سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة 7 إبريل عام 2022م.

    رغم أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والدول الأوروبية وأستراليا والمنظمّات الدولية التي تقع تحت الهيْمنة الأمريكية؛ نستنكر الانقلابات غير الشرعية وتبادر بفرض عقوباتها على الانقلابيين؛ إذ  نجد إدارة أوباما الأمريكية قد صنّفت  ثورة الشعب المصري 30 يونيه عام 2013 على حكم الأخوان انقلابًا، وأجّجت المجتمع الدولي ضد إرادة الشعب المصري، وحاولت عزل مصر، ولكن وقفة شقيقتها السعودية معها أفشلت تلك المحاولة، في حين لم تستنكر انقلاب الحوثيين في اليمن  على الشرعية، ولم تفرض عليهم أية عقوبات، ولم تعتبر ما قاموا به انقلابًا، بل أسمت الأمم المتحدة حكومتهم في تقاريرها “حكومة الأمر الواقع”، وطوال السنوات الماضية منحتهم فرصًا ذهبية لمواصلة انقلابهم على الشرعية، واعتبرتهم واشنطن أمرًا واقعًا، ويأتي ذلك بعد تصريحات للمبعوث الأميركي إلى اليمن وصف فيها جماعة الحوثي بالطرف الشرعي، وفي أواخر عهد الرئيس ترامب صنّف الحوثيين جماعة إرهابية، وعندما أصبح بايدن رئيسًا بعد أشهر من ذاك التصنيف كان من أولى القرارات التي اتخذها بعد دخوله البيت الأبيض رفع الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية، فأعطاهم بذلك  الضوء الأخضر لممارسة هجماتهم بالصواريخ  والمسيِّرات المتكررة على المنشآت الحيوية  في السعودية، وهناك إمكانية رفع الرئيس بايدن الحرث الثوري من قائمة الإرهاب بشرط أن تخفِّف  إيران من تصعيدها في المنطقة، وذلك لإتمام الاتفاق النووي، ونلاحظ هنا لم يشترط على إيران إيقاف  عملياتها في المنطقة، وإنّما طالبها بتخفيف التصعيد، وهذا بمثابة إعطاء الضوء الأخضر لإيران  باستمرار عمليات ميليشياتها المسلحة في المنطقة، وفي مقدمتها استمرار هجمات  الحوثيين على المنشآت الحيوية المدنية في السعودية من مطارات(الرياض، وأبها، وجيزان ونجران، خميس مشيط)، بل وجهت ضربات إلى مكّة المكرّمة  عامي 2016، 2017م، إضافة إلى ضربها منشآت بترولية، في وقت مورست ضغوط على قوات التحالف والجيش اليمني لتخفيف هجماتهم على الحوثيين مؤخرًا التي مكّنتهم من تحرير مدن يمنية من سطوتهم عليها، وما كان من إيران إلّا أن أعطت للحوثيين إشارة التصعيد فكانت هجماتهم الأخيرة على المنشآـت البترولية في جدة ورابغ وجيزان ونجران ورأس تنورة والظهران وغيرها، كما استهدفت محطات معالجة المياه والبنية التحتية للطاقة في 19 و20 مارس/آذار 2022م.

ولم تتخذ  الأمم المتحدة  أي موقف من ضربات الحوثيين الأخيرة على خزانات البترول في جدة، ولا حتى الشجب، بينما نجدها أصدرت بيانًا احتجاجيًا على  العملية النوعية التي نفذها تحالف دعم الشرعية ضد مواقع حوثية لتجميع وتفخيخ وإطلاق الزوارق المسيرة ردًا على هجمات الحوثيين الأخيرة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على السعودية!

ورغم مخالفة الحوثيين لاتفاق ستوكهولم  في 13 ديسمبر عام 2018م، الذي نص على:”وقف  كامل لإطلاق النار وانسحاب عسكري لكافة الأطراف من محافظة الحديدة، كما تضمن الاتفاق إشراف قوى محلية على النظام في المدينة، لتبقى الحديدة ممرًا آمنًا للمساعدات الإنسانية، وانسحاب ميليشيات الحوثي من المدينة والميناء خلال 14 يومًا، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها.” ؛ إذ

 خرق  الحوثيون اتفاق وقف إطلاق النار هذا الاتفاق من يومه الأول، ولم ينسحبوا من الحديدة، وحالوا دون دخول السفن الإغاثية والتجارية والنفطية إلى مينائي الحديدة والصليف، مع احتجاز بعضها كناقلة صافر، وقصف 7 منها 4 سفن سعودية وسفينتان إماراتيتان وسفينة تركية في البحر الأحمر، ونهبها (697) شاحنة إغاثية في الطرق الرابطة بين محافظات الحديدة وصنعاء وإب وتعز وحجة وذمار، ومداخل المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرتها، مع أنّ بعض تلك الشاحنات المنهوبة كانت تحمل أدوية خاصة بوباء الكوليرا ولقاحات الأطفال، كما استخدمت بعض المباني المحاذية للمخازن ثكنات عسكرية.[ من تقرير اللجنة العليا للإغاثة]

  بل استغلّت إيران وحزب الله  لمينائي الحديدة والصليف في تهريب الأسلحة والخبراء إلى الحوثيين الذين حوّلوا ميناء الحديدة إلى معامل ومخازن للقوارب المفخخة والألغام البحرية المهددة لخطوط الملاحة الدولية”. على مرأى من مراقبي الأمم المتحدة ولم تتخذ أي إجراء ضدهم، أو حتى إصدار بيانات تشجب كل هذه الخروقات لاتفاق ستوكهولم،.

  وكما قال عضو الفريق الحكومي في لجنة تنسيق إعادة الانتشار، العميد صادق دويد:” أنّ  تغاضي الأمم المتحدة عن ما يقوم به الحوثيون من انتهاكات لاتفاق ستوكهولم جعل من الاتفاق نافذة تستغلها إيران لإقلاق أمن الملاحة والتجارة الدوليتين في البحر الأحمر”.

  خلاصة القول إنّ الولايات المتحدة الأمريكية تريد استمرار التواجد الحوثي في اليمن لاستنزاف السعودية على الخصوص لإضعافها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، فهي لا تريد أن تكون السعودية دولة قوية، ويلتزم بهذه السياسة كندا وأروبا وأستراليا والأمم المتحدة وسائر المنظمّات الدولية، إضافة إلى روسيا والصين حليفتا إيران، وهذا يُبرر صمت المجتمع الدولي تجاه جرائم الحوثيين داخل اليمن من تجنيد الأطفال، وقصف المدنيين والنازحين اليمنيين، وزرع الألغام،  واستخدام المنشآت المدنية في اليمن مستودعات لأسلحتها، وإطلاق صواريخها الموجه للسعودية من مطار صنعاء، إضافة إلى احتجازهم للناقلة صافر الراسية قرب الحديدة منذ عام 2015م، وبها 1،4 مليون برميل بترول، ورافضين إجراء عمليات الصيانة عليها، رغم أنّ مصادر فنية في شركة صافر النفطية كشفت عن تسرّب النفط بشكل جزئي من الناقلة، ممّا يضاعف المخاوف من حدوث كارثة بيئية وإنسانية في المنطقة قد تؤدي إلى موت الحياة في البحر الأحمر، فهي مهددة بالانفجار في أية لحظة، وليس من المعقول أن يعجز مجلس الأمن والأمم المتحدة والمجتمع الدولي عن إجبار ميليشيا مسلحة من إجراء عمليات صيانة لصافر، وفك احتجازها لها على مدى سبع سنوات، ولو كان هذا حدث على بحار أو محيطات تطل عليها الولايات المتحدة أو كندا، أو أروبا أو أستراليا زإسرائيل لما تم احتجاز هذه الناقلة سبعة أيام وليس سبع سنوات، فمن سوء حظ البحر الأحمر أنّه بُحيرة عربية وأفريقية!

 وممّا يثير الدهشة اكتفاء الأمم المتحدة والولايات المتحدة بإدانة احتجاز الحوثيين لموظفي سفارتها اليمنيين وموظفي الأمم المتحدة في صنعاء.

  إنّ انحياز الأمم المتحدة للحوثيين واضح للعيان لدرجة سماحها للحوثيين استخدام طائراتها وسياراتها، وكلما يصبح مجرى سير المعارك ليس لصالح الحوثيين نجد التدخل الفوري للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإيقاف القتال، مع منع تسليح الجيش اليمني، والتغاضي عن السلاح المهرب من إيران وحزب الله للحوثيين، ممّا أطال أمد الحرب الاستنزافية في اليمن إلى جانب انحياز الدول الغربية وأستراليا وروسيا والصين لإيران وميليشياتها المسلحة في المنطقة.

  وهذا الانحياز أفقد الثقة بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وشل دورها في إحلال السلام في اليمن، وكلنا أمل أن تُثمر المشاورات اليمنية ـ اليمنية” التي انطلقت برعاية مجلس التعاون الخليجي يوم 30 مارس وحتى7 أبريل، إلى الوصول إلى التوافق بين الأطراف اليمنية المجتمعة، وتنبذ جميع الخلافات، وتوحد قواها لمواجهة الحوثيين الذي تخلفوا عن حضور هذه المشاورات ليعم السلام جميع أرجاء اليمن، ويعود إليه أمنه واستقراره، وكلنا أمل في أنّ الهدنة التي أعلنها التحالف لمدة شهريْن ستعزز عملية السلام ، وتنهي الحرب في اليمن.

البريد الالكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com

رابط المقال :

https://www.al-madina.com/article/782868/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%AA%D9%89-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%86%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%8A%D9%86

Leave a Reply