سهيلة زين العابدين حمّاد
نشر في جريدة المدينة في 2 يونيه 2022م
تعرّض مسلسل” فاتن أمل حربي” لهجمة إعلامية وقانونية شرسة لتعرضه لأحكام الطلاق والحضانة في قانون الأحوال الشخصية في مصر الذي لا يختلف عن قوانين الأحوال الشخصية في معظم البلاد العربية، واتهموا القائمين على المسلسل بازدراء الدين، وهدم ثوابته والتشكيك فيه ونشر القيم السلبية في المجتمع، وتشويه صورة رجال الدين، وكلها اتهامات باطلة، فالمسلسل نفى نسبة الظلم الواقع على المطلقة من قانون الأحوال الشخصية المصري إلى الخالق جل شأنه، وبيّن أنّ في القانون عوار دستوري لأنّ في مواده المتعلقة بأحكام الحضانة والنفقة وإجراءاتهما يتنافى مع الدستور.
والملاحظ أنّ المتحاملين على المسلسل خلطوا بين الشريعة الإسلامية والفقه، فقوانين الأحوال الشخصية لا تمثل الشريعة الإسلامية، وإنّما تمثل اجتهادات فقهية بشرية، فالشريعة هي الأحكام المنزلة من الله، أمّا الفقه فهو الأحكام التي استخلصها الفقهاء من نصوص الشريعة أو من الدلائل الاجتهادية، مثل: القياس، والمصالح المرسلة، وأقوال الصحابة، كما أنّ الشريعة عامةٌ، والفقه خاصة، والشريعة صحيحةٌ كلّها، أمّا الفقه فقد يخطئ أحيانًا بسبب اجتهاد الفقهاء في أحكامه، وهذا ما حرص المسلسل على بيانه، كما أنّ كل قانون للأحوال الشخصية يمثل المذهب الفقهي التي تسير عليه البلد التي يصدر منها، فمثلَا:
- لا نجد في مدونة الأحوال المغربية ومجلة الأحوال التونسية التوريث لذوي الأرحام، وقصره على الفروض والتعصيب، وذلك لأنّ المغرب وتونس تتبعان مذهب الإمام مالك الذي لا يرى توريث ذووي الأرحام البتة، بينما أخذ فقهاء المالكية بفتوى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بإعطاء حبيبة بنت زريق زوجة عامر بن الحارث، وهي نساجة طرّازة ترقم الثياب والعمائم، بينما كان زوجها تاجرًا، نصف ثروة الزوج ، ثم ربع الباقي، وهو نصيبها من الميراث لأنّه لم يكن لهما ولدًا، عندما احتكمت إليه مع ورثة زوجها الذين استولوا على كل ثروة زوجها التي كانت أراض ودور وأموال نقدية، فنازعتهم لكون هذه الأموال بفضل كدها وسعيها، عملًا بقوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)[النساء:29](لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّااكْتَسَبْنَ)[ النساء: 32] (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) [النجم:39-42] فنجد في المادة (49) من مدونة الأحوال الشخصية تتحدّث عن حق الكد والسعاية للزوجة في الأموال المكتسبة فترة الحياة الزوجية، كما نجدها في مجلة الأحوال التونسية التي أسمتها ب” الجراية” ، بينما لا نجد ذكرًا لهذا الحق في قوانين الأحوال الشخصية في المشرق العربي، لأنّ فقهاء المشرق عتّموا على هذا الحق وأبرزوا ما أسموه بالحبس الزوجي الذي لا أساس له في الشريعة الإلهية، ولا يستند على آية قرآنية.
- بل نجد قوانين الأحوال الشخصية العربية أخذت بيت الطاعة من المادة 214 من القانون الفرنسي الذي ينص على إلزام الزوجة بقوة الشرطة العيش في بيت الزوجية الذي يحدده الزوج، وقد طبَّقته بعض البلاد العربية التي أخذت بالقانون الفرنسي، ونسبَهُ الكثير إلى الإسلام، والإسلام منه بريء ، فالإسلام لا يجبر المرأة أن تعيش مع زوج تكرهه أو تكره العيش معه، يوضح هذا قوله تعالى:( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)
- كما نجد الفقرة الثانية من المادة 58 من قانون الأحوال الشخصية الموريتاني أعطى للزوج أن يراقب تصرفات زوجته في أموالها إذا تبرعت بما زاد على ثلث مالها كما في النص الفرنسي!
- كما نجد مجلة الأحوال التونسية تحرم تعدد الزوجات.
- وبينما نجد بعض قوانين ومدونات الأحوال الشخصية تشترط الولي في إثبات صحة عقد الزواج، نجد بعضها أيضًا يعطي للمرأة البالغة الرشيدة حق تزويج نفسها عملًا برأي الإمام أبي حنيفة,
- إنّ أحكام الحضانة في مدونات وقوانين الأحوال الشخصية العربية لم تستند على آية قرآنية، وإنّما على حديث موضوع :” أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي.”قال عنه ابن حزم في المحلى “وهذه صحيفة لا يُحتج بها”، والصحيفة لغة: اسم مفعول من التصحيف، هو الخطأ في الصحيفة ومنه الصَّحَفِيٌّ وهو من يخطئ في قراءة الصحيفة فيغير بعض ألفاظها بسبب خطئه في قراءتها اصطلاحًا: تغيير الكلمة في الحديث إلى غير ما رواها الثقات لفظًا أو معنى. ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن المثنى بن الصباح، والمثنى ضعيف، عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده . ” أنّ امرأة خاصمت زوجها في ولدها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم … ” . فذكره . وكذلك رواه عبد الرزاق في” مصنفه”: أخبرنا المثنى بن الصباح به. وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في” مسنده” كما في” نصب الراية “( 3/ 265 ) قال الحافظ في”التلخيص”(4 / 11) ” والمثنى بن الصباح ضعيف ويقويه ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال :”خاصمت امرأة عمر إلى أبي بكر، كان طلقها، فقال أبو بكر: هي أعطف و ألطف و أرحم و أحن و أرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج”. أقول: وهذا مع كونه موقوفًا، فهو مرسل، وقد روي من وجوه أخرى مرسلًا في” الموطأ”و”المصنف” لابن أبي شيبة ومن وجه آخر موصولًا بإسناد ضعيف منقطع. وكان الحسن البصري:”يقول المرأة أحق بولدها وإن تزوجت.” وقضى بذلك يحيى بن حمزة .واشترطوا أن لا تكون للأم الحضانة إلّا إذا تزوجت من محارم المحضونين، وهذا الشرط تتضمنه معظم قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية، بل نجد أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم حكم بحضانة ابنة عمه حمزة لخالتها التي كانت متزوجة من رجل لا يمت بصلة قرابة للمحضونة، فمن باب أولى أن تكون الحضانة للأم المتزوجة، علمًا أنّ مادته الشرعية الفقهية والقانونية تم مراجعتها من فضيلة الأستاذ الدكتور سعد الدين هلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور محمد الغمري المحامي بالنقض والدستورية العليا، والأستاذة نهاد أبو القمصان المحامية بالنقض.
أمّا القول أنّ المسلسل أساء إلى رجال الدين، فلقد بين المسلسل رجل الدين الذي يقف مع الحق(يحيي) وللم يتاجر بالدين، وبيّن الجانب الآخر الذي يتاجر بالدين، وكلاهما أزهريان، وهذا لا يسيء إلى مؤسسة عريقة وعظيمة وشامخة كمؤسسة الأزهر، فقد ذكر من قبل شيخ الأزهر أنّ نصف الأخوان أزهريون.[شيخ الأزهر يعترف: نصف «الإخوان» أزهريون.. ونسأله: ماذا فعلت؟! – اليوم السابع (youm7.com)]
وهكذا نجد أنّ ما جاء في المسلسل عن عدم دستورية هذا القانون لا علاقة له بالإسلام والشريعة الإسلامية، ولا مبرر للدعاوى التي أقيمت ضده، بل هو نفى عن الشريعة الإسلامية ما نسب إليها زورًا وبُهتانًا، وتحية صادقة لفريق العمل، مع أنّي اختلف كثيرًا مع المؤلف، ويعد هذا العمل ـــ في رأيي ـــ أفضل عمل قدمته الفنانة المتألقة دائمًا نيللي كريم، وقد تفوّق على نفسه الفنان شريف سلامة، ويستحق بجدارة جائزة أفضل ممثل لهذا العام، وكانت له نتائج إيجابية للحوار المجتمعي الذي دار حوله، وبيان ما سببه من ظلم للمطلّقات وأطفالهن أثار اهتمام الرئيس عبد الفتّاح السيسي الذي أمر بضرورة إعادة النظر في نظام الأحوال الشخصية واستبداله بنظام عادل ومنصف، والعمل جارٍ على ذلك.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال : الجدل حول دعوى «فاتن أمل حربي».. ضد قانون الأحوال الشخصية المصري! – جريدة المدينة (al-madina.com)