المكتبة اليكترونية للدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد
سلسلة تصحيح الخطاب الإسلامي
الناسخ
والمنسوخ في القرآن الكريم
تأليف
د.
سهيلة زين العابدين حمّاد

بسم
الله الرحمن الرحيم
   مقدمة
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
 لايزال
في أذني رنين كلمات خادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبد الله ــ رحمه الله ــــ لقادة
وعلماء الأمة الإسلامية الوقوف في وجه من يحاولون اختطاف
الإسلام وتقديمه للعالم بأنّه دين تطرف، وكراهية، وإرهاب بقولهم كلمة الحق، وأن لا
يخشوا فيه لومة لائم، ولكن للأسف الشديد لم نجد من بعض علمائنا تجاوبًا لهذه
الدعوة؛ إذ سكتوا عمّا موجود في كتب تراثنا من تشوية للإسلام، وتصويره دين عنف
وقتال وإرهاب من خلال ما سمي بعلم” النّاسخ والمنسوخ في القرآن الكريم”
 الذي تأسس في  أوائل القرن الثاني الهجري،
وقبل بداية هذا القرن لم يكن لهذا العلم أي وجود، فهذا العلم
ظهر على الساحة الإسلامية مع ظهور الحركات والمذاهب الإسلامية المختلفة التي حاول
أصحابها من خلال الناسخ والمنسوخ في القرآن أن يدعموا أفكارهم ومعتقداتهم وآراءهم
التي قد تختلف في بعض الأحيان، أو تتعارض مع الشريعة الإسلامية والآيات الصريحة في
القرآن  بالقول : إنّ هذه الآيات قد نسخت
بآيات أخرى قد يكون بعضها ثابتاً ومدوناً في القرآن، أو لا وجود لها، فزعم أصحاب
هذه المذاهب والمدارس الفكرية أنّ هناك آيات منسوخة غير مثبتة بالقرآن، ولكن العمل
بها ساريا وهى جزء من الشريعة الإسلامية ، وابتدعوا لذلك أحاديث وروايات.

وهذا ادعاء خطير، وأمر جلل فتح المجال للكثير من هذه المدارس
لتأسيس معتقدات وأحكام مخالفة تمامًا لأحكام القرآن الكريم الواضحة والشريعة. ومن
ثم ظهرت أحكام فقهية معارضة ومناقضة لأحكام القرآن الكريم.

المقصود بالنسخ في
آية النسخ
 معنى النسخ في كلام العرب
    كلمّا
نتعمّق في قراءة كتب التراث ونتمعّن ما فيها يتكشّف لنا كم من الأخطاء الفادحة
التي وقع فيها بعض من العلماء الأوائل مفسرين ومحدثين وفقهاء، وعلماء في علوم
القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وإن كان بعضهم اعتمد أحاديث ضعيفة
وموضوعة، وبنوا عليها أحكامهم الفقهية 
لتعزّز ما يحملونه من موروثات فكرية وثقافية عهدوها في مجتمعاتهم وتربوا
عليها، ولتخدم أغراض سياسية في حقبهم الزمنية، 
واضعين لأنفسهم قاعدة” شهرة الحديث تغلب صحة إسناده” نجد بعض
المفسّرين قد أخطأوا
في فهم آية:(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ
نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)[1]
دفعهم إلى تجرؤهم على
كلام الله، وشرعه بإيجاد ما أسموه بالناسخ والمنسوخ ليوافق المعنى الذي فهموه، أو
أرادوا فهمه، وأخضعوا الناسخ والمنسوخ لما يريدونه، فألغوا منه ما يريدون إلغاؤه
من أحكام، مع أنّه لم يرد نص أو تصريح من الرسول صلى الله عليه وسلم بنسخ آية  من القرآن الكريم، فقد حصروا فهمهم للآية على
القرآن الكريم، وفاتهم أنّ المقصود شريعة موسى عليه السلام بنسخ آيات منها طبق
الأصل، أو انسائها بخير منها.
النسخ في كلام العرب على ثلاثة أوجه:
الأول: نسختُ
الكتاب إذا نقلت ما فيه إلى كتاب آخر، فهذا لم يغيّر المنسوخ منه إنّما صار نظيرًا
له، أي نسخة ثانية منه.
الثاني: 
نَسَختْ الشمس الظل، إذا أزالته وحّلت محله.
والثالث:
نسخت الريح الآثار، إذا أزالتها فلم يبق منها عوض ولا حلت الريح محل الآثار.
ومن
هذا المعنى اللغوي للنسخ، نجدهم خرجوا عن معناه اللغوي، فجعلوا النسخ في القرآن
أربعة:
  نسخ
التلاوة والحكم معًا، و
ما نسخ حكمه، وبقيت تلاوته، وما نُسخت
تلاوته وبقي حكمه ،
وما
نسخته السنة!
 وبأقوالهم هذه تلاعبوا بالقرآن الكريم، وصوّروا
الخالق بأنّه متردد في أحكامه وتشريعاته، وأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم يُعدّل
عليه، ويُلغي أحكامه،  وألغوا أزلية
كتابة  القرآن كاملًا في اللوح المحفوظ،
وأنّه من عند الله، وهذا ما يقوله الملحدون؛ إذ أوجد المفسرون والقائلون بالناسخ
والمنسوخ مبررًا يُساعد من يسعوْن إلى دفع شباب الإسلام إلى الإرهاب، أو الإلحاد
إلى الإيقاع بهم في هذيْن المستنقعيْن، والحقيقة التي ينبغي أن يدركها الجميع أنّه
لا وجود لناسخ ومنسوخ في القران الكريم، والذي يقول به غير مؤمن بكامل ما جاء في
القرآن الكريم، تلاوة وحكمًا، وينطبق عليه قوله تعالى:(
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ)[2]
المقصود بالنسخ
والإنساء في الآية (106) من سورة القرة
   فالقرآن الكريم محفوظ بكامله في اللوح المحفوظ،
والله المشرِّع، وخالق الكون ومدبّره، وهو أعلم بأحوال خلقه إلى أن تقوم السّاعة،
ووضع تشريعه في القرآن الكريم ليكون الرسالة الخاتمة الثابتة، وناسخة للتشريعات السماوية
السابقة له(
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى
بِاللَّهِ شَهِيدًا)[3]أكد
على قوله تعالى:(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ولوْ كَرِهَ المُشّرَكون)[4]
وهذا يوضح أنّ
النسخ في قوله تعالى:(
مَا
نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) ولا
يعني البتة أنّ القرآن ناسخ لبعضه البعض، فلا يُعقل أنّ الخالق يُغيّر أحكامه في
الرسالة الواحدة، وإنّما نسخ شريعة موسى السابقة له.
   ومعنى النسخ مثلها(نسخة
طبق الأصل)تأكيدًا عليها والإنساء بخير منها لما جاء في شريعة موسى عليه السلام
السابقة لشريعة الرسالة المحمدية الخاتمة للشرائع والأديان، وليس لما جاء في
الشريعة الخاتمة، فالهدف من الإنساء التدرج في التشريع طبقًا للتطور الفكري
والحضاري الإنسانيْين، وهذا يتطلب أزمنة طويلة، والقرآن الكريم نزل في 23 عامًا،
وهذا الزمن لا يحتاج إلى الإنساء لأنّ لم يحدث فيه تطورًا وتغيرًا مثلما حدث بين
زمني موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام؛ إذ يبلغ الفارق الزمني بينهما حوالي(2300
سنة) وقد جعل الله شريعة الرسالة المحمدية هي الخاتمة لشرائعه وأديانه السماوية،
وجعلها مرنة صالحة لكل سكان الأرض في كل الأزمان إلى أن تقوم الساعة،
وقد حوى النسخ كل الحالات الممكنة على سلم التطور التاريخي
إلغاء ومماثلة وتعديلًا وإضافة، والآية  المنساة هي حكم عند موسى عليه  نسخ بحكم خير منه في القرآن الكريم استعمل في
زمن النبي
صلى الله عليه
وسلم  مثل رجم الزانية
،
وتغيير القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، وكل حكم استعمله النبي
صلى الله عليه
وسلم
في حياته وهو في كتاب موسى جاء خير منه في القرآن الكريم، فهو
من الأحكام المنساة والأنساء تاريخي بحت، وهو بمثابة الأحكام الانتقالية طبقًا
لمفهومنا المعاصر، وهذا الفهم هو الذي ينطبق على قوله تعالى:(
مَا نَنسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)
ومن
الآيات التي في شريعة موسى عليه السلام، ونُسخت مثلها طبق الأصل في شريعة الرسالة
المحمدية
قوله
تعالى:(
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أنَّ
النَّفْسَ

بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ
وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ

بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ
وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ

فمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ
كَفَّارَةٌ لَهُ

وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ
اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[5]
 فضمير(عليهم)يعود
على اليهود  بدليل الآية السابقة لها
آية(44)من سورة المائدة:(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ
يَحْكُمُ بِهَا
النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ
كِتَابِ الله)
هذا مثال لمعنى:( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ)أمّا
مثال لمعنى:(
نُنسِهَا نَأْتِ
بِخَيْرٍ مِّنْهَا) فهو:
  نلاحظ أنّ  الشريعة الخاتمة جنحت إلى التخفيف في عقوبة
القتل الخطأ، فجعلتها في أدنى درجاتها صيام شهرين متتاليين لمن لم يجد الدية،
بينما كانت في شريعة موسى عليه السلام  تصل
إلى النفي لإحدى ثلاث مدن بعينها، وهذا يأخذنا قياسًا إلى قلع العين وكسر السن
المتعمد وعقوبته المثل قصاصًا كما في الآية، أما القلع والكسر الخطأ فبدفع مرتكبه
تعويضًا ماديًا في الشريعة الخاتمة، يتضح هذا من قوله تعالى🙁
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا
يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)
[6]
(وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا
أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ)[7]
أمّا
قوله(نأت بخير منها أو مثلها) يوضحه
(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن حتى يبلغ أشده)[8]
فنسختها آيات خير منها  في شريعة الرسالة
المحمدية
(وَآَتُوا
الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا. وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى..[9])

(
إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[10]
    هذه أمثلة لتوضيح معنى قوله تعالى:(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ
مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)
الروايات الموضوعة عن آية الرجم
فما يقوله بعض علمائنا
الأوائل عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم 
يُعد تلاعبًا بالقرآن، وتعطيلًا 
لكثير من أحكامه، وإساءة إلى الله المشرّع، مثل قولهم:
1.     في ما نُسب روايته إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه قال:” أقرأني
رسول الله
صلى الله عليه
وسلم
آية فحفظتها وكتبتها في مصحفي  فلمّا كان الليل رجعتُ إلى مضجعي، فلم أرجع منها
بشيء، وغدوْتُ على مصحفي، فإذا الورقة بيضاء، فأخبرتُ النبي
صلى الله عليه وسلم،
فقال لي يا ابن مسعود تلك رفعت البارحة.[11]هل
يُعقل أنّ آية تنزل، ثم تُلغى في ليلة واحدة؟ وما الحكمة من نزولها ثم إلغائها؟
2.    وكذلك ما روي عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه
عن آية الرجم التي نُسخت تلاوتها وبقي
حكمها، أنّه قال: ” لولا أكره أن يقول الناس قد زاد في القرآن ما ليس فيه
لكتبت آية الرجم وأثبتها، فوالله لقد قرأناها على رسول الله
صلى الله عليه وسلّم:”
لا ترغبوا عن آبائكم فإنّ ذلك كفر بكم الشيخ والشيخة إن زنيا فارجموهما البتة
نكالًا من الله والله عزيز حكيم”، فهذا منسوخ الخط ثابت الحكم.[12]
          هل
يُعقل أنّ آية الرجم إن كانت قد ألغيت تلاوتها وبقي حكمها لماذا لم يُخبرنا الرسول
صلى الله عليه وسلم  بذلك، بدلًا من 
سيدنا عمر بن الخطّاب
رضي الله عنه ؟ فمن مُبلّغ الوحي محمد صلى الله عليه وسلم
أم عمر بن الخطّاب
رضي الله عنه
هذا أولًا
ثانيًا: نص الآية:” لا ترغبوا عن آبائكم فإنّ ذلك
كفر بكم الشيخ والشيخة إن زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز
حكيم” هذا النص لا يتفق مع الأسلوب القرآني على الإطلاق، ولا يوجد في اللغة
العربية شيخة، فيقال على المسن شيخ(
وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)[13]،
والمسنة عجوز(وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)[14]،
ثمّ أنّها لم تُبين إن كانا محصنيْن أم لا، فليس بالضرورة لكونهما شيخيْن أن يكون
لكل منهما زوج؟ ولماذا الشيخ والشيخة؟ فهذان في الغالب تضعف لديهما الرغبة الجنسية،
فلا مبرر لزناهما، وكل منهما متزوج؟
ثالثًا: هل يُعقل أنّ سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه
يخشى النّاس ولا يخشى الله، فكيف يجرؤ على كتابة آية
أُلغيت  تلاوتها من قبل الخالق جل شأنه،
والذي يمنعه من فعل ذلك خوفه من قول النّاس فقط ؟
أمّا أحاديث الرجم إن صحّت، فإنّها كانت قبل نزول آية
جلد الزانية والزاني(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)[15]؛
إذ كان يحكم بشريعة موسى التي نسختها آية الجلد.
     ومن
هنا نجد ما بنى علماء الناسخ والمنسوخ علمهم عليه باطل؛ إذ أسندوا ذلك إلى بعض
الصحابة رضوان الله عليهم، فإن كان لم يرد عن الرسول
صلى الله عليه وسلم نص
أو تصريح بنسخ آية، فكيف علم الصحابة بها؟
     أؤكد على ما سبق وأن أكدته أنّه لا يوجد ما
يُسمّى بعلم ناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم، فالعلم ثابت يقيني وليس بظني، والنّاسخ
والمنسوخ، كما هو واضح مبني على ظنون وروايات لا صحة لها نُسب بعضها إلى بعض
الصحابة، والقرآن الكريم يقيني
وكل آراء القائلين
بالناسخ والمنسوخ ظنية مبنية على أقوال بعضهم البعض، وربط بعضها بأحداث تاريخية
معينة، أو بأسباب النزول التي اختلفوا فيها أيضًا، أو لتحقيق أهداف سياسية،
والعقائد لا تُبنى على ظنون، و
ما ثبت بيقين لا يبطل بظنون” والقرآن يقين كما نتفق جميعًا كمسلمين، ونعلم أنّ الله قد تعهد
بحفظه، ومكتوب منذ الأذل  في اللوح
المحفوظ، ف
نزول آيات القرآن مثبتة في اللوح المحفوظ، والقول بنسخها
وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي هذه الأبدية للوح المحفوظ، ويجعلها فرضية وهمية،
وهذا ما يقوله
الملحدون”، وهذا أحد مكامن خطورة القول بالناسخ والمنسوخ أي ببطلان أحكام بعض
آيات القرآن؛ إذ يثير الشكوك في صحة القرآن الكريم، وأنّه من عند الله، وكان من
أسباب إلحاد بعض شباب الإسلام؛ إذ وجدوا أنّ قضية الناسخ والمنسوخ تتصادم مع آية
(وَلَوْ كَانَ مِنْ
عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[16]
والكم من الآيات
التي وقع عليها النسخ والتغيير والتبديل والزيادة والنقص، وتحويل الحرام حلالًا،
والحلال حرامًا تُثبت أنّ في القرآن اختلافًا كثيرًا، جعلت الملحدين يقولون:”
إنّ القرآن بهذا قد حكم على نفسه بأنّه ليس من عند الله”(تعالى الله عمها
يصفون)، ولأنّ النسخ- كما يقول الإمام محمد أبو زهرة – يقتضي
أن تكون آيتان في القرآن موضعهما واحد، إحداهما مثبتة والأخرى نافية، ولا يمكن
الجمع بين النفي والإثبات، وما ادّعى النسخ فيه التوفيق بينهما سهل ممكن، وما أمكن
التوفيق فلا نسخ، وقد اشتركنا في كتابة التفسير مع بعض العلماء، ولم نجد آيتيْن
متعارضتيْن، ثمّ يمكن التوفيق بينهما، وقد طُبع ذلك التفسير، وسمي ب”
المنتخب” طبعته إحدى الجامعات الإسلامية.”[17] هذا وممّا يجدر ذكره أنّ
الإمام أبي زهرة ينفي وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم .[18]
الاختلاف في عدد الآيات المنسوخة
    هذا ورغم الاختلاف البيِّن بين القائلين
بالناسخ والمنسوخ في عدد الآيات المنسوخة، فمنهم مَن قال إنّ عدد الآيات
المنسوخة(293)آية، ومنهم قال(247)،ومنهم قال(218)،ومنهم قال(214)، ومنهم قال(213)،ومنهم
قال(210)، منهم قال (200)وبعضهم قال(134)، وغيرهم قال(66)، وهناك من قال (22)،
وغيرهم قال(20)[19] الذي
يوضح أنّ لا وجود لناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم إلّا أنّنا نجد الملحدين حكموا
على القرآن الكريم من خلال ما ورد في النّاسخ والمنسوخ، أي أنّهم لم يٌعملوا
عقولهم في البحث عن الحقيقة، وكل أحكامهم على القرآن الكريم خاصة، والإسلام عامة
مبنية على أقوال العلماء والمفسرين والفقهاء والمحدثين بكل موروثاتهم الفكرية
والثقافية، والأهواء السياسية التي لا صلة للإسلام بها، وذلك لأنّ هناك من يوجههم
إلى الإلحاد، فظاهرة إلحاد بعض شباب الإسلام عملية مخططة ومُمنهجة، وجد واضعوها
ومنفذوها في كتب تراثنا ما يُساعدهم على ذلك، فلو كان الشباب الملحد أعمل عقله،
وبحث وفكّر، كما يدعي أنّ عقله لا يقبل ما يقرأه، لا يحكم على الإسلام بما هو
موجود في كتب التفسير والحديث والفقه، وعلوم القرآن الكريم، ولمحصّ ودقّق كما أفعل
أنا وغيري من المفكرين لتصحيح المفاهيم، وإعادة الإسلام من مختطفيه، وبيان حقيقة
هذا الدين الذي شوهه أولئك.
    وهذه دعوة صادقة مني لكل شباب الإسلام الذين
ألحدوا، أو اتجهوا إلى التطرّف الديني، والتحقوا بإحدى الجماعات التي وصفت نفسها
بأنّها إسلامية أن يعيدوا معي قراءة النصوص القرآنية، وفهمها بمدلولاتها الحقيقية،
مثل آية(
مَا نَنسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)[20]
قبل أن يحكم الملحدون منهم بوهمية حفظ القرآن في اللوح المحفوظ، وقبل أن يقولوا
إنّ القرآن حكم على نفسه أنّه ليس من عند الله بناسخه ومنسوخه، وقبل أن يقولوا ما
يفعله داعش فعله محمد وأصحابه،  وقبل  أن يقطع المتطرفون الرؤوس، ويسبوا النساء،
ويبيعوهن جواري، ويسرقون وينهبون ويدمرون، ويخرجون المسيحيين من ديارهم وأوطانهم،
إن لم يدفعوا الجزية عملًا بالفتاوى التكفيرية ،وبالناسخ والمنسوخ، مثل القول إنّ
آية
(فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ
الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ
وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ)[21]،
والتي أطلقوا عليها آية السيف قد نسخت كل آيات الرحمة والتسامح مع أهل الكتاب، مع
أنّ هذه الآية تتحدث عن مشركي مكة وليس عن 
أهل الكتاب، ولي وقفات طويلة عن
د آية السيف وال(124) آية التي نسختها، وغيرها من الآيات
الناسخة والمنسوخة ،والتي حكم المتطرفون من دينيين ولا دينيين على الإسلام من
خلالها دونما تمحيص وتدقيق وتثبت، مؤكدة
على  لا وجود لناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم.
الملحدون والناسخ والمنسوخ
 إنّ القول بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم
دفع الملحدين إلى هذه التساؤلات :
1.   
هل
وحي الله فيه مفاضلة؟ أي هل فيه شيء حسن وشيء أحسن؟ إذا كان الأمر كذلك فيمكن إذن
أن يقال أن فيه كلام غير حسن أيضًا، طالما هناك درجات في كلام الله. ما هذا الهراء
و الاستسخاف بعقول البشر؟
2.   
“ما
هو يا ترى الكلام الذي كان مكتوبا في اللوح المحفوظ؟ هل هو الكلام الذي نُسِخَ
وأُنْسي؟ أم هو الكلام الأخير والأحسن الذي حلَّ محل ما نُسخ بالإلغاء والنسيان؟؟
كلام غريب الشأن لا يَخِيلُ على أيِّ إنسان عاقل!!!
3.   
هل
تتفق فكرة الناسخ والمنسوخ، أو التغيير في آيات القرآن وإلغائها ومحوها، مع حقيقة
أن القرآن أزلي مكتوب في لوح محفوظ؟ فهل تم التغيير والإلغاء في اللوح المحفوظ أو
بمعنى آخر هل للوح المحفوظ طبعات معدلة ومنقحة ومزيدة؟؟؟؟
4.   
أما
عن قول السورة القرآنية “أو نُنْسِها” فكيف يتفق هذا مع قول القرآن (في
سورة الحجر 9) “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”؟ فإن كان الله
يحفظ كلامه فلماذا لم يحفظه في ذاكرة الرسول، ولماذا ينسيه له، بعد أن يوحي به
إليه؟؟؟؟
فإنّ
نزول الآيات المثبتة في اللوح المحفوظ، ثم نسخها وإزالتها من القرآن المتلو، ينفي
هذه الأبدية المفترضة الموهومة (للوح المحفوظ)”.”
5.   
ألا
تكفي 550 آية من القرآن  قد وقع عليها
النسخ والتغيير والتبديل والزيادة والنقص
وتحويل
الحرام حلالًا، والحلال حرامًا، ألا يكفي هذا الكم الهائل لإثبات أنً في القرآن
اختلافًا كثيرًً، وينطبق عليه حكم الآية: (
أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا
فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[22]
هذا
ما يُردده الملحدون نتاج القول بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم.
وإجابة
على هذه التساؤلات:
لماذا
سلّمتم بصحة وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن، وأنتم تدعون تعملون عقولكم ، ولا تقبلون
إلّا ما يقبله العقل والمنطق، وقد رفضتم قبول كل الآيات التي تدل على خلق الخالق
وقدرته ؟
 لقد حكمتم على القرآن الكريم من خلال سوء فهم
بعض المفسرين لآية (
مَا نَنسَخْ
مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)[23]،
بينما هناك مفسرون نفوا وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم ، ومنهم الإمام محمد
أبو زهرة الذي قال :”
لابد قبل أنّ نبدي رأينا في النسخ في
القرآن الكريم أن نقرر حقائق ثلاثًا لابد من بيانها، أو الإشارة إليها، نكتفي هنا
بالإشارة إليها:
 الحقيقة الأولى: أنّ القرآن الكريم نسخ من
الشرائع التي أتى بها الوحي، وهي الشرائع السماوية فما بقي منها أبقاه القرآن
الكريم، ونصّ على بقائها كبعض أحكام القصاص، وكتحريم الربا، وكتحريم المحرّمات،
وغير ذلك، وكان النص عليه في القرآن الكريم دليلًا على بقائه من غير نسخ.”
الحقيقة
الثانية: أنّ النسخ جرى في السنة، ذلك أنّ السنة كما تتولى بيان الأحكام، تتولى
علاج المسائل الوقتية، ويختلف الحكم الوقتي في بعض الأوقات عنه في بعضها؛ ولذا جرى
النسخ في السنة”
الحقيقة
الثالثة: أنّ القرآن الكريم سجّل هذه الشريعة الخالدة، بل سجّل الشرائع السماوية،
ومعجزات النبيين جميعًا، وما نسخ منها أشار إلى نسخه، وما بقي منها صرّح ببقائه،
كالقصاص، وخصوصًا في الأطراف، كما جاء في قوله تعالى(
وَكَتَبْنَا
عَلَيْهِمْ فِيهَا أنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ..)[24]
ولذا نحن نرى ما رآه من قبل أبو مسلم الأصفهاني، وهو أنّه لا نسخ في القرآن قط،
لأنّه شريعة الله تعالى الباقية إلي يوم القيامة، ولأنّ النسخ لم يثبت بنص عن
النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّ لم يُصرّح النبي صلى الله عليه وسلم بنسخ آية من
القرآن” ثم يقول:” ولأنّ النسخ يقتضي أن تكون آيتان في القرآن موضعهما
واحد، إحداهما مثبتة والأخرى نافية، ولا يمكن الجمع بين النفي والإثبات، وما ادّعى
النسخ فيه التوفيق بينهما سهل ممكن، وما أمكن التوفيق فلا نسخ، وقد اشتركنا في
كتابة التفسير مع بعض العلماء، ولم نجد آيتيْن متعارضتيْن، ثمّ يمكن التوفيق
بينهما، وقد طُبع ذلك التفسير، وسمي ب” المنتخب” طبعته إحدى الجامعات
الإسلامية.”[25]
 وفي قوله هذا رد على تساؤلاتكم.
    أمّا قولكم :” هل وحي الله فيه مفاضلة؟
أي هل فيه شيء حسن وشيء أحسن؟ إذا كان الأمر كذلك فيمكن إذن أن يقال أن فيه كلام
غير حسن أيضا، طالما هناك درجات في كلام الله. ما هذا الهراء و الاستسخاف بعقول
البشر؟
   فالله
جل شأنه يجيب عنه بقوله لموسى عليه السلام : (
وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ
مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ
يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ
)[26]
  فهنا الله يأمر موسى عليه السلام أن يقول
لقومه خذوا بأحسن ما في التوراة وقوله : (
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ  أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ
اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)
[27]
  فهنا إتباع للأحسن فهناك حسن وهناك ما هو أحسن
منه في الأحكام مثل حكم الله في رد مهر المطلقة فالحكم الحسن هو رد نصف المهر،
والحكم الأحسن الذى يبين فضل المطلقة أو ولى أمرها هو رد المهر كاملًا. وفى هذا
قال تعالى : (
وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ
إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن
تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ
اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[28]
وكل قضية فيها حكمين المرء مخير بينهما من الله
مثل قضية القتل فالحكم الحسن قتل القاتل والحكم الأحسن منه هو العفو عن القاتل
فهذا  هو الحسن والأحسن وغالبا الحسن هو رد
فعل الغضب ،والأحسن هو كظم للغضب، فالمطلقة تكون غاضبة بسبب طلاقها، وولى القتيل
يكون غاضبًا بسبب قتل قريبه.
مخطط 360 درجة
  حديثي إلى المتطرفين(دينيين ولا دينيين)ممن
ينتمون إلى المسلمين؛ إذ حكموا على القرآن 
والسنة  بموجب ما درسوه في المدارس
والجامعات، وما قرأوه في كتب التراث من ناسخ ومنسوخ وتفسير وحديث وعقيدة وفقه أو
ما قيل لهم عن بعض ما فيها، أو ما سمعوه من مشايخ في برامج إذاعية وتلفازية، وخطب
جمع وأعياد، ومحاضرات وندوات ومؤتمرات، وتقبّلوا ما قرأوه وتعلموه ودرسوه وسمعوه
كأنّه حقائق مسلّمة رغم ما في بعضه من شطط وتناقضات، وعنف، وتمييز للذكور على
الإناث، وللمسلمين على غيرهم، وللأسياد على العبيد والإماء بما يتنافى مع القرآن
الكريم وإنسانية الإسلام ورحمته وتسامحه وسموه وعدله، فاستغل مخططو ومنفذو مخطط(360)
درجة بإشراف المخابرات الإسرائيلية، هذه الثغرات ،ونفذوا من خلالها إلى عقول
أولادنا المعطّلة عن التفكير بموجب تربيتنا التعليمية القائمة على التلقين، وذلك
من خلال دراسة فكر وشخصيات شبابنا عبر ما يكتبونه في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا
سيما الفيس بوك، فالمولعون بالعلم وإنجازاته، والتطور التكنولوجي يستقطبونهم،
ويعدون لهم برامج تدفعهم إلى الإلحاد من خلال دعوتهم إلى دورات تدريبية لتنمية
قدراتهم في الظاهر، وهم يريدون إعادة تشكيل أفكارهم من جديد، فيُدرِّسونهم في هذه
الدورات وفق رؤية معدي ومنفذي هذا المخطط علوم المنطق، والتاريخ والعقيدة،
والنظريات العلمية كالداروينية القائمة على إنكار وجود الخالق، وأنّ الكون
والمخلوقات وجدوا بالصدفة، وتطوروا طبقًا لنظرية التطوّر والارتقاء، ويركزون على
العلماء الملاحدةــ حتى بعضهم يقول جميع العلماء العباقرة الذين حققوا إنجازات علمية
ملاحدة، مثل أنشتاين، مع أنّه أعلن في آخر أيامه بأنّه مؤمن بوجود الله، وكثير من
العلماء أسلموا عندما علموا بوجود آيات قرآنية تتحدث عن حقائق علمية لم يتم
اكتشافها إلّا حديثًاـ،  ـوتقبل شبابنا
منهم ما يقولونه، وما يبثونه لهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب، فأصبح
منهم داروينيًا ملحدًا، فغيّروا عقيدتهم وتوجهاتهم(360) درجة، وأمّا الميّالون إلى
التدين، فيعطونهم دروسًا تعمّق فيهم التشدد والتطرّف الديني، وتبيّن لهم أنّ
الناسخ والمنسوخ والفتاوي التكفيرية والأحاديث الضعيفة والموضوعة من صحيح الإسلام،
وأنّ مجتمعاتهم وحكامهم وحكوماتهم كفرة يجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله، وانضم
من هؤلاء إلى داعش، وما يماثلها من الجماعات الإرهابية المسلحة.
  فادعوا هؤلاء وأولئك أن يسألوا أنفسهم لماذا كل
هذا الهجوم والانتقاد فقط  على القرآن
الكريم ومحمد

صلى الله عليه وسلّم
دون التوراة والإنجيل وموسى وعيسى
عليهما السلام؟  ثمّ أدعوهم إلى إعادة
قراءة وفهم القرآن على أنّه الحقيقة الثابتة التي لا ناسخ فيها ولا منسوخ، ولنترك
ما يقوله بعض المفسرين
في تفسيرهم 
لآية:(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ
مِثْلِهَا)[29]الذي
دفعهم إلى تجرؤهم على كلام الله، وشرعه بإيجاد ما أسموه بالناسخ والمنسوخ ليوافق
المعنى الذي فهموه، أو أرادوا فهمه، أو لتحقيق أهداف سياسية، وأخضعوا الناسخ والمنسوخ
لما يريدونه، وادَّعوا أنّ النسخ في القرآن أربعة:
  نسخ التلاوة والحكم معًا، وما نسخ حكمه، وبقيت
تلاوته، وما نُسخت تلاوته وبقي حكمه، وما نسخته السنة!
 وبأقوالهم هذه تلاعبوا بالقرآن الكريم،
وصوّروا الخالق بأنّه متردد في أحكامه وتشريعاته، وأنّ الرسول
صلى الله عليه وسلم  يُعدّل عليه، ويُلغي أحكامه، وألغوا أزلية كتابة
القرآن كاملًا في اللوح المحفوظ، وأنّه من عند الله، وهذا ما أستغله المغرضون في
دفع شبابنا إلى الإلحاد؛ فألغى القائلون بالناسخ والمنسوخ من القرآن ما يريدون
إلغاءه من أحكام، مع أنّه لم يرد نص أو تصريح من الرسول
صلى الله عليه وسلم
بنسخ آية من القرآن الكريم، فقد حصروا فهمهم للآية على القرآن الكريم، وفاتهم أنّ
المقصود شريعة موسى بنسخ آيات منها طبق الأصل، أو انسائها بخير منها.
ومعنى النسخ مثلها(نسخة
طبق الأصل)تأكيدًا عليها والإنساء بخير منها لما جاء في شريعة موسى عليه السلام
السابقة لشريعة الرسالة المحمدية الخاتمة للشرائع والأديان، وليس لما جاء في
الشريعة الخاتمة، فالهدف من الإنساء التدرج في التشريع طبقًا للتطور الفكري
والحضاري الإنسانيْين، وهذا يتطلب أزمنة طويلة، والقرآن الكريم وضعه الله في اللوح
المحفوظ دفعة واحدة، فكيف يضع فيه ما يُلغي بعضه البعض؟
 وبما أنّه جعل الفارق الزمني بين نزول شريعة
موسى  ومحمد عليهما الصلاة والسلام(2300)
سنة، فاستلزم أن تكون الشريعة الخاتمة ناسخة لما قبلها طبقًا للتطور الفكري
والحضاري الإنسانيين، وبما أنّ شريعة محمد هي الشريعة الخاتمة، فهي الشريعة غير
القابلة للإنساء، فجعلها مرنة صالحة لكل سكان الأرض في كل الأزمان إلى أن تقوم
الساعة.
   فأقول
للمتطرفين لا تلتفتوا إلى قول بعض المفسرين بأنّ ما أسموها بآية السيف(فَإِذَا
انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)[30]قد
نسخت جميع الآيات التي تنظم تعاملنا مع من يقاتلوننا،    ومن بيننا وبينهم عهود ومواثيق، وكذلك آيات
الحرية في الدين والعقيدة، والتسامح والتعايش مع ذوي الأديان والملل المختلفة،
وجميع الآيات الآمرة
بالصبر والدعوة  بالحكمة والموعظة الحسنة،
فهم أنفسهم قد اختلفوا  في
عدد
الآيات التي نسختها آية السيف، فمنهم يقول عددها(124)، بينما يقول آخر(114)وأنّها
نسخت  كل موادعة في القرآن”، كما
اختلفوا في عدد الآيات المنسوخة والاختلاف في حد ذاته دليل على عدم وجود أدلة
ثابتة يقينية على النّاسخ والمنسوخ
والسؤالان اللذان يطرحان
نفسيهما: عمن تتكلّم هذه الآية؟ وما الآيات التي يُقال أنّ آية السيف قد نسختها؟
  أواصل حديثي
إلى المتطرفين فيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم؛ إذ حكموا على القرآن
بموجبه، فاللادينيون منهم ألغوا أزلية حفظ القرآن في اللوح المحفوظ، وأنّه من عند
الله، والدينيون أعملوا السيوف وقطعوا الرؤوس، وحرقوا بعض أسراهم أحياءً وذبحوا
بعضهم كالخراف، وأكلوا قلوب وأكباد من قتلوهم من مسلمين كفروهم، أو من المسيحيين،
وذلك لأنّ القائلين بالناسخ والمنسوخ من مفسرين ومحدثين وفقهاء زعموا أنّ ما
أسموهما بآيتي السيف والقتال قد نسختا كل الآيات المتعلقة بكيفية التعامل مع
المقاتلين لغير المسلمين، وبما أنّنا في نظر الإرهابيين كفرة مرتدون، فطبّقوا علينا
ما كتب في كتب التفسير عن ما نسخته آيتي السيف والقتال، مع أنّ آية(
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا
الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا
لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
فَخَلُّوا سَبِيلهم)[31]التي
أسموها بآية السيف تتحدث عن الذين نقضوا عهودهم مع المسلمين، وتآمروا مع آخرين لقتالهم،
فأعلن الله براءاته هو ورسوله من عهدهم، وأعطاهم مهلة أربعة أشهر، هي الأشهر الحُرُم،
فإذا انقضت يقاتلونهم، فهي خاصة بالذين نقضوا عهودهم، وتآمروا مع آخرين لقتال
المسلمين الذين عقدوا عهدًا معهم على عدم قتالهم، ويُبيّن هذا المعنى الآية التي
قبلها، والتي تستثني قتال  المحافظين على
عهودهم مع المسلمين، ومن لم يعتدوا عليهم، ولم يُظاهروا أحدًا عليهم، ولنقرأها
معًا(إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ
يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا
إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
ولكن
دعاة الناسخ والمنسوخ عمّموها على كل المشركين وأهل الكتاب في كل الأماكن والأزمان،
وألغوا  كل الآيات التي تدعو إلى محاورتهم
والتسامح معهم، والصبر عليهم.
الآيات التي نسختها آية السيف
ومن الآيات المتعلقة بمقاتلة غير المؤمنين بالرسالة
المحمدية، ونسختها آية السيف حسب زعمهم:
1.   
(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ
يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا
)[32]يقول
المقري صاحب كتاب الناسخ والمنسوخ :”كان هذا في الابتداء ثم نسخ الله تعالى
ذلك بقوله(
فَمَنِ
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)[33]
وبقوله(وَقَاتِلُوا
الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً
)[34]أي
جميعًا، وبقوله(فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)
   
 أي أنّ ثلاث آيات نسخت(ولا تعتدوا)
وهذا باطل، فهم يريدون إعمال السيف والقتال، فادعوا نسخ(ولا تعتدوا)
2.     (لَا يَنْهَاكُمُ
اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
)[35]
نسخها الله تعالى بما بعدها وهو قوله(
إِنَّمَا
يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ
)[36]ونسخ
معنى الآيتين بآية السيف، وأوجدوا عقيدة الولاء والبراء بناءً على قولهم نسخ هذه
الآية.
 فأقول للمتطرفين من أولادنا لا تلفتوا إلى أقوال القرطبي، والشوكاني
والسيوطي، وغيرهم، “بأنّ  كان
هذا قبل الأمر بالقتال، فنسختها آية السيف”، فقد ألغوا حكم هذه الآية بلا
دليل، ولا يستطيعون الإتيان بدليل لأنّ لا ناسخ ولا منسوخ في القرآن الكريم.
 أمّا فيما يتعلّق بالآيات المتعلقة بالحرية
الدينية التي يزعمون نسخها بآية السيف، فمنها:
1.   
(لا
إكراه في الدين)وتكملة الآية(
قَدْ
تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ
بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم)[37]
فهل(لا
إكراه في الدين)هو الذي نُسخ، وباقي الآية محكم؟ أم جميعها نُسخ؟ ومن أين علموا
بذلك؟ من أخبرهم، ولا يوجد نص عن الرسول الكريم 
يُشير إلى ذلك؟ فكيف يحكم الملحدون على القرآن بأنّ فرضية حفظه في اللوح
المحفوظ وهمية، وأنّ القرآن حكم على نفسه أنّه ليس من عند الله؟
2.    (لَكُمْ
دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[38]
3.    (وقالوا
لنا اعمالنا ولكم اعمالكم)[39]
4.    (فمن
اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنّما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل)[40]

5.    (فاعبدوا ما شئتم من دونه)[41](ومن
كفر فلا يحزنك كفره)[42]نسخ
معناها لا لفظها بآية السيف وباقي الآية محكم
6.    (وَأَنْ أَتْلُوَا ٱلْقُرْءَانَ  فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى
لِنَفْسِهِ
ۦ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَا مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ)[43]
نسخ معناها لا لفظها بآية السيف وباقيها محكم، ما هو دليلهم على ذلك؟ لا دليل
لديهم، مجرد أقوال مرسلة يتناقلونها
, كلها أقاويل لا
توجد لدى قائليها أدلة وبراهين على نسخها لأنّ لا ناسخ ولا منسوخ في القرآن
الكريم.
وفيما يتعلق بنسخ آيات محاورة أهل الملل والأديان الأخرى
،والصبر عليهم، منها:
1.   
(ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة)[44](وجادلهم
بالتي هي أحسن)منسوخ نسختها آية السيف وقيل بل آية القتال(قَاتِلُواْ الَّذِينَ
لاَ يُؤْمِنُونَ

بِاللّهِ
وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ…)[45]
تلاحظ هنا أنّ هذه الآية نزلت بعد آية (5)المسماة بآية السيف ،
فكيف تنسخ آية لم تنزل بعد؟
لاحظوا المسمى آية السيف، وآية القتال، جعلوهما لغة الحوار مع
الآخر أيًا كان حتى لو كان يشهد بالشهادتيْن، وخالفهم الرأي.
2.     (وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون)[46]
3.    (فَاصْفَحِ
الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[47]
(ادفع بالتي هي أحسن السيئة)[48]
4.    (فاصبر
على ما يقولون وسبح بحمد ربك)[49]وكان
هذا قبل أن تنزل الفرائض، ثم صار ذلك منسوخًا بآية السيف.
5.    (فاصبر
إنّ وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)[50](فاصبر)
منسوخ  وباقي  الآية محكم. (فاصبر إنّ وعد الله حق)[51]
6.    (واصبر
وما صبرُك إلّا بالله)[52]نسخ
الصبر بآية السيف.
7.    (فاصبر صبرًا جميلًا)[53]
8.    (فاصبر
إنّ وعد الله حق فإمّا نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون)[54]
نسخ أولها وآخرها بآية السيف.
9.    (فاصبر
كما صبر أولوا العزم من الرسل)[55]نسخ
الأمر بالصبر بآية السيف.
10.                    
(واصبر لحكم ربك فإنّك بأعيننا)[56]نسخ
معنى الصبر الأمر بآية السيف، وقد قيل والله أعلم إنّ قوله (
فَذَرْهُمْ
حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
)[57]نُسخ
بآية السيف[58]
11.                    
(فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثمًا أو
كفورًا)[59]
نسخ الصبر
12.                    
(فاصبر لحكم ربك)[60]ظاهرة
محكم والمنسوخ منها أمره بالصبر نسخ الله تعالى الصبر منها بآية السيف.[61]
     نلاحظ هنا كلمة الصبر هي المنسوخة فقط، واضح
أنّ الذي ادعى النسخ، بحث عن كلمات الصبر على ذوي الملل والأديان لينسخها، ويلغي
حكمها ليجعل القتال هو لغة التعامل معهم.
13.                    
(فتوّل عنهم)[62]نسخ
معنى التولي بآية السيف وباقيها محكم،
14.                    
ونسخوا من المزمل(وَاهْجُرْهُمْ
هَجْرًا جَمِيلًا
)[10](وَذَرْنِي
وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا
)[11]
15.                    
ومن مريم(فلا تعجل عليهم)  [84](وَأَنْذِرْهُمْ
يَوْمَ الْحَسْرَةِ
)[39]نُسخ
معنى الإنذار منها بآية السيف
16.                    
(رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ
يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)[63]
17.                    
(ما على الرسول إلا البلاغ المبين)[64]
نسخ ذلك بآية السيف وباقيها محكم(فذرهم في غمرتهم حتى حين)
18.                    
[65](ونسخوا
من سورة الحجر(4) آيات، هي(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا
)[3](وَقُلْ
إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ
)[89]نسخ معناها لا لفظه(وَأَعْرِضْ
عَنِ الْمُشْرِكِينَ
[89]فَاصْفَحِ
الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)[85]
19.                    
(فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب)[66]
20.                    
(فأعرض عمن تولى عن ذكرنا)[67]النسخ
الإعراض بآية السيف.
21.                    
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبين)[68]
22.                    
(فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ
وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ
)[69]
نسختها آية السيف وباقي الآية محكم.
23.                    
(وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ
قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ الله وإنّما أنا نذيرٌ مُبين)[70]
محكم والمنسوخ منها
قوله تعالى:(وإنّما أنا نذير مبين)فنسخ الله تعالى معنى الانذار بآية السيف. نسخ
معناها لا لفظها وهي قوله تعالى(إن أنت إلا نذير[71])
24.                    
فأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ)[72]
25.                    
(قُلْ
لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[73]
26.                    
(
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ)إلى قوله(فَإِنْ أَعْرَضُوا
فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)[74]
نسخت
بآية السيف
27.                    
(فإن
انتهوا فإنّ اللهَ غفورٌ رحيم)[75]هذا
من الأخبار التي معناها الآمر وتقديره فاعفوا عنهم واصفحوا لهم صار ذلك العفو
والصفح منسوخًا بآية السيف، أي أنّهم نفوا عن الله صفتي الرحمة والمغفرة.
28.                    
(فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
وَإِمَّا فِدَاءً
)[76]
29.                    
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ
عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا
)[77]هذا محكم في أهل القبلة(وأسيرًا)هذا
منسوخ بآية السيف وهو من غير أهل القبلة وهم المشركون.[78]
   نلاحظ هنا الآيتان
المتعلقة بالأسرى نُسختا، فلا من ولا فداء ولا إطعام للأسرى طبقًا للناسخ
والمنسوخ، وخطابنا الديني يُكفّر من يُنكر الناسخ والمنسوخ، وداعش جسّدت لنا هذا
الخطاب؛ وهذا يفسر لنا صمت بعض علماء الدين عن جرائم الدواعش، والجماعات المسلحة
مع أسراهم.
                                              آية
القتال
      ننتقل الآن  إلى ما أسموها 
بآية القتال، وهي:(
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللّهُ

وَرَسُولُهُ
وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن
يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[79]بأنّها
نسخت الآيات التالية:
1.   
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى
وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ
يَحْزَنُونَ)
[80]
وجاء في تفسير
الشوكاني:” أنّ أبا داود أخرج في الناسخ والمنسوخ
وابن جرير وابن أبي حاتم عن
ابن عباس في
قوله:(إنّ الذين آمنوا والذين هادوا)  قال:
فأنزل الله بعد هذا(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[81]
نلاحظ هنا اختلافًا حول
الآية التي نسخت(والذين هادوا والنصارى) وهذا دليل على عدم صحة النسخ في القرآن.
2.   
(وَإِن
جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا
)[82]إلى
ههنا النسخ. وباقي الآية محكم نزلت في اليهود ثم صارت منسوخة[ص93]
3.   
(لا تُجَادِلُوا أَهْلَ
الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)[83].
   يقول ابن كثير في تفسيره لآية مجادلة
أهل الكتاب بالتي هي أحسن، “
قال قتادة وغير واحد:”
هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولم يبق معهم مجادل، وإنّما هو الإسلام أو الجزية أو
السيف.”
  وأقول هنا:
أولًا: ليس لأنّ قتادة
قال هذا نُلغي كلام الله، مع أنّ الآية استثنت من مجادلة أهل الكتاب الظالمين
منهم، والآية التي قيل إنّها الناسخة لم تتكلم عن أهل الكتاب، وإنّما عن مشركي مكة
الذين أوتوا الكتاب، وتوضح ذلك الآية التي قبلها(
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ
نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا)[84]
الآية
الثانية تواصل الحديث عن مشركي مكة الذين لم يؤمنوا بالله واليوم الآخر..  رغم أنّ الكتاب أتاهم(القرآن الكريم)، فهذه
الآية لا تتحدث عن أهل كتاب، وإنّما عن الذين أوتوا الكتاب، و
مفهوم(الذين أتوا الكتاب)يدل على الذين حصلوا
على العلم من الكتاب واستيقنوا الحقيقة ونبذوها خلف ظهورهم سواءً أكانوا من أهل
الكتاب أم غيرهم
،ومن هؤلاء مشركي مكة، فلا نقطع
الآية من سياقها!
ثانيًا: لا حظوا: قوله
:قال قتادة ــ معروف بالتدليس ــ دونّما أي دليل على صحة ما يقول، فهو الذي قرّر
أنّ آية(
ولا تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)قد نُسخت
لأنّه يريد أن يفرض على أهل الكتاب:
الإسلام، أو الجزية، أو يقاتلهم، مع أنّ الآية تتحدث عمن أوتوا الكتاب في مكة،
وليس عن أهل الكتاب(اليهود والنصارى)فلم يكن لليهود وجود في مكة أمّا النصارى،
فكان وجودهم لا يُذكر، والوثنية هي التي كانت منتشرة
في مكة إلى جانبها الحنيفية؛ إذ كانت الديانة الأساسية لأهل مكة قبل
الوثنية.
الجزية
أمّا ما جاء في
الآية عن الجزية،
(قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ
وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ

وَرَسُولُهُ
وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن
يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[85]
   فالرسول صلى الله عليه وسلم لم
يفرض الجزية على يهود خيبر، فقد صح أنّه أبقاهم فيها، على أن يعملوا في زراعتها،
وينفقوا عليها من أموالهم، ولهم نصف ثمارها، أما نصارى نجران، فكتاب الصلح معهم
على الجزية لم يثبت من طريق صحيحة، أو حسنة بل إنّ طرق وروده كلها معلولة، ففي
الأموال لأبي عبيد، ولابن زنجويه طريق لها علتان: إحداهما الإرسال، والأخرى أنّه
أحد رجال السند، وهي عبيد الله بن أبي حميد متروك[التقريب]، وورد في سنن أبي داود
من  رواية السدي عن ابن عبّاس، وفيها نظر
لاحتمال الانقطاع بينهما، وورد في كتاب الخراج لأبي يوسف بإسناديْن مرسليْن، وورد
في طبقات ابن سعد بإسناد جمعي فيه ضعفاء[86]
وأمّا نصارى العرب في تبوك وأيلة ودومة الجندل فقد صالحه أهلها على دفع الجزية،
وفرض الجزية كان وقتيًا لظروف آنية أَمْنِيَة، وليس تمييزًا ضد أهل الكتاب، فلم
تُلحقهم الدولة الإسلامية في البداية في جيوشها خوفًا من أن ينحازوا إلى من هم على
ديانتهم، ثُمّ ليس في كل الأحوال تُفرض الجزية عليهم، فهي ليست ثابتة كالزكاة
المفروضة على أموال وعقارات ومواشي المسلمين عند بلوغها النصاب، والرجال والنساء
في ذلك سواء، بينما الجزية كانت لا تفرض إلّا على الرجال القادرين على القتال
والمقتدرين ماليًا، ولا جزية على مواشيهم وأموالهم وعقاراتهم، والزكاة والجزية من
موارد الدولة  ينفق منها على مرافقها،
وصدقات الفقراء والمساكين من رعاياها على اختلاف أديانهم، هذا وممّا يجدر ذكره أنّ
الدولة الإسلامية في حال عجزها عن الدفاع عنهم كانت ترد لهم الجزية.
    ولكن الآن بانخراط المسيحيين مع إخوانهم
المسلمين في جيوش بلادهم، وبفرض الضرائب على مواطني الدول العربية والإسلامية سقطت
الجزية عنهم، ولكن لم تسقط الزكاة عن المسلمين، فهي فريضة واجبة عليهم رغم دفعهم
لجميع الضرائب التي تفرضها الدولة.
   وبعد بيان أكثر
من(50)آية من أكثر(124)التي نسختها آيتي السيف والقتال طبقًا لما ورد في كتاب
الناسخ والمنسوخ للمقري، وفي كتب التفسير، يتبيّن لنا الآتي :
1.   
إنّ هؤلاء هم الذين اختطفوا ديننا
وجعلوه دين عنف وإرهاب، ماذا أبقوا منه؟ لقد جردوه من كل معانيه وأحكامه السامية
المتسامحة الرحيمة، وجعلوا لغة تخاطبه مع من يخالفنا في ديننا، بل في فكر بعضنا
البعض  هو السيف والقتال وقطع الرؤوس، وما
تقوم به داعش وغيرها من الجماعات  المسلحة
التي نسبت نفسها إلى الإسلام، والإسلام منها براء إلّا تطبيقًا لما جاء في الناسخ
والمنسوخ، وما بُنيت عليه من فتاوى وأحكام تكفيرية، وليس ممّا جاء في كتاب الله،
ولإنقاذ الأمة ممّا هي عليه الآن ينبغي إلغاء كل أحكام الناسخ والمنسوخ، وإعادة
تفسير القرآن الكريم طبقًا للفهم الصحيح له.
2.   
أنّ كتب الناسخ والمنسوخ، والتفسير
تتحدّث عن الناسخ والمنسوخ في القرآن، فتلغي أحكام وتشريعات إلهية، وتنتقي كلمات
بعينها(كالصبر)لتلغيها بآية السيف بدون نص أو تصريح من مُبِّلغ الوحي
صلى الله غليه وسلم، فهذا منتهى الاستخفاف والتلاعب
بكلام الله، وأحكامه وتشريعه، وللأسف لم نجد أحدًا من العلماء يعترض على ما جاء في
هذه الكتب، إلّا القليل منهم، أمثال:
أبو مسلم الأصفهاني(ت322هـ)من القدامى، ومن المعاصرين، أمثال: محمد
الغزالي، ومحمد أبو زهرة، وعبد الله الشنقيطي.
3.   
جعل الإسلام دين حرب وقتال، ويُفرض
بحد السيف.
4.   
جعل الإسلام مجرد من الإنسانية
والرحمة والتسامح والتحاور والتعايش مع الآخر، بل نجدهم قالوا بنسخ(وقل رب ارحمهما
كما ربيّاني صغيرًا)تحت ذريعة أنّه قد يكون الوالديْن مشركيْن فلا يجوز الدعاء
لهما، وكأنّ الخالق لا يعلم بأنّ الوالديْن قد يكونان مشركيْن، فهم يُقررون ذلك!
أيُّ تطاول هذا على الخالق وكلامه وتشريعه وأحكامه!
5.   
جعل مهمة الرسول صلى الله عليه وسلّم القتال ثم القتال، ولا غير إلّا
القتال، فهو ليس مبلغ، ولا نذير، ولم يُرسل رحمة للعالمين.
   كل هذا أعطى مبررًا للمنتمين لمن يُسّموا
بجماعات إسلامية بما فيها الجماعات المسلحة(داعش، والقاعدة، وأنصار بيت المقدس،
بوكوحرام وغيرهم)ممارسة ما يمارسونه من تكفير وقتل، وتدمير وسلب ونهب، وسبي نساء
وانتهاك أعراض باسم الإسلام، وجعل آخرين يكفرون بالإسلام، وبالله الخالق جلّ شأنه؛
لذا أقول: الحاجة أكثر من مُلِّحة لتصحيح الخطاب الديني لإيقاف
نزيف دمائنا المنهمر على أراضينا من بني الإسلام باسم الإسلام.
                                              نسخ آية
الوصية
   
لقد أعطى الله عزّ وجل الوصية أهمية كبرى، وقد خصّها بعشر آيات، وفي أربع
مواضع
من آيات الإرث
يعطي الله جل شأنه الأولوية للوصية في توزيع التركة فقال:(من بعد وصية يوصى بها)
ولا يحتاج المتأمل إلى أكثر من نظرة خاطفة ليرى هذا، فنجد آيات الإرث تبدأ ب:
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) [87][وتنتهي بِ:(
وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ[88]
)قد كتب الله عزّ وجل علينا الوصية بنفس
الصيغة التي كتب علينا بها الصلاة والصيام والقتال(
كُتِبَ
عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ
لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين)[89]
وأكّد على أهمية
الوصية، وعلى حرمتها في الآية التي بعدها:(
فَمَنْ بَدَّلَهُ
بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ عَلِيم)
 
يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري في تفسير هذه الآية:” والخطاب في هذه
الآيات لعموم المؤمنين كآية القصاص، فقد أعقبها بقوله:(كُتِبَ عَلَيْكُمْ)بكاف
الخطاب والضمير الجماعي، يعني: فرض عليكم يا معشر المؤمنين المسلمين إذا حضر أحدكم
أسباب الموت وعلاماته إِنْ تَرَكَ خَيْرًا وهو المال الكثير عرفًا، يعني: إن كان
عنده مال كثير يتركه للورثة فإني فرضت عليكم الْوَصِيَّةُ فرضًا محتمًا(لِلْوَالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ)أي بشيء من هذا الخير على الوجه المعروف الذي لا
يستنكر قلته بالنسبة إلى هذه الثروة ولا كثرته الضارة بالورثة، وقد حدده النبي صلى
الله عليه وسلم كتفسير لهذا المعروف بهذه الآية في قوله لسعد بن أبي وقاص في
الحديث المشهور:” الثلث والثلث كثير، إّنك إن تذر عيالك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وقوله تعالى:(حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ)يعني هذا الذي كتب عليكم من الوصية حقًّا مفروضًا محتمًا وجوبه على
المتقين لعذابي، الذين يأخذون لهم وقاية منه بطاعتي وتنفيذ أحكامي جميعها. وقد أكد
الله أمر هذه الوصية تأكيدًا أعظم من تأكيده لفريضة القصاص قبلها وفرضية الصيام
بعدها، لأنّه ختم آيات القصاص، وآية وجوب الصيام بقوله:﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ بصيغة
الترجي الذي لا يكون إلا فيما وقعت أسبابه، ولهذا الختام شأن عظيم، ولكنه ختم آية
الوصية بما هو أعظم منه، حيث قال:(حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) ثم أكّدها الله بما
بعدها من إثم التبديل، وهي آية محكمة بلا شك ولا ريب. ومن العجب العجاب أن يجري
اختلاف بين علماء المسلمين في فريضة هذه الوصية وحتميتمها مع وضوح نصها،
ويقول
الإمام أبو زهرة في تفسير هذه الآية:” ولقد أكّد سبحانه طلب الوصية، فقال تعالى:(حقًا
على المتقين)، وحقًا في الآية مفعولًا لفعل محذوف يقدر بما يناسب القول، أو الحكم،
فيقدر مثلًا يجعلها الله حقًا، أو أوجبه حقًا على المتقين. وإنّ اقتران حكم الوصية
الدّال على وجوبها للوالديْن والأقربين يومئ إلى أنّها محكمة لا تُنسخ لأنّ الله
تعالى لا يؤكد حكمًا جرى في علمه المكنون أنّه سينسخه ذلك التأكيد، وهو يدل على
الوجوب ويؤكده، وذكر الوجوب على المتقين للإشارة إلى أنّهم الذين يطيعونه اتقاء
غضب الله سبحانه وتعالى ابتغاء رضوانه، وإلى أنّهم يُسارعون بإجابته، وأنّهم
ينفذون في دائرة المعروف غير المنكور.”[90]
  ويقول البيضاوي في تفسيرها:” وكان هذا
الحكم في بدء الإسلام، فنسخ بآية المواريث وبقوله عليه السلام: “إن الله أعطى
كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث”. وفيه نظر؛ لأنّ آية المواريث لا تعارضه بل
تؤكده من حيث إنها تدل على تقديم الوصية مطلقًا، والحديث من الآحاد، وتلقي الأمة
له بالقبول لا يلحقه بالمتواتر.” انتهى كلام البيضاوي.
  ومع أنّه من غير المقبول نسخ السنة للقرآن،
وتناقض الحديث مع القرآن دليل على وضعه، إضافة أنّ من أحاديث الآحاد التي لا يؤخذ
بها في الأحكام، ورغم قوله تعالى مؤكدًا على أنّ الوصية على وجوب الوصية(فَمَن
بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ
فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ
يُبَدِّلُونَهُ)[91]ولكنهم
أخذوا بالحديث وجعلوا من شروط وجوب الوصية: أن يكون فرع الولد غير وارث من
المتوفى: فإن ورث منه، ولو ميراثًا قليلًا، لم يستحق هذه الوصية، ونجد اختلافًا
بيّنًا بين قانون الوصية المصري والسوري، فبينما القانون المصري يُعطي أولاد البنت
المتوفية في حياة أبيها نصيب أمهم، نجد القانون السوري لا يسمح بذلك، في وقت يسمح
بأن يأخذ أولاد الابن المتوفى في حياة أبيه نصيبه من الميراث بحيث لا يتجاوز ثُلث
التركة. وهذا دليل أنّ قانون  الوصية  يخضع للموروث الثقافي الجاهلي الذي يحرم الإناث
من الميراث.
    ومع
أنّ الطبري يقول في تفسير هذه الآية
:” فأعلم
أنّه قد كتبه علينا وفرَضه, كما قال: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ[92]، ولا خلاف بين الجميع أن
تارك الصيام وهو عليه قادر، مضيع بتركه فرضًا لله عليه. فكذلك هو بترك الوصية
لوالديه وأقربيه ولهُ ما يوصي لهم فيه, مُضِيعٌ فَرْضَ الله عز وجل.
فإن
قال: فإنّك قد علمت أنّ جماعة من أهل العلم قالوا: الوصيةُ للوالدين والأقربين
منسوخةٌ بآية الميراث؟
قيل له: وخالفهم جماعةٌ غيرهم فقالوا:” محكمةٌ غيرُ منسوخة”، وإذا كان
في نسخ ذلك تنازع بين أهل العلم، لم يُفرض علينا الإقرار بأنّ آية الوصية منسوخة،
للظن أنّه مستحيل اجتماعُ حكمُ هذه الآية وحكمُ آية المواريث في حال واحدةٍ على
صحة، بغير مدافعةِ حكم إحداهما حُكمَ الأخرى وعلينا قبول رواية قتادة المعروف
بتدليسه التي جاء فيها:

إذا تَرَك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين”،
قال:
نسخ الوالدان منها, وترك الأقربون ممن لا يرث.”
 هذا ونلاحظ أنّ جميع روايات
نسخ هذه الآية التي أوردها الإمامان الطبري وابن كثير لم تستند على نص، أو تصريح
من الرسول صلى الله عليه وسلّم بنسخها!
 وقول الطبري:” جماعة من
أهل العلم قالوا الوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية المواريث، وخالفهم جماعة،
فقالوا محكمة غير منسوخة.”
 والسؤال هنا: من يقرر نسخ
الآيات الخالق، أم العلماء؟
والاختلاف دليل على عدم وجود نص من المُبلِّغ للوحي عليه الصلاة
والسلام يُبيّن الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم ، ولأنّه لا وجود لهما، فلا
توجد نصوص تشير إلى ذلك.
مع عدم وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن، ورغم تأكيد بعض
المفسرين على أنّ آية الوصية محكمة غير منسوخة، إلّا أنّنا  نجد الفقه المعاصر
المطبّق اليوم لم يُعِدْ النظر فيها، بل مصر على:
1.    إعطاء الأولوية المطلقة للإرث وأحكامه، وليس للوصية أحكامها.
2.    الإصرار على نسخ آيات الوصية – وبخاصة قوله تعالى: (الوصية
للوالدين والأقربين)، بحديث آحاد منقطع مناقض للقرآن رواه أهل المغازي هو: “لا
وصية لوارث”، ، متجاهلًا عدم وجود نسخ في القرآن الكريم إلّا فيما يختص بشريعة
موسى عليه السلام، سواء كان بالنسخ طبق الأصل، أو بالإنساء والإتيان بخير منها.
3.    إقرارهم للوقف الذي هو نوع من الوصية، والذي قد يكون لبعض
الورثة، وحرمان بعضهم الآخر!
وفاتهم أنّ  نسخهم
الوصية للوالدين والأقربين قد خالفوا قوله تعالى:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ
تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا
اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا)[93]
،وقوله:(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)[94]
“وبموجب هاتيْن الآيتيْن
يدخل في نطاق الوصية من الأقربين بعد الوالدين المسنيّن، أو المريضيْن،
والولد المعاق بين أولاد آخرين أسوياء، الطفل الصغير بين إخوة آخرين منتجين، فقد أنفق
الأب الكثير عليه
م حتى أصبحوا منتجين، والصغير
يحتاج إلى الكثير حتى يصل إلى مرحلة الإنتاج، فليس من العدل أن يتساوى
الكبار المنتجون بالأطفال الصغار
والبنت المتزوجة التعيسة مادياً ومعنوياً بين بنات متزوجات أسعد حظاً، والبنت التي
بلغت سنًا كبيرًا ولم تتزوج، أو ترملت ،ولديها أطفال، ولا دخل لديها سوى ما
سيأتيها من أبيها، والزوجة المريضة والمسنة، مع عدم التمييز في الوصية بين الذكور
والإناث، يوضّح هذا (
لِلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ
مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ
نَصِيبًا مَفْرُوضًا )[95]
مع
الالتزام بعدم ترك الوصية، مهما كانت التركة(ممّا قلّ منه أو كثُر)، وهي نصيب
مفروض، بينما الميراث حظ يفرضه الله(فريضة من الله)
     فمن واجب الموصي أن يوصي بجزء من ماله، ولا
يحق له أن يخرج في وصيته على حدود المعروف السائد، لقوله:(فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ
جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)[96]
  فالوصية جُعلت
للأمور الفردية الخاصة التي يكون الموصي رب الأسرة أعلم باحتياجات أفراد أسرته،
بينما الميراث عام يتعلق بالمجموعات،
فمجال الاختيار في حقل الوصية مفتوح، وأنّ
القرار المتروك فيها للموصي، لا حدود له ولا رقابة عليه إلا تقوى الله ومخافته. أي
أنّه يمكن في مجال الوصية أن يكون نصيب الولد المعاق أكبر من نصيب أخيه السوي،
ونصيب الصغير الذي لم يكمل دراسته أكبر من أخيه المتخرج المنتج. كما يمكن أن تنص
الوصية على أمور لا ينص عليها الإرث،
فلو كان الخالق يريد
أن يكون الإرث بديلًا للوصية لما فرض الوصية، أو لَخَصَّ الوالدين والأقارب غير
الوارثين بالذكر.
فإن كان بعض المفسّرين لم يستوعبوا أبعاد الوصية للورثة من
الوالدين والأقارب، فليس من حقهم أن يتخلصوا من عدم فهمهم، بالتجرؤ على الله
بالقول بنسخ آية الميراث لآية الوصية فيما يتعلق بالورثة من الوالديْن والأقارب.
                        
  نسخ آية(240) من سورة البقرة   عن سكنى المعتدة على وفاة زوجها
فالله جل شأنه يقول
حولًا كاملًا من حدوث الوفاة، والمدوِّن يقول أربعة عشر وعشرة أيام؟
  إنّ  القائلين
بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، يقولون إنّ  الآية (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ
غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي
أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[97]قد نسختها الآية (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [98]
هي وآية المواريث ، كما ذكر مفسرون منهم الإمام الطبري،
ولنقرأ معًا ما كتبه الطبري في تفسيره لهذه الآية : ”
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأه
رفعا، لدلالة ظاهر القرآن على أن مقام المتوفى عنها زوجها في بيت زوجها المتوفى
حولا كاملا كان حقا لها قبل نـزول قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ
مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ
أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [99]

، وقبل نـزول آية الميراث (144) ولتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي دل عليه
الظاهر من ذلك, أوصى لهن أزواجهن بذلك قبل وفاتهن، أو لم يوصوا لهن به.”
وأنا أسأل: كيف آية تنسخ آية أخرى قبل
نزولها، فالآية (234) من سورة البقرة نزلت قبل الآية(240) من السورة ذاتها، فكيف
تنسخها؟[100]
الوصية بالسكن حولًا كاملًا يبدأ من وفاة الزوج لا
علاقة له بعدة الحول التي كانت تُفرض على الأرملة في الجاهلية، فالإسلام لم يقر
تشريعًا جاهليًا، ثم ينسخه، كما يقول بعض المفسرين، فعدة سنة ليست في شريعة موسى
عليه السلام ، التي ينطبق عليها النسخ والإنساء الوارد في قوله تعالى 🙁
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
[101]حتى
يقرها الإسلام مبدئيًا ثم ينسخها بأربعة أشهر وعشرة أيام.
 وعند قراءتنا لتفسير الإمام محمد أبو زهرة لهذه
الآية نجده لم يتطرّق إلى أي نسخٍ؛ إذ يقول : ” إنّ الذين يتوفون ويذرون أي
يتركون أزواجًا، والمراد الزوجات؛ لأنّ كلمة الزوج تطلق على الذكر والأنثى – فرض
الله وصية لهؤلاء الزوجات متاعًا أي انتفاعًا مستمرًا إلى نهاية الحول، أي حتى
يحول الزمن، ويجئ الوقت الذي مات زوجها فيه(غير إخراج) أي ينتفعن بالإقامة في
مسكنهن الذي كن يسكن فيه في حياة أزواجهن من غير إخراج منه، ويصح أن يُقال غير
مخرجات منه… إلى قوله إنّ الله سبحانه وتعالى عبر عن حق الانتفاع بالسكنى سنة
بعد الوفاة بأنّه وصية، وبأنّه متاع، أمّا التعبير بأنّه وصية، فلأنّه حق يُثبت
بعد وفاة الزوج في ماله لا على أنّه ميراث، بل على أنّه وصية أوجبها الله سبحانه
وتعالى بموجب الفرقة بالوفاة، فهو يثبت من غير أن يكون له أثر في قدر ميراثها في
تركة زوجها..”
[102]
وسياق الآية يشير أنّ
هذه الوصية في حال توفر للزوجة المتوفي عنها زوجها سكن غير السكن الذي كانت
تسكن  فيه في حياة زوجها، لقوله تعالى :
(فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن
مَّعْرُوفٍ..)
[103]
فهذه دلالة عن على
وجود سكن آخر لديها، فخرجت من سكن زوجها المتوفى ، وذهبت إليه . فإن لم يكن لديها
سكن غير سكن زوجها المتوُفى أين تسكن؟
في هذه الحالة يجب على
الزوج أن يوصي قبل وفاته بأن يكون السكن لزوجه بعد وفاته طوال حياتها، صيانة لها
من التشرّد، ولكنكم تُحرِّمون الوصية للوارث، فماذا تفعل المسكينة ؟ أين تعيش، وقد
تكون كافحت مع زوجها، وقد تكون أسهمت بمالها في بناء هذا البيت؟



                             
                         القول بنسخ آية الرجم تلاوة  مع بقاء حكمها
       في
ندوة التشريع الإسلامي المنعقدة في مدينة البيضاء في ليبيا عام 1972م فجّر الإمام
محمد  أبو زهرة قنبلة فقهية، هيّجت عليه
أعضاء المؤتمر، حينما فاجأهم برأيه الجديد. وقصة ذلك: أنّ الشيخ وقف في المؤتمر،
وقال:” إنّي كتمت رأيًا فقهيًّا في نفسي من عشرين سنة وآن لي أن أبوح بما
كتمته، قبل أن ألقى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمت ما لديك من علم، ولم تبينه
للناس؟ هذا الرأي يتعلق بقضية” الرجم” للمحصن في حد الزنى، فرأيي أنّ
الرجم كان شريعة يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة
النور. ولي على ذلك أدلة ثلاثة:
الأول:
أنّ الله تعالى قال:(فإذا أُحصِنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب)[104]
 والرجم عقوبة لا تتنصف، فثبت أنّ العذاب في
الآية هو المذكور في سورة النور:(وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)[105]
والثاني:
ما رواه البخاري في جامعه الصحيح عن عبدالله بن أوفى أنّه سئل عن الرجم. هل كان
بعد سورة النور أم قبلها؟ فقال: “لا أدرى”. فمن المحتمل جدًّا أن تكون
عقوبة الرجم قبل نزول آية النور التي نسختها.
الثالث:
أنّ الحديث الذى اعتمدوا عليه، وقالوا: إنّه كان قرآنًا ثم نسخت تلاوته وبقى حكمه
أمر لا يقره العقل، لماذا تنسخ التلاوة والحكم باق؟ وما قيل: إنّه كان في صحيفته
فجاءت الداجن وأكلتها لا يقبله منطق.”
وما
إن انتهى الشيخ من كلامه حتى ثار عليه أغلب الحضور، وقام من قام منهم، ورد عليه
بما هو مذكور في كتب الفقه حول هذه الأدلة. ولكن الشيخ ثبت على رأيه”
هذا
وإضافة إلى الأدلة التي ساقها الإمام أبو زهرة، أدلة أخرى، هي:
1.   
قوله تعالى:(الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي
)لم يحدد محصّنيْن، أو غير محصنّيْن، فجاءت على العموم
دونما تخصيص، ولو كان المقصود غير المحصّنين لبيّنت الآية ذلك.
2.   
قوله تعالى في الآية
التي بعدها:(
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً
وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، فهذا يعني أنّهما لم يُرجما، وإنّما جُلدا بدليل بقائهما
على قيد الحياة.
3.   
قوله تعالى في سورة النور:(والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ
أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ
أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ
عَنْهَا الْعَذَابَ
أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ
لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ
مِنَ الصَّادِقِينَ)[الآيات6 ــ9] فالعذاب في قوله تعاله(ويدرأُ عنها العذاب)هو
الجلد المذكور في الآية(2)من نفس السورة، والذي قال جل شأنه عنه(وليَشْهَدْ
عذَابَهُما طائِفَةٌ من المُؤْمِنين)
4.    عبّر القرآن الكريم عن حد  الجلد في الزنا للمحصّنين  بالعذاب في قوله تعالى(يَا نِسَاءَ
النَّبِيِّ مَن
يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ
لَهَا الْعَذَابُ
ضِعْفَيْنِ)
[106]
 والرجم لا يُضاعف؟
وما رواه بعض المفسرين
عن
قتادة يضاعف لها العذاب ضعفين” عذاب الدنيا وعذاب الآخرة”
لا يتفق مع جميع آيات
الأجر والثواب في الآخرة الواردة في القرآن الكريم، ولا مع الآية
التي بعدها، وهي(
وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ
صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً)
فهل يعني هذا أنّ أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن يؤجرن في
الدنيا والآخرة إن أحسنّ، وباقي المؤمنين نساء ورجالًا لا يؤجرون على إحسانهم إلّا
في الدنيا؟
إن كان الأمر كذلك، فلا يعمل أحد من أجل نيل الأجر في
الآخرة، إن كان أجر الآخرة قاصرًا على أمهات المؤمنين فقط!
 السؤال
الذي يطرح نفسه هنا: كيف استطاع  اليهود
إدخال حد الرجم إلى الشريعة الإسلامية، والتي هي من شريعتهم، وقد نسخها القرآن
الكريم بآية الجلد؟
     عندما
لم يستطيعوا الدخول إلى الشريعة الإسلامية عن طريق كتاب الله سبحانه وتعالى  لأنّه 
تعهد     بحفظه من التبديل والتحريف
والنقص والزيادة، لجأوا إلى ما يسمى بالناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، وادعوا
أنّ آية الرجم نُسخت تلاوة، وبقي حكمها، ونسبوا إلى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه
رواية لا يصدقها عقل، ووضعوا أحاديث الرجم، والتي تتناقض مع آية الجلد، ومن
الأحاديث الموضوعة: 
1.     أقدم الأحاديث عن الرجم في موطأ الإمام مالك،
فقد جاء في رواية محمد بن الحسن الشيباني بتعليق وتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف تحت
عنوان باب الرجم رقم (693 )الحديث التالي:
أخبرنا مالك، حدثنا يحيى بن سعيد أنّه سمع سعيد بن المسيب
يقول: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء، ثم طرح
عليها ثوبه، ثم استلقى ومد يده إلى السماء، فقال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي،
وانتشرت رعيتي، فأقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. ثم قدم المدينة، فخطب الناس،
فقال: يا أيها الناس: قد سننت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة،
وصفق بإحدى يديه على الأخرى، ألا أن لا تضلوا بالناس يمينًا وشمالاً، ثم إياكم أن
تهلكوا عن آية الرجم، أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله، فقد رجم الرسول صلى
الله عليه وسلم ورجمنا، وإنَّي والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس زاد عمر بن
الخطاب في كتاب الله لكتبتها:” الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة،
فإنَّا قد قرأناها، قال سعيد: فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر”
 نحن نعرف أنّ سعيد بن
المسيب ولد في السنة الثانية من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا يعني أنّه
كان في الثامنة من  عمره عند استشهاد عمر
رضي الله عنه، فهل تُقبل رواية طفل في أقل من الثامنة؟
       لكن أحاديث الموطأ لم تقنع المنكرين لحد
الرجم بعد وفاة الإمام مالك سنة(197هـ)ممّا حمل الإمام البخاري(ت256هـ)على أن يأتي
برواية أخرى تقول إنّ الشيباني سأل عبد الله بن أبي أوفى وهو من الصحابة
المتأخرين،” هل رجم رسول الله؟ قال: نعم، قلت: قبل سورة النور أم بعد؟ قال:
لا أدري.”
  بيّنتُ
في الحلقة الماضية ما أعلنه الإمام محمد أبو زهرة في مؤتمر التشريع الإسلامي في
ليبيا عام 1972م  بأنّ الرجم كان شريعة
يهودية، أقرها الرسول في أول الأمر، ثم نسخت بحد الجلد في سورة النور، وذكر أدلته،
كما بيّنتُ أنّ ما جاء من عقوبة في آيتي(15)،و(16)من سورة النساء كان عن السحاق
واللواط، وليس عن الزنا،
وجاء في باب حد
الزنا في كتاب الحدود لمسلم لرواية الموطأ
في إسنادين مختلفين:
أولهما: وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن عن حطان بن
عبد الله الرقاشي عن
عبادة بن الصامت قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر
بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم وحدثنا
عمرو الناقد حدثنا هشيم أخبرنا منصور بهذا الإسناد
مثله.”[107]
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث:” هشيم مدلس، وقد
قال في الرواية الأولى: وعن منصور وبين في الثانية أنّه سمعه من منصور”
  ثانيهما: فيه قتادة بن دعامة السدوسي(61 هـ
118 هـ
، 680736م)وُصف بالتدليس، فلا
تقبل روايته بالعنعنة: إذا قال(عن فلان) مثلا. لأّنه يحذف بعض الرواة الضعفاء من
السند. وقد وصف بالتدليس في عدة مراجع شرعية منها: كتاب المجروحين لابن حبّان؛ إذ
ذكره من الثقات المدلسين الذين لا يجوز الاحتجاج بأحاديثهم، كما ذكر معه هُشيم[108].
   ومن دلائل وضع هذا الحديث الذي ورد برقم(1960)في باب حد
الزنا في كتاب الحدود في صحيح مسلم:
1.    الروايتان عن
طريق راوييْن عُرفا بالتدليس فكيف يؤخذ بهما؟
2.   
 ورود النفي سنة بعد الجلد، والآية لا إشارة فيها
إلى النفي، والسنة الصحيحة لا تناقض القرآن الكريم ولا تخالفه.
3.   
الحديث عن الآية الكريمة من سورة النساء(وٱللاَّتِي يَأْتِينَ
ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ
فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ
ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سبيلًا)[109]
وهذه الآية تتحدث عن فاحشة السحاق وليس الزنا، كما ذكر الإمام النووي في شرحه
للحديث بدليل أنّ الآية التي تليها تتحدث عن فاحشة اللواط(واللذان يأتيانها منكم
فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما)[110]ويُلاحظ
اختلاف العقوبة في الآيتين الكريمتين، ولو كانت الآيتان الكريمتان تتكلمان عن نفس
الموضوع فلماذا يكون الاختلاف في العقوبة!؟
4.    الآية الكريمة تتحدث عن النساء فقط،
ولا ذكر فيها للرجال مطلقا، بينما الحديث يتكلم في بدايته عن النساء، ثم ينتقل إلى
الكلام بطريقة غير منطقية عن الرجال والنساء، بحيث يتوهم السامع أنّ الآية تتحدث
عن الرجال والنساء.
5.   
 جاء
في الحديث” البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
،فماذا لو كان البكر بالثيب، أو الثيب بالبكر!؟
6.   
 يستدل من الحديث أنّ المرأة البكر إن زنت تجلد
وتغرب مدة عام، وتغريب المرأة البكر، لا يقبله عاقل، فتغريبها، يساعدها على اقتراف
جريمة، لعدم وجود من ينفق عليها ويرعى شأنها ويحافظ عليها من الوقوع في الفاحشة في
بلاد الغربة. إذًا لابد من معاقبة وليها، فيغرَّب معها من غير ذنب اقترفه،
لينفق عليها ويحافظ عليها من الوقوع في الفاحشة، حتى لو أدى ذلك إلى تشتت أسرته؛
لذا اختلف الفقهاء في الجمع بين الجلد والتغريب. يقول الرازي في
تفسيره:”

 قال الشافعي يجمع بين الجلد والتغريب في حد البكر، وقال أبو
حنيفة يجلد، وأما التغريب فمفوض إلى رأي الإمام، وقال مالك يجلد الرجل ويغرب وتجلد
المرأة ولا تغرب.”
7.   
 اختلاف
المفسِّرين في المراد  بقوله تعالى(وَٱللاَّتِي
يَأْتِينَ ٱلْفَٰاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ )فبعض المفسرين فسّروه على أنّه
في الزنى بين الرجل والمرأة، واعتمدوا في تأويلهم هذا على الحديث الذي أشرتُ إليه
سابقًا، دون الاعتبار إلى كون هذا الحديث حديث آحاد، وهو ظني الثبوت، بمعنى لم
يلتفتوا إلى إمكانية كون الحديث موضوعًا، لأنّه يخالف كتاب الله سبحانه وتعالى، فهم
ينظرون إلى سند الحديث ولا يرون متنه، مع أنّ في سنده مدلسان، وآخرون قالوا إنّها
تتحدث عن السحاق منهم الشيخ متولي شعراوي في  تفسيره؛ إذ قال(وَٱللاَّتِي)اسم
موصول لجماعة الإناث، وأنا أرى أن ذلك خاص باكتفاء المرأة بالمرأة. وماذا يقصد
بقوله:(فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً)؟ إنّه سبحانه يقصد به
حماية الأعراض، فلا يبلغ كل واحد في عرض الآخر، بل لا بد أن يضع لها الحق احتياطًا
قويًا، لأن الأعراض ستجرح، ولماذا ” أربعة ” في الشهادة؟ لأنّهما اثنتان
تستمتعان ببعضهما، ومطلوب أن يشهد على كل واحدة اثنان فيكونوا أربعة، وإذا حدث هذا
ورأينا وعرفنا وتأكدنا، ماذا نفعل؟
قال
سبحانه:(فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ)أي احجزوهن واحبسوهن عن الحركة،
ولا تجعلوا لهن وسيلة التقاء إلى أن يتوفاهن الموت(أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ
سَبِيلاً)والذين يقولون: إنّ هذه المسألة خاصة بعملية بين رجل وامرأة، نقول
له: إنّ كلمة(وَٱللاَّتِي) هذه اسم موصول لجماعة الإناث، أمّا إذا
كان هذا بين ذكر وذكر. ففي هذه الحالة يقول الحق:(وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا
مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ
ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً)[111].الآية
هنا تختص بلقاء رجل مع رجل، ولذلك تكون المسألة الأولى تخص المرأة مع المرأة،
ولماذا يكون العقاب في مسألة لقاء المرأة بالمرأة طلبًا للمتعة هو الإمساك في
البيوت حتى يتوفاهن الموت؟ لأنّ هذا شر ووباء يجب أن يحاصر، فهذا الشر معناه
الإفساد التام، لأنّ المرأة ليست محجوبة عن المرأة؛ فلأنّ تحبس المرأة حتى تموت
خير من أن تتعود على الفاحشة)[112]
والقول
بأنّ المقصود بالآية الكريمة(السحاقيات)ينسف صحة هذا الحديث.
الخاتمة
ممّا سبق
يتأكد لدينا أنّه لا وجود لناسخ ومنسوخ في القرآن الكريم







[1] . البقرة: 106.
[2] . البقرة : 85.
[3] . الفتح: 28.
[4] . التوبة : 33.
[5] المائدة : 45.
[6] . الإسراء: 33.
[7] . النساء : 92.
[8] . الأنعام 152.
[9] . النساء: 2،3.
[10] .
النساء : 10.
[11] . أبو القاسم هبة الله بن سلامة أبو النصر: الناسخ والمنسوخ، هامش
ص 12. 13.
[12] . المرجع السابق: هامش ص 13، 14
[13] . القصص:23.
[14] .الذاريات : 29.
[15] . النور: 2.
[16] . النساء : 82.
[17] .الإمام محمد أبو زهرة: تمهيد زهرة التفاسير: ص
41]
[18] ..
انظر تمهيد زهرة التفاسير، ص 40، 41
[19] . انظر: كتاب
الآيات المنسوخة في القرآن الكريم للدكتور عبد الله بن محمد الأمين الشنقيطي
[20] .
البقرة : 106.
[21] .
التوبة: 5.
[22] .
النساء: 82.
[23] .
البقرة : 106.
[24] ،
المائدة: 45.
[25] .
زهرة التفاسير: ص  40، 41.
[26] .
الأعراف: 145.
[27] .
الزمر: 18.
[28] .
البقرة : 237.
[29] .
البقرة: 106.
[30] .
التوبة: 5.
[31] .
التوبة: 5.
[32] .
البقرة: 190.
[33] .
البقرة: 194.
[34] .
التوبة: 36.
[35] .
الممتحنة:8.
[36] .
الممتحنة: 9.
[37] .
البقرة: 256.
[38] .
الكافرون: 6.
[39] .
القصص: 55.
[40] .
الزمر: 41.
[41] .
الزمر: 15.
[42] .
لقمان: 24.
[43] .
النمل: 92.
[44] .
النحل : 125.
[45] .
التوبة: 29.
[46] .
الحج: 68.
[47] .
الحجر: 85.
[48] .
المؤمنون: 96.
[49] .
طه: 130.
[50] .
الروم : 60.
[51] . غافر:55
[52] .
النحل: 127.
[53] .
المعارج:5.
[54] .
غافر: 77.
[55] .
الأحقاف: 35.
[56] .
الطور: 48.
[57] .
الطور: 45.
[58] .
المقري:الناسخ
والمنسوخ، ص169.
[59] .
الإنسان: 24.
[60] .
ن: 48.
[61] .
المرجع السابق : ص 183.
[62] .
القمر : 6.
[63] .
الإسراء: 54.
[64] .
العنكبوت : 18.
[65] .
المؤمنون : 54.
[66] .
الرعد: 40.
[67] .
النجم:59.
[68] .
النحل: 82.
[69] .
النور: 54.
[70] .
العنكبوت: 50.
[71] .
فاطر: 23.
[72]. السجدة : 30<
[73] .
سبأ: 25.
[74] .
الشورى: 46-48. نسخت.
[75] .
البقرة: 192.
[76] .
محمد: 4.
[77] .
الإنسان: 8.
[78] .المرجع
السابق: ص 191.
[79] .
التوبة: 29.
[80] .
البقرة: 62.
[81] .
آل عمران: 85.
[82] .
الأنفال: 61.
[83] .
العنكبوت : 46.
[84] .
التوبة: 2.
[85] .
التوبة:29.
[86] .
د. أكرم العمري: السيرة النبوية الصحيحة:2/543.
[87] .
النساء : 11.
[88] .
النساء : 12.
[89] .
البقرة: 180.
[90] . .زهرة التفاسير:1/ 546.
[91] .
البقرة: 181.
[92] .
البقرة: 183.
[93] .
النساء : 9.
[94] .
البقرة: 240.
[95] .
النساء : 7.
[96] .
البقرة: 182.
[97] .
البقرة: 240.
[98] .
البقرة: 234.
[99] .
البقرة: 234.
[100]
. لا يوجد
ناسخ ومنسوخ في القرآن، راجع: ملحق رقم (1).
[101] .
البقرة: 106.
[102] . زهرة التفاسير:2/ 847.
[103] .
البقرة: 234.
[104] .
النساء : 25.
[105] .
النور: 2.
[106] .
الأحزاب : 30.
[107] ،
صحيح
مسلم:
كتاب الحدود، باب حد الزنى.
[108] . [انظر: 1/92]،
وكتاب معرفة علوم الحديث للنيسابوري(ص 340)وكتاب المدخل إلى الإكليل، وكتاب
الاستذكار لابن عبد البر، وكتاب الكفاية، ومسائل حرب بن إسماعيل لأحمد وإسحاق بن
راهويه، وسؤالات أبي داود الفقهية للإمام أحمد
[109] .
النساء : 15.
[110] .
النساء : 16.
[111] .
النساء : 16.
[112] .
خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي.

Leave a Reply