أسس علاقات المسلمين بغيرهم ومن أسس علاقات المسلمين بغيرهم المسالمة والأمان، فهو لا يجيز قتل النفس لمجرد أنّها تدين بغيره، ولا يبيح للمسلمين قتال مخالفيهم في الدين لمخالفتهم في عقيدتهم، بل يأمر أتباعه معاملة مخالفيهم بالحسنى، ومبادلتهم المنافع ويوضح هذا قوله تعالى : (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [1]   ويقول جل شأنه : ( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا)[2] والإسلام حريص على السلم يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)[3] والمعنى: يا أيها الذين آمنوا إنّ إيمانكم يوجب عليكم أن تدخلوا في السلام العام، فلا تعتدوا على أحد لم يعتد عليكم ولم يقاتلكم. وفي هذه الآية رد كاف على المستشرقين خاصة مرجليوث وبرنارد ولويس فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحارب كفار قريش إلا عندما حاربوه، فهم الذين غزوه، و ليس هو، وتسمية المؤرخين لحروبه بِ” غزوات” خطأ تاريخي وقعوا فيه، أمّا اليهود فقد نقضوا العهود والمواثيق، وتحالفوا مع كفار قريش ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسلمين فأعلن بنو قينقاع تحديهم ومحاربته، أمّا بنو النضير حرضوا قريشًا وتآمروا على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، وبعد جلائهم عن المدينة ألبوا الأحزاب على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، وحرّضوا بني قريظة على نقض العهد، ووضعوا المسلمين في وضع سيئ، وأصبحوا بين فكي كماشة، فكان قتال يهود خيبر من أهم سبل الأمان لأنّهم كانوا يعدون العدة للتوجه إلى المدينة، وقتال الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فشل الأحزاب، وكانوا يحرضون القبائل عليهم.    ومن حرص الإسلام على السلم أنّه إذا كان في حرب مع أعدائه وطلبوا السلم والصلح فيستجاب إلى طلبهم يقول تعالى: (وإِنْ جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيم ) [4] ومن نظم الإسلام الدالة على السماحة في أثناء الحرب: أنّه يبيح لأفراد وجماعات من الدول المحاربة أن تتصل بالمسلمين وتدخل ديارهم، وتقيم فيها في حماية قانون يعرف في التشريع الإسلامي باسم “الأمان” والإسلام يقرر عصمة المستأمنين، ويوجب على المسلمين حمايتهم في أنفسهم وأموالهم ماداموا في ديار الإسلام، يذهب أبعد من ذلك فتراه يمنحهم أنواعًا من الامتيازات، ويعفيهم من بعض ما ينفذه على المسلمين من أحكام، والهدف من هذا الأمان الذي شرعه الإسلام أن يهيئ الفرص للمستأمنين لدراسة حقيقة الإسلام وإدراك أغراضه من واقع المجتمعات الإسلامية بهدف نشر الدعوة وحماية الفارين من الظلم وتوفير الأمن لهم، يقول تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ [5]حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ)[6] بل نجد أنّ الإسلام أعطى للفرد ذكرًا أو أنثى حق الإجارة لفرد أو جماعة من الناس[7] ، وأمانه وعهده محترمان لقوله صلى الله عليه وسلم “ذمة المسلمين واحدة يسعى  بها أدناهم” وقوله صلى الله عليه وسلم “قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ” والإسلام لم يشترط في ذلك التشريع، إلاّ ما يضمن للمسلمين أمانهم، هذا وممّا تجدر الإشارة إليه هو أنّه ليس من حق الفرد أن يأوي محاربين قد أتوا بغرض إثارة الفتنة أو التجسس على المسلمين أو للقيام بأعمال إرهابية؛ إذ لابد من التحري والتأكد من سلامة نية من يأويه، كما أنّه من حق الحاكم إبطال أمان الفرد، إن كان يتعارض مع مصلحة المسلمين.    

  ومن أسس علاقة المسلمين بغيرهم عقد العهود والمواثيق واحترامها، وذلك لفض المنازعات بالطرق السلمية، ولقد أحاط الإسلام المعاهدات بكل صنوف الاحترام، وهيأ لها كثيرًا من الضمانات مما جعل المسلمين يرتفعون بها فوق مصالحهم وشهواتهم وعواطفهم، فلا يوجد إلزام في تشريع الإسلام أنّه إذا قضت الظروف بنزاع بينه وبين خصومه أن يخيرهم بين الإسلام والجزية والحرب ؛ إذ نجد اتفاقات وعهودًا وحالات سلام كانت قائمة بين المسلمين ومن يجاورهم من الأمم بغير أن يشترك لذلك حالة من الحالات الثلاث .

إذا رجعنا إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم نجده قد عقد عهودًا ومحالفات بقصد تأمين دولة الإسلام، الإسلام فليست الحرب هي الهدف والغاية، ولم تكن الوسيلة  لنشر الإسلام (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ  وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[8] ويقول جل شأنه(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ  فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[9]  (لا إكراه في الدين) والهدف هو الوصول بهذه الدعوة إلى الظهور بالوسائل السلميةلهذا أوجب القرآن على المسلمين الوفاء بعهودهم في كثير من الآيات قال تعالى  :(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[10]    وذكر جل شأنه أنّ من صفات المؤمنين الحافظين وعودهم: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[11]   

وقد وصف الله جل شأنه الذين لا يلتزمون بالعهد أنّهم من شر الدواب، يقول تعالى: ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ) [12]     ولا يهدف الإسلام من المعاهدات سيطرة ولا تملكًا ولا استعمارًا ، ولا لغش الشعوب وخيانتها وخداعها، وإنمّا من أجل إقرار السلام وحقن الدماء يقول تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون* ولا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )[13] أي لا تكونوا في إفساد عهودكم والعودة إلى تجديدها كالمرأة الحمقاء التي تنفش غزلها بعد إبرامه وإحكامه، ولا يجوز أن تقوم عهودكم على الفساد والغش لكي تكون أمة أقوى من أمة، أي أكثر مالًا ورجالًا وقوة ممّا يجعلها أرجح[14]، بل أمر الله جل شأنه الوفاء بالعهد حتى لو أدى ذلك  إلى عدم نجدة المسلمين لإخوانهم الذين يقيمون في بلد غير إسلامي معاهد لهم، مع أنّ الله جل شأنه يعتبر المسلمين أمة واحدة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وبلادهم، وأي عدوان على شعب أو طائفة هو عدوان على المسلمين جميعًا، ولكن احترام العهود والمواثيق من المبادئ والقيم السامية التي حرص الإسلام على غرسها في نفوس المسلمين للالتزام بها يقول جل شأنه( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[15]    وعودة منا مرة ثانية إلى الإصحاح العشرين من سفر التثنية نجده ينص على عدم احترام اليهود للصلح مع أعدائهم إن عقدوا صلحًا معهم، ويدعوهم استبعاد عدوهم واستباحة أرضه “حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح فإن جابتك إلى الصلح ، وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، ويستعبد لك فشتان بين شريعة الإسلام وبين شريعة اليهود المحرفة !!.    هذا وإن أخل المعاهدون بالمعاهدة، فالمسلمون في حل من عهودهم معهم يقول تعالى( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)[16] ، وكذلك إذا لمسوا من أعدائهم أمارات الخيانة فيجوز قتالهم مع إخبارهم بذلك مثلما حدث من بني قينقاع يقول تعالى( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)[17] فما قاله مرجليوث وبرنارد لويس وسائر المستشرقين عن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم لا أساس لها من الصحة، لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن يُخالف القرآن الكريم الذي وضع أسس وقواعد وقوانين القتال مع الأعداء الذي يسير عليه، ومن المؤسف حقًا أنّنا نجد إطلاق مصطلح” غزوة” على حروبه صلى الله عليه وسلم عزّز مزاعم المستشرقين الباطلة، وفيه مخالفة صريحة للأسس والقواعد التي تنظم قتال الأعداء في الإسلام، والتي لا يمكن يخالفها الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع بيان ووضوح خطأ المؤرخين القدامى بإطلاق هذا المصطلح على حروبه صلى الله عليه وسلم، إلّا أنّنا نجد معدو مناهج التاريخ في البلاد العربية يُطلقون هذا المصطلح على حروبه، بل نجد هناك من يُغالط ويُكابر بصحة هذا المصطلح والتأكيد على أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الغازي الذي ذهب للأعداء في ديارهم، وهو المبادر بالقتال لخدمة أهداف تنظيمات ينتمون إليها، معتبرًا أنّ هذا المصطلح من ثوابت الإسلام.     هذه أهم مبادئ الإسلام في الحروب وفي علاقات المسلمين بغير المسلمين محاربين أو معاهدين أو مستأمنين، وأحكام الإسلام في الحروب استقى منها القانون الدولي أحكامه ، ومن أحكامه في الحروب :

1.      أنّ الدولة التي تضطر إلى إعلان الحرب على دولة أخرى يجب عليها قبل بدء القتال أن تعلن للدولة الأخرى بميعاد الحرب، والغرض من هذا عدم الأخذ على غرة والوقاية من الغدر.

2.    الرعايا غير المسلمين المنتظمين في الجيش لا يعدون محاربين، ولا يجوز إلحاق الأذى بهم، وأنّ وصف المحاربين خاص بكل جندي أو محارب (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)[18]     ومن الاعتداء أن يحاربوا من لا يحاربهم كأبناء أعدائهم ومرضاهم وشيوخهم ورجال دينهم. روى رباح بن ربيعة أنّه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها، فمر رسول الله أصحابه بامرأة مقتولة فوقف أمامها، ثمّ قال: “ما كانت هذه لتقاتل! ثم نظر في وجه أصحابه ، وقال لأحدهم   الحق بخالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفاً[19] ، ولا امرأة  رواه مسلم .    وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه في  مؤتة، وهو يتأهب للرحيل : ألا تقتلن امرأة ولا صغيراً خدعاً[20]، ولا كبيراً فانيًا، ولا تحرقن نخلًا ،ولا تقلعن شجرًا ولا تهدموا بيتًا، وعن ابن عباس: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال “لا تقتلوا أصحاب الصوامع “.

   أمّا في شريعة اليهود المحرفة فإنها تأمر بقتل كل الذكور؛ إذ جاء في سفر التثنية الإصحاح العشرين “.. إن لم تسالمك بل عملت معك حربًا، فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأمّا النساء والأطفال والبهائم ، وكل ما في المدينة كل غنيمة تغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك “. 3.    لقد منع الإسلام الإجهاز على الجرحى، وتعذيب العدو والفتك به غيلة، واستعمال القنابل والقذائف والأسلحة التي تزيد من التعذيب، وحرّم تسميم الآبار والأنهار والأطعمة، كما أنّه أوصى باحترام جثث القتلى، ومنع التمثيل بها مهما كانت جنسية أصحابها. والإسلام حرّم هذا أيضًا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ عيّن أميرًا على جيش، أو على سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا.   

   وإذا مثل الأعداء بالمسلمين فالأفضل عدم مجاراتهم في هذا التمثيل، ويدل على هذا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمّا مثَّل المشركون في  أحد بحمزة بن عبد المطلب، وانتزعت هند بنت عتبة كبده، كما مثّلوا بغيره من الشهداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لئن أظفرنا الله بهم يومًا من الدهر لأمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب” فأنزل الله عليه هذه الآيات ( إِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ* وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) [21] فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:” بل نصبر[22].    ولقد أوصى أبو بكر رضي الله عنه  قائده أسامة بقوله :”لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تغدروا، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة، ولا تقهروا نخلًا ، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة.  .

4.   حسن معاملة الأسرى وعدم مسهم بأذى، فلا يجوز قتلهم ولا جرحهم ولا إساءة معاملتهم أو تحقيرهم إذا سلموا أنفسهم، أو صودرت حريته، فلقد حثّ القرآن   على تكريم الأسرى عامة، وجعلت ذلك من البر الذي هو علامة الإيمان، فقد ثنّى الله على المؤمنين الذين يحسنون إلى الأسرى بقوله تعالى:(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[23]  وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بحسن معاملة الأسرى “أحسنوا أسراهم” ولقد خير الإسلام الإمام بين إطلاق سراح الأسرى دون مقابل أو فدائهم بالمال حسبما تقتضيه المصلحة: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) [24] ،وقد منَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الأسرى، أي أطلق سراحهم بدون مقابل وفادي بالمال، وبتعليم الأسرى أبناء المسلمين الكتابة [25]. هذا  وقد استقى القانون الدولي هذه الأحكام من الإسلام ، في حين وإذا رجعنا إلى الشريعة اليهودية المحرفة نجدها لا تكتفي بالدعوة  إلى قتل الأسرى فقط، بل قتل الحيوانات والنساء والأطفال؛ إذ ينص الإصحاح العشرون من سفر التثنية على الآتي “حين تقرب من مدينة لكي تحاربها، استدعها للصلح، فإن أجابتك فكل الشعب والمولود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وأمّا مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا منها فلا تستبق منها نسمة، بل تحرمها تحريمًا أي تقتلها قتلًا.”    ويلاحظ أنّ الديانة المسيحية ليست لديها قواعد خاصة بالأسرى، لأنّ الحرب نشأت لدى  المسيحيين متأثرة بالسياسة وليس بالدين .[26]    هذا وممّا يجدر التنبه إليه أنّ الإسلام سبق القوانين الدولية بأحد عشر قرنًا في وضع قوانين للأسرى بحسن معاملتهم وعدم تعذيبهم وعدم قتلهم، وإطلاقهم بالمن عليهم أو فدائهم، بينما نجد أنّه لم تظهر اتفاقيات أو معاهدات دولية لتنظيم معاملة الأسرى  إلاّ في أواخر القرن الثامن عشر، وبالتحديد في سنة 1875م، بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ثمّ في سنة 1899 م ، إلا أنّ الحرب العالمية الأولى أثبتت عدم كفاية هذه النصوص والاتفاقيات فوضعت الدول المجتمعة في جنيف سنة 1929م  نص اتفاقية لتنظيم أسرى الحرب، وقد تم إدخال التعديلات عليها سنة   1950  م ، بعد أن وقعت عليها  61    دولة زادت إلى 74دولة سنة  1959 م ومنها الدول العربية . للحديث صلة. Suhaila_hammad@hotmail.com


Leave a Reply