حديث الذكريات

حديث الذكريات٣

By 20 مارس، 2021أبريل 26th, 2021No Comments

حديث الذكريات مع الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد (3) الـمـرحـلـة الـجـامـعـيـة بعد حصولنا على الثانوية العامة تزوجت أختي سميحة ،وسافرت مع زوجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ،ولتفوقها في اللغة الإنجليزية بدأت بالدراسة الجامعية دون أن تأخذ كورسات لغة ،وتفوقت على زميلاتها الأمريكيات .  أمّا أنا وسهام فقد التحقنا بجامعة الملك عبد العزيز في جدة ،وذلك برغبة وإصرار مني لأنَّي أردت أن أدرس الدراسة الجامعية بلا انتساب ،وسافرنا إلى جدة حيث كان أخينا سامي مقيماً في جدة ،وكان موظفاً في الخطوط السعودية، وكان متزوجاً ،وكانت مدة الدراسة في جامعة الملك عبد العزيز خمس سنوات ،والسنة الأولى سنة تمهيدية ،وكانت تدرس لنا مادة العلوم باللغة الإنجليزية ،ونحن تخصص أدبي ،ولا نعرف إلا القليل في العلوم ،وكانت الأستاذة “مسز دبَّاغ ” إنجليزية الجنسية ،ومتزوجة سعودياً من آل الدَّباغ، وانتهت المحاضرة ونحن لم نفهم شيئاً ،فقلنا لإحدى الزميلات نحن تخصص أدبي ،ولم نفهم من الأستاذة شيئاً ،فأخذت إحدى الزميلات العزيزات ـ جزاها الله خير الجزاء ـ تشرح لنا ،وبشرحها فكَّت لنا كثيراً من الرموز التي كانت غامضة علينا ،وفي المحاضرة التالية بدأنا نفهم ما تقوله ، وفي أول امتحان لمادة العلوم حصلتُ أنا وسهام على أعلى درجات في الفصل ،وتوفقنا على الزميلة التي شرحت لنا ،وكان تخصصها علمي ،فأخذت موقفاً منَّا وبالطبع كنا متفوقات في سائر المواد. الطريف أنَّ أختنا عُرينة أصرَّت أن تأتي معنا ،فهي لم تطق البيت بدوننا ،وجاء بها أبي إلى جدة قائلاً : -إنَّها تحبكما أكثر مني أنا وأمكما ،فكانت كثيرة البكاء وتريدكما. كان أبي وأمي رحمهما الله تاركان لنا حرية الاختيار ،ولم يجبراني قط على أمر يريدانه ،ونحن لا نرغبه ،فرغم سوء الحالة الصحية لأمنا إلاَّ أنَّها لم تجبرنا على البقاء معها، وتركتنا نسافر لإتمام تعليمنا ،رغم تأكدها أنَّنا لن نرتاح هناك لأسباب لا أريد ذكرها. وكانت عُرينة ساعتها ثالثة إعدادي ،وفي رمضان أخذنا إجازة نصف السنة ،وقررنا أن نذهب إلى المدينة بلا عودة ،وأن نسحب أوراقنا من جامعة جدة ،لأنَّنا شعرنا أنَّ وجودنا غير مرغوب فيه من قبل زوجة أخينا ،واصطحبنا أخينا سامي بسيارته “الأوبل ” البيضاء “إلى المدينة، وكان قد جدد عجلاتها الأربع من أجل هذه الرحلة ، ونحن في الطريق في ليلة السابع عشر من رمضان ،وسمعنا فجأة صوت قوي ،كان انفجار إحدى العجلات ، ففقدت السيارة توازنها ،وانحرف أخي عن خط الإسفلت ، وإذ بالسيارة تتدحرج بنا من هاوية ارتفاعها أربع أو خمسة أمتار ،ث ُمَّ استقرت كل هذا تمَّ في ثوان ، قلتُ كلمة لم أكملها ،ومن لطف الله أنَّنا وقعنا على منطقة كلها طين مبلل بماء المطر الذي لم يجف بعد ، وبسقوط السيارة على الطين ثبَّتها ،وجعلها لا تتحرك ،ومن لطف الله بنا أنَّها ثبتت وهي معتدلة وليست مقلوبة ، كانت أختي عُرينة تجلس في المقعد الأمامي ، وقد وضع أخي سامي يده أمام وجهها ليحول دون تبعثر الزجاج الأمامي على وجهها وعينيها ، فكان الدم يتساقط من يديه ،وكنتُ أنا وسهام نجلس في الخلف ،وأخذنا نبحث عن سيارة توصلنا إلى أقرب مكان لإسعاف أخينا سامي ، وكلنا ولله الحمد لم يصبنا أذى سوى يد أخي سامي التي كانت مجروحة من زجاج السيارة الأمامي التي تكسر وتناثر ، وكان الذي يري السيارة والهاوية التي سقطت منها يقول : رحم الله الذين كانوا فيها ،وأخيراً توقفت لنا سيارة ،وأخذتنا إلى رابغ ، وهي أقرب منطقة ،وبدأت الشرطة تحقق معنا ،وتسألنا أسئلة ، وكأنَّها توجه أصابع الاتهام إلى أخينا سامي ، فقلنا لهم قبل أن تحققوا معنا أسعفوا أخينا قبل أن تتسمم يده من الزجاج الذي دخل فيها ، فقد وضع يده أمام الزجاج ليحمي أختنا عرينة منه فكيف تتهمونه بأنَّه تعمد الحادث ؟، وبالفعل تمَّ إسعافه ، وبحثنا عن سيارة توصلنا إلى جدة ،وسهَّل الله سيارة ” بُكس”أ وصلتنا إلى جدة ، وكان أبي عند اصطحابه لنا إلى جدة للالتحاق بالجامعة ، قد أخذ من الطريق أناس تعرضوا لحادث سيارة ، فكما سخَّره الله لأولئك النَّاس ،سخَّر الله لنا هذا السائق الذي أوصلنا إلى جدة ، وفي نهار اليوم التالي عدنا أنا وسهام وعرينة إلى المدينة ،ولم نجد والدتنا في البيت ،فقلنا لأبينا: -أين أمنا؟ فقال لنا: الحقوا أمكم هي في الحرم مع خالتكم نائلة، وهي في حالة سيئة ، منذ الليل وهي تبكي، لم تتوقف عن البكاء ، فقد رأت في المنام أنَّكم سقطتم من مكان مرتفع ، وأصبح قلبها زي النار مشغول عليكم . فأخبرنا أبينا بالحادث ،فقال : – لقد رأته ساعة حدوثه، وأبي رحمه الله ـ كان ملمًا بعلم تفسير الأحلام. فذهبتُ جرياً إلى الحرم ، وبحثتُ عنها في الروضة المشرفة ،ووجدتها وهي تبكي ، والدموع تنهمر من عينيها ، فما أن رأتني ، انهمرت في البكاء بصوتها وارتميتُ في حضنها ،وندمتُ أشد الندم على سفري وتركها ،واعتزمتُ عدم تركها طوال حياتي ، ووفيتُ بوعدي ، ولم أتركها ،ولكنها رحلت عني وتركتني . وكان لهذا الحادث أثر كبير في حياتنا أنا وسهام وعرينة ؛ إذ غيَّر مجراها. وحاولنا أن نقدم أوراقنا في جامعة الملك سعود بالرياض لندرس فيها بالانتساب ،ولكن وقت التقديم انتهى ، وانتظرنا حتى جاء موعد التسجيل في الجامعة مع بداية العام الدراسي الجديد ،وقدمنا أوراقنا ، وقبلنا في كلية الآداب قسم تاريخ ، ومن حسن حظنا أنَّه كان محمد صالح ابن خالنا أسعد قسم تاريخ ، ولكنه كان سنة ثانية ، وكان هو الذي يتولى إرسال لنا المحاضرات بالبريد ،وح اولنا تخصص لغة عربية ،ولكن كانت مواد هذا القسم مكتوبة غير مطبوعة أي تستلزم الحضور لكتابتها، فلم نجد أمامنا سوى التخصص في التاريخ، وقد واجهتنا صعوبات جمة في دراستنا الجامعية ، لأنّ الفترة التي درستُ فيها كانت من أصعب الفترات التي مرَّت على جامعة الملك سعود بالرياض ؛ إذ كان الأساتذة بها دائمي التغير خلال العام الواحد ،وعندما يُغيَّر الأستاذ تتغير المادة ، وتقرر محاضرات جديدة ، وكان الأساتذة شحيحين في إعطاء التقديرات ، وكان بعض الأساتذة يريد التقيد بمحاضراته بالكلمة والحرف ، أي يريد حفظ محاضراته حفظاً صماً ،والبعض الآخر يريد الاستعانة بمراجع خارجية ،والبعض الآخر لا يريد ذلك ، ويكتفي بمحاضراته دون التقيد الحرفي بها ، ولكن دراستنا بالانتساب لا تجعلنا نعرف ما يريد كل أستاذ ،فكنا ندرس المادة دراسة جيدة ،وإن توفر لدينا مرجعاً يضيف جديداً إلى المادة فكنا نطلع عليه ، ونحن لا نعرف الحفظ الصم ، فأنا أفهم المادة ، وأعبر بأسلوبي عما فهمته، كذلك سهام ، فكنتُ أجيب إجابة صحيحة لجميع الأسئلة ، ولكن التقديرات تختلف حسب ما يريده الأستاذ ، وأسوأ تقدير كنت أحصل إليه من الأساتذة الذين يريدون الحفظ الصم ، ولكن عموماً ،كنتُ أنا وسهام الوحيدتان في الطالبات المنتسبات ننجح من الدور الأول بفضل من الله بتقدير جيد جداً وممتاز وجيد ،إلاَّ أنَّي في السنة الأولى نجحتُ بتقدير عام مقبول ،لأنّي كنتُ موظفة ، والرئاسة العامة رفضت إعطائي إجازة لأداء الامتحان ، وفترة أدائي الامتحان حسبت عليَّ غياب ، فاستقلتُ من العمل لأتفرغ للدراسة ، لأنَّي أريد الدراسة من أجل التحصيل العلمي ،وليس للحصول على الشهادة فقط ، ولكن تقدير المقبول أثَّر على تقديري العام في البكالوريوس. وكانت أختي سهام تعاني من حساسية شديدة في عينيها ،فإذا ما قرأت تحمَّر عينيها ،وتحرقها ،وتنهمر الدموع منها ،فكانت في المرحلتين الإعدادية والثانوية تذاكر مع سميحة ، فكانت سميحة تقرأ وسهام تسمع ، ولكن بعد زواج سميحة وسفرها بعد حصولها على الثانوية العامة ، كان عليَّ أن أتولى المهمة ،وأذاكر بصوتي فأقرأ لها ،في البداية واجهتني صعوبة ، ووجدتُ نفسي سأدخل الامتحان ، وأنا غير مستوعبة المواد، وكان هذا في السنة أولى جامعة ، وكان أخينا سامي مرافقًا لنا في سنة أولى ، فقال أنا أتولى القراءة لسهام ، لأذاكر بمفردي ، وكان أخي يقرأ لها بسرعة ، وليس بطريقة متأنية لتستوعب ما يقرأ ، فوجدتُ سهام سوف تضيع في هذه المسألة ، فعدتُ للدراسة معها ، ولكن في السنوات التالية تعودتُ على الدراسة معها ، وكانت الدراسة جد ممتعة معها ،واستفدتُ منها كثيراً ،ولا سيما في دراسة الجغرافيا ،فهي متميزة في هذه المادة وفي رسم الخرائط ، وكنّا نذاكر التاريخ والجغرافيا على الخريطة ،وكنَّا نلخص المحاضرة في أفكار محددة ، وأذكر أنّه في سنة رابعة كان مقررًا علينا كتاب الحروب الصليبية للأستاذ الدكتور سعيد عاشور ، وكان الكتاب أكثر من ألف صفحة ، ولم يكن هذا الكتاب متوفراً في مكتبات المدينة آنذاك ، وقد تمكنت زميلتنا عائشة حكيم من الحصول على نسخة من هذا الكتاب ؛ إذ كان لها أخ معيد في جامعة الرياض ، فطلبنا منها أن تسلفنا الكتاب ،فقالت مشكورة : -أمامكما أسبوع واحد فقط ، فلا أستطيع أن أستغني عنه أكثر من هذه الفترة. فوافقنا ،وبدأت أقرأ على سهام ، ونلخص الأفكار وسهام تكتب ، كنا نواصل الليل بالنهار ، حتى انتهينا من تلخيص كامل الكتاب في المهلة التي حددتها لنا الزميلة العزيزة ،وأعدنا لها الكتاب في المدة المحددة لنا. وحصلنا على تقدير ممتاز في هذه المادة . كنا نسافر إلى الرياض قبل الامتحان بأكثر من شهر باستثناء السنة الأولى ؛ إذ كنتُ موظفة أنا وسهام ،وقبل الامتحان بأسبوع سافر أبي إلى جدة حيث أخي سامي ليقول له: -بعد أسبوع سيكون امتحان أخواتك ،فإمَّا تسافر معهما إلى الرياض ،أو تذهب إلى المدينة لتكون مع أمك وعرينة . فاختار أن يرافقنا ،ولكن في العام التالي حصلت تطورات خطيرة في حياة أخي سامي ؛إذ استقال من عمله في الخطوط ،وجاء إلى المدينة ،وفتح له أبي “سوبر ماركت في بيتنا بناءً على طلبه لأنَّه لا يستطيع أن يتوظف إلاَّ بعد مضي عام من استقالته ،ولكن أبينا قبل أن يعطيه المبلغ جمعنا ، واستأذننا في ذلك. و باستقرار أخينا سامي في المدينة كان والدنا رحمه الله يصاحبنا إلى الرياض في فترات الامتحان ،وكان يعاني معنا ،وكنتُ أنا وسهام نواصل الليل بالنهار في الدراسة ،وكنتُ أضع البُن في كف يدي وأبلعه لأقاوم النوم ،حتى صار البن يسبب لي ضيقاً في صدري ،فما عُدَّت أستطيع أخذ البُن ، كما هدانا الله إلى طريقة مثلى في الدراسة ، وهي لابد من النوم المتواصل بساعات كافية ، فالنوم المتقطع لا يفيد ، فكنَّا ننام تسع ساعات متواصلة ، ثُمَّ نستيقظ لنبدأ رحلة الدراسة حتى يحين موعد النوم لليوم الثاني ، مع إعطاء المخ فترات من الراحة عندما يصل إلى مرحلة الإشباع، فهذه الطريقة ساعدتنا كثيراً على التركيز في الدراسة والاستيعاب استيعابًا جيدً لما ندرسه. وكانت سنة التخرج من الجامعة من أصعب السنوات ،لأنَّ ابن خالي الذي كان يرسل لنا المحاضرات قد تخرَّج من الجامعة ، وأقام في جدة ، وقد أوصى أحد الطالبة أن يتولى إرسال لنا المحاضرات ،ولكنه لم يلتزم بذلك ،فكان يبعث بالمحاضرات في فترات متقطعة جداً ،ممّا اضطرنا الأمر إلى السفر قبل الامتحان بأكثر من شهر ،وكانت أختنا عُرينة قد انتسبت إلى الجامعة معنا في نفس التخصص ،واضطررنا ترك أمنا بمفردها ، وكان أخي سامي معها ،فكان هذا حافزاً لنا ضاعف من جهودنا للتفوق ، وأخذنا أنا وسهام نشق على نفسينا في الدراسة من أجل أمنا وأبينا الذيْن تحمَّلا الكثير من أجلنا ،فكان أبسط شيء نقدمه لهما هو نجاحنا بتفوق ؛إذ تعودا دئماً منَّا أن نكون متفوقتيْن ،وفي آخر يوم في الامتحان عُدتُ إلى الفندق ، وكنا ننزل في فندق الجزيرة في البطحاء ،ونظرتُ إلى النافذة فلم أر شيئاً ، وقلتُ وقتها لأختي سهام: -حصلتُ على البكالوريوس وفقدتُ بصري. ونُمتُ طويلًا هروبًا من هذه الحالة ، واستيقظتُ في اليوم التالي فوجدتُ ولله الحمد بصري بخير ،وأكرمنا الله بالنجاح بتفوق ،وكانت سهام الأولى على الدفعة من بنين منتظمين والمنتسبين والمنتسبات ، وقد نجحت بتقدير عام جيد جداً مع مرتبة الشرف ،أمًّا أنا فقد نجحت في السنة الرابعة بتقدير جيد جداً ،ولسوء الحظ أنَّ كان أستاذًا ممن يريد حفظ محاضراته حفظًا صمًا له أربع مواد يدرسها في السنة النهائية ، فجميع المواد الباقية حصلتُ فيها على تقدير ممتاز، وتقديراته أثَّرت على نتيجتي ؛إذ أعطاني مقبول في مواده، أمَّا تقديري العام كان جيداً لحصولي على تقدير مقبول في السنة الأولى. ورغم المعاناة التي عاناها أبينا معنا قال لنا بعد التخرج : – إذا أردتما إتمام دراستكما فأنا على أتم استعداد أبعثكما للبلد الذي ترغبان الدراسة فيه، حتى لو كان سويسرا وكان حصولنا على الماجستير والدكتوراة حلماً من أحلامنا ، ولكن رأفة بوالدينا اكتفينا وقتها بالبكالوريوس . *** دراستي في جامعة الأزهر بالقاهرة هذا ما سأحدثكم عنه في حديثي القادم معكم إن شاء الله.

Leave a Reply