د. سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة 1 سبتمير2022

قال الباحث الكندي  والمؤرخ والصحفي تيلور سي. نواكيس في مقال نُشر في صحيفة ( ناشونال بوست)  في إبريل 2021 منتقدًا الفهم الرجعي المحلي لتاريخ السكان الأصليين:”إنّ الفوقية الثقافية الغربية والإمبريالية تسببتا في العديد من الكوارث في تاريخ البشرية. “

وذكر نواكيس في مقالته المنشورة في 26 مارس تحت عنوان”رد على كونراد بلاك: فيما يتعلق بتاريخ السكان الأصليين” لا يمكننا تجاهل الحقائق المزعجة أنّ “الكثير من الكنديين تمسكوا بالاعتقاد الذي يزعم بأنّ بعض الثقافات والمجتمعات أفضل من غيرها، وبالتالي يحق لهم فرض إرادتهم على أي شخص يرونه دون المستوى”. وأفاد أنّ هذه المعتقدات أدت إلى إمبراطوريات تمتد عبر العالم، وتجارة للرقيق عبر المحيط الأطلسي، والدمار الشامل لحضارات السكان الأصليين في الأمريكيتين، وأفريقيا والكثير من آسيا، ناهيك عن معظم الصراعات الأكثر دموية في تاريخ البشرية. وأضاف أنّ هذه الأفكار”العلمية الزائفة” في كندا هي أساس المدارس الداخلية وحملات الإبادة الجماعية ضد السكان الأصليين منذ الحقبة الاستعمارية.

وأشار إلى أنّ “شيئا يشبه إبادة جماعية بطيئة حدث هنا”.ومن بين الأسباب الكامنة وراء الإبادة الجماعية التي ذكرها المؤرخ هو الدعم الكامل من الحكومات منذ فترة طويلة، الأجنبية والمحلية على حد سواء، والمعتقدات المعيبة أساسًا والعنصرية بطبيعتها التي لا تزال للأسف مستمرة حتى يومنا هذا.

وما قاله نواكيس حقيقة واقعة، فأصحابُ نظريات الجنس يُعلنون  تفوُّق السلالات البيضاء على السلالات الملونة، ورأوا بضرورة إقامة زعامة مقدسة داخل السلالات البيضاء ذاتها، على أسس بيولوجية ونفسية، محاولين بذلك تبرير حقوق جديدة في الغزو والسيطرة والسيادة، يخصون بها سلالة أو طبقة معينة من السلالات البيضاء.

     ومن أشهر واضعي نظريات الجنس أرنست رينان (1823 ـــــ 1892م) مستشرق ومفكر فرنسي، استطاع ربط الشرق بأكثر فروع المعرفة المقارنة حداثة، وهو فقه اللغة، فلقد قارن رينان بين اللغة السامية واللغات الهندأوروبية، فوجد أنَّ السامية مفككة في حين أنَّ الهندأوروبية متكاملة العضوية، وهذا ما أجاز له إعادة تركيب تلك الظاهرة التي تشكل مظهرًا من مظاهر الاستعمار، لأنَّ الظاهرة يجب أن تدرس بمعزل عن آراء دارسيها الذين يتوجب عليهم الحياد والتجرد والموضوعية، وهذا لم يتيسر لرينان، فلقد جاء رينان إلى الاستشراق من فقه اللغة، مع ملاحظة أنَّه لا يتقن اللغة العربية، ولا يعرف سوى القليل منها ـ خصوصًا أنَّه يقول بعدم المساواة بين الشعوب، ويدعو إلى السيطرة الأوروبية على الشرق، لأنَّ السامية ارتبطت في ذهنه بالتخلف والانحطاط الأخلاقي، والبيولوجي ـــ وذلك قبل أن يصبح اليهود ساميين، وقصر السامية عليهم دون غيرهم، وإخراج العرب من الجنس السامي ــــ وأصبح من ينتقد اليهود، ويكشفهم على حقيقتهم يُحاكم بتهمة  معاداته للسامية .

   هذا وقد ارتبط الاستشراق وأوروبا بالتقدم والفوقية، وعلى أية حال فإنَّ المخلوقات السامية عند سلفتر ساسي)مستشرق فرنسي) مخلوقات من صنع فقه اللغة الاستشراقي، وبالتالي من إنتاج مختبره الفقه لغوي، مع ما في ذلك من رمز للسيطرة الأدبية على الشرق.[إدوارد سعيد. الاستشراق. ص 146 ــــ 166]

  ولم يكن للفترة التي مضت بين الحربين الأولى والثانية (1919–1939)، أي أثر في تحسين العلاقات بين الشعوب، وعادت النظرية الآرية لتخدم الأغراض السياسية، وعلى الأخص أغراض النازية، والفاشية، وقد تطرف رايمر J. L. Reimer في كتابه ألمانيا الجرمانية ، فاقترح إنشاء نظام طبقي قائم على أساس نسبة “الدم الجرماني”

   يقول هتلر في كتابه” كفاحي” الصادر عام 1925:”إنّ الألماني الذي حافظ على نقاوته الجنسية من الاختلاط قد أصبح سيد القارة الأمريكية، وسيظل دائمًا سيدها ما لم يَرِدْ بنفسه موارد التهلكة بأن يختلط بغيره من الدماء”، وبعبارة أخرى، وحسب نظرية الجنس الألمانية، فإنّ سكان أمريكا اللاتينية مُساقون حتمًا إلى تدهور بيولوجي لا خلاص منه، ومن ثم فسيعيشون دومًا تحت حكم الآريين، أو الجنس الألماني.

ولا تخلو أمريكا من وجود نظريات عنصرية فيها، ولا كُتَّاب متعصبين مثل ماديسون جرانت في كتابه نهاية الجنس العظيم عام 1916، وكلنتون ستودارد في كتابه «تراث أمريكا الجنسي » سنة 1922، ولوثروب ستودارد في كتابه”الثورة ضد المدنية” وكتابه تهديد الرجل المنحط سنة1922. وفي الكتاب الأخير يدعو الكاتب إلى غرس تنمية مستوى «التفوق النوردي» في عبارات كالعبارات الآتية: «إنّ نسبة الدم النوردي في كل أُمَّة لَهُوَ مقياسٌ صادق لقوتها في الحرب، ومكانتها في المدنية»، «لقد تضاءل النصر النوردي في فرنسا، ومعه تضاءلت قوة فرنسا»

   وكانت  إنجلترا في ذلك الوقت تتألف من عنصر أنجلوساكسوني فقط لَأَمْكَنَ إيجادُ أساس لنقاوة هذا الجنس. فقد قيل: إن «الغزاة التيوتون قد أبادوا السكان الأصليين لإنجلترا عن آخرهم في مذبحة عامة عظيمة»، ورغم ذلك فالحقيقةُ الواقعة أن الغزاة التيوتون لم يكونوا أكثر من عنصر جديد أُضيف إلى الخليط الكبير من الأجناس التي كانت تسكن الجزائر البريطانية.

 أمّا النظرية الكلتية CELTICIS، فهي نوع  من أنواع النظرية الآرية، وهي إحدى ثمرات النزعات الوطنية المتطرفة، تطورت في فرنسا بعد الحرب السبعينية (1870)، وتؤكد هذه النظرية أنّ الجنس الكلتي وحده هو الذي يقطن فرنسا. ويُعزى إلى هذا الجنس صفات جسدية، ونفسية تجعل منه جنسًا «متفوقًا» عن بقية الأجناس البيضاء. ففي الوقت الذي عزا فيه جوبينو، ولابوج، وأمون وتشامبرلين، وفالتمان، وغيرهم عبقرية فرنسا الخالقة إلى العنصر الآري، أو التيوتوني، نادت الكلتية بأدلة أخرى على «تفوق الكلت الجنسي.»

 هذا هو أصل ومنشأ النظرية «الآرية»، أو «النوردية» التي تُنادي بعقيدة التفوق الجنسي، وقد تولدت عن هذه النظرية عدة نظريات أُخرى ثانوية، مثل «نظرية تفوق العنصر الجرماني» التي نشأت في ألمانيا، و«نظرية العنصر الأنجلوساكسوني» التي نشأت في كل من بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، «نظرية الكلتيين» التي نشأت في فرنسا.

    أمّا اليهود الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، وأنّهم من نطفة تختلف عن باقي النطف، فمن تعاليم تلمودهم الذي كان أساسًا لبروتوكولاتهم” إنَّ نطفة غير اليهودي كنطفة باقي الحيوانات.”[عبد الناصر. شوقي . بروتوكولات حكماء صهيون وتعاليم التلمود. ط 5. ص 33.]

ويقول التلمود “النطفة المخلوق منها باقي الشعوب هي نطفة الحصان، واليهود كما يتوهمون يعتقدون أنَّ أرواحهم متميزة عن باقي الأرواح، وأنَّها جزء من الله فيقول التلمود:”النعيم مأوى أرواح اليهود، ولا يدخل الجنة إلاَّ اليهود.. أمَّا الجحيم فمأوى الكفار مهما اختلفت أسماء دياناتهم.”

والمخطط الصهيوني  مستوحى من التلمود؛ إذ جاء فيه:”يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع استملاك باقي الأمم في الأرض لتبقى السلطة لليهود وحدهم” وجاء فيه أيضًا:” وقبل أن يحكم اليهود نهائيًا على باقي الأمم يلزم أن تقوم الحرب على قدم وساق ..”

ويصوغ يهودا إبادة الأممين المشركين الكفرة الجنتايل Gentile وتحريم مدنهم بمعنى تدميرها تدميرًا كاملًا وإحراق مواشيهم وسبى نسائهم وأطفالهم.

، وبعد هذا العرض الموجز لتاريخ النظريات الجنسية التي تم بموجبها تبرير إبادة السكان   الأصليين في الأمريكيتين، والجزر البريطانية  وأفريقيا والكثير من آسيا وتدمير حضاراتهم، هناك أسئلة تطرح نفسها، هي:

 هل الاستعمار الأوروبي للدول العربية والإسلامية، واحتلال اليهود الصهاينة لفلسطين، وإقامة دولة إسرائيل في فلسطين في قلب العالم العربي، واحتلال أمريكا لأفغانستان والعراق، وقتل المقاومين للاحتلال والاستعمار  وإنشاء بريطانيا لتنظيم الإخوان وأمريكا لتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابية، وإشعال البلاد العربية بالحروب والصراعات الطائفية، ونشر الصراع المسلح بنشر المليشيات المسلحة لإشاعة القتل والدمار في الدول المحيطة بإسرائيل بصورة خاصة، وتهجير الملايين من شعوبها، ضمن مخطط الإبادة الجماعية البطيئة للسكان الأصليين لهذه الدول تمهيدًا لإقامة دولة إسرائيل الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات ومن الأرز إلى النخيل ؟

وهل مخططات الغرب للقضاء على الإسلام ومحاربته، بإعلانهم في المجمع المسكوني عام 1962- 1965 استقبال الألفية الثالثة بلا إسلام،  وهدم المناطق  الأثرية في البلاد التي تعرّضت لضربات عسكرية مثل العراق وسوريا، إضافة إلى تدمير داعش لتلك الآثار، مع نشر الإلحاد والتطرّف الديني بين شباب الإسلام، ومحاولات مسخ الهوية العربية ضمن مخطط هدم الحضارة الإسلامية والقضاء عليها؟

البريد الاليكتروني : suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : https://www.al-madina.com/article/803036/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D9%88%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%B3%D8%A8%D8%A8%D9%87-%D9%84%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%A2%D8%B3

 

 

Leave a Reply