بحوث ومؤتمرات

توظيف الأسطورة في الرواية والقصة السعودية

By 21 March، 2021April 26th, 2021No Comments

المملكة العربية السعودية وزارة الثقافة والإعلام مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث  ملخص ورقة عمل توظيف الأسطورة  في الرواية والقصة السعودية “الأصلة وطريق الحرير وخاتم وستر  لرجاء عالم ”  أنموذجاً” دراسة نقدية مقدمة من  د. سهيلة زين العابدين حمَّاد   لمؤتمر الأدباء السعوديين الثالث الذي نظمته وزارة الثقافة والإعلام في  الرياض في الفترة  من 27-30 ذي الحجة 1430هـ 14-17 ديسمبر 2009 م.                

 بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة • يغلب على المنهج الأسطوري في بناء القصة القصيرة والرواية السعودية ست  اتجاهات  • أولها : يتمثل في اللجوء إلى أسطرة الواقع باستغلال عناصره المنظورة والمألوفة ،والارتقاء بأحداثه إلى مستوى الأحداث الأسطورية ،واستلال الرؤية من خلال ذلك،كما في الأسطورة للدكتور غازي القصيبي ؛إذ جعل من قصة الأميرة ديانا أسطورة ،كما جعل  من اغتيال الرئيس جون كنيدي أسطورة أخرى.  • ثانيها : يتمثل في صياغة الحكاية الشعبية ،وإعادة بنائها بناءً دلالياً متميزاً ، كما في حكاية ” الجنية ” للدكتور غازي القصيبي “.،وقصة حورية البحر لخديجة الحربي.  • ثالثها : توظيف الأساطير الإغريقية القائمة على الوثنية من حيث تعدد الآلهة ،والصراع في بينها ،وصراع الإنسان معها ،ونلمس هذا في روايات رجاء عالم ” طريق الحرير ” ,و” خاتم ،و” سِتر”،وفي ” انفجار بحَّار مسكون بالخوف ” لعبده خال  ضمن مجموعته القصصية ” حوار على بوابة الأرض”.  • رابعها: توظيف الواقعية السحرية بكل عناصرها  ابتداءً من استخدام السحر إلى إسقاط الموت  بظهور أشباح الأموات ومعايشتها للأحياء بطريقة طبيعية لا تثير الذعر بينهم ،ولا تغير من عاداتهم اليومية الرتيبة ،وهذا يعود إلى المعتقدات الشعبية لدى شعوب أمريكا اللاتينية. • خامسها : توظيف عقيدة  تناسخ الأرواح الموجودة لدى الهندوس والبوذيين والمجوس،وعقيدتي الحلول وتناسخ الأرواح الموجودة لدى النُصيرية وغلاة الصوفية ،كما في قصة الأصلة ،ورواية طريق الحرير لرجاء عالم.  • سادسها : استخدام الأرقام ،ومالها من دلالات أسطورية ـ كما قال الدكتور معجب العدواني في تشكيل المكان وظلال العتبات ـ  أخذاً بمقولة فيثاغورث ” أنّ كل شيء عدد  ،والعدد تبعاً لذلك هو أساس العالم لتكون الأعداد سابقة للأشياء بعد أن كانت مسبوقة و قد دعمهم في هذه الرؤية الجديدة بعض فلاسفة اليونان،ومن العدد يتجلى العدد الأسطوري (7) بوصفه عنواناً ينبثق في النص ،وقد استخدمت الأستاذة رجاء عالم الأرقام في طريق الحرير في بداية كل فصل ،كما استخدمت العدد الأسطوري (7) في روايتيها (خاتم ) ، و(ستر)  • هذا ولما كانت الأستاذة رجاء عالم روائية وقاصة ذائع الصيت ،وحصلت على جوائز محلية وعربية ودولية ،وتُرجمت بعض روايتها إلى اللغتيْن الأسبانية والفرنسية ،وحظيت باهتمام عدد كبير من النقاد الذين كانت رواياتها محوراً لدراساتهم النقدية ، ولما كان إنتاجها الأدبي  يُمثل  معظم اتجاهات التوظيف الأسطوري في القصة والرواية  جعلتها نموذجاً لهذه الدراسة رغم ما يتردد عن صعوبة ولوج عالمها القصصي والروائي ،وصعوبة لغته ،ولكن عندما تضع يديك على البنية الأساسية لقصصها وروايتها ، تفك أمامك طلاسم فكرها ،ورموز عباراتها ، تلك البُنية هي الواقعية السحرية مطعمة بالحلولية وتناسخ الأرواح.  الهدف من الدراسة وهدفي من هذه الدراسة تنبيه الأستاذة رجاء وقرائها ونقادها،ومن يحذو حذوها  إلى المزالق العقدية التي وقعت فيها لئلا تقع فيها مرة أخرى ،والتي أثق أنَّها لا تتعمَّد ذلك،فأنا لا أشك في سلامة عقيدتها ،وقوة إيمانها بخالقها ،ولكن موهبتها الأدبية الجامحة جعلت خيالها ،وفكرها يندفعان تحت التأثر بسحر الأسطورة ،وبالواقعية السحرية،وإعجابها بابن طفيل ،وابن الفارض والسهروردي والحلاج جعلها تتبنى الحلول والتناسخ في الأصلة ،وطريق الحرير. المنهـج النقـدي للدراسـة • بما أنَّنا مسلمون ،فينبغي أن لا نفصل فكرنا وأدبنا عن عقيدتنا وديننا تحت راية الفن للفن، ؛لذا فإنَّ المنهج النقدي الذي سأتبعه في هذه الدراسة   ـ والذي  اتبعته في دراساتي النقدية السابقة ـ  هو منهج التصور الإسلامي طبقاً لنظرية التصور الإسلامي في النقد الأدبي التي أسهمتُ في تنظيرها وتطبيقها،فمع تقديري للمذاهب النقدية على اختلافها التي أتبعها النقاد في تناول التوظيف الأسطوري في الأدب السعودي الذي تسنى لي الإطلاع عليه ،فقد قيَّموه طبقاً لمذهب الفن للفن ،متجاهلين ما فيه من وثنية ومخالفات عقدية.  قصة الأصلة وعقيدة الحلول والتناسخ • هذه القصة مأخوذة من قصة  حي بن يقظان التي كتبها الأديب والطبيب والفيلسوف الأندلسي أبو بكر محمد بن طفيل ( توفي 1185م)، وقد علَّقت  الدكتورة لمياء باعشن  على حكاية الأصلة  بقولها : ” وقد قرأت في إحدى رواياتها أنّها أخذت حرفياً مقطعاً ( لحي بن يقظان ) وكل ما فعلته أنّها أنَّثت المذكر.  • تقوم هذه القصة على عقيدة الحلول والتناسخ . • تناسخ الأرواح: يؤمن الهندوس  أنَّ الإنسان إذا مات يفنى منه الجسد ،وتنطلق منه الروح لتتقمص وتحل في جسد آخر بحسب ما قدَّم من عمل في حياته الأولى ،وتبدأ الروح في ذلك دورة جديدة. وهذه العقيدة شائعة أيضاً لدى البوذيين والفرس والمزدكيين ،وفلاسفة الأغريق ،وقد تأثرت بها بعض الفرق الباطنية كالنصيرية ،والإسماعلية ،والبهائية وغيرها.  • وحدة الوجود “الحلول“: يعتقد الهندوس  أنَّ الإنسان يستطيع المحافظة على الروح  أو تدميرها ،وبهذا يتحد الإنسان مع الآلهة ،وتصير النفس هي عين القوة الخالقة . والروح كالآلهة أزلية سرمدية مستمرة ،غير مخلوقة ،وهذا الكون كله ليس إلاَّ ظهوراً للوجود الحقيقي ،والروح الإنسانية جزء من الروح العليا.  •  وقد أخذت مدرسة ابن محيي الدين بن عربي من وحدة الوجود مذهباً ومعتقداً ،وابن عربي من الصوفية الملاحدة ،وعقيدتهم تقوم على أنَّ الله في كل شيء ،وهو كل شيء ،وليس من شيء في الكون على هذا إلاَّ ويستحق التقديس والإجلال .  • وقصة “الأصلة” لرجاء عالم حوت على هذين المعتقدين ،فروح ابن طفيل انتقلت إلى حي بن يقظان ،وإلى فاطمة المكية ،وقبل حلولها في جسد فاطمة المكية تشردت هذه الروح على غير هدى ،وأنَّ هذه الروح سرمدية ،وملكت قدرة التناهي والتنقل بين الأزمان والأجسام. قصة الأصلة تحت مجهر التصور الإسلامي • و عند وضع هذه القصة  تحت مجهر التصور الإسلامي نجد الآتي:  • خالفت التصور الإسلامي للروح ،فالروح لا يعلمها إلاَّ الله لأنَّ العلم بها سر الوجود المطلق ،ولا قدرة للعقل البشري المحدود على الإحاطة به ووعيه ،لذا عندما سألت قريش اليهود عن الرسول صلى الله عليه وسلم ،قالوا لهم :اسألوه عن الروح ،فجاءه وحي الله بقوله تعالى (  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [ الإسراء : 85] • ولو أراد الله أن يحيط رسوله الكريم بعلم الروح لأحاطه به ،ولكنه استأثر بهذا العلم ،فمن هي رجاء عالم حتى تأتي وتخوض في علم الروح ،وتقول ما تقول عن الروح ؟بل نجدها تحدَّت قدرة الله ،واخترقت جسد وليدة فاضت روحها ،وماتت وجاءت روح ابن طفيل ،وحلَّت في هذا الجسد. • جعلت الإنسان يبعث الروح في الإنسان والحيوان عند قولها “ثم بعثني في أمه الغزالة أثناء تجسيدنا لحي بن يقظان ” وهنا نجدها تقول بتناسخ الرواح من الإنسان إلى الحيوان ،كما تقول النصيرية ومن قبل قالت بانتقال روح ابن طفيل إلى فاطمة المكية ،وأنَّ هذه الروح تنقلت بين الأحياء والرموز ،وعقيدة التناسخ تخالف التصور الإسلامي ،فالله غير عاجز عن خلق لكل جسد روح ،ولكل روح جسد .  • وتناسخ الأرواح يسقط الجزاء والحساب ؛إذ كيف تحاسب الروح وهي انتقلت من جسد إلى آخر ،وقد تنتقل إلى الحيوان حسب ما يعتقد هؤلاء المنحرفون في الفكر والمعتقد ،والله جل شأنه يقول (( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )،ويقول سبحانه وتعالى (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا.اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا( [ الإسراء : 85]  ثنائية الواقعية السحرية وتناسخ الأرواح في طريق الحرير • لقد مزجت رجاء عالم في هذه الرواية الواقعية السحرية وتناسخ الأرواح في مزيج غريب متنافر لا انسجام بين شخوصها ،ولا تسلسل في أحداث الرواية ولا ترابط بينها ،هي مجرد أسماء تذكرها لبعض الشخصيات التاريخية ،أو تجسدها بالحضور طبقاً للواقعية السحرية التي تسقط الموت ،وتجعل الأموات يعيشون مع الأحياء دون أن يكون لهذه الشخصية أي دور في الرواية يليق بمكانتها العلمية والفكرية ،مثل شخصية ابن خلدون ،فدوره في الرواية مجرد لاعب شطرنج يُحرك بعض أحجاره، وحتى عندما يُحرِّك حجارته لم تنقلنا الروائية إلى عالم ابن خلدون ،إلى مجتمعه ،إلى فكره ،كما نقلتنا إلى عالم جد الراوي في مكة المكرمة عندما يُحرِك حجراً من حجارته ،فاستخدمت رقعة الشطرنج بدلاً من البلورة السحرية التي استخدمها الخادم العجوز في قصة “رحلة إلى بذرة ” لكاربنتر .  • فقد أساءت إلى ابن خلدون في هذه الرواية ،وكل الذي قالته عن ابن خلدون ” مقيماً تحت ظلِّه العبر” [ ص 200[، ولم تورد شيئاً عن العبر بتجسيد بعض المقاطع منه مثلاً،بينما نجدها تقحم اسم  الدكتور عبد الله الغذِّامي كأحد حُرَّاس التواريخ وأسرارها ،وهو لا علاقة له بالتاريخ،وجعلت جيوش الظاهر بيبرس يأتون ليأكلوا  فقط من موائد العُرس المحفوفة بتطير ابن خلدون ..” [ ص 180]  • كما أساءت إلى قدسية بيت الله الحرام عندما جعلت شيخ سقاية مكة يستخدم السحر الأسود في خلوته بالحرم ،وجعلت شياطين الجن يدخلون عند الكعبة  تارة على هيئة كلب أعور ،وتارة أخرى على هيئة ثعبان ،وجعلت من خلوات الحرم مقابر للموتى.  الواقعية السحرية في طريق الحرير • تتجلى الواقعية السحرية في قولها : ” حين اجتمعنا للميت كان مُطهراً ،ومكتوبة جبهته بكلمات الحياة ،ولم نتمكَّن لفرط حيويته من دفنه ،فأقمنا حول القبر المفتوح ،وضربنا نارنا ،وطال سهرنا ،وهو يُعرّفنا على نفسه ،قال : ( أنا آخر الأمراء ،خلِّفتُ تميم ورائي ،وأقمتُ عمري على مغرب الجزيرة ،إمارتي أعلى جبال كرا،مغزولة بالآبار ،ومغسولة أعتابها بالبَرَد ) سجَّلنا خبرّه في كتبنا بمداد شجرة ،وتشتتنا في السهر.” [ ص 20]  • وقولها على لسان الراوي  : ” عندها أعترف أحمد أمام الرجال والهجَّانة بأنَّ جسده مدفون في (خلوة) بنزلة الصفا بمكة…”[ص 63]  • جعلت شيخ سياقة الحجاج  في مكة يستخدم السحر ،وجعلت الجان هم الذين نقبوا عن آبار مكة المكرمة ،وقبل النقاد والقراء منها بهذا ،ووصِفت بالروائية المكية التي جسَّدت واقع المجتمع المكي!!!  • تقديم القرابين للجان واستخدام السحر ومفاسدة إناث الجان في طريق الحرير،من ذلك قولها على لسان الراوي : ” ولا نَفس …حوقلت نسوةٌ بأنَّ القربان ذهبَ بالطفلة قبل أن تختم رقصتها الأولى . ” [ ص 82] • وقولها :”ثلاثة قرابين لخاتمة الثلاثة ، وأربعة للأربعة ، حتى السابعة : عندها امتدت خرفان سبعة تكنس بدمائها أعتاب الدار بأعلى الشامية ..سيول سبعة نزلت طَلْعة القرار صوْب الحرم .. وكانت السامية تعبر جبال القرابين السبعة ”[ ص 81، 82] • وعندما أصيب جد الراوي  بالشلل نقل إلى خُلوته بالحرم ” ولم يدع لعلم تطبيبه أو منادمته ..أقام في الخُلوة ما يُقارب الأربعين وحدة … بعدها خرج يمشي على قدميه..”[ص 147]  • ثمَّ تقول : ” بعدها عُرف بخلواته الحوْلية ،له في كل أربعين وحدة وحيدة لا يقرب فيها زاداً ولا بشراً ،ويتصل هناك بقرائنه وأحمد وصحاريه الكبرى”[ ص 147]  • فجعلت بطل روايتها يمارس السحر في خلوته بالحرم المكي !!!                      تناسخ الأرواح في “طريق الحرير” • قولها على لسان الراوي :” وحرموا على جدي أحمد المتمثل بعبد اللطيف الكلام لما شاع من شعوذته”،فقولها “جدي أحمد المتمثل بعبد اللطيف ”[ ص 76]،أي روح جدها أحمد تناسخت في جسد عبد اللطيف.  • وقولها : ” أطفأ المطرُ غبار جدي فظهرت دُكنة إلى جواره ،ثمّ تجسَّدت في هيئة بربري مسلم ،شرح لنا جدي أنّ البربري رفيقه منذ القرن الثامن الهجري ،وأنَّهما مولدان من جثة دولة خلَّقاها من طينة الحلم ،ثمّ لفظتهما في نزعها الأخير ،وكانت تحبل بالرتق وتتوالد..” [ ص 49]،وقولها :” وما عرف أحد أمات أم حي ، أنجب أم تناسخ؟[ ص144]  طريق الحرير تحت مجهر التصور الإسلامي نظرة الروائية  إلى :الخالق جل َّ شأنه •   لقد ألغت وجود الله ،وجعلت من الإنسان إلهاً ،وذلك عند قولها عن جدها الذي كان يدرس الأحكام بلغات الحجاج التي لا تُحصى ،ولم يُعرف متى انفرد جُنده بتلقينه تلك الألسن ،وما كتب في المحفورة التي انطمست أجزاء منها ،واستطاعوا تجميع عام اعتكافه العاشر: ” ولفضولنا الغامر انفلتت نُثرة من المحفورة ،جاء فيها أنَّ : أحمد لمْ يتخذ زوجة قط ،ولكن جارية اللؤلؤ حملت من نظرته الأولى فجاءته بجدي عبد اللطيف ” [ص65] • وجعلها جميلة وسطى بنات شيخ السقاية تقرر الموت فتموت ، و” أُعلن موتها يوم الإثنيْن في عموم القافلة.“[ ص 214، 215]  • وهنا ابتعدت ْعن جوهر العقيدة الإسلامية القائمة على الإيمان بوجود الخالق الواحد الأحد بيده ملكوت كل شيء وهو السميع البصير ،مدبِّر هذا الكون ،والمسيطر عليه ،وما الإنسان إلاَّ مخلوق مكلف سخَّر الله له ما في الكون إلاَّ أنَّه ليس المسيطر على الكون ،وليس من إمكانه تغيير سننه ونواميسه ـ كما  في قصص رحلة إلى بذرة،وطريق الحرير ،وأصلة  ـ فلا تغيير لسنن الله.  نظرة الروائية إلى الإنسان • غالت في تقدير الإنسان وأوصلته إلى مرتبة الألوهية، وهذه النظرة تخالف نظرة الإسلام إلى الإنسان.  • نظرت إلى الإنسان أنَّه روح فقط ،وألغت ماديته ،فجعلت أرواح الموتى أشباحاً تعيش مع الأحياء ،وتمارس نوعاً من الحياة الناقصة.وهذه نظرة تخالف نظرة الإسلام إلى الإنسان ،فالإنسان روح ومادة وازن الإسلام بينهما،وهنا تتجلى عظمة الإسلام ومعجزته ،يقول تعالى : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [ القصص : 77]  نظرة الروائية إلى الكون • عدم احترامها لسنن الكون ؛إذ أنَّها جعلت الزمن يتراجع وتعود المخلوقات إلى سيرتها الأولى ـ كأنَّ الإنسان   يعيش فيه  جزافاً ،أو يمشي على غير هدى ،كما أنَّه لا يسير وفق هوى أحد الخلق ،فإنَّ أهواءهم مع عماها وضلالها متضاربة متنافرة (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)[المؤمنون:71] • الكون مرتبط بقوانين مطردة وسنن ثابتة لا تتبدل ولا تتحول ( فلنْ تجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تبْدِيلا) [فاطر: 43]،فالعقيدة الإسلامية تقوم على احترام السنن الكونية ،وطلب المسببات من أسبابها التي ربطها الله بها ،والإعراضُ عمَّا يُقال عن الأسباب الخفية المزعومة ،والتي تقوم عليها الواقعية السحرية التي يلجأ إليها  سكنة المعابد ومحترفو الدجل بالأديان.  نظرتها إلى الحياة • خالفت العقيدة الإسلامية في النظر إلى الحياة ؛إذ جعلت الإنسان يعيش حياتين في هذه الدنيا حياة كروح وجسد ،وحياة ثابتة كروح وشبح بعدما يموت .فهي هنا أسقطت الموت ،وبالتالي ألغت الجزاء والثواب ،والحياة الآخرة ، بينما الحياة في الحياة الدنيا في الإسلام هي واحدة ،وبعد الموت ينتقل الإنسان إلى الحياة الآخرة ،وهي دار الخلود،  ليلقى حسابه على ما فعل في دنياه .  رواية خاتم • الرواية تدور حول التاجر «نصيب» الذي يتاجر بالرقيق، ويقطن في منزل غرائبي فوق أحد جبال مكة، والمنزل متعدد الطوابق، وبما أنه بيت العجائب فلا بد أن طابقه الأخير يكون الرقم سبعة، حيث تقطن ابنته الصغرى «خاتم» التي أتت بعد ست أخوات وشوق كبير لصبي يخلد اسم الأب، بينما القبو قد أفرد للرقيق ومن ضمنهم هلال، وسند «ابن نصيب بالرضاعة»، وهما من أبرز شخصيات الرواية. •  كما يبدو أنّ الأستاذة رجاء عالم عندما ألفت رواية خاتم (عام 2002)  قد اقتبست فكرة إلباس ” نصيب ” ابنته ” خاتم ” لباس الذكر ،من حكاية الأستاذة طلعت في مجموعة غادة سمان ” عيناك قدري” الصادرة سنة 1977م .  رواية خاتم والإساءة إلى المجتمع المكي والمكيين • إنَّ مكة المكرمة التي يهاجر إليها المسلمون على اختلاف جنسياتهم فارين بدينهم حيث الأمن والأمان ،كما يفد إليها طلاب العلم من كل مكان للدراسة في الحرم المكي الذي يعد أكبر جامعة إسلامية في العالم جنباً إلى جنب مع الحرم النبوي الشريف ،ولكن الروائية رجاء عالم ،تجاهلت كل هذا ،وصورت المجتمع المكي بصورة مغايرة لهذه الصورة المشرقة ؛ إذ جعلت بطل القصة ” نصيب” تاجر عبيد ،وجعلت  المهاجرين إلى مكة المكرمة على اختلاف جنسياتهم  من طلبة علم ،وفارين بدينهم رجالاً ونساءً يعيشون عيشة فيها عبودية ورق ،فالنساء في دحديرة عساس عند ” تحفة” شيخة الدحديرة ، تمَّ اختطافهن من أهاليهن عند تأديتهم لفريضة الحج ،ويصبحن غانيات يمارسن الغناء والرقص ،والعزف على المعازف.،أمّا الأسر فهي تعيش على عتبات بيوت الأسياد مثل أسرة هلال ،كما جعلت المجتمع المكي يتقبل لبس الأنثى لبس الذكر ،ويتعامل معها كأنَّها ذكر تذهب إلى حلقة الدرس بزي ذكر ،وتغني وتعزف في مجالس النساء وهي بلباس الأنثى ،وأنهت القصة بتلبس جني ذكر في جسدها ،حيث يكتشف جند الشريف أحمد  أنَّها ذكر فتصاب برصاصة في مقتل،وجعلت في مكة حشاشين يتعاطون الحشيش ،ولهم زقاق باسمهم ،كما جعلت فيها بوابة للبغايا.[ص:77]  النزوع الأسطوري في خاتم • هذه الرواية تختلف في بنائها عن رواية ” طريق الحرير “؛إذ تتميز بالحبكة الروائية وتسلسل الأحداث ،وشخوصها مع غرابة بعضها ،كشخصية ” خاتم ” الشخصية  الرئيسة ،وشخصية ” هلال ” إلاَّ أنَّها شخصيات واضحة المعالم،ولأنَّ النزعة الأسطورية متملكة من الأستاذة رجاء عالم ،وإن كانت قد تخلَّصت في رواية ” خاتم ” من الحلولية والتناسخ والواقعية السحرية التي تملَّكت منها في الأصلة ، و” طريق الحرير” ، فنجدها قد أسطرة بعض شخوص روايتها ،وبعض الأماكن ،فشخصية ” خاتم ” جعلت منها أسطورة من كونها ثنائية الجنس،كما جعلت   نهايتها أسطورية ،كما حوَّلت  ” هلال ” إلى شخصية أسطورية  ،وكذلك أسطرة  موت الشيخ ” مهراس”، كما أنَّها جعلت من المسجد المهجور الرابض فوق الجبل أسطورة.  الدلالات الرقمية في روايات رجاء عالم • عند قراءتنا ل ” طريق الحرير” يلفت انتباهنا استهلالها كل فصل في الرواية بمجموعة أرقام ، ولا أرى مبرراً لهذه الرمزية ،فليس لكون فيثاغورث قال :” إنّ كل شيء هو في النهاية رقم” نتمسك بها ،ونفلسفها ،،فلو كان الأمر كذلك لأنزل الله كتبه بالأرقام  ،ولجاء قوله تعالى : ( وعلَّم آدم الأرقام كلها ) بدلاً من ( وعلَّم آدم الأسماء كلها )واستبدلنا الحروف بالأرقام ،وأصبحنا نتكلم بلغة الأرقام ،وهذا اتجاه خطير ،فالكتب السماوية ،والسنة النبوية مبلغة ومدوَّنة بالأحرف وليس بالأرقام.  • ثُمَّ ما علاقة هذه الأرقام ذات الدلالات الأسطورية بالقرآن الكريم ؛ إذ نجد الأستاذة رجاء عالم  بعد تصديرها لمجموعة من الأرقام عند بداية كل فصل تضع تحتها آية قرآنية دون أن تشير إلى  أنَّها من القرآن الكريم ،فلا تضعها بين قوسين ،ولا تذكر رقم الآية واسم السورة ؟  • ،وعندما تقرأ النص المكتوب بعد كل آية لا تجد علاقة بين النص المكتوب ،وبين الآية القرآنية .  • والسؤال هنا : لماذا تقحم القرآن الكريم في رواية كلها سحر وتناسخ أرواح؟  العري والإيحاءات الجنسية في روايات رجاء عالم • إنَّ انشغال رجاء عالم ،بالسحر ،وبالعوالم السُّفلية ،ووحدة الوجود ” الحلولية ” وتناسخ الأرواح ،وإشادتها بدعاة الحلول والتناسخ مثل ابن عربي ،وابن الفارض ،والسطامي والسهروردي ،لم يُلهها عن الإسراف في لغة الجسد وتعرية أبطالها ،مع إيحاءات جنسية ،فقد عرَّت خاتم أكثر من مرة ، كما عرَّت “طفول” ،وهتكت سترها في رواية ” ستر” ،عندما جعلتها تتقبل استقبال سلمان لها في مطار الرياض ،دون أن   تربطها به رابطة شرعية ،فهو مجرد يُريد خطبتها ،فتجلس إلى جانبه في سيارته ،وتوافق على مرافقته إلى غرفته الخاصة وتسلمه نفسها بلا مقاومة  ،وتقول له : ” تُغريني الفضيحة لكن يكسرني كسر قلب أمي ،وذلك جواباً لقوله :بوسعي تفجير فضيحة أترضينني قريناً ؟ أختطفك ، لا يهمني البشر أمام الله نُحضر شيخاً ونُتمِّم بإيجابك..، ،وهتكت سترها عندما جعلتها تقيم علاقات غير شرعية مع عدة رجال ،واستغنت عن سائقها الباكستاني لأنَّه اكتشف أمرها .  لغة الجسد وإشكالياته في روايات رجاء عالم • يشكل الجسد في روايات رجاء عالِم عُنصراً أساسياً ،وتسرف في استخدامها لكلمة ” جسد” ،ولا تكاد تخلو صفحة من صفحات روايتيها ” خاتم ” ،و ” ستر ”  بشكل خاص من كلمة جسد ،،كما تشكل لغة الجسد البناء اللغوي الأساسي لرواياتها ،ولاسيما في تلكما الروايتيْن ” مستخدمة أعضاء جسد المرأة بصورة خاصة مفردات لبنائها الروائي مثلما جعلها نزار قباني وأدونيس مفردات لشعرهما . • كما نجدها نهجت النهج السريالي ” اللامعقول” حتى في لغتها الكتابية ،فقد جعلت للنمل أنياباً ،كما جعل أدونيس للنملة ثدياً يرضع منه الإسكندر.                   الخاتمة • وبعد هذه القراءة النقدية لقصة الأصلة وروايات ” طريق الحرير ” ،و”خاتم” ،و”ستر” طبقاً لنظرية التصور الإسلامي في النقد الأدبي اتضح لنا ما وقعت فيه الأديبة الأستاذة رجاء عالم من مزالق عقدية بفصلها عقيدتها عن فكرها ،وإطلاقها  العنان لفكرها الواقع تحت تأثير الفلسفة والأساطير اليونانية ورموزها الرقمية ،والمعتقدات البوذية والباطنية  من حلولية وتناسخ ،ودعاتهما أمثال ابن طفيل ،وابن الفارض والسهروردي وابن عربي ، متأثرة بالحداثة ،وما بعد الحداثة ومذاهبها من سريالية وبرناسية وواقعية سحرية،مطعمة بإيحاءات جنسية ،مع إسراف وغلو في لغة الجسد .  • وهذه المزالق أوقعتها في الخروج عن التصور الإسلامي للخالق جل شأنه والإنسان والكون والحياة ،كما أوقعتها في  الإساءة إلى المجتمع المكي  الذي تنتمي إليه ،وصورته مجتمعاً يتعامل بالسحر تسيطر عليه العوالم السفلية منتهكة حرمة البيت الحرام ،بجعل خلواته يُمارس فيها السحر الأسود ،وشياطين الجن يتجولون حول  الكعبة ،والجان هم الذين نقبوا عن آبار مكة ،كما صوَّرت هذا المجتمع بأنّه يختطف النساء من قوافل الحج ،ويسترقهن ،وأمَّا المهاجرون فيُعاملون معاملة العبيد ،وأمَّا رجال مكة فمنهم حشّاشون ،ومن نسائها  يُمارسن البغاء ،كما نجدها صوَّرت المرأة السعودية في رواية ” ستر ” بلا ” ستر ” من خلال شخصيتي “مريم ” الحجازية الجداوية ،و” طفول ” البدوية .  • ومع كل هذا نجد هذا الكم الكبير من الدراسات النقدية لهذا العدد الكبير من الأساتذة النقاد ،قد أشادوا بالروائية ،واعتبروا ما كتبته إبداعاً وتجديداً !!  • وهنا أسأل هل باسم الأدب والإبداع والتجديد والابتكار نتجاوز عقيدتنا وديننا ،بل ونلغيهما ،بمخالفتهما تماماً ؟ • ما هو   دور الناقد إذن إن كان لا يوجه الأديب ،أو الشاعر ،أو القاص ،أو الروائي إن انحرف عن عقيدته ؟؟؟  • إلى متى سنظل أسرى لمذهب الفن للفن؟ 

Leave a Reply