سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 16/ 6/ 2022م
القانون هو الذي يضع القواعِد التي تُحدّد حقوق الأفراد وواجباتِهم، ويضع الجزاء المُناسب في حال مُخالفة تلك القواعِد والأُسُس، ويُطبّق الجزاء من قِبل الجهة المُختصة في الدولة، حيث تتغير القواعد القانونيّة باستمرار؛ وذلك تبعًا لِلتطوُّرات والتغيُّرات التي تحدُث في المُجتمع. معروف أنّ القانون يحفظ الحقوق والالتزامات وينظمّها بين أفراد المجتمع، كما يحدد الحقوق والواجبات القانونية لكلّ فرد في كافة الأنشطة التي تربط الأفراد مع بعضهم، ولا يمكن للمُجتمع العيش بِنجاح إذا كان أفراده لا يخضعون لِقوانين تحكمهم، ويفعلون ما يروق لهم دون مُراعاة لواجباتهم وحقوقهم.
ولكن عندما يظلم القانون المرأة التي تتعرّض لاغتصاب بتزويجها من مغتصبها، أو تُقتل من قبل أبيها أو أخيها أو ابن عمها لمجرد الشك في سلامة سلوكها، ولا يعاقب القانون من يقتلها، فهذا أكبر ظلم للمرأة!
ولقد بدأ قانون تزويج المُغتصبة من مغتصبها مقابل إسقاط العقوبة عنه في أوروبا في العصور الوسطى؛ إذ كان يمكن لرجل في خلال العصور الوسطى أن يغتصب امرأة، ومن ثم تختار أو تجبر المرأة على الزواج منه، بدعوى أنّها أصبحت “سلعة مدمرة” ، وذلك من منطلق نظرتهم إليها كسلعة ، وليست كإنسانة.
وممّا يجدر التنبيه إليه أنّ حال المرأة الأوروبية والأمريكية في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين كان مزريًا، فالمرأة في بعض المجتمعات الغربية كانت تعتبر ضمن طبقة تتساوى فيها مع الأرقاء والعبيد، محرومة من حق التعليم والتجارة، والمشاركة العامة أو التصويت، ولم تبدأ ملامح التغير إلّا منذ منتصف القرن الماضي.
ولكن مع هذا فقد تبنّى العديد من البلاد العربية ـــ منها مصر والمغرب وتونس والأردن ولبنان والعراق ـــ كثير من القوانين الغربية في مرحلة ما بعد المرحلة الاستعمارية في منتصف القرن العشرين، والتي منها قانون تزويج المُغتصبة من مغنصبها مقابل الإعفاء من العقوبة. وألغت تلك الدول المادة المتعلقة بتزويج المُغتصبة من مغتصبها من قوانين عقوباتها باستثناء العراق الذي لم يلغ بعد المادة “398” من بنود التشريع (111) من قانون العقوبات العراقي، والتي تنص على تزويج الضحية لمغتصبها، وتعلو هذه الأيام الأصوات في المجتمع العراقي تطالب بإلغائها في حين نجد البعض يدافع عنها.
وتُشير المادة (393) من قانون العقوبات العراقي إلى العقوبة: “بالحبس المؤبد أو المؤقت” بحق كل من: “واقع أنثى بغير رضاها، وتُعتبر الجريمة مشددة في حال كان الضحية غير بالغ: لـ (18 عامًا)، أو إذا كان الجاني من أقارب الضحية أو متولي تربيته أو من كان له سلطة عليه، أو إذا كان موظفًا حكوميًا أو رجل دين أو طبيبًا، أو كان الفعل جماعيًا باشتراك أكثر من معتدٍ، أو إذا أصيبت الضحية بمرض تناسلي نتيجة الاعتداء.
وهذه القوانين:
- نظرت إلى المُغتصبة نظرة نابليون بونابرت لها أنّها مجرد آلة للإنجاب لا أحاسيس لها ولا مشاعر، فتُجبر على الزواج من مغتصبها، وإلّا تُقتل من قبل أهلها غسلًا للعار، دون مراعاة لمدى معاناتها من هذا الزواج، حتى تجد بعض الفتيات المُغتصبات انتحرن بعد إجبارهن على الزواج من مغتصبيهن، وفي المغرب ساهمت حادثة انتحار أمينة الفيلالي، الفتاة ذات 16 عامًا، والتي تعرضت للاغتصاب وأجبرت على الزواج من مغتصبها بموجب قرار قضائي، وانتحرت على إثرها في شهر مارس/آذار عام (2012).في إلغاء المادة (475) من قانون العقوبات الجنائي عام 2014م .
- تُشجّع على الاغتصاب طالما يوجد قانون يعفي المُغتصب من العقوبة.
- 3. تدفع الذي رفض تزويجه باغتصاب من رفضته ليرغمها ويرغم أهلها على تزويجه بها!
والمُشرِّعون العرب الذين استنسخوا هذه المادة من قوانين أوروبية من منطلق نظرتهم الدونية للمرأة، وهي نظرة الدول التي استنسخوا منها هذه المادة، ففرنسا التي كان شعار ثورتها التي قامت عام 1789 م””حرية وإخاء ومساواة”، يقول قائدها نابليون بونابرت:”النساء ليست سوى آلات لإنتاج الأطفال .”.
فهو ينظر إلى المرأة كآلة وليست إنسان، فكيف ستصيغ ثورته قوانين تتعامل مع المرأة كإنسان لها مشاعر وأحاسيس وكرامة؟
وقد وضعت هذه الثورة قانونًا فيه المادة(214) تنص على بيت الطاعة الذي ينص على إلزام الزوجة بقوة الشرطة العيش في بيت الزوجية الذي يحدده الزوج وقد طبَّقته بعض البلاد العربية التي استنسخت القانون الفرنسي، ونسبه الكثير إلى الإسلام، والإسلام منه بريء، فالإسلام لا يجبر المرأة أن تعيش مع زوج تكرهه أو تكره العيش معه، يوضح هذا قوله تعالى:(فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).. وقد تأثر القانونين المغربي واللبناني بالقانون الفرنسي الذي لا يُعطي المرأة أهلية التصرف في مالها أو الاتجار إذا كانت متزوجة دون إجازة من الزوج أو وكالة صريحة أو ضمنية منه، ولكن مدونة الأحوال الشخصية المغربية الصادرة عام 2004م أعطت المرأة الذمة المالية المستقلة في المادة (49)، وهذا نصّها:” لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها.يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج.”
ولكن نجد الفقرة الثانية من المادة( 58) من قانون الأحوال الشخصية الموريتاني أعطى للزوج مراقبة تصرفات زوجته في أموالها إذا تبرعت بما زاد على ثلث مالها كما في النص الفرنسي!
والمرأة في لبنان مازالت تعاني من اضطهاد وتمييز ذلك القانون المستنسخ من مرجعيات غربية قديمة، أصبح يثقل كاهلها بالعنت والظلم الواقع عليها في شؤون الولاية والحضانة والطلاق والحماية من العنف الأسري.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ترك المشرعون العرب الشريعة الإسلامية التي احترمت آدمية وإنسانية المرأة وأهليتها، ومنحتها أهلية كاملة وذمَّة مالية مستقلة تعطيها حق التصرف في مالها دون إذن أو مراقبة أحد سواءً كان أبًا أو أخًا أو زوجًا أو ابنًا، ولم تلزم المُغتصبة الزواج من مغتصبها، ولم تعف المُغتصِب من عقوبة الاغتصاب مقابل زواجها من مُغتصِبِها، ويأخذون بقوانين غربية لا تمت للإسلام بصلة وتُنسب إليه؟
وأقول جوابًا عن هذا السؤال: لأنّ ما جاء به الإسلام لا يتوافق مع نظرتهم الدونية المتوارثة من نظرة مجتمعاتهم في الجاهلية، فأخذوا بتلك القوانين التي تتوافق مع نظرتهم رغم مخالفتها لما جاء به الإسلام!
فتزويج المُغتصبة ممن اغتصبها غصبًا أمر لم يجزه الدين، لأنّ عقد الزواج في هذه الحالة باطل لقيامه على عدم الرضا الكامل من الضحية المغتصبة.
والمغتصبة لا ذنب لها، وهي مجني عليها وليست الجانية حتى تُعاقب بإرغامها على الزواج من قاتلها، فيُحكم عليها بالقتل مرتين، مرة عند اغتصابها، ومرة عند تزويجها من قاتلها!
إلى متى ستظل المرأة هي الجانية رغم هي المجني عليها؟
وإلى متى سيظل الرجل رغم أنّه الجاني يُعفى من عقوبة جنايته التي تتحمّلها المرأة المجني عليها؟
وإلى متى سيظل المجتمع قاسيًا على المرأة وظالمًا لها، ولم يُنصفها ممن دمّر حياتها؟
على المجتمع الوقوف مع المُغتصبة في محنتها حتى تتجاوزها، ومن مكارم الأخلاق ومعاليها أن يتحمس الشباب للزواج بمن اغتصبت تخفيفًا عنها، ومواساة وتعويضًا لها عمّا فقدته.
البريد اللاكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : عندما يظلم القانون المرأة عالميا!! – جريدة المدينة (al-madina.com)