سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 23/6/ 2022م .

 لا يُنكر أحد أنّنا كنّا حتى وقت قريب نفتقر إلى كثير من التشريعات التي تنظِّم شؤون حياتنا وتحفظ حقوقنا وتُرسّخ مبادئ العدالة بين الأفراد والجماعات, وقد أدرك هذا الاحتياج خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله ورعاهما؛ إذ شهدت المملكة العربية السعودية نقلات نوعية في مختلف المجالات في مقدمتها المجال التشريعي؛ حيث تسير المملكة في السنوات الأخيرة وفق خطوات جادة نحو تطوير البيئة التشريعية ـــ كما صرّح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في يناير 2021م ـــ من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان وتحقّق التنمية الشاملة، وتعزّز تنافسية المملكة عالميًا من خلال مرجعيات مؤسسية إجرائية وموضوعية واضحة ومحددة من أربعة مشاريع أنظمة، هي: الأحوال الشخصية، والمعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، ونظام الإثبات، و”ستُمثِّلُ هذه الأنظمة موجة جديدة من الإصلاحات التي ستُسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوحَ حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام”. إضافة أنّها ستقُصِّر فترة التقاضي، وتحمي الأحكام القضائية من الآراء الفردية التي قد تُعرّض مصدر الحكم إلى الانحياز لطرف ضد آخر.

 هذا ويدخل ضمن  المنظومة التشريعية أنظمة تتعلّق بحقوق الإنسان التي شهدتها المملكة، مثل نظام الحماية من الإيذاء، ونظام التحرّش، ونظام حقوق المسنين  الذي صدر مؤخرًا؛ إذ  بُعد طفرة في تطوير البيئة التشريعية الحقوقية، ممّا يستدعي  قراءة متأنية لمواده البالغ عددها(23) في هذا المقال.

  ولنبدأ بالمادة الأولى، والمرتبط بها المادتان الثالثة والسادسة؛ إذ أعتبرت كبير السن كل مواطن بلغ سن الستين، فأكثر، وقد  استوقفني ما ورد فيها بشأن  تعريف الأسرة بِأنّها”  تشمل الأب والزوج أو الزوجة والذكور من الأولاد والأحفاد والإخوة.” فأين البنات والحفيدات والأخوات وأولادهن وبناتهن، وبنات الإخوة؟

  هذا وقد نصّت المادة الثالثة على:” لكبير السن حق العيش مع أسرته، وعليها إيواؤه ورعايته، وتكون المسؤولية في ذلك على أفراد الأسرة وفقًا للتسلسل المنصوص عليه في المادة (السادسة) من النظام. التي تنص على:”تكون إعالة كبير السن المحتاج على الزوج أو الزوجة إن رغبت، فإن تعذر ذلك فعلى أبيه إذا كان قادرًا ثم أحد أولاده الذكور، فإن تعذر ذلك فعلى أحد أحفاده الذكور، فإن تعذر ذلك فعلى أحد إخوته الذكور..”.

  وهنا نجد النظام قد قصر رعاية المسن على الذكور من جهة باستثناء الزوجة، واستبعد الأم والبنات والأخوات وأولادهن وبناتهم، وأولاد وبنات الإخوة من جهة أخرى، فقد يكون المسن المحتاج للرعاية ذكرًا كان أو أنثى لم يتزوج على الإطلاق أو تزوج، ولم يُنجب فلن يكون له أولاد وأحفاد، وقد لا يكون له إخوة على قيد الحياة، فهل يودع في دور المسنين، ولديه أخوات، وأولاد وبنات إخوة وأخوات، فلمَاذا لم يُكلفهنّ النظام بمسؤوليات الرعاية ، وإلزام الذكور بالإنفاق إن كان في حاجة إلى النفقة ؟ ولمَ التركيز على المسن المحتاج للنفقة، فقد يكون المسن ذكرًا كان أو أنثى ثريًا،  أو لديه راتب تقاعدي، ولا يحتاج نفقة إعالة ولكنه يحتاج إلى عناية ورعاية وحب وحنان من أفراد أسرته الذين أحبّهم، والتصق بهم، فلمَاذا لم يُكلِّف النظام هؤلاء بالعناية والرعاية به، وقد يكون للمسن دور إيجابي في حياتهم، ومنهم من سيرثه مثل الأخوات، أو قد يكون أوصى لهم بجزء من ثروته؟

   والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا استبعد النظام إناث الأسرة عامة باستثناء الزوجات  بمن فيهن الأمهات والبنات مع أنّهن من درجة القرابة الأولى، والأخوات وأولادهن وبناتهن خاصة ــــ مع أنّهن من درجة القرابة الثانية ـــ  من منظومة الأسرة التي ترعى المسن؟ إذا الأم لم ترع ابنها، أو ابنتها ، والبنت إن لم ترع أمها وأبيها المسنيْن من يرعاهما؟ وإن لم ترع الأخت أخيها أو أختها من يرعاهما؟ و لماذا يستبعد المسن والمسنة الذيْن لم يتزوجا، وكذلك من تزوج ولم يُنجب، وكأنّهما لا وجود لهما؟ إلى متى ستظل هذه الفئة، هي  الفئة المنسية في أنظمتنا وقوانينا؟

 ننقل إلى المادة الثانية التي ركّزت على تمكين كبار السن من العيش في بيئة تحفظ حقوقهم وتصون كرامتهم، والتوعية والتثقيف المجتمعي لبيان حقوقهم، واحترامهم، وتوقيرهم، وتوفير معلومات إحصائية موثقة عنهم؛ للاستفادة منها في إجراء الدراسات والبحوث ذات العلاقة بهم، والمساعدة في وضع الخطط والبرامج، مع تنظيم وتنفيذ برامج مناسبة لهم؛ تعزز من مهاراتهم وخبراتهم وممارسة هواياتهم وتعزيز اندماجهم في المجتمع، وتشجيع القادرين منهم على العمل، والاستفادة من برامج الدعم الموجهة إلى الجهات المشغلة لهم ودعم النشاطات التطوعية في خدمتهم، وتأهيل المرافق العامة والتجارية والأحياء السكنية والبيئة المحيطة والمساجد؛ لتكون ملائمة لاحتياجاتهم، وذلك في ضوء الأنظمة والأوامر ذات العلاقة مع تخصيص أماكن لهم في المرافق العامة والمناسبات العامة، وحثّ القطاع الخاص وأصحاب الأعمال والجهات الأهلية على رعايتهم من خلال إقامة مراكز أهلية وأندية اجتماعية، فمن المسنين من لديهم طاقات جبّارة على العطا، ولديهم من الخبرات والعلوم والمعارف لابد من الاستفادة منها بتوفير الأجواء والفرص لهم.

 أمّا المادة الثامنة، فقد جعلت وزارة الموارد البشرية تصرف نفقة للمسن الذي لم يتوفر لدى المكلّف بإعالته نفقته، كما ألزمت المادة العاشرة الوزارة بتوفير لكبير السن ما يحتاجه من أجهزة ومستلزمات طبية مساعِدة بالمجان، وتتحمل ما يترتب عليها من نفقات التشغيل والصيانة؛ وذلك وفق ما تحدده اللائحة، كما ألزمت المادة(11) الجهات الحكومية إعطائه أولوية في الحصول على الخدمات الأساسية التي تقدمها، وبخاصة الخدمات الصحية والاجتماعية؛ وذلك وفقًا لما تحدده اللائحة.

أمّا المادة(12) فقد ألزمت الوزارة منح كبير السن بطاقة امتياز تمكنه من الاستفادة من الخدمات العامة التي يحتاجها لضروريات حياته اليومية التي تقدمها الجهات الحكومية والخاصة والأهلية لكبير السن، وعليها مراعاته في جميع الإجراءات التي تتخذ في شأنه والإسراع في إنجازها، ومراعاة حاجاته العقلية، والنفسية، والجسدية.

 والمادة (13) نصّت على منح الجهة الحكومية أو من يقدم خدمة عامة نيابةً عنها لكبير السن المحتاج –في حدود الصلاحيات المخولة لها نظامًا- خصمًا على الخدمات العامة التي تقدمها؛ وذلك وفقاً لما تحدده اللائحة.

والمادة (15) حظرت على العائل التصرف في مال كبير السن دون موافقته.” وهنا أتحفظ على استخدام مصطلح العائل للمسن الذي يملك مالًا، لأنّ هذا المصطلح يُطلق لُغويًا على القائم بأود من يعليهم وما يحتاجونه” بينما المسن هنا لا يحتاج إلى إنفاق المكلّف برعايته؛ لأنّ المال المُنفق عليه من ماله، وليس من مال المُكلّف.

ولوزارة الموارد البشرية الولاية على النفس على كبير السن فاقد الأهلية أو ناقصها المادة(14).

 والمواد(16 ــ 19) تناولت العقوبات على المكلف برعاية المسن أو إعالته ورعايته، ولكن كيف ستطبق تلك العقوبات مع عدم وجود لجان متابعة لأحوال المسنين وقيامها بزيارات مفاجئة للمسنين المقيمين في بيوت المكلفين برعايتهم للتأكد من عدم صدور إساءات لهم، والتصرف في أموالهم بدون إذنهم وعلمهم.

  خلاف العقوبات التي فرضتها المادة (20) على دور الرعاية الاجتماعية الخاصة أو الأهلية المخالفة لحكم المادة (الرابعة) من النظام، ومن يقدم خدمة عامة نيابةً عن الجهة الحكومية المخالفة لحكم المادتين (11) و(13) من النظام بغرامة لا تزيد على (مائة ألف) ريال؛ إذ نصّت على تكوين لجنة أو أكثر، لا يقل عدد أعضائها عن (ثلاثة) يكون أحدهم مستشارًا نظاميًّا، تتولى النظر في مخالفة أحكام المواد(4، 11، 13) من النظام، وتوقيع العقوبة المنصوص عليها، ويًرفع قرارها إلى الوزير أو من يفوضه لاعتماده.

   ممّا لا شك فيه أنّ نظام حقوق المسنين دُرة نادرة في عِقد التشريعات القانونية الحقوقية،  فهنيئًا لكبار السن السعوديين التمتع بجمالها التشريعي والقانوني، وشكرًا من الأعماق للقيادة السياسية التي سدّـت الفراغ التشريعي بحزمة كبيرة من أنظمة قوانين حفظت حقوق الأفراد والجماعات على اختلاف فئاتهم وأعمارهم ومهنهم بتوفير بيئة تشريعية لهم تحفظ حقوقهم، وتحكم بينهم بالعدل.

البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال : نظام حقوق المسنين.. طفرة في تطوير البيئة التشريعية الحقوقية – جريدة المدينة (al-madina.com)

Leave a Reply