سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة يوم السبت الموافق 3/7/ 2021م
أواصل الحديث عن أسس تطوير مناهج التعليم
خامسًا: العناية بالتربية المهنية
فالمنهج الجيد هو ذلك المنهج الذي يفسح مكانًا لتربية تلاميذ المرحلة الابتدائية تربية مهنية، فالتربية المهنية ينبغي ألاَّ تكون على هامش المنهج، بل ينبغي أن تكون من صميم المنهج؛ إذ ينبغي إدخال مادة الفنون الصناعية، أو الرسم الصناعي، والتدريبات الفنية واليدوية إلى جانب دروس العلوم تدرس كلها بغرض تعريف التلاميذ بفروع الإنتاج المختلفة، وكيفية تناول أدوات العمل واستخدامها، هذا إلى جانب تدريب عملي في المصانع والمزارع والمشروعات الصناعية، والذي يتم تحت إشراف المدرسة، فمنهج التربية المهنية أصبح ضمن المناهج في شتى الأنظمة التعليمية في الدول الصناعية المتقدمة، وهذا سر التقدم الصناعي فيه،لأنَّها تتيح للتلاميذ فرص تحمل مسؤوليات الحياة في خارج المدرسة على نحو يتمشى مع أقصى ما يستطيع كعضو عامل منتج في المجتمع الذي يعيش فيه، كما أنَّها تتضمن إرشادًا وتوجيهً وتعليمًا وتدريبًا يمكن التلميذ من التدرج في اختيار قدراته ومهارته واستعداداته وظروفه في عالم الواقع ليفهم لغته، وما يستطيع النجاح فيه أكثر من غيره، وليُقبل على نوع من العمل يتفق وإمكانياته ، وليتدرب التدريب المناسب كأساس لإلحاقه به خاصته، وما أحوجنا نحن في البلدان العربية أن يكون للتربية المهنية موقعها المناسب في مناهج التعليم الابتدائي، بل أنَّ حاجة البلاد العربية إلى تلك التربية أمس من حاجة غيرها، وذلك لأنَّنا في حاجة إلى مناهج تخرِّج لنا منتجين لا مستهلكين، ولعلَّ ذلك راجع إلى أنَّ المرحلة الابتدائية مرحلة مهنية بالنسبة لكثير من أبناء البلدان العربية، فإذا كانوا مزودين بشيء من التربية المهنية فإنَّ ذلك سوف يساعدهم على بدء حياة جديدة بلا خوف ولن يكون الموقف بالنسبة لهم موقفً محيرًا لا يدرون أين يتوجهون؟.[مرجع سابق ص 94،95]
سادسًا :- مراعاة الأسس النفسية للمنهج المدرسي
من الملاحظ على مناهجنا الدراسية أنَّها أخذت بنظرية “الملكات”، وما عرف بنظرية “التدريب الشكلي ” وآراء “جو ن لوك ” عن رغبات الأطفال وميولهم، وما يعرف باسم ” سيكولوجية هربارت، فنظرية الملكات تقول إنَّ الإنسان عنده ملكات عقلية مختلفة هي قوى خاصة يمتاز بعضها عن بعض مثل “ملكة التذكر ، و”ملكة التخيل ” ، و”ملكة الانتباه” ، وغيرها ؛ إذ كان أصحاب هذه النظرية كلما كشفوا عن طريق التأمل الباطني عملية خاصة في العقل أطلقوا عليها اسمًا وزعموا وجود ملكة، وكانت هذه النظرية ترى أنَّ الملكات المختلفة يمكن أن تلاحظ وتدرس مستقلة بعضها عن بعض، وكانت هذه الملكات تعد حقائق مركزية يجب أن تصنف تحتها المادة السيكولوجية “النفسية”، وقد تأثر المنهج المدرسي بهذه النظرية، فهي لم تنظر إلى العقل كوحدة متكاملة، فإنَّ المنهج المدرسي لم يهتم باتصال المواد الدراسية، ولم يعن بربط هذه المواد بحياة التلاميذ ، بل اهتم بتدريب الملكات كقوى مستقلة.[ د.عبد اللطيف فؤاد إبراهيم : المناهج ـ أسسها وتنظيماتها وتقويم أثرها، ص 110، 111]
وقد أثبت علم النفس الحديث خطأ هذه النظرية لأنَّ المظاهر المختلفة السالفة الذكر ليست متميزة بعضها عن بعض، بل أنَّها تمثل مظاهر شيء واحد هو الحياة العقلية، والإنسان مثلاً لا يستطيع أن يستدل أو يفكر أو يستنبط إلاَّ إذا قام في نفس الوقت بالتذكر والتخيل والانتباه، أي لا يمكن فصل العمليات العقلية عن بعضها البعض فهي وحدة واحدة لا تتجزأ.
ونظرية التدريب الشكلي القديمة بُنيت هي الأخرى على نظرية الملكات الخاطئة، إذ كانت ترى أنَّ الملكات أو القوى العقلية المستقلة تشبه العضلات في أنَّها يمكن أن تقوى بالتمرين عن طريق أي نشاط نختاره لها، فإذا زادت قوتها عن طريق هذا التمرين فإنَّه يسهل فيا بعد استخدامها في مواقف أخرى.
ولقد رأى أصحاب نظرية التدريب الشكلي وأنصارها إنَ العقل يستطيع أن يتدرب بدراسة أية مادة من المواد، مع أنَّ هناك بعض مواد تصلح أكثر من غيرها لأغراض التدريب؛ إذ تعطي قوة يمكن أن تطبق في أي اتجاه آخر.
وقد نصح لوك بالاهتمام بالعلوم لا للمعرفة الواقعية التي تتضمنها، ولكن للتدريب العقلي، ورأى ألاّ نجعل للتلاميذ يدرسون العلوم ليبرعوا في أي علم منها ، ولكن لتوسيع عقولهم إلى أقصى حد ممكن . وبما أنَّ تدريب العقل هو أهم ناحية في نظر ” لوك” فإنَّه كان يرى أن نعني عناية كبيرة بعقول الأطفال بأنَّ “نُخزِّن” فيها مبكرين ما سوف يؤثر في حياتهم باستمرار.
وقد تأثرت المناهج المدرسية بهذه الآراء وظهر هذا التأثير في عنايتها بإعطاء التلاميذ أكبر قدر ممكن من المعلومات في العلوم دون أي اهتمام بفائدتها في حياتهم، وظهر هذا التأثير أيضًا في عناية المناهج القديمة بأنَّ تكدَّس مبكراً عقول الأطفال أكبر قدر مستطاع من الحقائق والمعلومات والآراء دون أن يعني بقيمتها العلمية في حياتهم دون أن يعنى بملاءمتها لمستوى نضجهم.[المرجع السابق . ص 111-113]
وقد أثبت علم النَّفس الحديث خطأ هذه الآراء والنظريات.
رابط المقال في جريدة المدينة