حديث الذكريات

حديث الذكريات ٤

By 20 مارس، 2021أبريل 26th, 2021No Comments

دراستي في جامعة الأزهر (4) أنا والدكتورة سيدة كاشف (أ) بقلم/ د. سهيلة زين العابدين حمّاد   تحدثتُ في الحلقة الماضية عن دراستي الجامعية , وتوقفتُ عند دراستي في جامعة الأزهر , وهذا ما سأتحدث عنه في هذه الحلقة والحلقة التي تليها . تمهيد:  بعد تخرجنا  من الجامعة أنا وأختي ،كانت أمنيتنا أن نتم دراستنا ونحصل على الماجستير والدكتوراة ، ووالدي رحمه الله لم يقصر ، وقال لنا بعد حصولنا على البكالوريوس : “إن أردتما إتمام دراستكما فأنا على أتم الاستعداد ،ولو أردتما الدراسة في أية جامعة حتى ولو كانت في سويسرا ، فأنا مستعد ،ولن أبخل عليكما ، ولكن أنا وأختي أشفقنا على أبينا وأمنا ، فكفاهما معاناتهما  في سبيل دراستنا كل هذه السنوات ، ثُمَّ أنَّ أمنا مريضة فكيف نتركها؟ وأبينا مسناً فكيف نكلفه فوق طاقته ؟فآثرنا الاكتفاء بالبكالوريوس ، وكنتُ قد سلكتُ طريق الكتابة ، ولكن بعد وفاة أمي ـ رحمها الله ـ والتي كانت كل حياتي ، لم أستطع الإمساك بالقلم والكتابة ،فقد كانت أمي ناقدتي الأولى ، وكنتُ أية مقالة أكتبها أقرؤها على أمي قبل أن أبعثها للجريدة ، فأقرأ لمن بعدها؟ فلم أستطع الكتابة عدة سنوات ، وهذا سبب توقفي تلك السنوات عن الكتابة ، ورأيتُ أن أشغل نفسي بالدراسة ، وأحقق حلمي بالحصول على الدكتوراة ، فالتحقت بقسم تاريخ بالدراسات العليا بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر ، وكانت السنتان اللتان درستهما في الأزهر  من أجمل سنوات الدراسة، فالدراسة في جامعة الأزهر ذات طعم خاص ،وحلاوة خاصة ،وقد استفدتُ كثيراً من دراستي في الأزهر . أنا والدكتورة سيدة كاشف    عندما التحقتُ بالأزهر التحقتُ به كطالبة عادية ، لم أبيّن لأحد أنَّني أديبة وكاتبة ،ولي مؤلفات، ولكني لم أستطع التخلص من صفتي كصاحبة فكر ورسالة وناقدة،وما أشعر به من واجب في تصحيح ما أقرأه من آراء وأقوال تسئ للإسلام ؛ لذا لم أستطع أن أردد ما كتبته الدكتورة سيدة كاشف عن القرآن والسنة ، واتهامها للمسلمين أنَّهم لم يطبقوا المنهج العلمي إلاَّ في القرن التاسع عشر ،وذلك في كتابها “مصادر التاريخ الإسلامي ومناهج البحث فيه” ، وكان هذا الكتاب مقرراً علينا في مادة “منهج البحث العلمي ” في السنة الثانية التمهيدية ، وعندما قرأتُ هذا الكتاب صدمتُ صدمة كبرى ، وكأني أقرأ لمستشرقة تحمل حقداً دفيناً على الإسلام ، وهذا ما قلته لأستاذة المادة  قبل الامتحان النهائي للمادة بأيام ـ وهي مقررة هذا الكتاب ، والدكتورة “سيدة” أستاذتها المشرفة على أطروحتها للدكتوراة ،وتكن لها كل حب وتقدير ، ورأيتها في أحد المؤتمرات كيف تبر بأستاذتها  ـ وقلتُ لها : لن أستطيع أن أجيب في الامتحان طبقاً لما كتبته الدكتورة سيدة كاشف دون أن أفنِّد أقوالها ،وأرد عليها ،فقالت لي : ما دمت ستدعمين إجابتك بالأدلة والبراهين ، فلا بأس، فالذي يهمني أن تكون للطالبة شخصيتها ، وأن تعبر عما تراه صواباً مدعمة رأيها بالحجج والبراهين، وجاء في الامتحان ثلاثة أسئلة على أن أجيب على اثنين منها ،وكان السؤال الأول الذي أجبتُ عنه هو : كتابة أحداث التاريخ من خلال مصادر الشريعة الإسلامية “القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف”. القرآن الكريم  وهنا توقفتُ عند هذه العبارات التي كتبتها الدكتورة سيدة كاشف عن القرآن الكريم كمصدر للأحداث التاريخية  ,فقالت في صفحة 22 :” وعلى الرغم من أنَّ الكشوف الأثرية قد أيَّدت صحة ما جاء في الكتب المقدسة ـ ولا سيما القرآن ـ عن بعض أخبار العرب القدماء ،فإنَّ المستشرقين لا يميلون إلى الاعتماد على الكتب المقدسة في ميدان التاريخ ؛ إذ أنَّهم يرون ما جاء فيها سرد بأسلوب مختصر ، وأنَّه كان يهدف ـ ولا سيما القرآن إلى عبرة أخلاقية فضلاً عن بعض أخبارها لا يزال غير واضح وينقصه التحديد الزماني والمكاني . ويشيرون بهذه المناسبة إلى اختلاف المفسرين والشراح في تفسير تلك الأخبار” وتستطرد قائلة:  “ويلقي القرآن الكريم ضوءًا كبيرًا على المشاكل الكثيرة التي واجهت الرسول ، والعقبات التي اعترضته ، ولا شك أنَّ القرآن الكريم هو المصدر الأول لدراسة نشأة الإسلام وعقائده نظرًا لأصالته ، ولما فيه من إشارات وأخبار عن الرسول وعصره ، وما لاقته الدعوة الإسلامية .” ثمَّ تقول : ” غير أنَّه ينبغي أن نتذكر صعوبة الاستفادة من ذلك المصدر الرئيسي نظرًا لأنّ القرآن الكريم لم يشمل بالذكر كافة الحوادث التي مرَّ بها الإسلام ، أو كل الأعمال التي قام بها محمد عليه الصلاة والسلام ،أ و كافة من اتصل بهم من أشخاص”  ثمَّ تستطرد قائلة : ” وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحفظ ما يوحى إليه , ويظهر أنَّه صلى الله عليه وسلم استعان بعد فترة بالكتاب لكتابة ما يمليه عليه الوحي في مكة والمدينة أمثال زيد بن ثابت وأبي بن كعب.” ثُمَّ تقول : ” ونلاحظ أنَّ القرآن جمع على أساس طول السور وقصرها ، وليس بحسب ترتيبها التاريخي ، وزمن نزولها ، ولهذا نرى أنَّه ليس من السهل الاستفادة من القرآن في الدراسة التاريخية لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم فالسورة الواحدة لم تنزل مرة واحدة ، بل كثيرًا ما تكون في السور الواحدة آيات مكية ،وأخرى مدنية ،وقد تكون السورة الواحدة مكية خالصة ،ولكن آياتها نزلت في فترات متباعدة ثُمَّ جمعت في سورة واحدة ” وتستطرد قائلة : ” وقد بحث العلماء المسلمون مثل عبد الله بن عبَّاس في تعاقب نزول السور ، ورووا ترتيبها حسب نزولها ،ولكنهم اختلفوا في أبحاثهم اختلافات كثيرة.” الرد على ما كتبته الدكتورة سيدة كاشف عن القرآن الكريم: هذا أخطر ما كتبته الدكتورة سيدة كاشف عن القرآن الكريم ، وكما ترون فإنّ أسلوب كتابتها لا يختلف عن أسلوب المستشرقين . هذا وقد قمتُ بتفنيد كل أقوال الدكتورة سيدة المجانبة للحقيقة وكتبتها ، ولكن للأسف غير موجود بحوزتي  هذا التفنيد الآن؛ إذ تركته في مكتبتي في القاهرة،وكان مضمون ردي عليها في ورقة الامتحان على النحو التالي : وسأبدأ من حيثُ انتهت الدكتورة ،وهو قولها : ” أنَّ القرآن جمع على أساس طول السور وقصرها ، وليس بحسب ترتيبها التاريخي ، وزمن نزولها…”  إنَّ هذا القول مردود ، فترتيب الآيات والسور لم يكن في جمع القرآن ، فمعروف أنَّ وضع الآيات وترتيب السور هو توقيفي من عند الله ، أي بتنزيل من الله تعالى ، فكان نزول القرآن الكريم على غير الترتيب الذي نقرؤه الآن في السور الكريمة ، بل كان ذلك الترتيب من بعد النزول بعمل النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله تعالى ، فكان يقول صلى الله عليه وسلم ضعوا آية كذا في موضع كذا من سورة كذا ، فتكون بجوارها متسقة متلاحقة المعنى مترابطة ،متناسقة اللفظ ،تتلقى بها كأنَّها تقف معها ،وكأنَّهما كلام واحد قيل في زمن واحد ،أحدهما لاحق ،والآخر سابق ، وكأن المتكلم قالهما في نفس واحد ، من غير زمن بينهما يتراخى ،أ و يتباعد ،وذلك من سر الإعجاز ، ولا غرابة في ذلك ، لأنَّ القائل واحد ، وهو الله سبحانه وتعالى العليم الخبير الذي لا تجري عليه الأزمان ، ولا يحد قوله بالأوقات والأزمان لأنَّه هو خالق الأزمان والمحيط بكل شيء علمًا.وكان سنة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرأ القرآن الكريم في العرضة الأخيرة على جبريل عليه السلام مرتبًا ذلك الترتيب الموحى به الذي نقرأ به القرآن الكريم .فسور القرآن وآياته رتِّبت بوحي إلهي ، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلاَّ بعدما قرأه على جبريل عليه السلام بذلك الترتيب في العرضة الأخيرة، وذلك موضع إجماع.ويقول الإمام محمد أبو زهرة في كتابه “المعجزة الكبرى :القرآن الكريم “على ذلك انعقد الإجماع ، وكانت العرضة الأخيرة التي قرأ فيها النبي على جبريل بترتيب الآيات ذلك الترتيب ، ومن أنكر ذلك أو حاول تغييره فد أنكر ما عرف من الدين بالضرورة ، وخرج عن إطار الإسلام ، وحاول التغيير والتبديل ، فتلك الدعوات المنحرفة التي تدعو إلى ترتيب القرآن على حسب النزول ، أو على حسب الموضوعات هي خروج على الإسلام ،يبثه بعض الذين لا يرجون للإسلام وقاراً ،إذ يجعلون القرآن عضين ،ويخالفون التنزيل ،ويعارضون الوحي ، وذلك خروج عن الإسلام “. وممَّا لا شك فيه أنَّ قول الدكتورة سيدة كاشف : ” وقد بحث العلماء المسلمون مثل عبد الله بن عبَّاس في تعاقب نزول السور ، ورووا ترتيبها حسب نزولها ، ولكنهم اختلفوا في أبحاثهم اختلافات كثيرة.” قول مردود ، وكما يبدو أنَّها تردد ما يزعمه المستشرقون، فهذا من افتراءات المستشرقين لأنَّ تغيير ترتيب سور القرآن يخالف التنزيل ، ويعارض الوحي ، وذلك خروج عن القرآن ،ولا يمكن أن يقوم بمثل هذا العلماء المسلمون مثل عبد الله بن عبِّاس مثلما قالت الدكتورة سيدة كاشف :  ” وقد بحث العلماء المسلمون مثل عبد الله بن عبَّاس في تعاقب نزول السور ، ورووا ترتيبها حسب نزولها ، ولكنهم اختلفوا في أبحاثهم اختلافات كثيرة.”      وقد عبث بعض المستشرقين بالترتيب المصحفي للسور في ترجماتهم لمعاني القرآن الكريم ،ومن هذه الترجمات : 1- ترجمة القرآن الكريم لجون . رودويل(1808 ـ 1900م) Rodwell John Medows[1] وقد خالف فيها الترتيب المصحفى للسور، فجعل سورة الفاتحة مثلاً هي السورة الثامنة،  وسورة البقرة هي الواحد وتسعين ، وآل عمران 97، والنساء 106، الخ،  وقد حاول أن يؤلف نظرية يفسر بها ما اختلقه من ترتيب تنزيل آيات القرآن وابتدأ من الآيات التي نزلت مع أول الوحي كانت تتسم بالقصر وحاول أن يضع على أساسها ترتيبًا جديدًا للسور المختلفة هذا ونجد ردويل يدعي أن الآيات من (24 ـ 60) من سورة الذاريات لا تنتمي إليها أبدًا، وإنَّما أضيفت إليها بعد ذلك ، ولعلها جاءت إثر عملية تنقيح الكتاب وتعديله على عهد عثمان الذي أراد أن يصلها بما سبق عليها من آيات.[2] 2-ترجمة القرآن الكريم لأرثر هنرى آربرى A.J.Arberry(1905 ـ 1969) في أوائل الخمسينات أصدر آربرى ترجمة لمختارات من بعض آيات القرآن مع مقدمة طويلة وصدرت بعنوان  The Holy Koran وهو المجلد التاسع من سلسلة بعنوان “الكلاسيكيات الأخلاقية والدينية للشرق والغرب” وقد أشرف على إصدار هذه السلسلة من عام 1950، وفي عام 1905م أصدر ترجمته المفسرة للقرآن تحت عنوان Translated Interpreted  وذلك في مجلدين، وكما يدل عليه العنوان فهي ليست ترجمة حرفية، بل ترجمة مفسرة interpreted   دون التقيد بحرفية الآيات ولا تسلسل تركيبها اللغوي[3] . من المآخذ على ترجمة آربري: ـ خالف الترتيب المصحفي للسور:  ونفى انتساب سورة الفاتحة إلى القرآن الكريم وأغفل كثيراً من السور في ترتيبه الخاص مثل سورة آل عمران، الأنعام، الأعراف، التوبة، يونس، هود، الرعد، إبراهيم، الأنبياء، الحج، المؤمنون، النور، الفرقان، النمل، القصص، الشورى، العنكبوت، الأحزاب، سبأ، فاطر، غافر، فصلت، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف، محمد، الحجرات، ق، الذاريات، الطور، وغيرها[4] وعن حذف سورة الفاتحة تماماً من القرآن يقول جفري: “إنّ الإنسان ـ كما يظهر ـ في هذه السورة يخاطب الله على العكس تماما من بقية الكتاب حيث نرى أن الله دائما هو الذي يخـاطب الإنسان”[5] وهو بقوله هذا يصف القرآن الكريم بالتحريف ويتهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أتى بسورة من عنده فالمعروف أن سورة الفاتحة أساسية في الصلاة إذ يجب أن تتلى في كل ركعة فرضاً أو سنة، وآربري يناقض نفسه بقوله هذا، إذ ذكر في كتابه “مظاهر الحضارة الإسلامية” إنّ محمداً نبي الله، وأنّ القرآن كلام الله، فكيف يزعم آربري أن الفاتحة ليست من القرآن، بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نبي الله يأتي بسورة من عنده ؟. كما نجد  “وليم موير “في كتابه “شهادة القرآن على الكتب اليهودية والمسيحية”(أجرا 1815) قد غيَّر في ترتيب الآيات والسور .ومن هنا نجد أنّ قول الدكتورة سيدة كاشف ” أنَّ القرآن جمع على أساس طول السور وقصرها ،وليس بحسب ترتيبها التاريخي ، وزمن نزولها…” يؤكد مزاعم المستشرقين ،ومنافياً للحقيقة. أمَّا عن قولها : ” ويظهر أنَّه صلى الله عليه وسلم استعان بعد فترة بالكتاب لكتابة ما يمليه عليه الوحي في مكة والمدينة أمثال زيد بن ثابت وأبي بن كعب.”، فهو قول مردود ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعن بكتَّاب الوحي بعد فترة من نزوله ؛ فمنذ ابتداء نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحفظه  ، وكلما جاءه الوحي يتلوه على الحاضرين ، ويأمر من حوله ممن يحسنون الكتابة أن يكتبوه ، ويمليه من فوره على كتبة الوحي ليدونوه على أي شئ كان في متناول أيديهم مثل الورق أو الخشب أو قطع الجلد أو صفائح الحجارة ،وكسر الأكتاف ..إلخ ، ويذكر العلماء الثقاة أنَّ عدد كتاب الوحي  بلغ تسعة وعشرين كاتباً ، منهم الخلفاء الخمسة الأوائل ( أبو بكر الصديق وعمر ابن الخطّاب وعثمان بن عفَّان ، وعلي بن أبي طالب  ومعاوية بن أبي سفيان رضوان الله عليهم ) وكان إسلام عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ راجعاً إلى قراءته لآيات من أول سورة طه التي وجدها مكتوبة على ورقة كانت تحملها أخته، فكان النص المنزَّل لم يقتصر على كونه “قرآناً ” أو مجموعة من الآيات التي تتلى أو تقرأ ،وتحفظ في الصدور ، وإنَّما كان أيضاً “كتاباً” مدوناً بالمداد فهاتان الصورتان تتضافران ، وتصحح كل منهما الأخرى. فقول الدكتورة سيدة كاشف أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم استعان بعد فترة بكتاب الوحي ،قول ينافي الحقيقة  ، ويشكك في صحة القرآن من جهة ، ومن جهة أخرى فقد خانها التعبير بقولها ” ويظهر أنّه صلى الله عليه وسلم استعان بعدة فترة بكتَّاب الوحي ،فهي هنا بهذه العبارة تشكك في الاستعانة بكتَّاب الوحي في كتابة الوحي. أمَّا عن قولها : ” غير أنَّه ينبغي أن نتذكر صعوبة الاستفادة من ذلك المصدر الرئيسي نظرًا لأنّ القرآن الكريم لم يشمل بالذكر كافة الحوادث التي مرَّ بها الإسلام ،أو كل الأعمال التي قام بها محمد عليه الصلاة والسلام ،أو كافة من اتصل بهم من أشخاص”  ممَّا لاشك فيه أنَّ القرآن الكريم هو المصدر الأساسي والثقة  لتاريخ الإنسان منذ بدء الخليقة حتى قرب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو بلا جدال المصدر الرئيسي والثقة في دراسة تاريخ الشرق الأدنى القديم من خلال عرضه لقصص الأنبياء والأمم الماضية مثل عاد وثمود وأصحاب الأيكة ،وسبأ ، وفرعون مصر ،وقصص بني إسرائيل مع أنبيائهم  ، وتطرقه إلى أحداث خارج شبه الجزيرة العربية في زمن الرسالة كالصراع بين الروم والفرس ، كما هو المصدر الرئيسي والأول لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ،وفيه ذكر لبعض الأحداث التاريخية في عصر السيرة مثل حادثة انشقاق القمر ، والإسراء والمعراج ،ومثل غزوات بدر وأحد والخندق ، وحُنين، وصلح الحديبة  ، كما ذكر مواقف اليهود مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ،وما دار بينه وبينهم من حوار ،وغزوات ، كما يتضمن العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية ،وترد فيه آيات الأحكام ذات الأهمية الكبيرة في بيان النظم الإسلامية ونشأتها فهي تلقي الضوء على التشريعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحربية التي عمل بمقتضاها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في إدارة الدولة الإسلامية الأولى. ولكن القرآن الكريم ليس كتاباً في التاريخ ،بل هو دستور للحياة ،فلا نتوقع أن يورد تفاصيل عن الأحداث التاريخية في القرآن الكريم ،ولكنه أصدق المصادر وأوثقها ، وإن جاءت معلومات تاريخية تتناقض مع ما جاء في القرآن الكريم ، نتركها جميعها ،ونأخذ بما جاء في القرآن الكريم مثل قصة أصحاب الفيل ، فما يقوله المستشرقون أنَّ أصحاب الفيل أصيبوا بمرض الجدري فأهلكهم ،وغير ذلك من الأقاويل لا نأخذ بها ، فالثابت لدينا بيقين لا يقطعه أدنى شك أنَّ هلاك أصحاب الفيل كان كما جاء في القرآن الكريم في سورة “الفيل” بسبب ما أرسله الله من طير أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل حماية لبيته من غزو أبرهة له وعزمه على هدمه. وممَّا ينبغي لفت الانتباه إليه أنَّ الإفادة التامة من القرآن الكريم لا تتم إلاَّ بالرجوع إلى كتب التفسير الموثقة ، وخاصة التفسير بالمأثور مثل تفسير الطبري ، وتفسير ابن كثير ، وينبغي الرجوع إلى كتب الناسخ والمنسوخ ، وكتب أسباب النزول ، وغيرها مما يتصل بالقرآن وعلومه. الحديث الشريف  وهذا ما سأحدثكم عنه في الحلقة القادمة , فإلى اللقاء

Leave a Reply