آل صافي) عن شعر الشيخ محمد صالح بن محمد سعيد حمّاد وقصيدته التي مطلعها:” جلّت لنا ذات السنا المتألق  تميد بقد الملاحة مشرق”، وكذلك عن شعر أخيه الشيخ أبي الحسن محمد سعيد حمّاد، كما زوّني مشكورًا  بصورة من النسخة الذهبية  للمخطوطة ذاتها.
  3. مخطوطة قصيدة جدي محمد حمّاد(وعلى ربي توكّلتُ) المكتوبة بخط يده الجميل جدًا، وهي من مخطوط المنظومة الزهية في الأصول الفقهية لصاحبها الشيخ محمد أمين السفرجلاني سنة 1314ه.
  4. صورة الصفحة رقم(736) من كتاب المنتخب لتاريخ دمشق تأليف محمد أديب آل تقي الدين الحصني التي بها مطلع قصيدة جدي محمد حمّاد في مدح آل تقي الدين نقباء أشراف الشام التي كتبها عندما قدم إلى دمشق أثناء سفر برلك، حيث كان من الذين سُفِّروا قسرًا إليها، وتوفي في دمشق عام 1336ه، وقد قدّم المؤلف جدي بأنّه علّامة المدينة وشاعرها وإمام وخطيب الحرم النبوي الشريف ومدرسه، ووصف قصيدته بأنّها رنّانة.    

 هذه الوثيقة أعطتني معلومات جد هامة عن حياة جدي محمد حمّاد في دمشق فترة سفربرلك، وكيف كان على تواصل مع أكبر بيوتات وشخصيات دمشق، وأنّه شخصية معروفة لديهم، وأنّه كان شاعرًا.

   وأخيرًا أدعو وزارة الثقافة أن تكرّم الدكتور سعيد طوله التكريم الذي يستحقه على مسيرته العلمية الوضيئة الوضّاءة المُشرفِّة للمملكة العربية السعودية وشعبها، وشعوب العالم الإسلامي ليكون نموذجًا يحتذى لشبابنا ليهتموا بتاريخ وتراث وحضارة مدنهم وتاريخها الأُسري الذي يتكوّن منه تاريخ الأمة، ولتهتم الأسر بتهيئة البيئة الملائمة لمن تتوسم في أولادها وبناتها الشغف بتاريخ مدنهم وأسرها وتراثها الحضاري والثقافي.

البريد الاليكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com

 

Leave a Reply