سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة بتاريخ 10 فبراير 2022م

 بيّنتُ في مقالات سابقة  خطورة التواجد الإيراني في ليبيا وتونس والمغرب والجزائر والسودان والقرن الأفريقي الذي يهدف إلى إيجاد خلايا شيعية من مواطني تلك البلاد تخدم أهداف ومخططات إيران من خلال تحويل السنة إلى شيعة  تحت مظلتي التعاون السياحي والثقافي، ولم تكتف إيران بهذه الدول؛ إذ نجدها امتدت إلى غرب أفريقيا وشرقها شاملًا القرن الأفريقي، فقد نقل موقع “عصر إيران” عن موقع “شيعة نيوز” أنّ عدد الشيعة في غرب أفريقيا يصل الآن إلى نحو 7 ملايين شخص، وذلك في ظل تغلل إيراني ـبهدف بسط نفوذها في تلك البلاد عن طريق تحويل السُنّة إلى شيعة   ليكون ولاء من تشيّعوا للولي الفقيه (حسب عقيدة الاثنا عشرية  ينوب عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الإسلامية وإقامة حكم اللّه على الأرض) وليس لأوطانهم، فيُنفّذون أوامر الخميني على حساب أوطانهم وشعوبها من خلال تسليحها لهم وتدريبهم على تفخيخ المسيرات والسيّارات والقوارب وزرع الألغام في الأراضي والبحار، وإطلاق الصواريخ البلاستية ُلزعزعة الاستقرار في بلادهم، وإضعاف دولهم، بل إفشالها كما رأينا في لبنان.

   وعندما نذهب إلى أفريقيا نجد أنّ محمد دار الحكمة ـ المنسق بين الشيعة الأفارقة ومكتب محمد باقر الصدرـ في غينيا أنّ التوجه نحو التشيع في تنامٍ مطرد في دول غرب أفريقيا، وكشف دار الحكمة عن إتمام تأسيس “مجمع شباب أهل البيت” في غينيا.من جهة أخرى، أعلن زعيم الشيعة في جزر القُمر محمود عبد الله إبراهيم أنّ التوجه نحو تحويل السنة إلى شيعة  لدى أبناء هذا البلد آخذ في التنامي بعدما تحول هو نفسه إلى العقيدة الشيعية عام 2004، وجاء في موقع “عصر إيران” أنّ الشيخ محمود عبد الله إبراهيم التقى مسؤولي الحوزة العلمية في قُم وأعطى شرحًا عن وضع الشيعة في جزر القُمر، موضحًا: “في عام 2006 عندما بدأنا التبليغ للتشيع لم يكن حتى شخص واحد ينتمي إلى التشيع لكن الآن هناك أكثر من 100 شخص أصحبوا شيعة”.

وكانت إيران قد سعت خلال ال 17 السنة الماضية إلى تعزيز وجودها   المذهبي والاستراتيجي والاقتصادي والاستثماري في غرب أفريقيا، وكانت صحيفة “هآرتس” العبرية قد نقلت في وقت سابق عن تجار ألماس”إسرائيليين” في دول غربي أفريقيا قولهم أنّ “المشـكلة الكبرى للإسرائيليين في هذه المنطقة هي أنّ هناك دولًا يسيطر فيها لبنانيون متماثلون في الغالب مع حزب الله، على صناعة الألمــاس، وهناك دول صارت تعرف كدول حزب الله تعمل كذراع للنفوذ الإيراني في القارة”.واعتبرت الصحيفة أنّ اللبنانييـــن يعدون بالملايين في أفريقيا، وقسم منهم شـيعة يســـاندون حزب الله بالمال الوفير وبالدعم اللوجيستي، مما يسهل أكثر نقل المذهب الشيعي وبناء الحوزات العلمية والمراكز الثقافية.

   ومن البلاد التي تربطها إيران بعلاقات قوية السنغال، التي استأنفت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران عام 1990 خلال رئاسة  رفسنجاني،  ومنذ ذلك الحين تطورت العلاقات بين البلدين، الذي امتد إلى نفوذ اقتصادي إيراني مع توسع النفوذ الشيعي حيث بنى الإيرانيون حوزة علمية في قلب العاصمة داكار، تسمى حوزة الرسول الأعظم، ، ووفقًا لمصادر عدة فإنّه يوجد الكثير من الجمعيات الشيعية الناشــــطة في السنغال، ترعاها الجالية اللبنانية ذات النفوذ المالي والاقتصادي القوي، ويعمل بعض هذه الجمعيات في المجال الاجتماعي كمساعدة الأهالي وبناء المدارس والمستوصفات.وكانت إيران قد بدأت إحصاءً عدديًا لعدد الشيعة في القارة السمراء لعام 2008م  من خلال مجمع “أهل البيت” الذي يتبع الزعيم الأعلى لإيران ،  فبيّن أنّ عدد الشيعة في مالي – دولة سنية بالأساس – حوالي 1% من السكان، حيث يبلغ عدد السنة في الدولة لـ 12 مليون شخص، بينما الشيعة 120 ألفا.

  وفي السنغال – وهي أحد أهم مراكز النفوذ الإيراني في غرب أفريقيا – يبلغ عدد السكان نحو 12 مليون نسمة، بينهم أكثر من نصف مليون شيعي (5%) من السكان.أمّا غينيا بيساو – وهي أيضًا من دول غرب أفريقيا – فقد بلغ عدد المسلمين فيها 680 ألف نسمة، بينهم أقل من 6800 شيعي (أقل من 1%). بينما أعداد الشيعة في زامبيا تتراوح بين 1و2%.

أمّا في نيجيريا فقد اتخذت الحكومة النيجيرية في يوليو عام 2019م  قرارًا بحظر الحركة الإسلامية في نيجيريا، التي توصف بأنّها جماعة شيعية موالية لإيران. واتهمت الحكومة الحركة بأنّها “عدوة للدولة”. ويُخشى أن تتحوّل نيجيريا الدولة الغنية بالنفط – إلى ساحة صراع بين السنة والشيعة. وقد أُسِّست الحركة منذ حوالي أربعة عقود، وتنادي بتأسيس دولة إسلامية على النمط الإيراني في نيجيريا.وتأثرت الحركة كثيرًا بالثورة الإسلامية الإيرانية، وقد ظل الخميني مثلًا أعلى للحركة، يُقسم أفرادها على الولاء له أولًا في اجتماعهم، ومن ثم لقائد الجماعة الشيخ إبراهيم زكزاكي، المعتقل منذ عام 2015 . ولا تعترف الحركة بسلطة الحكومة النيجيرية، وترى أنّ المسؤولين الحكوميين، سواء مسيحيين أو مسلمين، فاسدون وغير شرعيين.وللحركة فروع شديدة التنظيم، وكيانات إدارية في كل الولايات النيجيرية (وعددها 36) تشكل ما يشبه الهيكل الحكومي.كما تدير الحركة شبكة من المدارس والمستشفيات في شمال البلاد، حيث يعيش أغلب المسلمين.ولدى الحركة مؤسسة مسجلة لدى الحكومة تحمل اسم “فُدية”. وتدير المؤسسة “أكثر من 360 مدرسة ابتدائية وثانوية.

  هذا ولم يقتصر التواجد الإيراني في غرب وشرق أفريقيا وإنّما امتد إلى اتحاد جنوب أفريقيا من خلال ليسوتو ، والدول الأفريقية الصغيرة.

  وهكذا نجد الخمينين قد نهجوا نهج الصفويين في تحويل السنة إلى شيعة، فقد حدثت  عملية تحويل الصفويين لإيران من المذهب السني إلى المذهب الشيعي  خلال القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر وتحولت فيها إيران (بلاد فارس)، إلى المذهب الشيعي بعد أن كان لها سابقًا أغلبية سنية، وقد  تضمنت التحويل القسري وأدت إلى عداء مع جيران إيران السنة، ولا سيما الإمبراطورية العثمانية. كما كفل التحول هيمنة الطائفة الإثني عشرية داخل الشيعة على الزيدية وطوائف الإسماعيلية ـــــــ كما حوّل الصفويون الجدد(الإثني عشرية الحوثيين الزيدية إلى مذهبهم الإثني عشري- وقد أعاد الصفويون توحيد إيران كدولة مستقلة عام1501 وأعلنوا التشيع الإثن عشري كمذهب رسمي لإمبراطوريتهم، ممّا مثل إحدى أهم نقاط التحول في تاريخ الإسلام ، وامتد التحويل إلى أذربيجان؛ إذ تأتي نسبة الشيعة فيها في المرتبة الثانية بعد إيران.

   إذًا مخطط الصفويين الجدد هو تغيير التركيبة السكانية في العالم السني، بتحويل السنّة إلى شيعة اثنى عشرية، وتكوين منهم ميليشيات مسلحة تعمل على إشاعة الفوضى في بلادهم ليبسط الصفويون الجدد نفوذهم عليها لتكون لهم الزعامة على العالم الإسلامي في المقام الأول.

   والمؤسف غياب الدول السنية عن القارة السمراء، وترك الصفويين الجُدد يصولون ويجولون فيها، كما غابوا من قبل عن عملية التحويل التي قام بها الصفويون القدامى.

البريد اليكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com

المصدر: جريدة المدينة

https://www.al-madina.com/article/773967/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D9%88%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7

Leave a Reply