بحوث ومؤتمرات

المرأة و… خطابنا الثقافي

By 21 March، 2021April 26th, 2021No Comments

المملكة العربية السعودية نادي مكة الأدبي ندوة خطابنا الثقافي قراءة  الحاضر واستشراف المستقبل المحور الأول: قضايا الخطاب – الخطاب والإصلاح المرأة و… خطابنا الثقافي قراءة للواقع المعايش ورؤية للمستقبل المأمول مقدم من سهيلة زين العابدين حمَّاد عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لندوة نادي مكة الأدبي في الفترة  من 14-16 /5/1429هـ خطابنا الثقافي قراءة  الحاضر واستشراف المستقبل  

 المحور الأول: قضايا الخطاب – الخطاب والإصلاح بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. المرأة هي نصف المجتمع ،وهي مربية الأجيال،وبالتالي فهي صانعة القرار الأولى لأنَّها مربية صنَّاع القرار .   والمرأة إنسان مكلف مثلها مثل الرجل تشاركه في تحمل مسؤولية أمانة الاستخلاف ،ولا يستطيع الرجل وحدُه أن ينهض بمسؤوليات هذه الأمانة دون المرأة ،ومن هنا قالها صلى الله عليه وسلم : ( إنَّما النساء شقائق الرجال )      إنَّ موطن الخلل في مجتمعاتنا الإسلامية خطابنا الثقافي المبني على  الرؤية المتضاربة لدور وتركيبة  هذا العنصر الهام والفعَّال في المجتمع ،الإنسان الذي  يشكل نصفه ،بل هذا العنصر هو المكوَّن الأساسي لهذا المجتمع بحكم دوره ومسؤوليته في الإعداد والتربية ،وأعني بهذا العنصر ” المرأة”  أجل المرأة هذا المخلوق الإنساني الذي كرَّمه الله ،وجعله الخليفة في الأرض مثله مثل الرجل،وساوى بينه وبين الرجل في الإنسانية ،وفي الأجر والثواب ،وفي التعليم ،وإبداء الرأي ،والمشاركة في الحياة العامة ،كما ساوى بينه وبين الرجل في  الحدود والقِصاص والعقوبات  ،وكلَّفه بمهام يعجز الرجال القيام بها ،وهي إنجاب هذا الإنسان وتربيته وإعداده ليواجه الحياة ،وليكون عنصراً فعالاً فيها،ولكن لم يقصر دوره على هذا بل أعطاه من الحقوق ما يجعلُه يشارك في البناء في مختلف المجالات وفق طبيعته الفطرية وضوابط وضعها له لحمايته ممّا يواجهه من مخاطر وعراقيل. فالمرأة في الإسلام مخلوق مكرَّم أماً وزوجة ،أختاً وابنة ،وجعل الإحسان إليها طـريقاً إلى الجـنة .     وتنمية المجتمعات وبناؤها لايتمان إلاَّ بمشاركة المرأة ،ولا تتم هذه المشاركة إلاَّ بمنح المرأة حقوقها كاملة ،من دينية ومدنية واجتماعية ومالية وسياسية ،هذه الحقوق جميعها منحها إيَّاها الإسلام ،ونالتها المرأة المسلمة كاملة في العهدين النبوي والراشدي ،وبنسبٍ متفاوتة في العصور التالية لهما ،ولكن المجتمعات الإسلامية حرمت  المرأة  من معظمها في عصور التراجع الحضاري ؛إذ طفت على السطح رواسب الفكر الجاهلي وعاداته وتقاليده وأعرافه ،وعقائده الدينية الوثنية  ،وبات خطابنا الثقافي تجاه المرأة موجهاً بموجب تلك الأعراف والعادات والتقاليد والعقائد الدينية الوثنية ،ويُلبس بعضها لباس الدين الإسلامي ،وتُنسب إليه ،وغدت هي المرجعية لدى البعض المتشبسين بها ،معتبرين من يطالب بتصحيح المفاهيم المغلوطة ،والعودة إلى المنابع الصحيحة للتشريع الإسلامي ،قد خرجوا عن الملة ،وعن مقاصد الشريعة ،وأصبحوا علمانيين من دعاة التغريب،فأصبح هؤلاء المتشددون يُعارضون أيَّ مطلب شرعي للمرأة يتنافى مع نظرتهم الدونية لها ،والتقليلِ من شأنها ،واعتبارها ملكاً للرجل روحاً وجسداً وفكراً ومالاً ،فلا يحق لها أن تتصرف في مالها ،بل لا يحق لها أن تكون لها الولاية على نفسها ،وتوافق على إجراء عملية جراحية لها لإنقاذ حياتها ،فلزوجها ،أولأبيها أو لأخيها ،أو لأي ذكر في العائلة   الحق في أن يُوافق على إجراء  هذه العملية لها أم لا،وله هو الحق في أن يوافق على دخولها المستشفى لتلقي العلاج أو يرفض ،حتى لو كان العلاج مجاناً في مستشفى حكومي ،فالتعليمات لدى بعض  مستشفياتنا  تنص على ذلك.    إنَّ ما تعانيه المرأة المسلمة في مجتمعاتها سببه  الخطاب الثقافي القائم على أعراف وعادات وتقاليد ومعتقدات جاهلية وثنية  تحط من قدر المرأة ،وتتعامل معها كمخلوق أدنى ،وأنَّها مخلوق ناقص غير كامل الأهلية خلق لمتعة الرجل وخدمته فقط،وتُنسب هذه النظرة الدونية إلى الإسلام مفسرة بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالنساء تفاسير خاطئة مبنية على تلك النظرة الدونية ،وللأسف الشديد نجد بعض فقهاء الأمة وقعوا في خطأ هذه المفاهيم ،فأصدروا أقوالاً وأحكاماً تتعامل مع المرأة بموجبها ،فنظروا إليها وكأنها مخلوق ناقص ،ولها عقل نصف عقل الرجل ،فجعلوا دية المرأة المقتولة خطأ نصف دية الذكر ،أي لوكان المقتول خطأ طفل فله دية كاملة ،مثل دية الرجل ،ولكن الأنثى أياً كانت ،وأيا كان سنها وفضلها ومكانتها ،فلها نصف دية الذكر ،دون الاستناد في ذلك على نص قرآني ،أو حديث نبوي .    والمطلع على كتب التفسير والفقه يقرأ من عبارات لبعض المفسرين و الفقهاء  فيها انتقاص للمرأة لدرجة أنَّك تجد بعضهم يعطي للقوامة مفهوماً عاماً مطلقاً ،ويبني عليها أنَّه لا يحق للمرأة أن تكون على رأس عمل فيه رجل ،لأنَّ الرجال قوَّامون على النساء.والغلاة المتشددون يتشبسون بهذه الأقاويل والأحكام في معارضتهم لأي مطلب شرعي للمرأة ،ويستخدمونها كأسانيد وحجج يُحاجون بها من يطالبون بتصحيح هذه المفاهيم المغلوطة ،والنظر إلى المرأة نظرة الإسلام لها ،ومنحها كامل حقوقها .   فالمرأة المسلمة تعاني من النظرة الدونية لها في مجتمعاتها ،ومن حرمانها من كثير من حقوقها ،ومن ظلم أقرب الناس إليها بتعذيبها وضربها وإهانتها ،والسيطرة على أموالها وحرمانها من ميراثها ،ومن حقها في التعليم والعمل ،ومن اختيار زوجها ،وإجبارها على الزواج ممن لا ترغبه ،أوعضلها ،وحرمانها من حق الزواج ،وتكوين أسرة ،والمطلقة تعاني من حرمانها من رؤية أولادها،ومن حقوقها المالية ،وأوراقها الثبوتية ؛إذ يحتفظ مطلقها باسمها في بطاقة العائلة ،ولا يسقطه بطلاقه لها تنكيلاً لها ،لتكون تحت ولايته وسيطرته ،كما تعاني المرأة المسلمة من فرض الوصاية عليها مدى الحياة ،فتُعامل معاملة ناقصي الأهلية في جميع أمور حياتها إلاَّ في حالة إرتكابها جريمة أو جنحة فيقع العقاب عليها كما يقع على الرجل ،أي لا تعامل معاملة ناقصي الأهلية عند تطبيق القصاص والحدود عليها،بينما تُعامل معاملة ناقصي الأهلية في سائر التعاملات الأخرى المدنية والمالية والاجتماعية ،بل حتى الأمور المتعلقة بها  ،فهي في بعض مجتمعاتنا الإسلامية لا يحق لها التبرع بعضو من أعضائها بعد مماتها إلاَّ بموافقة ولي أمرها  ،أي للرجل الغُنم ،وعليها الغُرم ،ولم يطبق حد على ولي أمرها نيابة عنها مادامت لا تتصرف تصرفاً إلاَّ بموافته وبإذنه.    إضافة إلى حرمانها من تولي أي منصب قيادي ،فهي محرومة من حقوقها السياسية التي منحها إيَّاها الإسلام ،وهي حق الشورى ،وحق البيعة ” الانتخاب والترشيح ” ،وحق الولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .    وحصول المرأة على حقوقها السياسة في المجتمعات الإسلامية يأتي بنسب متفاوتة ،والمجتمعات الإسلامية التي منحت المرأة حقوق المشاركة السياسية في برلماناتها ومجالس الشورى بها على استحياء وتحفظ ،وبنسب لا تتفق مع نسبة النساء في المجتمع ،وقد تكون مشاركتها في بعض البرلمات ومجالس الشورى صورية وشكلية .    من هنا نجد بعض نساء الإسلام ،وهذا البعض كثير ،وليس بقليل  يعادين الشريعة الإسلامية،ويُطالبن بإقصائها عن الحكم ،لأنَّهن ينظرن إليها بأنَّها هي التي تحرم المرأة  من نيل حقوقها ،وأنَّها تتعامل معها معاملة دونية ،وتريد حرمانها من حقها في الحياة ،حقها في التعليم ،حقها في العمل ،حقها في التصرف في مالها كما تشاء دون وصاية عليها من أحد ،وبات هذا البعض يُطالب بحقوق المرأة طبقاً للمواثيق والاتفاقيات الدولية ،وغدا تطبيق  إتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز هي مطالب النساء في المحافل الدولية والمؤتمرات والجمعيات الأهلية النسائية ،وفي أجهزة الإعلام المختلفة . ولهذا أرى أن تصحيح المفاهيم الخاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالنساء من أهم أسس تغيير خطابنا الثقافي لتصحيح وضع المرأة في المجتمع ،ونيلها كامل حقوقها ؛إذ يترتب على تصحيح هذه المفاهيم الآتي : • إلغاء النظرة الدونية للمرأة. • منح المرأة كامل أهليتها. • منح المرأة حقوقها الدينية والمالية والاجتماعية والسياسية والثقافية. • منح المرأة حقها في المشاركة في الحياة العامة ،وتولي مناصب قيادية. • الحد من العنف الممارس ضد المرأة في البيت والعمل والمجتمع. الآيات والأحاديث المتعلقة بالنساءالتي ينبغي تصحيح مفاهيمها : الآيات القرآنية  التي ينبغي تصحيح مفاهيمنا لها كثيرة لا يتسع المجال لذكرها ،فهي   قطعية الدلالة لا تحتمل الخلاف في تفسيرها وتأويلها وتحوي على أحكام  صريحة واضحة،وطُبِّقت على الواقع في عصرالرسالة،وفسَّرتها أحاديث نبوية صحيحة وردت في كتب الصحاح الستة،ووضَّح مفهومها الصحيح مفسرون وعلماء وفقهاء لهم وزنهم وقدرهم ،مثل ابن عباس ،وابن عمر رضي الله عنهما ،والإمام أحمد ،وتلامذته ابن تيمية وابن القيم ،وغيرهم  ،ورأيت أنَّ من الأهمية بمكان أنَّ أبيِّن  المفاهيم الصحيحة لتلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ،بموجب ما جاء في القرآن والسنة ،وليس من عندي ،كما زعم البعض ، لتكون هذه المفاهيم الصحيحة هي القاعدة الشرعية التي ينبغي أن يقوم عليها خطابنا الثقافي ،وتنطلق منها الأحكام الفقهية والأنظمة والقوانين التي يتم التعامل فيها مع المرأة ،والتي تعيد للمرأة حقوقها التي منحها إياها الخالق ،وسلبها المخلوق منها.وعندئذ ستصلح حال أمتنا الإسلامية ،فالمرأة هي مفتاح هذا الإصلاح.   وسأبدأ بحديث نقصان عقول النساء:     عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ،قال : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في أضحى أو فطر ـ إلى المصلى فمرَّ على النساء ،فقال : ( يا معشر النساء ،ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكنَّ )، قلن : وما نقصان عقلنا يا رسول الله؟  قال : (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟)،قلن : بلى، قال : فذلك من نقصان عقلها . أليس إذا حاضت لم تصلِّ ،ولم تصم ؟قال : ( فذلك من نقصان دينها)                                                       “رواه البخاري ومسلم”        لقد عانت المرأة المسلمة أمرَّ المعاناة من سوء فهم هذا الحديث النبوي الشريف ،والسؤال الذي يطرح نفسه : ما المقصود بنقصان عقول النساء الوارد في هذا الحديث ؟وهل الإسلام ينظر إلى المرأة على أنَّها مخلوق ناقص الأهلية؟ ليس المقصود من “ناقصات عقل ” هو أنَّ المرأة دون الرجل عقلاً ،وإنَّما المقصود هنا أنَّ من ذكاء المرأة وحذاقتها  بغلبة العاطفة التي تتميزبها على الرجل تتمكن من أن تستحوذ على عقل الرجل الحازم،وهذا مدح لها ،وتقرير بذكائها،فمن ذكائها أنَّها  بعاطفتها الرقيقة  تذهب بحزم ذوي العقول والألباب! “فالمرأة إنسان مثل الرجل تماماً ،وإنسان مكلف كامل الأهلية  محملٌ بأمانة الاستخلاف ،يقول تعالى : ( وإذ قالَ رَبُّكَ للملاَئِكِةِ إِنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خليفة) ،ولقد ساوى بينها والرجل في الثواب والعقاب ،وفي الحدود والقصاص والعقوبات يوضح هذا قوله تعالى : ( فاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثى بَعْضَكُمْ مِنْ بعضٍ) ( الزانية والزَّاني فاجلدوا كل واحد منهما ) ( والسَّارقُ والسَّارقةُ فاقطعوا أيديهما)  فلو كانت المرأة ناقصة عقل بالمفهوم الشائع لنقصان العقل لما ساوى بينها وبين الرجل في الحدود والقصاص والعقوبات،والتي أسقطها عن الصغير والمعتوه والمجنون  ؛إذ كيف تكون أقل من الرجل عقلاً وتتساوى معه في العقاب والحدود والقصاص  ،هذا يتنافى مع عدل الخالق جل شأنه الذي من صفاته العدل ،وقد حرَّم الظلم على نفسه ،وجعله بين خلقه محرماً ،ثمَّ أنَّ الخالق خلق الإنسان ـ ذكر أو أنثى ـ في أحسن تقويم ،ولم يقل جل شأنه أنَّه خلق الذكر دون الأنثى في أحسن تقويم . ولو كانت المرأة دون الرجل عقلاً لما قُبلت شهادتها  ـ كما يقول ابن القيِّم ـ على شريعة الله ، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بروايتها للحديث،ولما أخذ ربع الأحكام الفقهية من أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ،ولما قبلت منها الفتوى،ولما أخذ الرسول صلى الله عليه برأي السيدة خديجة عندما نزل عليه الوحي لأول مرة ،وذهب معها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ،ولما أخذ برأي زوجه أم سلمة وضي الله عنها في موقف صحابته من صلح الحديبة ،ولما أؤتمنت على سر الهجرة ،وأؤتمنت على حفظ النسخة الوحيدة للقرآن الكريم ،ولما أعطيت حق البيعة ،ونزلت آية البيعة بصيغة الخطاب للنساء ،وبايعت الرسول صلى الله عليه وسلم في العقبة على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم ،وعلى عقد تأسيس الدولة الإسلامية ،كما بايعته عند هجرته إلى المدينة ،وفي بيعة الرضوان،وفي فتح مكة ،ولما قبلت إجارتها للمحاربين ،ولم تُخفر لامرأة أجارة،ولو كانت ناقصة عقل لما ولى عمر بن الخطاب الشفاء من بنت عبد الله من بني عدي الحسبة ،وجعلها مستشارة له؟؟؟   مفهوم ( واستشهدوا شهيديْن من رجالكم …)   من ضمن المفاهيم الخاطئة ،فهذه الآية خاصة بالمداينة   لتوثيقها ،وليس في مقام الشهادة التي يقضي بها القاضي ويحكم ،يقول تعالى :  ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بِديْنٍ إلى أجلٍ مُسَّمى فاكتبوه وليكتُبْ بينكم كاتبٌ بالعدلِ ولا يأب كاتبٌ أنْ يكتبَ كما علَّمَهُ اللهُ ) إلى قوله تعالى : ( واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فإنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْن فَرَجُلٌ وامْرَأَتَان مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذّكِّرَ إِحَدَاهُمَا الأُخْرى) فهذه الآية ـ كما يقول الدكتور محمد عمارة ـ   تتحدث عن أمر آخر غير “الشهادة” أمام القضاء ،تتحدث عن ” الإشهاد” الذي يقوم به صاحب الدَّيْن للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ،وليس عن الشهادة التي يعتمد عليها القاضي في حكمه بين المتنازعين ،فهي موجَّهة لنصيحة  صاحب  الدَّيْن ،وليس إلى القاضي الحاكم في النزاع” ،فهي ليست تشريعاً موجهاً إلى القاضي ـ الحاكم ـ في المنازعات ،وقد فقه ذلك علماء مجتهدون ،وفصلوا القول فيها ،منهم  شيخ الإسلام ابن تيمية ،وتلميذه العلامة ابن القيم من القدماء ،والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده ،والإمام محمود شلتوت من المحدثين والمعاصرين ،فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد عليه ابن القيم : قال عن البينة التي يحكم القاضي بناءً عليها ..التي وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” البينة على المدعي ،واليمين على المدعي عليه ” رواه البخاري والترمذي وابن ماجه : ( إنَّ البينة في الشرع ،اسم لما يُبيِّن الحق ويظهره،وهي تارة تكون أربعة شهود ،وتارة ثلاثة ،بالنص في بينة المفلس ،وتارة شاهدين ،وشاهد واحد ،وامرأة واحدة ،وتكون نُكُولاً ـ النكول الامتناع عن اليمين ـ ويميناً ،أو خمسين يميناً ،أو أربعة أيمان ،وتكون شاهد الحال ،فقوله صلى الله عليه وسلم : ” البيِّنة على المدعي ” أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه ،فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حكم له ” هذا ما جاء نصه في كتاب السياسة الشرعية لابن القيم ،وقد أورد ابن القيم تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان [ الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه] “فهذا في الإشهاد على عقود المداينة للتوثيق ،وليس الشهادة في المحاكم ،لأنَّ المرأة غير ممارسة للبيوع والمداينات ،وقد بين ابن القيم أنَّ المرأة إذا تعلمت ،ومارست هذه الأعمال فيكتفى بشهادة امرأة مقابل شهادة الرجل لأنَّ الهدف هو : ( أن تذكر إحداهما الأخرى ) لعدم ممارستها للبيوع ،وإطلاعها ومعرفتها بالمعاملات المالية ،ولكن إن تمكَّنت من ذلك يكتفى بشهادة امرأة ورجل أو أمرأتيْن ،أو رجلين.”  وأقول هنا : ممَّا يؤكد على شهادة امرأتين برجل واحد في المداينة لذاك السبب  مساواة المرأة بالرجل في شهادات اللعان ،بأربع شهداء من الرجال أو النساء ،بل نجد الشرع اكتفى بشهادة امرأة واحدة في الأمور المختصة بالنساء كإثبات البكورة وغيرها،ولم يكتف بشهادة رجل واحد في الأمور المختص بها الرجال  ،كل هذا يؤكد على كمال أهلية المرأة ،بل الذي يؤكدها رواية المرأة للحديث التي تعد شهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويقول ابن القيم في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: (وليس في القرآن ما يقتضي أنّه لا يُحكم إلاّ بشاهديْن ، أو شاهد وامرأتين ،فإنّ الله سبحانه وتعالى إنَّما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النصاب ،ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به ،ومن هنا نجد ابن القيم يستدل بمساواة المرأة بالرجل في الشهادة بقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أُمةً وسطاً لتكونوا شُهَداءَ على النّاسِ وَيَكُونُ الرسول عليكم شهيداً) على أنَّ المرأة كالرجل في الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة ،فالمرأة كالرجل في رواية الحديث،التي هي شهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم،وإذا كان ذلك ممَّا أجمعت عليه الأمة ،ومارسته راويات الحديث النبوي جيلاً بعد جيل ـ والرواية شهادة ـ فكيف تقبل الشهادة من امرأة على رسول صلى الله عليه وسلم ،وعلى شرع الله ،ولا تُقبل على واحد من النَّاس؟؟ إنَّ المرأة العدل ـ كما يقول ابن القيم في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية  ـ كالرجل في الصدق والأمانة والديانة. قد يتساءل البعض ولكن هناك من الفقهاء من قالوا بعدم قبول شهادة المرأة في الجنايات وجرائم القتل ،فلو كان المعنى كما تقولين فعلى أي أساس بنوا حكمهم هذا؟     وأقول هنا إجابة عن هذا السؤال : لا يوجد نص من القرآن أو السنة ينص على ذلك ،هذا مجرد اجتهاد من الفقهاء ،والاجتهاد يحتمل الصواب ،ويحتمل الخطأ لأنَّه جهد بشري ،وأنا اعتبر هذا الاجتهاد من أخطاء مجتهديه لأنَّه يعني هذا إسقاط العقوبة على مرتكبي الجرائم والجنايات في المجتمعات النسائية ،فإن ارتكبت جريمة ما في مجتمع نسائي لا يُعاقب مرتكبها مالم يعترف لعدم قبول شهادة النساء اللواتي شهدن الجريمة ،وتفسيري لهذا الاجتهاد الخاطئ هو المفهوم الخاطئ للحديث الذي نحن بصدده ،إنَّ معاناة المرأة المسلمة في بيتها ،في مجتمعها ،في المحاكم،في الدوائر الحكومية المختلفة  يكمن في هذا المفهوم الخاطئ لهذا الحديث الشريف ،لقد جاءتني عشرات القضايا والمشاكل من سيدات ،لو بحثنا في جذورها تجد أنَّها تعود لهذا المفهوم . • للذكر مثل حظِّ الأنثييْن                                                                                                                     لقد أصبح مفهوم هذه الآية  إنَّ للرجال ضعف ماللنساء من ميراث ،وكأنَّه هو العام مع أنَّ هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل ،وفي هذه الحالة يكون الوارث مسؤولاً عن نفقة من يأخذ ضعف نصيبها ، وهناك أضعاف هذه  حالات  ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً فالأب والأم لكل واحد منهما السدس في ميراثهما من ابنهما المتوفى،وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل ،مثل البنت التي ترث أكثر من الأب حتى لو كانت رضيعة ،وكان الأب أي جدها  مصدر ثروة أبيها ،وهناك حالات ترث فيها المرأة ،ولا يرث نظيرها من الرجال،وهذا القول ليس من عندي،كما زعم البعض ،وإنَّما توضحه الآيتان (11) ،(12) من سورة النساء ، يقول تعالى في سورة النساء في تكملة آية ( للذكر مثل حظِّ الأُنثييْن ) ،وهي آية رقم (11) من سورة النساء ( يُوصيكمُ اللهُ في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَييْن فَإنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثنتيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا َما تِرِكَ وإِنْ كانت واحدِةً فَلَهَا النًًًًًّصَّفُ وَلأَبِوََيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ممَّا تَرَك …)   فهذه الآية توضح أنَّ الرجل إن توفى ،وله ابنة وأبويْن ، فالإبنة تأخذ النصف ،والأبوان يأخذ كل منهما السدس ،فهنا البنت أخذت أكثر من جدها الرجل ،الذي تساوى في نفس الوقت مع زوجه بأن كان نصيب كل منهما السدس من ميراثهما من ابنهما المتوفى ،وتكملة أنصبة المواريث يوضحها باقي الآية (11) ،وكامل الآية (12) من سورة النساء . أي أنَّ هذا التمييز ليس قاعدة مطّردة فى كل حـالات الميراث ، وإنما هو فى حالات خاصة ، بل ومحدودة من بين حالات الميراث.    إنّ الفقه الحقيقي لفلسفة الإسلام فى الميراث تكشف عن أن التمايـز فى أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة.. وإنما لهذه الفلسفة الإسلامية فى التوريث حِكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث فى بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على كمال أهلية المرأة فى الإسلام. وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسـفة الميراث الإسلامى ـ إنما تحكمه ثلاثة معايير: أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة.. زاد النصيب فى الميراث.. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين.. وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال.. فالأجيال التى تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمل أعبائها ، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها ، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات.. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ.. وترث البنت أكثر من الأب ! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن ، والتى تنفرد البنت بنصفها ! ـ.. وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور.. وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين ..!    وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق.. وثالثها: العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين.. وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى.. لكنه تفـاوت لا يفـضى إلى أى ظـلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها.. بل ربما كان العكس هو الصحيح..!    ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال – مثل أولاد المتوفَّى ، ذكوراً وإناثاً – يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث.. ولذلك ، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين ، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات ، فقالت الآية القرآنية: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. ولم تقل: يوصيكم الله فى عموم الوارثين.. والحكمة فى هذا التفاوت ، فى هذه الحالة بالذات ، هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هى زوجه ـ مع أولادهما.. ومسؤول عن إعالة أخته إن لم يكن لها معيل زوج أو ابن ،وإن كان لها معيل فإعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهى ـ مع هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذى ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه فى الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين..      وإذا كانت هذه الفلسفة الإسلامية فى تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التى يغفل عنها طرفا الغلو ، الدينى واللادينى ، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئى شبهة تلحق بأهلية المرأة فى الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت فى علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة فى هذا الموضوع.. فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث ، يقول لنا 1- إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل. 2- وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تمامًا. 3- وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل. 4- وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال. أى أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال ، فى مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.       تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسـائل الميراث فى عـلم الفرائض (المواريث)التى حكمتها المعايير الإسلامية التى حددتها فلسفة الإسلام فى التوريث.. والتى لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة ، كما يحسب الكثيرون من الذين لا يعلمون.  وبذلك نرى سقوط  هذه الشبهة  المثارة حول أهلية المرأة ، كما قررها الإسلام.  هذا ومع أنَّنا دولة تطبق شرع الله نجد هناك المئات من السيدات المحرومات من حقهن في الميراث بحكم الأعراف الاجتماعية لدى بعض القبائل التي تحرم المرأة المتزوجة من ميراث أبيها لئلا يذهب المال إلى أجنبي،وتخير الفتاة غير المتزوجة بين الزواج والحرمان من الميراث ،أو عدم الزواج لتفوز بنصيبها ،وهناك الألوف من النساء من يملكن الملايين ،ويعشن على صدقات أهل الخير ،ومعونات الجمعيات الخيرية!   وهناك بعض الآباء والإخوة الذكور  يُلزمون بناتهم ،وأخواتهم على التنازل عن حقهن في الميراث إن تزوجن.   ومن المؤسف أنَّنا نجد بعض  علماء الدين يسكتون عن هذه المخالفات الشرعية ،مع علمهم بها تحت ذريعة أنَّ الفتاة إن تقدمت بشكوى إلى المحكمة يُعاد لها حقها ،وفتاة تتعرض إلى ضغط اجتماعي يجبرها على التنازل ،والسكوت عن حقها ،هل تجرؤ على رفع قضية في المحكمة تطالب فيها بحقها في الميراث؟   وهل يقبل القاضي دعواها بدون محرم معها ،ومن سيكون هذا المحرم سوى أحد إخوتها الذي هو خصمها ،وإن امتلكت الجرأة ،وذهبت المحكمة ،وقبل القاضي دعواها بدون حضور المحرم ،ماذا سيكون وضعها في أسرتها؟  هل ستسلم من هجومهم عليها ومقاطعتها ونبذها؟؟؟   وهكذا نجد الكثير اعتبروا ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) هي القاعدة الأساسية للميراث ،فانتقصوا المرأة واعتبروها نصف الرجل ،ولم يكملوا الآية ،والآية التي تليها ،فهم ساروا على طريقة ( ولا تقْربوا الصلاة …) .   وإن التمسنا العذر للعامة ،لكن لا نستطيع أن نلتمس العذر لعلماء وفقهاء بنوا أحكاماً فقهية على قصر الميراث على الأربع حالات التي يأخذ فيها  الذكر ضعف الأنثى ،وتركوا الحالات الكثيرة التي تأخذ فيها الأنثى مثله ،والأكثر من العشرة حالات التي تأخذ فيها أكثر من الرجل ،والحالات حيث هي  ترث،ولا يرث الرجل!! أحكام فقهية بُنيت على مفاهيم خاطئة: وسأتطرق هنا إلى الأحكام الفقهية التي بُنيْت على المفاهيم الخاطئة لهذه الآية ،وآية المداينة التي جاء فيها شهادة امرأتيْن برجل واحد ،وحديث نقصان عقول النساء الذين أوضحت مفهومها الصحيح في الحلقتين الماضيين : 1- الحكم على المرأة بنقصان عقلها وتسفيهه ،والتشكيك في أقوالها وسلبها حق الأهلية والولاية على نفسها ومالها ،وأصبحت تُعامل معاملة القاصر في أمور يستفيد الرجل من بسط ولايته عليها كالولاية على نفسها ومالها ،في  حين يعاملها معاملة كاملي الأهلية عند ارتكابها جريمة أو جنحة ،أي يجعل عليها الغُرم في كل الأحوال ،وله الغُنم في كل الأحوال،والمرأة في الإسلام كاملة الأهلية ،ولها ذمة مالية مستقلة مثلها مثل الرجل تماماً ،وقد أزال عنها تهمة القصر الدائم التي ألحقتها بها الأديان والشرائع السابقة له. 2- تقرير  دية المرأة نصف دية الرجل ،ويبرر ذلك ابن قدامة في المغني بقوله : “ولأنَّ عقلها نصف عقله ” [  – ابن قدامة: المغني ،9/ 378.] ونجد صاحب الشرح الكبير على متن المقنع يؤكد هذا القول ،فيقول ” ووجب لقاتل الأم الفضل على قاتل الأب ،لأنَّ عقلها نصف عقل الأب [   – الشرح الكبير في حاشية المغني ،9/ 379.]  علماً بأنَّه لا يوجد نص قرآني أو حديث نبوي ينص على أنَّ دية المرأة نصف دية الرجل  ،فالآية القرآنية رقم 92 في سورة النساء  تنص على ( ومن قتلَ مؤمناً خطاً فتحرير رقبة مؤمنةِ ودية مسلمة إلى أهله )والمؤمن هنا تشمل الذكور والإناث أي على العموم،وقد أوضح مؤخراً فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي خطأ هذا الحكم ،وقال بمساواة المرأة بالرجل في الدية بموجب المفهوم الصحيح للآية الكريمة ،والغريب نجد أنَّ الفقهاء جعلوا دية الطفل الذكر ضعف دية المرأة البالغة الرشيدة!!! بل نجد الإمام أبا حنيفة،وهو لا يعود إلى عصور التراجع الحضاري  يقول :”لا قصاص في الطرف بين مختلفي البدل : “فلا يقطع الكامل بالناقص ،ولا الناقص بالكامل ،ولا الرجل بالمرأة ،ولا المرأة بالرجل ،ولا الحر بالعبد ،ولا العبد بالحر ،ويقطع المسلم بالكافر ،والكافر بالمسلم ،لأنَّ التكافؤ معتبر في الأطراف بدليل أنَّ الصحيحة لا تؤخد بالشلاء ،ولا الكاملة بالناقصة ،فكذا لا يؤخذ طرف الرجل بطرف المرأة ،ولا يؤخذ طرفها بطرفه ،كما لا تؤخذ اليسرى باليمنى “[ ابن قدامة : المغني ،9/379] ، ولستُ أدري كيف يصدر هذا القول من الإمام أبي حنيفة ،والمرأة مثل الرجل إنسان مكلف ،فهي تتفق معه في الإنسانية والتكليف ، وسواءً كان المقتول مسلماً ،أو كافراً له عهد بقول الله تعالى في الآية 92 من سورة النساء : ( وإن كان من قومٍ بيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) ،وسواءً كان حراً أو عبداً ،لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قتل عبده قتلناه ،ومن جدعه جدعناه ) [ رواه سعيد ،والإمام أحمد والترمذي ،وقال حديث حسن صحيح غريب] بل الكل يتساوى لمساواتهم في الإنسانية ،والإسلام قرر حق المساواة في الإنسانية ،يقول تعالى : ( يا أيُّها النَّاس إنَّ خلقْناكُمْ من ذكرٍ وَأُنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِل لِتَعارَفُوُا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتقاكُمْ) ،فالقول يُقتل الذكر بالأنثى ،والأنثى بالذكر ،وهو قول عامة أهل العلم ،منهم : النخعي والشعبي والزهري ،وعمر بن عبد العزيز ،ومالك ،وأهل المدينة والشافعي ،وإسحاق ،وأصحاب الرأي وغيرهم [- ابن قدامة : المغني ،9/378.] 3- حرمان المرأة من حقها في الولاية العامة والقضاء ؛ إذ  نجد المناوي في فيض القدير  يقول إنَّه بيَّن سبب منع المرأة من الولاية العامة والقضاء  : ( وذلك لنقصها وعجز رأيها ،ولأنّ الوالي مأمور بالبروز للقيام بأمر الرعية ، والمرأة عورة لا تصلح لذلك ،فلا يصلح أن تتولى الإمامة ولا القضاء) كما استدل بقول الشوكاني : ( وفيه دليل على أنَّ المرأة ليست من أهل الولايات ،لا يحل لقوم توليتها ،لأنَّ تجنَّب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب.واستدلال بعض المعارضين  أيضاً بقول الحافظ في الفتح : ( ويؤيد ما قاله الجمهور إنَّ القضاء يحتاج إلى الرأي ورأي المرأة ناقص ولا كمال ،ولا سيما في محافل الرجال ) 4- عدم قبول شهادة المرأة في الجنايات ،وقد أوضحتُ هذا في الحلقة الماضية.   وبموجب هذه الأحكام الفقهية التي بُنيت على مفاهيم خاطئة صيغت أنظمة وقوانين في الدولة تلحق النساء بالأطفال والقصر ،وتعامل معاملتهم !!!!     ( الرجال قوَّامون على النساء ….)           يشكل المفهوم الخاطئ للقوامة مصدراً آخر لمعاناة المرأة المسلمة في مختلف العصور الإسلامية بدءاً بعصور التراجع الحضاري إلى يومنا هذا ؛إذ أعطى البعض  ـ وهذا البعض كثير ـ معنى القوامة معنى الاسترقاق والاستعباد ،كما أعطوها معنى مطلقاً ،بمعنى كل الرجال قوامون على كل النساء ،ولا يحق للمرأة أياً كانت أن تتولى أي منصب تكون فيه رئيسة على رجل ،بل لا يحق لها أن تناقش أو تجادل رجلاً أياً كان قدرها وعلمها ،لأنَّ الرجال قوَّامون على النساء.     من هنا أردتُ التوقف عند آية القوامة لتوضيح مفهومها ودلالتها .      فى المدينة المنورة نزلت آية ” القوامة ” قوامة الرجال على النساء.. وفى ظل المفهوم الصحيح لهذه القوامة تحررت المرأة المسلمة من تقاليد الجاهلية الأولى ، وشاركت الرجال فى العمل العام مختلف ميادين العمل العام ؛ فكان مفهوم القوامة حاضراً طوال عصر ذلك التحرير.. ولم يكن عائقاً بين المرأة وبين هذا التحرير..  ولحكمة إلهيةِ قرن القرآن الكريم فى آيات القوامة بين مساواة النساء للرجال وبين درجة القوامة التى للرجال على النساء ، بل وقدم هذه المساواة على تلك الدرجة ، عاطفاً الثانية على الأولى ب ” واو ” العطف ، دلالة على المعية والاقتران.. أي أنَّ المساواة والقوامة صنوان مقترنان ، يرتبط كل منهما بالآخر ، وليسا نقيضين ، حتى يتوهم واهم أن القوامة نقيض ينتقص من المساواة.. لحكمة إلهية جاء ذلك فى القرآن الكريم ، عندما قال الله سبحانه وتعالى فى الحديث عن شؤون الأسرة وأحكامها)ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم )        وفى سورة النساء جاء البيان لهذه الدرجة التي للرجال على النساء فى سياق الحديث عن شؤون الأسرة ، وتوزيع العمل والأنصبة بين طرفى الميثاق الغليظ الذى قامت به الأسرة،الرجل  والمرأة فإذا بآية القوامة تأتى تالية للآيات التى تتحدث عن توزيع الأنصبة والحظوظ والحقوق بين النساء وبين الرجال ، دونما غبن لطرف ، أو تمييز يخل بمبدأ المساواة ، وإنما وفق الجهد والكسب الذى يحصِّل به كل طرف ما يستحق من ثمرات..(ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليماً * ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شئ شهيداً * الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم..)     ولقد فقه  عبد الله بن عباس  فهم الحكمة الإلهية فى اقتران المساواة بالقوامة ، فقال فى تفسيره لقوله سبحانه وتعالى -:(ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف) تلك العبارة الإنسانية ، والحكمة الجامعة: ” إننى لأتزين لامرأتى ، كما تتزين لى” ، لهذه الآية .   وفهم المسلمون قبل عصر التراجع الحضارى ، الذى أعاد بعضاً من التقاليد الجاهلية الراكدة إلى حياة المرأة المسلمة مرة أخرى – أن درجة القوامة هى رعاية رب الأسرة الرجل، وأنَّ هذه الرعاية هى مسئولية وعطاء.. وليست ديكتاتورية ولا استبدادا ينقص أو ينتقص من المساواة التى قرنها القرآن الكريم بهذه القوامة ، بل وقدمها عليها..   ولقد فُهمت القوامة فى عصر التنزيل..بأنَّ قيادة الرجل فى الأسرة، اقتضتها مؤهلاته ومسئولياته فى البذل والعطاء.. وهى قيادة محكومة بالمساواة والتناصر والتكافل بين الزوج وزوجه فى الحقوق والواجبات ومحكومة بالشورى التى يسهم بها الجميع ويشاركون فى تدبير شؤون الأسرة.. هذه الأسرة التى قامت على ” الميثاق الغليظ ” ميثاق الفطرة والذى تأسس على المودة والرحمة ، حتى غدت المرأة فيها السكن والسكينة لزوجها حيث أفضى بعضهم إلى بعض ، هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن ، فهى بعض الرجل والرجل بعض منها:(بعضكم من بعض) (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) (هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهن ) (وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) وإذا كانت القوامة ضرورة من ضروريات النظام والتنظيم فى أية وحدة من وحدات التنظيم الاجتماعى ، لأن وجود القائد الذى يحسم الاختلاف والخلاف ، هو مما لا يقوم النظام والانتظام إلا به.      فلقد ربط القرآن هذه الدرجة فى الريادة والقيادة بالمؤهلات وبالعطاء ، وليس بمجرد ” النوع  ” فجاء التعبير: (الرجال قوامون على النساء )،ولم يقل (الذكور قوَّامون على النساء) فالذكر ليس كالرجل،الرجل هو المؤهل للقوامة وقيادة الأسرة ،وتحمل مسؤولياتها كاملة ،والرجل يطلق في اللغة العربية على الذكر والأنثى،ويقال امرأة رَجُلة ،وفي الحديث ” كانت عائشة رضي الله عنها رَجُلة الرأي ”  وأوقفها على شرطيْن ،هما ( بما فضَّل اللهُ بعضهم على بعض ،وبما أنفقوا من أموالهم )وليس كل رجل قوّام على كل امرأة.. لأن إمكانات القوامة معهودة فى الجملة والغالب لدى الرجال ، فإذا تخلفت هذه الإمكانات عند واحد من الرجال ، كان الباب مفتوحاً أمام الزوجة إذا امتلكت من هذه المقومات أكثر مما لديه لتدير دفة الاجتماع الأسرى على نحو ما هو حادث فى بعض الحالات ،وهذا يوضح معنى قوله تعالى ( بما فضَّل الله بعضهم على بعض).والقوامة في نطاق الأسرة ،ولا تخرج عن نطاقها ،وتكون على من يتولى الرجل الإنفاق عليهن ،فقوامة الأب على ابنته تنتهي بانتقالها إلى بيت زوجها الذي ستنقل إليه قوامته عليها بحكم التزامه بالنفقة عليها،أي أنَّ القوامة مشروطة بالنفقة ،فلا تحق لك قوامة من لا تنفق عليهن في نطاق أسرتك.     مفهوم : ( يا أيُّها النبي إذا جاءك المؤمنات يُبايعنك) حق البيعة:    للمرأة حق البيعة ،وآية البيعة الوحيدة في القرآن الكريم جاءت بصيغة الخطاب للنساء ،يقول تعالى:  (( يا أيها النَّبيُ إذا جاءك المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنكَ على أنْ لا يُشْرِكنَ باللهِ شيئاً ولا يَسْرِقَنَ ولا يزْنِينَ ولا يَقْتُلنَ أوْلاَدَهُنَّ ولا يأتِين بِبُهْتانٍ يفترِينَهُ بين أيديِهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ولاَ يَعْصِينَكَ في معْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ واسَتغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إنَّ اللهَ غفُورٌ رَّحيم )) فآية البيعة تؤكد أنّ حديث ”لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة يؤخذ بخصوص السبب ،فمن له حق البيعة فله كل الحقوق المبنية عليها ،والتي يتمتع الرجل بكاملها ويحرَّم على المرأة ممارستها ،علماً بأنَّ المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم شاركت في البيعات التي بايعه الرجال عليها، ،ومن هذه البيعات بيعة العقبة الثانية،و بيعة الرضوان:   وكانت للنساء بيعة عند مقدمه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ،كما كانت له بيعة يوم فتح مكة .   وبيعتا العقبة الأولى والثانية كانتا على عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى ،والبيعة الثانية كانت على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم ،وبيعة الرضوان كانت على القتال في سبيل الله ،وقد التزم المبايعون رجالاً ونساءً بها ليثبتوتا دعائم الدولة الإسلامية في المدينة المنورة حسب الوحي الإلهي ،والتوجيه النبوي .    والذين يقولون إنَّ بيعة النساء للنبي صلى الله عليهم وسلم كانت مبايعة له كنبي ،وليس كحاكم،ولا بيعة للنساء للحكام والقادة على الحكم  قول مردود ،لأنَّه لا توجد بيعة للأنبياء والرسل  ،فالأنبياء والرسل تؤمن بهم ،أو تكفر بهم ،ومبايعة النبي صلى الله عليه وسلم  كانت عندما أقدم على تأسيس دولة في المدينة المنورة ،ولم تكن له مبايعة ،وهو في مكة المكرمة قبل الهجرة حيث كان نبياً ورسولاً لله فقط ،وليس حاكماً  ،وكانت بيعته في العقبة على تأسيس الدولة الإسلامية ،وعلى حمايته صلى الله عليه وسلم ،فإن كانت لا بيعة للنساء لأنَّ مبايعتهن كانت للرسول صلى الله عليه وسلم كنبي ،وليس كحاكم ،فبيعة الرجال كانت له بنفس الصيغة التي بايعه النساء عليها ،وبايعه الرجال كما بايعه النساء ،فكيف يبنى على هذه البيعة منح الرجال حق البيعة ،وحرمان النساء من هذا الحق؟؟؟    مفهوم ( وأمرهم شورى بينهم ) ،( وشاروهم في الأمر) إنَّ قصر الشورى على الرجل ـ مع أنَّ الآيتيْن جاءتا بصيغة العموم ـ جعل البعض ،وهذا البعض ليس بقليل يُحريم عضوية المرأة في مجالس الشورى،ومن تولي المرأة مناصب قيادية. حق الشورى:         الشورى حق شرعي للمرأة كما هو للرجل فآياتا الشورى جاءتا بصيغة العموم فالآية 195من سورة آل عمران يقول فيها الحق سبحانه وتعالى : ( فَبِمَا رَحمَةٍ مَّن اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظَّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك فَاعفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُم في الأَمْرِ)،ويقول في الآية 38 من سورة الشورى : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبَّهم وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون) وبناءً على هذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في موقف صحابته من صلح الحديبية ،وهو شأن عام من شؤون الأمة ،كما عيَّن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء من بني عدي مستشارة له ،وطلب المشورة من ابنته أم المؤمنين السيدة حفصة في المدة التي يغيب فيها الزوج عن زوجه دون أن تُفتن ،فقالت له تسألني وأنت عمر بن الخطَّاب؟ ،كما أخذ برأي المرأة القرشية التي عارضته في تحديد المهور معلناً على الملأ خطأه فقال قولته الشهيرة : ” أخطأ عمر وأصابت امرأة”؟ كما أُخذ برأي المرأة في تولي عثمان بن عفَّان رضي الله عنه الخلافة .  كما أنَّ آيتا الشورى لم تحددا قصر شورى النساء على ما يتعلق بشؤونهن،فالشورى عامة ،وذلك لأنَّ المرأة تشارك الرجل وتماثله في الإنسانية ،وفي تحمل أمانة الاستخلاف ،وهي مثله كاملة الأهلية ،فهي تتساوى معه في الجزاء والثواب والحدود والقصاص والعقوبات ،كما لها مثله أهلية حقوقية مالية . إنَّ نظام الكون قائم على نظام الزوجية الذي يحقق التوزان( ومِنْ كُلِّ شيءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون)،والأحادية تؤدي إلى وجود الخلل والقصور لعدم التوازن.   تضعيف لرواية ” أخطأ عمر وأصابت امرأة”:   أمّا تضعيف رواية ” أخطأ عمر وأصابت امرأة” ؛إذ يقول البعض : إنّ البيهقي أخرج القصة وردها لا نقطاعها ،فهذه الرواية جاءت من ثلاث طرق ،منها في مهور النساء : فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر ،إنَّ الله يقول : ( وآتيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً من ذَهَبٍ) قال وكذلك هي قراءة ابن مسعود ،فقال عمر : امرأة خاصمت عمر فخصمته) وعندما نخضع هذه الرواية لعلم الجرح والتعديل نجد أنَّ أبا عبد الرحمن السلمي الكوفي القاري هو عبد الله بن حبيب بن رُبيْعة ،قد روى عن عمروعثمان وعلي وغيرهم رضوان الله عليهم ،وكان معاصراً لعمر بن الخطاب رضي الله ؛إذ توفي سنة خمس وثمانين هجرية ،وهو ابن التسعين ،وقال عنه النسائي “ثقة” ،وقال  ابن حجر في التقريب “ثقة ثبت” الطريق الثاني الذي أخرجه أبو يعلى من وجه  آخرعن مسروق عن عمر فذكره متصلاً ومطولاً ) وهذا جاء في سنن أبي دود ،وسنن النسائي ،وسنن الترمذي،وعند إخضاع هذه الرواية لعلم الجرح والتعديل نجد مسروق إن كان هو مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية الهمداني الوداعي الكوفي ،فقد صلى خلف أبي بكر ولقي عمر وروى عنهما أي كان معاصراً لعمر ،وهو ثقة فقيه عابد مخضرم كما جاء في التقريب ،وإن كان مسروق هو مسروق بن أوس التميمي اليرعوبي الحنظلي ،فهو غزا في خلافة عمر رضي الله عنه  ،أي أنَّه عاصر عمراً رضي الله عنه ،وقال في التقريب أنَّه مقبول ،ويرجح أن يكون مسروق الهمداني الكوفي.                       مفهوم ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) حق الولاية:    ليس في الإسلام ما يحرم ولاية المرأة إن ولاية المرأة سواء على نفسها أو  على غيرها ، كانت الولاية الصغرى أو الولاية العامة ، لم يرد في القرآن الكريم ما يحرمها على المرأة . بل إن الآيات القرآنية نصت على المساواة بين الرجال والنساء في تولى مسؤولية الولاية . يقول الله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) . وقد عالج الفقهاء مسألة ولاية المرأة فاختلفوا بين مؤيد ومعارض . غير أن قوة الحجة وسلامة المنطق ميزا موقف التأييد لما فيه من انسجام مع نصوص القرآن الكريم وأحكامه ؛ إذ لا يصح تجاوز الآيات القرآنية قطعية الدلالة والثبوت إلى نصوص حديثية ظنية الثبوت والدلالة معا . ومن الآراء المؤيدة لولاية المرأة نقرأ في كتاب ” أحكام القرآن” لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن عربي ، ص 483 ما يلي ( وقد تناظر في هذه المسألة القاضي أبو بكر بن الطيب المالكي الأشعري مع أبي الفرج بن طرار شيخ الشافعية ببغداد في مجلس السلطان الأعظم عضد الدولة ، فماحل ونصر ابن طرار لما ينسب إلى ابن جرير [ الطبري ] على عادة القوم التجادل على المذاهب ، وإن لم يقولوا بها استخراجاً للأدلة وتمرنا في الاستنباط للمعاني ، فقال أبو الفرج بن طرار ” الدليل على أن المرأة يجوز لها أن تحكم أن الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها ، وسماع البينة عليها ، والفصل بين الخصوم فيها ، وذلك يمكن من المرأة كإمكانه من الرجل . فاعترض عليه القاضي أبو بكر ، ونقض كلامه بالإمامة الكبرى ، فإن الغرض منها حفظ الثغور ، وتدبير الأمور ، وحماية البيضة ، وقبض الخراج ، ورده على مستحقيه ، وذلك يتأتى من المرأة كتأتيه من الرجل . فقال له أبو الفرج بن طرار : هذا هو الأصل في الشرع ، إلا أن يقوم دليل على منعه ) . ورغم ما يعبر عنه الدكتور يوسف القرضاوي من مواقف تضيق على المرأة ، إلا أنه تصدى للمتشددين في منع المرأة من المشاركة السياسية بقوله لبرنامج ” للنساء فقط” : ( هو الخلاف الذي يعني نقف أمامه قضية رئاسة الدولة، أن هناك طبعا هناك مَن يقول بأن المرأة لا تتولى ولاية عامة، لا تكون قاضية، لا تكون مديرة ولا وزيرة ولا شيء من هذا وذاك مَن يقول هذا الكلام ولكن الواقع آية {والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض } تقف أمام هؤلاء ) . إن مقولة لا ولاية لامرأة استناداً على مفهوم خاطئ للحديث النبوي الشريف عن دولة الفرس آنذاك ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) لا يكون عقبة أمام وصول المرأة إلى مجلس الشورى،والمناصب القيادية  لأنَّ هذا الحديث يؤخذ به بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب ،فالسنة لا تناقض القرآن الكريم ،ولو أخذنا هذا الحديث بعموم اللفظ بالقول لا ولاية لامرأة فيعنى هذا أنَّ هذا الحديث يتناقض مع قوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهوْن عن المنكر ) ،وقوله بصيغة العموم ( وإذا حكمتم بين الناسِ أن تحكموا بالعدل) ،وإشادته في سورة النمل بملكة سبأ لكونها امرأة شورية وبيان فلاح قومها بتوليها عليهم فكانوا قوما أولي قوة وبأس شديد ،وبإسلامها فلح قومها في الدنيا والآخرة ،يقول تعالى عن ملكة سبأ : ( قالت يَا أَيُّها المَلأُ أفْتُوُنِيِ فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُون .قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والأمْرُ إليكِ فَانْظُرِي مَا ذَا تَأْمُريِن) ،فهنا لم ينكر جل شأنه على قوم سبأ تولي أمرهم امرأة ،ولو كان لا ولاية لامرأة لبيَّن الخالق ذلك في هذه الآيات ، بل نجد سيدنا سليمان عليه السلام قد أقر بلقيس ملكة سبأ على حكم اليمن بعد إسلامها.   المرأة وولاية الحكم:     لم يشترط الماوردي في الأحكام السلطانية الذكورة في ولاية ما يسمى برئاسة الدولة.  المرأة والوزارة :    طالما تولت المرأة الحكم في الإسلام ،فلا يوجد ما يمنع من توليها الوزارة،فالمرأة التي تكون أهلاً من حيث المبدأ والاختصاص لإحدى هذه الوظائف ، والتي تكون على استعداد لأن تضبط نفسها وسلوكها بالضوابط الدينية التي أمر بها الله عز وجل ،ليس في الشرع ما يمنع من ممارستها لتلك الوظيفة بسبب أنَّها امرأة. فقد ولى سيدنا عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله من بني عدي ولاية الحسبة ،وهي بمثابة وزيرة “شؤون بلدية “،وكانت أول محتسب  في الإسلام ،لأنَّ عمر بن الخطاب  مؤسس الحسبة .وكانت سمراء بنت نُهيك الأسدية رضي الله عنها تراقب الأسواق في مكة . المرأة والقضاء:  والقضاء من الوظائف التي قد تندرج في سلك الوظائف السياسة ،فهي وإن كانت تُعنى بتنفيذ الأحكام الشرعية بين المتخاصمين ،إلاَّ أنَّها من حيث هي جزء من نظام الحكم في الإسلام ،وتعد جزءاً من البُنيان السياسي للدولة.غير أنَّ العلماء اختلفوا في حكم إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة ،فذهب أكثر الفقهاء إلى اشتراط الذكورة فيمن يتولى القضاء ،وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط ذلك في أعمال القضاء المدني نظراً إلى صحة شهادتها في سائر القضايا المدنية ،أمَّا في الحدود والقصاص فقد وافق الحنفية جمهور الفقهاء في اشتراط الذكورة ،لعدم نفاذ شهادتها في الجنايات. [ حاشية ابن عابدين :4/392]  أمَّا ابن جرير الطبري فذهب إلى جواز إسناد وظيفة القضاء إلى المرأة مطلقاً مستدلاً بأنَّ القضاء مثل الفتوى ،ولمَّا كان إسناد وظيفة الفتوى إلى المرأة جائزاً بالاتفاق ،اقتضى أن يكون إسناد القضاء إليها جائزاً ،وأن يكون حكمها في شؤون القضاء نافذاً.   وقد نقل ابن حجر في فتح الباري عن بعض المالكية أنَّهم أطلقوا الحكم أيضاً بجواز إسناد مهام القضاء إلى المرأة أي في الجنايات وغيرها .[ ابن حجر العسقلاني : فتح الباري ،13/44.]     هذا الحديث  بخصوص السبب ،وليس بعموم اللفظ ، ولكن الذين يُحرمون على المرأة حق الولاية في كل شيء  حتى على نفسها وحياتها ومالها ،أطلقوا الحديث على عموم اللفظ ،بل وتجاوزوا هذا العموم حتى حرموا المرأة من حق الولاية على نفسها ،فلا يحق لها أن تتبرع بعضو من أعضائها بعد مماتها إلاَّ بموافقة ولي أمرها ،هذا الولي الذي فرض عليها مدى الحياة حتى لو كانت عالمة وباحثة ومفكرة ،ومخترعة ،وتخضع للولي حتى لوكان ابناً ،أو حفيداً ،فاسقاً ، كان أو مدمنا للمخدارات.                  وبعد هذا العرض الموجز للمفاهيم الخاطئة  للآيات: ( الرجال قواموان على النساء ) ،و( واستشهيدوا شهيدين من رجالكم …) و( للذكر مثل حظ الأنثيين ) ،(الرجال قوامون على النساء ) ،و( يا أيها النبي إذ جاءك المؤمنات يبايعنك ) ،و( وأمرهم شورى بينهم ) والحديثيْن: ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين …) ،و( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )  ،سأوجز الأحكام الفقهية التي بُنيت على تلك المفاهيم الخاطئة: 1- التعامل مع المرأة كناقصة الأهلية في كل الأمور ما عدا في الحدود والقصاص والعقوبات،مع فرض الوصاية الأبدية عليها. 2- حرمان المرأة من حق الولاية الخاصة على نفسها وأموالها وأولادها ،وحرمانها من حق الولاية العامة ،وتولي القضاء و المناصب القيادية. 3- حرمانها من حق البيعة والشورى .  4- إقصاؤها عن المشاركة في الحياة العامة. 5- حرمانها من المشاركة  في المجالس العلمية والمؤتمرات ،وعزلها عن أية مشاركة . 6- قصر مشاركتها العلمية فيما يختص بشؤون المرأة إن سمح لها الرجل بذلك. 7- عدم قبول شهادتها في الجنايات. إنَّنا في حاجة إلى تغيير نظرة  خطابنا الثقافي  للمرأة بأنَّها خُلقت لمتعة الرجل وخدمته ،وأنَّها مصدر كل فتنة،ومحط كل شهوة ،ومن خلال مفاهيم خاطئة للقوامة ،وفرض الوصاية عليها ،والتعامل معها معاملة ناقصي الأهلية بفرض عليها الولاية مدى الحياة ،ومطالبتها بحضور ولي الأمر ،أو بالوكيل في القضاء ،أو عند تقديمها بلاغ للشرطة ،وفي حالات البيع والشراء إلى آخره،وما تعانيه المرأة السعودية في المحاكم ،فلابد من توضيح حقوق المرأة في الإسلام بعيداً عن الغلو والتطرف ،والعادات والأعراف والتقاليد المتعارضة مع تعاليم الإسلام ،أو طبقاً لمفاهيم خاطئة لحديث نقصان عقول النساء ،و”لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة” ،وآيات القوامة والشهادة في المداينة ،و”للذكر مثل حظ الأنثيين” ،”واضربوهن” ،”وقرن في بيوتكن” ،والخلاف حول تغطية المرأة لوجهها وكشفه ،وغير ذلك،فإن ظل خطابنا الثقافي   يتعامل مع المرأة طبقاً للمفاهيم الخاطئة السائدة الآن ،فلن تنال المرأة السعودية حقوقها ،وسيتفاقم العنف ضد المرأة ،فإن كانت الآن نسبة قضايا العنف الأسري التي وردت إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تكاد تصل نسبتها ال 16% فستتضاعف في الأعوام القادمة ،والأخطر من هذا ما تخطط له الإدارة الأمريكية من إنشاء شبكات من العلمانيين العرب والمسلمين ،ودعهم مادياً ومعنوياً وإعلامياً لمحاربة الإسلام والقضاء عليه كما جاء في تقرير مركز راند البحثي التابع للقوات الجوية الأمريكية الذي نشرته الرسالة ،فعلينا أن نسارع في تصحيح هذه المفاهيم وغيرها ،ونتعامل مع المرأة بموجبها ،ونمنحها كامل حقوقها طبقاً للمفاهيم الصحيحة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالنساء ،قبل أن يفلت الزمام منا ،ونجد من بناتنا ونسائنا ضمن تلك الشبكات التي تسعى للقضاء على الإسلام،وكما شعر فضيلة الشيخ سعد البريك بخطورة الموقف ،فأباح للمرأة ممارسة الرياضة في المدارس ضمن الضوابط الشرعية ،وأقر بعدم وجود حرمة شرعية في ذلك ،فأنا أدعوه ،وأدعو علماءنا الأفاضل المعتدلين مثل فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان ،وفضيلة الشيخ عبد الله المطلق ،وفضيلة الدكتور سلمان العودة ،وفضيلة الدكتور عائض القرني ،وفضيلة الدكتور عوض القرني ،وفضيلة الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان ،وغيرهم كُثر من علمائنا الأفاضل المعتدلين  أن يضموا أصواتهم إلى صوتي في المطالبة في تصحيح المفاهيم كخطوة أساسية للإصلاح ،والحد من العنف الممارس ضد المرأة بكل أشكاله وأنواعه،فصلاح الأمة الإسلامية مرهون بصلاح المرأة ،وصلاح المرأة مرهون بتحريرها من تلك المفاهيم الخاطئة التي حكمت عليها بأنها قاصر على الدوام ،ناقصة الأهلية في كل الأحوال ماعدا في الحدود والقصاص والعقوبات ،ليس من حقها المشاركة في الحياة العامة ،وتولي مناصب قيادية،محكوم عليها بالضرب والإهانة والعبودية للرجل بحكم قوامته عليها ،فإمرأة ترَّبت على الذل والهوان ،كيف ستربي أولادها على العزة والكرامة،والذين سيكون منهم قادة وزعماء ،فهي مربية الأجيال ،ومربية صنَّاع القرار ؟؟ علينا أن نسعى جميعاً لنتنال المرأة كامل حقوقها في الإسلام طبقاً للمفاهيم الصحيحة لآيات الحقوق ،ليكون ولاءها للإسلام ،ولا نعطي فرصة لأنَّ يُقال أنَّها حصلت عليها بموجب اتفاقات دولية ،أو نتيجة ضغوط دولية ،فيكون ولاءها للغرب ،وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية فتربي أولادها على الولاء لها ،وهذا ما تريده أمريكا… التوصيات:  بناءً على ما تقدم أوصي بالآتي : أن يكون من ضمن توصيات هذه الندوة : 1. العمل على تغيير الخطاب الثقافي تجاه المرأة بتصحيح المفاهيم الخاطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالقوامة والشهادة  والولاية والبيعة والشورى والميراث والأهلية القانونية والذمة المالية والدية . 2. نبذ العادات والتقاليد والأعراف المتعارضة مع الشريعة الإسلامية، وتعاليم ديننا الحنيف. 3. نبذ النظرة الدونية للمرأة وإقصائها. 4. العمل على تعديل الأنظمة والقوانين التي تسلب المرأة أهليتها ،وتلحقها بالأطفال والأحداث والمراهقين. 5. فتح المجال للمرأة للمشاركة في الحياة العامة ،وتولي مناصب قيادية.                        وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه الخير والصلاح                             والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Leave a Reply