سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر قي جريدة المدينة يتاريخ 21 إبريل 2022م .
تأسست منظمة الأمم المتحدة عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، وقد حدد ميثاقها الغاية من تأسيسها وهو المحافظة على السلم والأمن الدوليين عن طريق اتخاذ تدابير جماعية فعالة لمنع وإزالة الأخطار التي تهدد السلام وإلى تنمية العلاقات الودية بين الدول على أساس احترام مبدأ المساواة في الحقوق وتقرير المصير للشعوب، وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، بالإضافة إلى أن تكون مركزًا لتنسيق أعمال الدول في تحقيق هذه الغايات المشتركة، وكان ثلث سكان العالم آنذاك مستعمرين من قبل بريطانيا وفرنسا، وكان من ضمنها الكتلتان العربية والإسلامية التي أصبحت دولها الآن مستقلة ذات سيادة، ويبلغ عدد المسلمين في العالم حوالي ملياري مسلم يشكلون ربع سكان الكرة الأرضية، ولا يوجد من يمثلهم في الأمم المتحدة بصفة دائمة، ولقد آن الأوان لإحداث تغييرات في ميثاق الأمم المتحدة الذي كُتب واعتُمد قبل 77 عامًا، وحصرَ العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي في خمس دول سيادية نووية كبرى هي: الولايات المتحدة الأمريكية، وجمهورية الصين الشعبية(وجمهورية الصين سابقًا)، والجمهورية الفرنسية، وروسيا الاتحادية(اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوڤيتية سابقًا)، والمملكة المتحدة بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية. وقد كان الأعضاء الدائمون حلفاء في الحرب العالمية الثانية(والمنتصرون في الحرب)، والدول العشر المتبقية في المجلس يتم انتخابها من قبل الجمعية العمومية كل سنتيْن، ويمتلك الأعضاء الخمس الدائمون حق الڤيتو، الذي يمكن كل منهم منع اعتماد أي مشروع قرار “جوهري” للمجلس، بغض النظر عن مستوى دعمه الدولي، وحصر العضوية الدائمة في خمس دول نووية كبرى لها حق تعطيل أي قرار لا يتفق مع مصالحها أدّى إلى تسييس الأمم المتحدة وانحيازها، واتباعها المعايير المزدوجة، ممّا عطّل العمل بميثاقها، فمنح الخمس الدول حقي ديمومة العضوية والفيتو شل الأمم المتحدة وأفقدها المصداقية والثقة بها، حتى مع الأعضاء الدائمين؛ إذ نجد الدول الخمس تمثل المعسكريْن الغربي(الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) والشرقي(روسيا والصين)، وكلُنا يلمس ويُدرك استعلاء الغرب على الشرق، ويريد أن يكون هو المسيطر وصاحب السيادة على العالم، فالكتلة الغربية في مجلس الأمن بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على ما يخدم مصالحها على حساب سيادة دول مُستضعفة، بما في ذلك العدوان عليها بحجة حماية أمنها القومي رغم بعدها عنها بآلاف الكيلومترات، فكان الغزو الأنجلو الأمريكي على العراق عام 2003، بحجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي تهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية التي تبعد عنها بأكثر من 11 ألف كلم، ومع ثبوت خلو العراق منها، واعتراف جورج بوش الابن أنّ ادعاء امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل كان مجرد أكذوبة، وحدث الغزو بدون صدور موافقة من مجلس الأمن لم يفرض مجلس الأمن أية عقوبة على الدولتين الغازيتين، ولم تُفرض عليهما أية تعويضات مالية للمتضررين من الغزو، بينما فرضت الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي ودول الناتو عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا لقيامها بعملية عسكرية ضد أوكرانيا حماية أمنها القومي لإخلال الأخيرة باتفاقية منسك، بتحريض من الولايات المتحدة وبريطانيا، وقد أضرّت تلك العقوبات بالاقتصاد العالمي، وزادت نسب التضخم في العالم، ولا تزال تلك الدول مستمرة في فرض عقوباتها، مع تهديدها لدولة كبرى كالصين، ودولة نووية كالهند بتنفيذ عليها ذات العقوبات إذا لم تلتزما بعقوباتها على روسيا المُراد إفلاسها، وتحطيمها اقتصاديًا مع دعم أوكرانيا بمختلف الأسلحة لإطالة أمد الحرب لاستنزاف القوة العسكرية لروسيا للقضاء عليها كقوة سيادية كبرى لتستفرد بعد ذلك بالصين للقضاء عليها، وتصبح عندئذ الولايات المتحدة القطب الأوحد في العالم المُتسّيِدة عليه.
إنّ القوى الكبرى المُتحكّمة في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية التي تسير في فلكها لا تعمل إلّا لمصالحها، ومُسخِّرة المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة لشرعنة ما تقوم به، والعقوبات التي تفرضها على الدول لا تخدم إلّا مصالحها، وبظهر هذا بوضوح في رفع الولايات المتحدة الحوثيين من قائمة الإرهاب، وهي عازمة الآن لرفع الحرث الثوري من قائمة الإرهاب لإتمام الاتفاق النووي.
ويؤكد انحياز الأمم المتحدة وتسييسها غضها الطرف عن وجود 30 مختبرًا في أوكرانيًا للأسلحة البيلوجية الممولة من البنتاجون، ورغم ما قدمته روسيا من وثائق تثبت صحة ذلك، وتورط هانتر جو بايدن في هذه العملية، ولكنّها لم تستجب لطلب إجراء تحقيق دولي في هذه القضية، بل أعلن الأمين العام للأمم المتحدة انحيازه لأوكرانيا، مع أنّ منصبه هذا يلزمه أن يكون محايدًا في جميع مواقفه.
وكما اتضح لنا، أنّه عندما فرضت الدول الغربية العقوبات الاقتصادية على روسيا لغزوها أوكرانيا استثنت الوقود والغاز الروسييْن منها لحاجة دول الاتحاد الأوروبي لهما، ولولا ذلك لجعلتهما ضمن العقوبات الاقتصادية غير مبالية بالضرر البالغ الذي سيلحق بالدول الأخرى المستوردة له، وبالاقتصاد العالمي الذي سيتضرر أكثر من تلك العقوبات وسيزيد من التضخم الذي لحق به، مع اختفاء سلع غذائية أساسية في دول كثيرة، ولاسيما الفقيرة المُهدّدة بمجاعات.
هذا وقد جاءت هذه الضربة على الاقتصاد العالمي ولم يتعاف بعد من ما لحق به من جراء جائحة كورونا التي يُشتبه أنّ فيروس كورونا مصنعًا ،والأدهى من هذا أنّ من مخططات الإدارة الأمريكية توريط الصين في غزو تايوان، وذلك بتحريض تايوان على إعلان انفصالها عن الصين، كما ورّطت روسيا في قيامها بحملتها العسكرية على أوكرانيا نتيجة انقلاب أوكرانيا عام 2014 الذي كانت وراءه إدارة أوباما للإتيان بسلطة موالية لأمريكا ومعادية لروسيا، ودفعتها إلى انتهاك لاتفاق منسك الذي انبثقت عنه الأزمة الأوكرانية الروسية.
ولا يُستبعد أنّ الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي سيجران العالم إلى حرب نووية في أية لحظة، فحشود جنود الناتو والأسلحة والمعدات الحربية على الحدود الروسية تنذر بذلك، ممّا يستدعي أن يتحرّك الحكماء والعقلاء في دول العالم لإنقاذ العالم من الهلاك الذي ستؤدي به القوى المتحكّمة فيه الآن، مالم يتم تكوين نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يكون ممثلًا لجميع دول العالم، مع العمل على إجراء تعديلات جذرية في ميثاق الأمم المتحدة، وإلغاء حق الفيتو ومنح الكتلة العربية والإسلامية حق العضوية الدائمة في مجلس الأمن ليتحقق التوازن في القوى، وأنّ يكون فرض العقوبات من حق الأمم المتحدة بموافقة ثلثي أعضائها، ولا يحق لدول بعينها فرض العقوبات، وإلزام دول العالم الالتزام بها بتهدديها بفرض ذات العقوبات عليها، كما هي الحال الآن، ولابد من وضع حد لنهاية قانون الغاب الذي يُحكم به العالم بمعايير مزدوجة فلا تُساءل القوى الغربية عمّا تقترفه من جرائم في حق الشعوب المستضعفة، فها هي آثار التجارب النووية السرية التي أجرتها فرنسا في الجزائر منذ أكثر من 60 عامًا لا تزال حاضرة في حياة سكان عدد من المناطق جنوبي الجزائر من إجراء فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر بين عامي 1960 و1967، من بينها 11 اختبارًا في منشآت عسكرية فرنسية على الأراضي الجزائرية بعد حصول البلاد على استقلالها عام 1962،.ويوضح التقرير الذي كشفت عنه صحيفة اندبندنت البريطانية أنّ كثيرًا من النفايات ومخلفات تلك التجارب، بما في ذلك الدبابات والمروحيات والطائرات التي استخدمت آنذاك، لا تزال مدفونة في الرمال، وتعادل 3 آلاف طن من المخلفات وفقًا لتقديرات اللجنة الفرنسية التابعة للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية.
فهل دول كهذه تستحق الحصول على حق الفيتو في قرارات تتعلق بمصير الشعوب المستضعفة؟
أمّا حلف الناتو الذي يستقوي به الغرب على سائر شعوب الأرض وقد دمّر يوغوسلافيا وفتّتها عام 1999، وليبيا عام 2011، ولم تٌفرض عليه أية عقوبات وتعويضات مالية، فلا مبرر لوجوده بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو ذريعتا قيامه.
البريد الالكتروني: Suhaila_hammad@hotmail.com ر ابط المقال : الأمم المتحدة بين التسييس والانحياز – جريدة المدينة (al-madina.com)