Home » الحلولية في بعض مناهج الثقافة الإسلامية في بعض جامعاتنا(1)
سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في صفحة الرأي بجريدة المدينة يوم السبت الموافق
27/ 6/ 2020م
خلال
ستة أشهر من العام المنصرم بيّنتُ في سلسلة مقالات نشرتها هذه الجريدة الغراء ما
حوته بعض المناهج الدراسية الدينية التي تدرس في مدراسنا في المراحل الدراسية
الثلاث(ابتدائي ومتوسط وثانوي) من مفاهيم خاطئة لبعض الآيات القرآنية والاستدلال بأحاديث
ضعيفة وموضوعة تُعزّز تلك المفاهيم القائمة على التطرّف وتعميق الهُوّة بين
أولادنا وبناتنا وبين الإسلام من جهة كدين ومعتقد، ومن جهة أخرى بين قيمه ومبادئه
القائمة على التسامح والتعايش مع الآخر بحب ووئام وسلام، ممّا ساعد على دفع شبابنا
إلى مستنقعي الإرهاب والإلحاد، وخلال ستة أشهر أخرى تلتها(2/11/ 2019 –
2/5/2020)بيّنتُ في سلسلة مقالات أخرى نشرتها الجريدة ذاتها ما حوته مناهج
التاريخ(الدراسات الاجتماعية والمواطنة) في المراحل الدراسية الثلاث(ابتدائي
ومتوسط وثانوي) من مصطلحات خاطئة تخدم أهداف جماعات دينية متطرفة، مع تغييب شبه
كامل لدور المرأة في تأسيس الدولة الإسلامية وبنائها الحضاري في مختلف عصورها
بدءًا بالعصر النبوي إلى قيام الدولة السعودية، كل هذا لم يُحرِّك ساكنًا في أقسام
المناهج بوزارة التعليم خاصة، ووزارة التعليم ذاتها عامة،
ولكن هذا التجاهل من قبل
الجهات المعنية بالمناهج لن يُثنني عن مواصلة قراءاتي لمناهجنا الدراسية على
اختلاف مراحلها، بما فيها المرحلة الجامعية، وبيان ما فيها من مخاطر على العقيدة
تُسيئ إلى الإسلام، وتٌبعد أولادنا وبناتنا عنه، وقد أعطاني الحديث التلفزيوني لمعالي وزير التعليم في
برنامج الصورة بقناة روتانا خليجية بتاريخ 22 يونيه 2020 الذي بيّن فيه خطة
الوزارة في إصلاحمنظومة التعليم بما فيها
المناهج الدراسية أملًا بأنّ وزارة التعليم تسير في المسار الصحيح والمأمول، ولكن
إصلاح المناهج الدراسية لا يقتصر على مناهج التعليم العام؛ إذ أنّه من الضرورة
بمكان أن يشمل الإصلاح مناهج التعليم الجامعيأيصًا، وألّا
يقتصر إصلاح التعليم الجامعي على أن تكون مناهجه موافقة لمتطلبات سوق العمل
ومواكبة للتطور العلمي والتكنولوجي؛ إذ أنّ من متطلبات الإصلاح الضرورية في
التعليم الجامعي أيضًأ مايتعلق بمناهج
كليات الشريعة وأصول الدين والمعاهد العليا للقضاء، وكذلك مناهج الثقافة الإسلامية
والتاريخ في جامعاتنا ، فالمناهج الدينية المقررة في التعليم العام تنطلق من ذات
الفكر القائمة عليه مناهج الكليات المشار إليه؛ لذا سأتوقف هذه المرة عند بعض
مناهج الثقافة الإسلامية التي تُدرس في بعض جامعاتنا لبيان ما يُدرس فيها من
أحاديث ضعيفة وموضوعة بعضها يدعو إلى الحلولية، وبعضها الآخر يضع السنة في مرتبة
القرآن الكريم، وبعضها الثالث يُفسر القرآن الكريم برؤية بعض الجماعات الدينية
المتطرفة وفي مقدمتها الأخوان مُدّعمة بأحاديث ضعيفة وموضوعة، وسأبدأ بحديث ورد في
أحد مناهج الثقافة الإسلامية الذي يُدّرس في إحدى جامعاتنا في جميع كلياتها
وأقسامها، وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه،
في كتاب الرقاق، باب التواضع، وصنّفه بأنّه حديث قدسي،
قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ
بنُ مَخْلَدٍ، قال: حَدَّثَنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلالٍ، قالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ
بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، عَن عَطَاءٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ:
مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ
عَبْدِى بِشَيء أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ
عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا
أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ
بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ
سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ
عَنْ شَيء أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ
الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».
وأخرجه البزار في
«مسنده» رقم (8750) عن مُحَمد بن عُثْمَانَ بنِ كَرَامَةَ، به.وأخرجه أبو نُعيم في
«حلية الأولياء» (1/4) من طريق أبي عبيدة محمد بن أحمد بن المؤمل ومحمد بن إسحاق
السراج، كلاهما عن محمد بن عثمان بن كرامة،وأخرجه اللالكائي في «كرامات الأولياء»
(ص94) من طريق محمد بن علي بن بركة عن خالد بن مخلد، به.وأخرجه ابن حبّان في «صحيحه» (2/58) عن
محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف عن محمد بن عثمان العجلي، به.
فهذا الحديث غير صحيح متنًا وسندًا،فعند تأملنا في متنه نجده يقول بالحلولية
والاتحاد، وهذا من معتقدات غلاة الصوفية الملحدة وفرق الحلاجية والشلمغاني
والنُصيرية وغيرها، وهو يُخالف عقيدة المسلمين في الألوهية.وهذا التصور للألوهية يناقض العقيدة
الإسلامية التي تقرر مبدأ الوحدة الذاتية المطلقة للإله، وما تقيمه من فصل وتمييز
وتفرقة بين الربوبية وعالم الخلق، فلا حلول ولا اتحاد، ومن ثم لا يستقيم مع هذه
العقيدة في الوحدانية الخالصة المنزهة عن المماثلة والمشابهة في دعوى أن يهبط الإله ليحل في المخلوق، أو يرقى
المخلوق عن عالم المحايثة والتشخيص ليتحد بالله تعالى في عالم التنزيه. فالحلول
من حيث هو اصطلاح فلسفييستعمل في علم
الكلام في الإسلام للدلالة على الاتحاد الجوهري بين الروح والجسم، وكذلك يستعمل
للدلالة على حلول الذات الإلهية في جسم الإنسان، وقد رفض جميع المتكلمين المسلمين
هذه النظرية وحكموا على الفرق الحلولية بالكفر والخروج من الدين. ومن أبرز تلك
الفرق السبائية والبيانية والخطابية والنصيرية والمقنعية والحلاجية والشلمغانية،
والسهروردي الذي زعم أنّ الزمان لا يجوز أن يخلو من ولي
متأله، هو مناط السلطتين: الروحية والدنيوية، وهو الإنسان الكامل على الحقيقة، بل
هو أفضل من الأنبياء والمرسلين؛ لأنّ عنده الحجج والبيانات،وهذه الفلسفة الممزوجة بدعوى التأله برزت بشكل
كبير عند الخميني فيولاية
الفقيه أو” الولي المتأله”؛ إذ تعتقد الشيعة الاثني عشرية بأنّ الولاية
المطلقة للفقيه تجعل الفقيه ينتقل عن الحكم الأولي إلى الحكم الثانوي لفترة معينة
بسبب إحاطته بالفقه والمصالح الإسلامية ويعتقدون أيضًا أنّ الحكم الثانوي قد يكون
من الأحكام الإلهية نتيجةً للتنصيب الإلهي العام لولي الفقيه.