سهيلة زين العابدين حمّاد

نُشر في جريدة المدينة
يوم السبت الموافق 12/1/ 2020

     ورغم هذه الحقائق التاريخية نجد ودون التحقق من
مدى صحة الحديث أُستُهِلّ  درس”
الخلفاء الراشدون” في منهج الدراسات الاجتماعية والمواطنة لخامس ابتدائي،
بحديث ضعيف رواه أبو داود، وهو” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين
من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ”(ص14)
وليس لهذا الحديث  طريق ثابتة متصلة واحدة إلّا

طريق عبد الرحمن بن
عمرو السلمي الحمصي عن العرباض بن سارية الصحابي الحمصي(ت75هـ)، وذكر ابن القطان
الفاسي في” الوهم والإيهام” عن راويه عبد الرحمن: الرجل مجهول والحديث
من أجله لا  يصح.” هذا وعند  استقصاء أدلة ألفاظ الحديث المختلفة، وجمع ما
كان مرفوعًا منها أو موقوفًا على حد سواء، لم يوجد أي شاهد على لفظ “الخلفاء
الراشدين”، ممّا يدل على أنّ عبد الرحمن أخطأ بذلك اللفظ، وهو لم يوصف بالحفظ
أصلًا، إضافة إلى وجود نكارة في متن الحديث، فمعلوم من قواعد الشريعة أنّ ليس
لخليفة راشد أن يُشرِّع ما كان عليها النبي(ص)، ثم الصحابة(ر)خالفوا الشيخان في
مواضع ومسائل. فدل أنّهم لم يحملوا الحديث على أنّ ما قالوه وفعلوه حجة. بل من غير
المعقول أن يترك رسول الله (ص)تشريع السنة لغيره. ولو فرضنا جدلاً أنّه فعل،
لكان وضع معايير واضحة لنعلم من هم الخلفاء الراشدين. ولو تأملنا أقوال العلماء في
خلافة الحسن (ر)
لعلمنا أنّ العلماء اختلفوا فعلاً في شخصية الخلفاء الراشدين. فكيف
يأمرنا الرسول(ص) باتباع سنة غيره دون أن يحددهم لنا؟ وهو حديث يعتبره البعض من
أصول الدين، كما أنّ عدم وجود حديث مهمّ كهذا في الصحيحين لمدعاة للتأمّل، ولم
يخرج البخاري ولا مسلم منها حديثًا واحدًا، وهذا من أسباب ضعفها.”[‏للمزيد انظر:بيان
ضعف حديث: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين

https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=137172]

  وهكذا نجد أنّ دُعاة
“دولة الخلافة” يستدلون بأحاديث ضعيفة ليعطوا شرعية لدعوتهم، مع تغييرهم
في الحقائق التاريخية للتوافق معها، وتدريسها لأولادنا دون التأكد من صحتها يُدعم
دعاوى الأخوان الذين يُنادون بها وتنظيماتهم، ويُخطّط رئيس تركيا الحالي استعادة
السيطرة على البلاد التي كانت تحت الاحتلال العثماني
 بذريعة
إعادة ما تُسمّى بِ”دولة الخلافة”، ويلقبه الأخوان ب”خليفة
المسلمين”، مع أنّ الدولة العثمانية كان يُلقّب حكّامها ب” سلاطين”
وليس بخلفاء
، فالقول بأنّ نظام
الخلافة من أنظمة الحكم في الإسلام يُخالف الواقع التاريخي، فلم يكن هناك مسمى”دولة
الخلافة”، وإنّما الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية، فعن
أية دولة خلافة يتحدثون، و
التي بنى الأخوان تنظيمهم
عليها، وأوجدوا تنظيماتهم المسلحة مثل القاعدة وداعش وغيرهما لإقامتها، وقد رأينا كيف
أعلن زعيم داعش نفسه خليفة للمسلمين في الموصل عام 2014 بعد احتلاله لها، وما قامت
به دولته من تهجير وقتل واغتصاب أعراض  وقتل وحرق الأسرى، وبيع الأسيرات غير المسلمات، إضافة
إلى ما أشاعته من رعب وإرهاب وخراب ودمار في البلاد التي دخلتها، والتي فيها من
أتباع عقدوا بيعتهم للخليفة المزعوم، كما رأينا كيف مات مذعورًا باكيًا منتحرًا في
نفق مظلم مغلق؟
وللأسف الشديد نجد  مناهج الدراسات الاجتماعية والمواطنة للمرحلتين
الابتدائية والمتوسطة، ومنهج التاريخ للمرحلة الثانوية تُردد مقولات ومصطلحات  ذات مدلولات خطيرة يستخدمها الإخوان وتنظيماتهم
المسلحة كغطاء لأعمالهم الإرهابية والإجرامية، وقد بيّنتُ في مقالات سابقة مدى
مخالفة ذلك للحقائق التاريخية، وخطأ مؤرخي السيرة النبوية والمؤرخين القدامى
والمعاصرين باستخدام تلك المصطلحات.

Leave a Reply