سهيلة زين العابدين حمّاد

نشر في جريدة المدينة بتاريخ 20 يناير 2022م

   لعلّكم تتذكّرون  تحذير  الملك الأردني عبد الله الثاني عام 2004  مما سمّاه بِ”الهلال الشيعي” في حديثه لصحيفة “واشنطن بوست” أثناء زيارته الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ عبّر فيه  عن مخاوف بلاده من وصول حكومة عراقية متعاونة مع إيران، ونظام البعث في دمشق لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ إيران يمتد إلى لبنان، وكانت مخاوف الملك الأردني في محلها، فقد تعاظم الخطر الإيراني، وامتد إلى اليمن، كما أوجد له خلايا نائمة في بعض دول الخليج العربي.ففي خضم الصراع الطائفي الذي تعيشه البلاد العربية بين إيران،  والذي أثارته الولايات المتحدة الأمريكية منذ غزوها للعراق عام 2003م، وأشعلته عام 2011 بما أسمته بالربيع العربي، والذي مكّنت خلاله إيران من العراق وسوريا واليمن، ولم تكتف بهذا؛ إذ نجدها تسعى  إلى فرض معادلة جغراسياسية جديدة قائمة على تطوير علاقاتها الاقتصادية وخاصة الثقافية مع دول المغرب العربي، وشرق أفريقيا وغربها بتشييع السُّنة لتكوين منهم ميليشيات مسلحة تخدم أهداف إيران ومخططاتها في أفريقيا، فإيران اليوم تلعب لعبة القوة الإقليمية النووية والاقتصادية والثقافية ولعلّ في حجز جناح خاص للحضارة الفارسية-الإيرانية في متحف اللوفر بباريس، إثر الزيارة الرسمية للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى فرنسا في يناير 2016، تأكيد إيراني عن اعتماد الثقافة بمثابة سلاح جديد يروج لحضارتها، ويبسط نفوذها، فالثقافة لا تؤمن بالحدود الجغرافية ولا بالصراعات السياسية ولا المذهبية ولا حتى الاقتصادية، وهي من أهم الاسلحة التي تعتمدها القوى في العالم لغزو الشعوب، ولعل هذا هو التوجه الإيراني الجديد بعد إقرار مرشد الثورة الإيرانية “علي خامنئي “بالدور والتأثير الحاسم للثقافة” في خطاب ألقاه بمناسبة عيد النيروز (السنة الإيرانية الجديدة) مارس 2014 الذي كان شعاره “الاقتصاد والثقافة بعزيمة وطنية وإدارة جهادية”.

  لذا كان التواجد الإيراني في بلاد المغرب العربي اقتصادي ثقافي ، فالثقافة الإيرانية كانت حاضرة بقوة في تونس من قبل ثورة يناير 2011م ، إلّا أنّ المخاوف من الامتداد الشيعي تضاعفت بعد ثورة يناير 2011 بسبب خروج تجمعات الشيعة في تونس في بعض مناطق الجنوب من السرية إلى العلن بعد تنصيص الدستور التونسي الجديد 2014 على أهمية احترام الأقليات الدينية.

وصدرت في الذكرى الثانية للثورة في يناير 2013 “الصحوة التونسية” أول صحيفة للشيعة في تونس وهي صحيفة أسبوعية مستقلة جامعة شعارها “الحق أحق أن يتبع”. لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد الشيعة في تونس إلا أن المتشيعين منهم يعتبرون انتماءهم للفكر الشيعي مرجعه الدولة الفاطمية التي حكمت تونس وشمال أفريقيا في القرن التاسع ميلادي والتي كانت تعتمد هذا المذهب.

   هذا وقد شنّت عناصر من الطبقة السياسية والفكرية حملة ضد التعاون الثنائي وانفتاح تونس نحو إيران خوفًا من امتداد”الفكر الصفوي، وقد دعت بعض الأحزاب السياسية إلى مساءلة وزيرة السياحة ورئيس الحكومة تحت قبة البرلمان للكشف عن خفايا اتفاق التعاون السياحي بين تونس وإيران. وأعلنت  مؤخرًا رئيسة الحزب الدستوري الحر التونسي “عبير موسي”، أنّ حزبها سيعود إلى الاعتصام مجدّدًا أمام مقر الإخوان في تونس بداية من يوم 14 ديسمبر الحالي إلى حين غلقه.وأضافت خلال ندوة صحفية أنّ ذلك يأتي على خلفية ما اعتبرته “تجاهل مطالب حزبها بحل هذا التنظيم المشبوه وقطع دابر التمدّد الإيراني في تونس”.

وهناك العديد من الأسباب التي أدت إلى التمدد الشيعي في تونس، وما ترتب عليها من نفوذ لحزب الله في تونس، والتي تتمثل فيما يلي:

 أولا: استغلال إيران وحزب الله سحق زين العابدين بن علي للحركة الإسلامية وتصفية التدين في تونس لتحسن علاقاتها معه لتخترق الساحة السنية في البلاد، فوثقت علاقاتها بالنظام التونسي على كل المستويات من تعاون سياسي وثقافي خاصة، ففسح المجال أمام الدعوة الشيعية، ورخص لهم ولأول مرة في تاريخ تونس الحديث بتأسيس أول جمعية شيعية في شهر أكتوبر 2003 وهي “جمعية أهل البيت الثقافية”، وقد طرحت على نفسها “المساهمة في إحياء مدرسة آل البيت ونشر ثقافتهم”، كما أذن الدكتاتور ابن علي بتوزيع الكتاب الشيعي هذا، فضلًا عن الاتصال المفتوح والمكثف بين رموز التشيع وإيران، كما وافق بن علي  على التحاق طلبة تونسيين بجامعات ومراكز شيعية في إيران. فالحاصل أن التشيع وجد في تونس في عهد المخلوع مجالًا للنشاط دون أية مضايقة أو اعتراض بل وجد تشجيعًا ودفعًا له.

ثانيًا : ما قامت وتقوم به البعثات الثّقافيّة الإيرانيّة من خلال سفارتها في تونس من اختراقات لوحدة البناء السّنّي وإرساء فتنة التّفريق بين المُكوّن المذهبي، وذلك عبر نشر لمطبوعات تُشكّك وتنال من عقائد السّنّة وتُؤسّس لعقائدها الفاسدة. مثل الطّعن في الصّحابة، والثالث الدور الكبير الذي لعبه جماعة “الإسلاميون التقدميون”، ومن أبرزهم إحميدة النيفر وصلاح الدين الجورشي في نشر كتب مرتضى مطهري وعلي شريعتي وباقر الصدر في مجلتهم 15/21 ومكتبتهم المُسماة “الجديد”، بالإضافة إلى الأثر الكبير الذي تمتع به “حزب الله”؛ بسبب ما يُروج ما قام به من عمل “بطولي” ضد المحتل اليهودي، في ظل تأثير القنوات الشيعية في التونسيين ومن أبرزها قناة “المنار” الفضائية “حزب الله” اللبناني.[     مخططات “حزب الله” وإيران لنشر “التشيع” في تونس، بوابة الحركات الاسلامية،

ثالثًا :  تعد مزايدة زعيم حركة النهضة “الإخوان المسلمون في تونس” راشد الغنوشي على “الإسلاميين التقدميين” الذين بدأوا منذ سنة 1978 يمثلون مشكلة- ربما يكونون المزاحم الخطير والمنافس الأبرز الذين سيختطفون الساحة الإسلامية والشباب الهائج الذي تماهى مع “الثورة” الإيرانية وشعاراتها البراقة، فراح الغنوشي يُزايد عليهم في مواقفه: خطاباته وكتاباته- دورًا في زرع بذرة التمدد الشيعي في تونس.[ المصدر السابق]

 ويتواجد الشيعة الإمامية اليوم  في أغلب المدن والولايات التونسية ، ومن أهمها ولاية قفصة وولاية قابس وولاية سوسة وولاية المهدية وكذلك تونس العاصمة.

 ومن المؤسسات الشيعية في تونس :

  1. “جمعية آل البيت الثقافية التونسية” التي تتلقى الدعم والتمويل عن طرق المركز الثقافي الإيراني في تونس، والتي تأسست نهاية عام 2003 وكانت بداية للظهور العلني الفج للمد الشيعي الإيراني في تونس، حيث أسسها المدعو “عماد الدين الحمروني” وهو من المتشيعين التونسيين المعروفين بولائهم لإيران وارتباطهم الوثيق بها، ولا يخفي “الحمروني” سعي جمعيته لنشر المذهب الشيعي الجعفري، بل ويتبجح بولائها المطلق لإيران وللمرجعيات الشيعية في قُم.
  2. 2.   “جمعية المودة الثقافية الشيعية التونسية” التي يقودها “مراد الشلبي” وهو تونسي ، وإن كان العارفون بالرجل يقولون إنّه اعتنق المذهب الشيعي، لكنه كان يخفيه ويعمل سرًا من أجل اكتتاب مزيد من الأتباع وبتنسيق مع إيران عبر سفارتها ومركزها الثقافي في تونس، وكذلك عبر بعض الجمعيات والمراكز الشيعية في المنطقة، وتدين هذه الجمعية بالولاء لإيران وحكامها، وتعتبرهم حكام المسلمين الشرعيين، كما تعتبر داعمًا كبيرًا في المنطقة لحزب الله الشيعي. [الغزو الشيعي الإيراني لتونس: من الثقافة إلى السياسية، مركز المزماة للدراسات والبحوث،

موقف الغنوشي من الشيعة

    موقف حركة النهضة “الإخوان” اتسم بالراغمتيه مع الطائفة الشيعية في تونس، ولم يخفي زعيم الشيعة في تونس الشيخ مبارك بعداش، والذي اعتنق المذهب الشيعي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بعد أن استقال من حركة الاتجاه الإسلامي، “النهضة” حاليا، حيث كان مسئولا تنظيميا للحركة على كامل جهات الجنوب التونسي، أنه “دعا”، وبطلب من النهضة، كل الشيعة في تونس لانتخاب الحركة في اقتراع 23 أكتوبر2011. ويرى الشيخ بعداش أن حركة النهضة أصبحت “حليفة لأمريكا” مشيرا إلى أنه كانت تربطه علاقة قوية برئيس الحركة راشد الغنوشي “لكن الكراسي تبدل النفوس، أنا أعرف الغنوشي، قد لا يمسك نفسه عن البكاء عندما يراني لكن السياسة تحتم حماية المصالح.” [ زعيم الشيعة في تونس: الغنوشي رفيقي لكن الكراسي تبدّل النفوس، مديل ايست، http://www.middle-east-online.com/?id=126844

ويضيف مبارك بعداش، فيقول بعد أن بلغ خبر تشيعه إلى قيادات الجماعة ” قال لي راشد (يقصد راشد الغنوشي): هنيئا! هل تشيعت؟ فقلت له: إنني أسألك عن ثلاثة أمور فإن أجبتني عنها تخليت عن التشيع. فقال: لا أريد أسئلتك لأنّنا لا نستطيع أن نجاري الشيعة في النقاش والحوار، فهم حزب قد شيدوا معتقدهم وأحكموا بناءه منذ زمن قديم، ولهم تاريخ حافل من أيام الإمام على (عليه السلام) !. فاستغربت من جوابه! وكان اعترافه هذا محفّزاً لتمسكي بالتشيع، وذلك لأنّني كنت أظن أنّ الشيعة أضعف منّا، وإذا برائد حركة الأخوان في تونس يقرّ بضعف العامة ـ قديماً وحديثاً ـ أمام الإمامية، فوجدت من غير اللائق لأيّ عاقل أن يتسلح بالعصا ويترك السيف!”.

[ نور الدين المباركي، الشيعة في تونس، موقع البينة نقلًا عن جريدة الوطن، http://www.albainah.net/Index.aspx?function=Item&id=16123&lang]

أمّا المغرب  فإلى جانب العلاقات بين البلدين في المجال الاقتصادي وخاصة الطاقة، سعت إيران إلى توطيد علاقاتها الثنائية معها في المجاليْن  السياحي والثقافي، وكان لها أنشطة “مشبوهة” نُسبت إلى السفارة الإيرانية تشمل نشر الفكر الشيعي في أوساط المغاربة، وممارسة التأثير الإيديولوجي على شرائح الشباب، وهو ما اعتبرته الرباط تدخلًا في الشأن الداخلي والسيادي للمغرب وإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي، فقطعت علاقاتها الدبلوماسية بإيران عام 2009م ، والتي عادت عام 2014م بشرط عدم التدخل الإيراني  في الشؤون الدينية للبلاد، ثم قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع إيران  للمرة الثانية في مايو 2018م على   نحو مفاجئ بعد اتهامات لـ “حزب الله” اللبناني المدعوم إيرانيا بالانخراط في علاقة “عسكرية” مع جبهة البوليساريو، عبر سفارة طهران بالجزائر، ما اعتبرته الرباط تهديدًا لأمنها واستقرارها.

عمومًا العلاقات المغربية- الإيرانية منذ اندلاع “الثورة الخُمينية” في طهران عام 1979 لا يمكن وصفها بالجيدة.

    أمّا الجزائر فقد ازدادت المخاوف الجزائرية من هذا التهديد أبان مشاركة وفد من الشيعة الجزائريين في الاحتفالات بأربعينية الإمام الحسين العام 2014 حيث رفع العلم الجزائري إبان هذه الاحتفالات في سماء كربلاء، الأمر الذي يؤكد مدى تمدد هذا التوجه في الجزائر خاصة في السنوات الأخيرة.

  وقد تمّ العثور على كتب ومطويات شيعية في بعض المساجد  في الجزائر العاصمة تحت عنوان “أدعية طواف وسعي” وهي كتب فارسية تسعى إلى نشر المذهب الشيعي في أوساط المصلين، قد تولدت عن ذلك حملة لطرد الملحق الثقافي بسفارة إيران بالجزائر أمير موسوي حركها الكاتب والحقوقي الجزائري المقيم بفرنسا أنور مالك الذي أكد أنّ موسوي “تجاوز مهمته الدبلوماسية فصار ينسق سريًا مع متشيعين جزائريين ونظم رحلات عدة إلى طهران وحتى النجف” مؤكدًا أنّهم “التقوا في إيران برجال دين شيعة وعناصر من جهاز المخابرات الإيراني والحرس الثوري”.الأمر الذي اعتبره مالك بمثابة “صناعة للوبي شيعي وطائفة شيعية معترف بها في الجزائر” وهو ما يهدد بجدية الأمن القومي الجزائري. وقد كشف في السياق ذاته، زعيم تنظيم “الصحوة الحرة السلفية” غير المعتمد في الجزائر عبد الفتاح حمداش عن “وجود أكثر من 3 آلاف شيعي في الجزائر ينتشرون في مناطق عدة ويتزعمهم شيخ يسهر على تنظيم التجمعات الحسينية.”

   هذا ويلاحظ أنّ إيران دخلت بلاد المغرب من بوابتي السياحة والثقافة، وركّزت على الثقافة بهدف تشييع السنة، وتسليحهم وتدربيهم عليه ليكونوا ميليشيات مُسّلّحة  موالية لإيران في بلاد المغرب العربي يعملون بالوكالة لتنفيذ أهدافها ومخططاتها مثل بعض دول المشرق العربي( لبنان والعراق وسوريا واليمن)، وهي بهذا تسير على خطى الصفويين القدامى في تشييع السُّنة ليدينوا  بالولاء  للولي الفقيه الإيراني الاثنا عشري.

البريد اليكتروني: suhaila_hammad@hotmail.com

المصدر : التواجد الإيراني في دول المغرب العربي – جريدة المدينة (al-madina.com)

Leave a Reply