سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة في 3/3/2022م
أُثير جدل كبير في المجتمع المصري خاصة والمجتمعات العربية عامة حول تجريم أو مشروعية ضرب المرأة عندما تحدثت النائبة أمل سلامة عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري في أحد البرامج التلفازية عن مشروع القانون الذي قدّمته للبرلمان المصري يقضي بمعاقبة من يضرب زوجته، أو تضرب زوجها، نشأ عنه عجزًا عن العمل مدة تزيد على 20 يومًا أو عاهة مستديمة يستحيل شفاؤها بالسجن مدة تصل إلى 3 سنوات، وفى حالة الضرب مع سبق الإصرار والترصد ترتفع العقوبة إلى 5 سنوات، وذلك للحد من العنف الأسري لعدم وجود نص في القانون يعاقب على تلك الجريمة بعدما أثبتت الدراسات أنّ نحو 8 ملايين سيدة في مصر تتعرض للعنف الأسرى.
فلقد أعترض بعض الرجال على هذا القانون بدعوى أنّ ضرب الزوج لزوجته بأمر من الله تعالى في قوله تعالى:(وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)[النساء: 34]وذلك لشيوع المفهوم الخاطئ لمعنى(واضربوهن)بالضرب البدني، وهو المعنى الذي ذهب إليه معظم المُفسِّرين والفقهاء مبتعدين عن معاني الضرب في معاجم اللغة، ومعناه في حالة نشوز الزوجة، وهو المفارقة والترك والاعتزال، وهو الذي طبّقه عمليًا الرسول صلى الله عليه عندما غضب من زوجاته، فلجأ إلى” المشربة” شهرًا كاملًا تاركًا ومفارقًا لزوجاته ومنازلهن مخيرًا إياهن بعدها بين طاعته والرضا بالعيش معه على ما يرتضينه من العيش، وإلاَّ انصرف عنهن وطلَّقهن في إحسان(عسى ربه إن طلقكًنَّ أن يُبدله أزواجًا خيرًا منكنَّ)[التحريم:5]وهو عليه أفضل الصلاة والسلام لم يتعرَّض لأية واحدة منهن خلال ذلك بأي لون من ألوان الأذى الجسدي، أو اللطم، أو المهانة بأية صورة من الصور، ولو كان الضرب بمعنى الأذى الجسدي والنفسي أمرًا إلهيًا ودواءً ناجعًا لكان عليه السلام أول من بادر إليه ويفعل ويطيع.
ومن المتناقضات المجتمعية إقرار ضرب الزوجة الأم البالغة الرشيدة، وتحريم ضرب الأطفال في المدارس الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد!
ومن المؤكّد أنّ الله جل شأنه لم يأمر بضرب الزوجات، وهو القائل جلّ شأنه: (ولهن مثل الذي عليهن)(هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن)(وعاشروهن بالمعروف)( إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)
وهذا الذي تؤكِّده السنة النبوية الصحيحة القولية والفعلية، فلم يرد حديثًا بجيز ضرب الزوجة، بل وردت أحاديث تنهى عن ضربها وضرب النساء جميعًا منها:”لا تضربوا إماء الله”، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الفعل في الجاهلية فقال:”لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثمّ يجامعها في آخر اليوم”[رواه البخاري]كما نهى عن الضرب والتقبيح، فقال: عندما سُئل ما تقول في نسائنا؟”أطعموهن ممّا تأكلون واكسوهن ممّا تكسوهن، ولا تضربوهن ولا تقبِّحوهن “
وكان عليه الصلاة والسلام نموذجًا يُحتذى في تعامله مع زوجاته، وأهل بيته، فكان يلاطفهن في حالة غضبهنّ، وكان صبورًا وحليمًا معهن، وبارًا بهن، وكان يساعدهن في خدمة البيت، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها:«كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ» وكان يمهد لزوجه موضعًا لينًا لركوبها يعيره ويضع ركبته فتصعد عليها، وكان يراعي مشاعر زوجاته، بل كان يأبى إجابة دعوة لطعام حتى تصحبه زوجه، وكان يسابق السيدة عائشة رضي الله عنها، ويعرض عليها النظر إلى لعب الأحباش ويقف معها حتى تنصرف هي.
وإنّني لأعجبُ من أولئك الذين يقولون بمشروعية ضرب الزوجة ويرفضون تجريمه، وهذا النموذج العملي لمعاملة الزوج لزوجته متمثلًا أمامهم في خير الأنام سيد الخلق أجمعين رسول الله ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فلنجعله قدوتنا في تعاملنا مع أهل بيوتنا، ونلغي العنف بكل أنواعه في تعاملنا معهم، ونجعل الحب والسكن والمودة والاحترام قوام حياتنا الأسرية.
كل الذي أرجوه من علماء الأمة وفقهائها أن يعيدوا قراءة آية النشوز، وأن يتوقفوا عند تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم العملي لها، وكفانا تجاهلهم له أكثر من أربعة عشر قرنًا، وكفانا معاناة نساء الإسلام من الضرب البدني كل تلك القرون نتيجة هذا التجاهل، والقول بمشروعية ضرب الزوج زوجته ـبل القول بمشروعية ضرب كل الرجال لكل النساء لتأديبهنّ، فالأمر لا يتطلب تقييد ولي الأمر لحكم الضرب البدني للزوجة الناشز لأنّه أصلًا لا وجود له، وكل ما في الأمر أن يُعلن علماء الأمة وفقهائها تصحيح مفهوم كلمة(واضربوهنّ) الواردة في آية النشوز، وأن تسن الجهات التشريعية قوانين رادعة تُجرّم ضرب الزوجة وجميع النساء، وبذلك نطوي صفحة العنف ضد المرأة وإهانتها.
البريد الكتروني : Suhaila_hammad@hotmail.com
رابط المقال في جريدة المدينة في اليوم العالمي للمرأة.. لا لضرب المرأة! – جريدة المدينة (al-madina.com)