سهيلة
زين العابدين حمّاد
الخميس الموافق 25/ 6/ 2020م
 بيّنتُ في الحلقتيْن الماضيتيْن وضع الأقليات
اليهودية في العالم العربي؛ حيث تمتعوا بحريتهم الدينية والاجتماعية والاقتصادية،
وتولوا مناصب قيادية، ولم يُجبروا على اعتناق الإسلام كما أجبرهم الأسبان على اعتناقهم
النصرانية أو تركهم البلاد إثر سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس، فما جاء على لسان حاخام
مسلسل أم هارون على الإهانة والظلم الذي لحق باليهود من أيام خيبر حتى يومنا هذا افتراء
باطل لا أساس له من الصحة.

  إنّ
المنظور الصهيوني الإسرائيلي لفلسطين والصراع العربي الإسرائيلي هو الذي يُدرّس في
المدارس اليهودية الدينية؛ إذ نجد الكتب المقررة في المدارس العامة تكرّس هذه التوجهات
من قبيل مجموعة الأرض الطيبة التي صدرت عن وزارة المعارف الاسرائيلية عام 1986 وهي
مخصصة للمدارس اليهودية الدينية وفيها مختارات من التوجيهات الدينية والشعر والقصة
اليهودية، وقد ورد عنوان في هذه السلسلة تحت اسم “لمن تخص وتنتمي أرض
إسرائيل” والتي يؤكد فيها المؤلف على أن أرض إسرائيل هي لليهود، ولكن جاءت
شعوب أخرى كالإسماعيلية(العرب) واحتلوها لفترة طويلة كانت فيها هذه المنطقة خرابًا
ودمارًا، وكان العرب فيها قليلون جدًّا، كما نجدها تمثل الصراع العربي الإسرائيلي
في الرواية الأمريكية المعاصرة، ففي
أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة في
الثامن يوليو عام 2014م تمّ إجراء استبيان يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وُزِّع
اليكترونيًا على طلبة بعض الجامعات الأمريكية والكندية، وقد أظهرت النتائج مدى تغلغل
النفوذ الصهيوني في تشكيل العقل الجمعي للأجيال الصاعدة في أمريكا الشمالية، وقد
تبيّن أنّ أكثر من 70% ممن شاركوا في الاستبيان من جامعات الولايات المتحدة، وأكثر
من 80 % ممن شاركوا في الاستبيان من جامعات كندا يعتقدون أنّ فلسطين هي أرض يهودية
محتلة من العرب الفلسطينيين، وأنّ إسرائيل دولة مضيافة لأنّها سمحت للفلسطينيين
بالبقاء على أرضها، ولذلك فلديها الحق في سحق أي اعتداء بالصواريخ على مواطنيها
ومدنها”[مقدمة صديق محمد جوهر لكتاب شايلوك في مروج الخليل، ص 9، طبعة سنة
2016م]
 وهذه
النظرة هي التي بُنيت عليها مخططات ماضية إسرائيل في تنفيذها

بضم الضفة الغربية وغور الأردن إلى أراضيها مع
تهويد القدس.
 وممّا
يجدر ذكره أنّ منظور صنّاع مسلسل أم هارون للصراع الإسرائيلي الذي أتضح لنا يمثل وجهة
نظرهم الشخصية هم على اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم، ولا تمثل وجهة النظر الرسمية
للدول المنتمين إليها.
   وأخيرًا أقول للذين يقولون إنّ المعارضين لمسلسل أم هارون يجترون
 ما تم حشوه من (فكر) متجذر بالرأس طوال
سنوات من أيديولوجيا تكرس الكره والطائفية والعنصرية،
فاليهود
الصهاينة هم المتجذّر في رؤوسهم كراهية العرب، فحسب الدِّراسة التي أعدَّها الباحث
الإسرائيلي إيلي بوديا المحاضر في جامعة حيفا فإنّ كتب التَّدريس الإسرائيليَّة
أشعلت طيلة نصف القرن الماضي جذوة الصِّراع الإسرائيلي العربي، وكرَّست حالة الحرب
وحالت دون التَّوصُّل للسَّلام، ووصف”بوديا” مناهج التَّدريس اليهوديَّة
بـ”المنحرفة، وزرع كراهيَّة الفلسطينيين في نفوس التَّلاميذ الإسرائيليين،
كما تضمّنت الدراسة  تحليلًا دقيقًا
موثَّقًا للكتب التعليمية الإسرائيلية على مدى أربعين عامًا وتشمل ستين كتابًا
وتُضيف الدراسة أنَّ كتب التعليم الإسرائيليَّة قادت إلى تكوين فكرة مسبقة لصورة
العربي في ظل حالة الاغتراب وتطوُّر الصراع بين الشعبين وأوصاف “غشاش
“و”متخلف” و” لص” هي جزء من صفات الصقت
بالشخصيِة العربية في هذه المناهج. ولفت الباحث إلى أن َّتلك الكتب وصفت الصِّراع
بطريقة مشبَّعة بعدم الدقة إلى حد التشويه وشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم،
مما أدَّى إلى ترسيخ صورة نمطيَّة لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائمًا بصورة
الغربيين المتحضرين صانعي السَّلام مقابل صورة العرب “الخونة العدوانيين
المتخلِّفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوما نحو التدمير”. وأشار
الكاتب إلى أنّ تعابير مثل مُتوحِّش ومُحتال ومُخادع ولص وسارق وإرهابي، كانت
كثيرًا ما تُستخدم في وصف العربي. مشيرًا إلى أنَّ العرب يوصفون بأنَّهم النُّسخة
الحديثة من “العماليق”، ألد أعداء الإسرائيليين في التوراة.
ومناهج التدريس الإسرائيلية تمحورت فقط حول تاريخ
أرض إسرائيل والشعب اليهودي والصراع العربي اليهودي. وقد وُضعت هذه المناهج على يد
مؤلفين إمَّا أنّهم امتداد للصهاينة الحاقدين الكارهين لكل ما هو مسلم وكل ما هو
عربي، وإمَّا أنَّهم لا يفهمون شيئَا عن العرب والمسلمين. لذلك تضمَّنت كتب
التاريخ معلومات مشوَّهة ومزوَّرة.
هذا ونجد اليهود الصهاينة عندما تم توقيع اتفاقية
كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، ومن ثَم اتفاقية وادي عربة بين الأردن
وإسرائيل، لاتزال المفاهيم الأساسية في العملية التربوية الصهيونية لم تتغير
أبدًا، فوصف العرب بأنَّهم متخلِّفون وجبناء ومحتلُّون لأرض إسرائيل ما زال هو
الوصف السائد مع التأكيد المستمر على أنّ الأردن هو جزء من أرض إسرائيل. وبقي وصف
القادة العرب والمسلمين على ما هو دون تبديل
.
  وهكذا نجد أنّ اليهود
الصهاينة هم الذين زرعوا في نفوس أبنائهم منذ نعومة أظافرهم كراهية الفلسطينيين
وسائر العرب، خاصة عرب الدول المحيطة بدويلتهم، وليس نحن، ثمّ أنّ المقارنة غير
منصفة بين الغاصب المحتل، وبين مشاعر المحتلة أراضيهم، والذين تعرّضوا للقتل
والأسر والتعذيب، وهدم بيوتهم أو حرقها، وهم فيها، ووضع الجدار الحاجز وغيره من
الحواجز، واعتقال الأطفال والنساء والشباب، وقاموا بعدة مذابح للفلسطينيين في
مقدمتها مذبحة دير ياسين، وأجبروا مئات الألوف من الفلسطينيين على الهجرة من
بلادهم، بترويعهم وهدم بيوتهم عليهم أو حرقها، وتنفيذ مذابح جماعية فيهم
.إضافة إلى تخطيطهم وعملهم على تفتيت وتقسيم البلاد العربية إلى أكثر
من خمسين دويلة متناحرة فيما بينها قائمة على التقسيم العرقي والديني والطائفي
واغتيال الكثير من العلماء والعالمات العرب!
بقيت نقاط ضعف في الإخراج لابد من التوقف عندها:
1.  
الحي فيه مسجد
وكنيسة وكنيس معبد اليهود، رأينا كادر معبد اليهود كاملًا مبنى كبير، وبابه كبير
واسع، ونوافذه كبيرة وكثيرة، وبزجاج مُلوّن، ورأينا كادر للكنيسة بمبناها كاملًا
من دورين وجرس الكنيسة، أمّا المسجد فهو عبارة عن غرفة صغيرة جدًا بباب صغير جدًا،
ونافذة صغيرة جدًا، ورفين بهما بعض المصاحف بلا أغلفة، ولم يظهر كادر المسجد  كاملًا إلّا في مشهد واحد في الحلقة الأولى
أظهر المسجد كاملًا وبقربه كنيس اليهود، وتجد فارق كبير بين المبنيين؛ إذ انعدمت
في المسجد معالم عمارة المساجد الإسلامية حتى المئذنة قصيرة جدًا حتى لا تعلو المعبد
اليهودي ولم تظهر المئذنة إلّا مرة واحدة، فالمخرج ومهندس الديكور اعتنيا بالكنيس
والكنيسة وأهملا المسجد، مع أنّ المفروض أنّ أغلب سكان الحي مسلمون باعتبارهم في
بلد مسلم.
 
وممّا يلفتُ الانتباه وجود في أعلى المعبد اليهودي  علم أزرق على الجانب الأيمن القريب من المسجد  يرمز إلى علم إسرائيل، ولأول مرة نرى علمًا على
دار عبادة، وهو الوحيد الذي وُضع عليه العلم دون المسجد والكنيسة! فما الهدف من
وضع علم على المعبد اليهودي؟
 صورة المسجد والمعبد اليهودي في مسلسل أم هارون والفرق واضح بين الإثنين ويري في                       الجانب الأيمن العلوي للمعبد اليهودي علمًا أزرق!

   
2. راوية قصة أم
هارون لم تكن ضمن الشخصيات التي كانت في الحي، ولم يُعرِّف بها المخرج، فمن هي؟
وكيف تروي أحداثًا لم تشهدها؟ هل يرمز إليها بابنة أم جان المقيمة في لندن؟ إن
كانت كذلك، فهذا خطأ كبير، لأنّ أم هارون في المسلسل لها ابن واحد هو هارون (جبر)،
فهذا خلط بين أم جان اليهودية التركية المهاجرة إلى البحرين والمقيمة بها،
والمتزوجة من مسيحي، وظلت على يهوديتها ولم تسلم، وبين أم هارون اليهودية التي تزوجت
من مسلم كويتي وأسلمت وأنجبت منه ولدًا واحدًا هو هارون (جبر) ومع هذا نجد المخرج
جعل أم هارون التي أسلمت  تظهر بمظهر أم
جان اليهودية  ترتدي الفستان القصير وتغطي
رأسها بِ( إيشارب) ولم يجعلها ترتدي العباءة خارج بيتها وتغطي وجهها، أو تضع
البرقع عليه بدلًا من تغطيته  الذي كانت تضعه
النساء الخليجيات في أربعينات وخمسينات القرن الماضي على وجوههن، وإلى الآن تلبسه
بعض النساء الخليجيات
المسنّات، وقد تجاهله مصممو الملابس في المسلسل.
             ما علاقة الراوية بأم هارون؟
              أم جان اليهودية           أم هارون المسلمة كما في المسلسل
    هل كانت النساء الكويتيات في الأربعين يخرجن كاشفات وجوههن كما في المسلسل؟

3.  
المشهد الأخير في الحلقة الأخيرة عند رحيل الحاخام وابنتيه ويعقوب
وأمه وأبيه والقسيس صموئيل وزوجته في أواخر الأربعينات من القرن الماضي رأينا جملًا
محملًا بصناديق ملابس وأغراض الحاخام داود وبنتيه، بينما هم يمشون على أقدامهم
،ورجلان يحملون ملابسهما على ظهريهما والنساء والرجال يسيرون على أقدامهم، ثمّ
رأينا أم هارون تشاهد قافلة لجمال بلا ركاب باستثناء راكبيْن على جمليْن عليهما
صناديق وأغراض، مع أنّه كانت القوافل  في
الماضي يوضع على بعض الجمال هوادج تحمل النساء  تكون بمثابة عربات مظللة من كل جانب تحجبهن عن
الرجال وتحميهن من حرارة الشمس في الصيف ، وبرودة الجو في الشتاء وهم يمشون على
أقدامهم، مع أنّ السيارات كانت موجودة في الكويت، وعندما هرب محمد مع راحيل ركبا
كلاهما سيارة جيب، وقد ركباها في المرتيْن اللتان هربا فيهما، ولو تتبعنا تاريخ
دخول السيارات في الكويت نجد قد ابتدأ بتسيير أول سيارة في الرابع من شعبان سنة 1344 هـ
الموافق سنة 1926م وكانت أوّل سيارة قطعت الطريق بين الكويت والبصرة هي المسجلة
برقم(27) في دفتر الكويت، وفي أواخر عقد العشرينات حصل السيد علي ابراهيم الكليب
(الخالد) على حق توزيع سيارات جنرال موتورز بموجب اتفاق مع الاخوين لاوي وكلاء
شيفروليه وبويك وجي ام سي في العراق، وفي عام 1936م حصل حامد بك النقيب أخو السيد
طالب النقيب على حق توزيع سيارات فورد بموجب اتفاقية مع شركة عدس في العراق، وإن
كان المسلسل لم يُحدد مكان أحداث المسلسل، وليست الكويت بالتحديد، فاللهجة
الكويتية التي تحدّث بها شخصيات المسلسل تؤكد أنّها الكويت، وعلى العموم أنّ
السيارات دخلت دول الخليج في أوائل القرن العشرين.
والسؤالان اللذان يُطرحان هنا: ماذا
يقصد المخرج من هذا المشهد الدرامي؟ هل يريد تعاطف المتلقي مع اليهود، وتحامله على
الكويتيين، أو الخليجيين؟
  وماذا تقصد أم هارون من قولها ” قصتنا لم
تنته ” وهي واقفة على سطح منزل  تشاهد
قافلة اليهود المغادرة؟
صورة الحاخام داود وابنتيه أثناء رحيلهما والجمل يقف عند باب البيت من الخارج يحمل                   صناديق ملابسهم وأغراضهم
صورة اليهود في المسلسل وهم يغادرون الكويت ونرى رجلان يحملان ملابسهما والنساء                    وجميعهم يسيرون على أقدامهم
قافلة خروج اليهود من الكويت ونرى جمالًا بلا ركاب سوى جملين عليهما راكبيْن وبعض الأمتعة ولا نرى هوادج تحمل النساء أمّا الأطفال الذين رأيناهم يصطفون في المعبد والحاخام يقص عليهم قصة الخبز غير المخمر فلم نرهم عند الرحيل!
4.  
ثمّ أنّ
المؤلفيْن ذكرا أنّ القصة حدثت في مكان ما في زمن ما، فكيف حددا مكان راوية القصة
في مدينة لندن، وحدّدا تاريخ أحداث القصة من الحلقة الأولى بقولهم في بداية الحلقة:”
في سنة 1948 مرت في البلاد حكايات يروى عنها
الكثير، أمّا في هذا المسلسل نروي حكايات متخيلة بشخوص افتراضية تستند على أحداث
واقعية أقسى من الخيال، وتحدث شخصيات المسلسل باللهجة الكويتية يُبيِّن أنّها في
الكويت، ولكن ما هدف صُنّاع المسلسل من تجهيل البلد العربي الذي حدثت فيه أحداث
القصة، وهو يناقش قضية مصيرية(القضية الفلسطينية)؟ فهذا منتهى الاستهزاء بالقضية بأولى
قضايا الأمة العربية!


5.  
معروف أنّ
اليهود في الكويت كان لسوق لهم معروف بِ” سوق اليهود”، ولكن مؤلفي المسلسل
تجاهلا هذه الحقيقة ، وجعل محلات اليهود التجارية جنبًا إلى جنب محلات المسلمين
     من الواضح عدم
الاهتمام بكثير من التفاصيل التي أفقدت العمل الكثير من المصداقية، إضافة إلى تزييفه
للحقائق التاريخية، وهلهلة بنائه الدرامي.
Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply