Home » الأقليات اليهودية في العالم العربي بين الحقائق التاريخية ومنظور صُنّاع مسلسل أم هارون)2)
سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة يوم السبت الموافق 20/6/ 2020م
أواصل الحديث عن تواجد اليهود في الكويت، فهناك
خلاف حول تاريخ تواجدهم في الكويت، فبينما
ذكر المقيم السياسي البريطاني في الخليج لويس بيلي
Lewis Pelly عندما زار الكويت عام 1865، أنّه” لا
تُفرض أي ضرائب أو واجبات على اليهود في الكويت الذين يتمتعون بتسامح ديني كامل”[يوسف
علي المطيري: اليهود في الخليج، ص 332] نجد ما يناقضها تقرير والي بغداد مدحت باشا
عن الأحوال السياسية في منطقة الخليج والمرفوع إلى السلطات العثمانية بعد زيارته للكويت
في العام 1871م؛ إذ لم يرد في تقريره أية إشارة إلى وجود لليهود في الكويت، حيث يذكر
في وصفه لحال الكويت: «يعيش سكانها في حالة استقرار حتى الآن، … إلى قوله:”أنّ سكانها لا يوجد بينهم يهود أو مسيحيين.”[حمزة
عليان: يهود الكويت وقائع وأحداث، ص10،ط1، 1433ه/ 2012م]
كما لم تتفق المصادر
المتنوعة على رقم دقيق لعددهم في الكويت، وإنّما يمكن القول أنّه يتراوح بين 80كحد أدنى و 200 شخصًا على الأرجح في مراحل زمنية مختلفة.[حمزة عليان: يهود الكويت وقائع وأحداث، ص11]
الأقلية اليهودية في الكويت
تنشر المسكرات والبغاء العلني
قام عدد من
أفراد الأقلية اليهودية في الكويت في تصنيع وبيع الخمور ممّا أثّر على سمعتهم، فقد
ذكر المعتمد البريطاني في الكويت في 13
فبراير عام 1918″ أنّ كمية الخمور والمسكرات في الكويت ومن يشربونها أصبحت
مخزيةـ” وقد قام الشيخ سالم المبارك الصباح الذي عرف بالتدين بالكثير من
الإجراءات فيما يتعلق بانتشار المسكرات والبغاء العلني ومحاولة القضاء على هذه
السلوكيات، كما استدعى العاملين في بيع المشروبات الكحولية وترويجها بين السكان من
الأقلية اليهودية وحذّرهم من مغبة الاستمرار في ذلك.[يوسف على المطيري: اليهود في
الخليج: ص335]، وهذا بطبيعة الحال لم يُظهره المسلسل لأنّه يسعى إلى تحسين صورة اليهود
بإخفاء مثالبهم التي عرفوا بها في جميع المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها في مختلف
الأماكن والأزمان.
رحيل
الأقلية اليهودية من الكويت
أمّا عن رحيلهم فقد تعددت رواياته، فمنهم من
اعتبر أنّه في عام 1936، لم يتبق أحد منهم في الكويت، في حين ذهب البعض الآخر إلى
القول إنّ خروجهم النهائي كان في العام 1947؛ إذ تقرر إبعاد بعض أفراد الأقلية اليهودية، الذين
كانت أعدادهم قليلة في عام 1947بسبب قيامهم
بنشاط في غير صالح العرب يتعلق باعتناقهم الصهيونية ودعمهم لإنشاء دولة إسرائيل،
ومُنعاليهود من دخول الكويت وأُبعِد
20شخصًا تقريبًا، ولكن استطاعت إسرائيل تجنيد منهم وسطاء لها في الكويت
والبحرينلأسباب اقتصادية، حيث ترسل لهم بعض
المنتجات الإسرائيلية لتوزيعهافي الكويت
والبحرين ومنها إلى باقي إمارات الخليج العربي، كما يقومونبإرسال ما تحتاجه إسرائيل من مواد أولية، وما
تحتاجه المصانع الإسرائيلية.[يوسف علي المطيري: مرجعسابق، ص385] وكانت السلطات البريطانية تسهل
عمليات التهريب من وإلى إسرائيل من جهة ومن وإلى الكويت والبحرين من جهة أخرى.
كما دارتالشبهات في
القيامبنشاط تهريب الذهب إلى إسرائيل في
الكويت حول التاجر اليهودي المولود في البحرين والمقيمفي الكويت أنور منشي كوهين،
ممّا جعل مجلة” الإيمان”. التي يصدرها النادي الثقافيالقومي في الكويت تنشر مقالة كتبها الدكتور
أحمد الخطيببعنوان” كوهين في
الكويت” تحرض عليه، فأصدر الشيخ عبد الله المبارك الصباح المسؤول عن الأمن في
الكويت ــــــ آنذاك ـــــ أمرًا بمغادرته الكويت في مايو 1953رغم أنّه هو نفسه أي أنور منشي كوهين ينفي ذلك.[المرجع
السابق:ص 389-390]فالذي كان يُهرّب الذهب كوهين اليهودي وليس أبو سعيد الكويتي ،
كما جاء في مسلسل أم هارون، فلماذا صنّاع المسلسل يتسترون على المهرب اليهودي،
ويُلصقون تهمة تهريب الذهب بالمواطن الكويتي؟
هذا وممّا يجدر
ذكره أنّ الأقلية اليهودية في الكويت كانوا من الرعايا التابعين لبريطانيا وفق
اتفاقية1925 ، لذلك لم يكن يًنظر لهم على أنّهم مواطنون كويتيون أو من رعايا
الكويت، وخصوصًا أنّ نظام الجنسية الكويتية لم يظهر إلّا في فترة لاحقة(عام 1959م)،كما
لم يكونوا يحملون وثائق سفر تثبت تبعيتهم للكويت[المرجع السابق: ص341] فلم يكنّوا بالولاء للكويت فكيف تقول أم
هارون لرفقة ابنة الحاخام اليهودي (داود) في الحلقة (22) – عندما أتت لبيت أم هارون تريد رؤية أمها مسعودة التي تركت
بيتها غاضبة عندما علمت بأنّ زوجها الحاخام صهيونيًا؛ إذ قالت أم هارون لرفقة:”نسيتِ إنّ الوطن نعمة وأمن
وأمان، الديرة نعمة والكِلِ يتمنّاها، الديرة أغلى من خياناتكم .. اللي سويتو ما
ينحمل!
رفقة تسأل: إيش قصدك؟
أم هارون : أُمّج( أمك)
قالت لي عن خيانتك إنت وأبوج(وأبوك)،ويش سويتو سواد ويْه (وجه)، الله يسود ويويهكم( وجوهكم) برّة، ثم تذهب أم هارون لمسعودة الواقفة عند باب الغرفة التي كانت فيها(في بيت
أم هارون ) وهي تبكي، وتقول لها أم هارون:”معليه الضنا يتعوّض لكن الوطن ما له
بديل .. خليج قوية يا خيتي”
وهنا أسأل: هل الكويت كانت
وطنًا لليهود الذين أقاموا بها بضع سنوات
كضيوف من رعايا بريطانيا ورحل منها آخر واحد منهم عام 1953م، ولم يكونوا قط رعايا لدولة الكويت، كما لم يحملوا الجنسية
الكويتية، وليست لديهم وثائق سفر كويتية؟
فكان الحوار ينبغي أن يدور عن خيانة البلد التي استضافتهم وأحسنت ضيافتهم، وأعطتهم حرية ممارسة عباداتهم،
ولم تفرّق بينهم وبين مواطنيها في ممارستهم للتجارة ,ومختلف الأعمال… إلخ
فهل يريد صُنّاع المسلسل إعطاء لليهود حق في الكويت وسائر دول الخليج العربي لمجرد أنّهم أقاموا بها
بضع سنوات، خاصة وأنّ اليهود الصهاينة يدّعون بالحق التاريخي في أي مكان تطأه
أقدامهم، ولاسيما في الجزيرة العربية ومصر والشام والعراق، وحتى لو حمل بعض اليهود
جنسية البلاد التي أقاموا بها فلا يعني أنّها وطن لكل يهود العالم يعطيهم حق إقامة
دولة يهودية على أراضيها، كما يزعمون؟
اليهود في البحريْنوضع
يهود البحرين يختلف عن وضع اليهود في الكويت، فقد أصدرت حكومة البحرين
إعلانًا بتاريخ 27 فبراير 1929 يقضي بأنّ جميع الأجانب الذين لا يسجلون أنفسهم في
الوكالة البريطانية يصبحون من الرعايا التابعين لحكومة البحرين، وبذلك تغير الوضع
بالنسبة لتبعية الأقلية اليهودية للسلطة البريطانية كرعايا لها فلم يسجل عدد كبير
منهم في المعتمدية.[يوسف عبد الله المطيري : اليهود في الخليج، ص364]
وتأكدت تبعية الأقلية
اليهودية للسلطة المحلية في البحرين عندما صدر قانون الجنسية البحريني في فبراير
1937 وبدأ العمل به في مايو من السنة نفسها، وقد أعطى هذا القانون الجنسية
البحرينية لكل من وًلِد في البحرين او خارجها لكنه مقيم فيها ولم يسجل اسمه
وجنسيته غير البحرينية لدى المعتمدية، كما أعطى القانون الحق لشيخ البحرين أن يمنح
الجنسية إلى أي شخص يقيم في البحرين ويقدم طلبًا بذلك.[المرجع السابق: ص 366]
وهكذا نجد وضع اليهود القانوني في البحرين باعتبارهم رعايا لدولة البحرين، أو حصولهم على الجنسية
البحرينية يختلف تمامًا عن وضع اليهود في الكويت باعتبارهم رعايا لبريطانيا، لذلك
فلا يمكن نقل أحداث وحياة شخصيات من يهود
البحرين إلى الكويت، وتقول هذه الأحداث حدثت في مكان ما في الخليج لأنّ الوضع القانوني
للأقلية اليهودية في الكويت، يختلف عنه في البحرين، كما أنّ الأقلية اليهودية التي
هاجرت إلى عمان وموظفي الدولة العثمانية من اليهود الذين أتت بهم من العراق للعمل في
الأحساء كانوا قد غادروها قبل إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني في فلسطين، ففي الفترة
التي تدور فيها أحداث المسلسل لم يكن في منطقة الخليج العربي من الأقليات اليهودية
سوى بعض الأسر في الكويت والبحرين فقط،
والأحداث التي حدثت في البحرين لم تحدث في
الكويت مثل مظاهرة دعم القضية الفلسطينية، وقصة أم هارون مستقاة من قصة أم جان
اليهودية التركية التي قدمت من العراق إلى البحرين، وتزوجت من هندي مسيحي ولم تسلم
ومسعودة شاؤول اليهودية التي قدمت مع أهلها من العراق إلى البحرين، وأسلمت وهي في
السابعة عشرة من عمرها، وعذّبها أبوها بالكي بالنار وثبتت على إسلامها، وعلم
بأمرها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة،
وطلب من والدها أن تعيش مع بناته معززة مكرمة، وظلت في بيته إلى أن تزوجت من مسلم،
وشخصية مسعودة زوجة الحاخام داود لا علاقة لها بمسعودة شاؤول لا من قريب ولا بعيد
سوى اسمها، وليس من المعقول أنّ حاخام يهودي بشخصية الحاخام داود الذي أقدم على
حرق ابنته راحيل في المعبد لتبرعها بدمها لمحمد المسلم، يترك زوجته مسعودة عندما نطقت
بالشهادتيْن أمامه دون أن يؤذيها، واكتفى بطردها من بيته!