المكتبة اليكترونية للدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد
سلسلة تصحيح الخطاب الإسلامي
   الصحيحان
 تأليف
د.سهيلة زين العابدين حمّاد



بسم الله الرحمن
الرحيم
مقدمة
 ما من أحد يُشكك في صحة أحاديث
الصحيحيْن(البخاري ومسلم)، واتفق مع ابن حجر العسقلاني في تقريره في الفصل الثاني
في مقدمته في شرح صحيح البخاري أنّ صحيح البخاري” أصح الكتب المصنّفة في
الحديث النبوي”[ص9]ونلاحظ هنا أنّه لم يقرنه بكتاب الله، وهو القول المتداول
بين علماء الأمة” أنّ الصحيحيْن أصح الكتب بعد كتاب الله”، فجميعنا يقر
أنّ الصحيحيْن أصح الكتب المصنّفة في الحديث النبوي، وهذا لا يعني خلوهما من
الخطأ، فصاحبا الصحيحيْن بشر، وليسا بنبييْن معصوميْن من الخطأ، وعندما سُئل الشيخ
الألباني عن هل ضْعّف أحاديث للبخاري، أجاب:”
أمّا أنّه سبق لي أن ضعّفت أحاديث البخاري فهذه الحقيقة يجب
الاعتراف بها
, ولا يجوز إنكارها. ذلك لأسباب كثيرة جداً
أولها

: المسلمون كافة لا فرق بين عالم أو متعلم أو جاهل مسلم .كلهم يجمعون على
أنّه لا عصمة لأحد بعد رسول اللهr. وعلى هذا من النتائج البديهية أيضاً
أنّ أي كتاب يخطر في بال المسلم أو يسمع باسمه قبل أن يقف على رسمه، لابد أن يرسخ
في ذهنه أنّه لا بد أن يكون فيه شيء من الخطأ”
, وقال في إجابته عن سؤال
حول من سبقه في تضعيف أحاديث للبخاري ومسلم:” أما عما يتعلق بغيري مما جاء في
سؤالك وهو هل سبقك أحد، فأقول والحمد لله سُبِقتُ من ناس كثيرين هم أقعد مني وأعرف
مني بهذا العلم الشريف
, وقدامي جداً بنحو ألف سنة .فالإمام
الدارقطني وغيره قد انتقدوا الصحيحين في عشرات الأحاديث..”

وقال :” لكن في أثناء البحث
العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما، فينكشف لي أن هناك بعض
الأحاديث الضعيفة. لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى
فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد ابن حجر
العسقلاني الذي يسمى بحق أمير المؤمنين في الحديث” ويستطرد قائلًا:” ابن
حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري، بوجه ما كان ليس
في أحاديث مسلم فقط، بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد
.ثم
نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة يكون للحديث كله . . أي يقال هذا حديث
ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث، أصل الحديث صحيح، لكن يكون جزء منه غير صحيح
.
 [شاهد حديث الشيخ الألباني عن انتقاده لبعض
أحاديث صحيح البخاري
http://www.youtube.com/watch?v=7CXW6DeKF8I]
  وذكر الشيخ محمد أمين في  مقدمة كتابه ضعيف البخاري ومسلم:” يزعم بعض المتأخرين إجماع جميع علماء
الأمة على صحة ما أخرجه البخاري ومسلم، وهذا فيه نظر. ومثالها قول أبي إسحاق
الإسفرائيني(وهو من الأصوليين وليس من المحدّثين):«أهل الصنعة مجمعون على أنّ
الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوعٌ بصحة أصولها ومتونها». وقد بلغ الشطط
بالدهلوي إلى القول في كتابه “حجة الله البالغة”(1|283): «أما الصحيحان
فقد اتفق المحدثون على أنّ جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وأنّهما
متواتران إلى مصنفيهما، وأنّه كل من يهون من أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل
المؤمنين». بل أسوء من هذا ما قاله أحمد شاكر في تعليقاته على مختصر علوم الحديث
لابن كثير (ص35): «الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، وممن
اهتدى بهديهم، وتبعهم على بصيرة من الأمر: أنّ أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في
واحد منها مطعن أو ضعف. وإنّما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث، على
معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه،
وأمّا صحة الحديث نفسه، فلم يخالف أحد فيها».
 ثمّ يستطرد قائلًا: أقول وكم من إجماعٍ نقلوه
وهو أبطل من الباطل. ولنا أن نذكر مقولة الإمام أحمد: «من ادعى الإجماع فهو كاذب».
نعم، أجمعت الأمة على أنّ جمهور الأحاديث التي في الصحيحين صحيحة. هذا الذي نقله
الحفاظ الكبار وتداولوه. فجاء من بعدهم أقوامٌ ما فهموا مقالتهم، فأطلقوا القول
وزعموا أنّ هذا الإجماع شاملٌ لكل حرفٍ أخرجه البخاري ومسلم بلا استثناء. وصاروا
يضللون كل من يخالفهم. ولا حول ولا قوة إلا الله.”
     ويواصل قوله :” واعلم أنّ هناك أحاديث
في الصحيحين ضعفها علماءٌ محدثون كثر، وما حصل إجماعٌ على صحة كل حديثٍ في
الصحيحين، لا قبل البخاري ومسلم ولا بعدهما. فممن انتقد بعض تلك الأحاديث: أحمد بن
حنبل
(164-241هـ)  وعلي بن المديني( ويحيى بن معين وأبو داود
السجستاني(202-275ه) والبخاري(
194 -ـ 256 هـ) نفسه(ضعف حديثاً عند مسلم) وأبو حاتم
وأبو زرعة الرازيان وأبو عيسى الترمذي(
( 209-279ه) والعقيلي والنسائي(
302أو 303ه)
وأبو علي النيسابوري وأبو بكر
الإسماعيلي وأبو نعيم الأصبهاني وأبو الحسن الدارقطني (ت 385ه)وابن مندة والبيهقي(
384 – 458 هـ) والعطار والغساني الجياني وأبو الفضل
الهروي بن عمار الشهيد وابن الجوزي وابن حزم(384- 456ه) وابن عبد البر(
(368 هـ463هـ) وابن تيمية(661-ه728) وابن القيم((691 هـ751 هـ ) والألباني(1333-1420ه) وكثير غيرهم. فهل كل هؤلاء العلماء
مبتدعة متبعين غير سبيل المؤمنين؟!”
هذا ويُضاف إلى هؤلاء المتقدين: محمد
عبده، محمد رشيد رضا، الغزالي، والشنقيطي وابن عثيمين، وابن باز، والدكتور أكرم
ضياء العمري وغيرهم.
   بهذه
المقدمة أبدأ الحديث عن خطابنا الديني وصحيحي البخاري ومسلم، ف
رغم كل هؤلاء
العلماء الذين انتقدوهما
، نجد إصرار  علمائنا على مقارنتهما  بكتاب الله، مرددين مقولة ابن الصلاح الشهرزوري(577
– 643هـ/ 1181– 1245م)
أنّهما أصح كتب الحديث بعد كتاب الله، وأحاديثهما قد
أجمعت الأمة على صحتها، ويكفرون من ينتقدها، متهمينه بإنكاره للسنة، وأنّه قرآني!
  وهنا أسأل: هل كل هؤلاء العلماء من علماء
الحديث مثل البخاري وأصحاب السنن، وغيرهم وفقهاء مثل ابن حنبل وابن تيمية وابن
القيِّم وغيرهم يمثلون مختلف العصور الذين بيّنوا ضعف بعض أحاديث الصحيحيْن قرآنيون
منكرون للسنة؟

أين مخطوطة البخاري لجامعه الصحيح التي خطّها بيده؟
 بيّنتُ  تضعيف بعض الأصوليين والمحدّثين  قدامى ومحدثين لصحيح البخاري، كما بيّنتُ ضعف
بعض الأحاديث ووضعها التي لم يُبيّنها هؤلاء المختصون تشكك في أنّ المعوذتيْن
ليستا من القرآن، وتشوّه صورة الرسول(ص)وتنال من عصمته، وأنّه شهواني يجامع جميع
زوجاته في غُسل واحد، ويُباشرهن أثناء حيضهن، وتزؤج السيدة ميمونة(ر) وهو محرم،
وتمتهن المرأة وأنّ النساء أكثر أهل النار ناقصات عقل ودين ..إلخ
 ومع هذا نجد
علماءنا المعاصرين يُهاجمون من ينتقد هذه الأحاديث ويُبيّن ما فيها من أخطاء
ومناقضة للواقع المعايش، وللقرآن الكريم، ويُصّرون على صحة جميع صحيح البخاري، وهم
يعلمون بكل هذه الأخطاء، والتي من البديهي وجودها لأنّ النسخة الأصلية لجامع صحيح
البخاري غير موجودة، وما وصلنا إلينا عن طريق تلامذته، وأقدم  مخطوطة لصحيحه كتبت بعد وفاة البخاري بأكثر من
(151) سنة!
    فقد سمعه تسعون
ألف رجل” من الإمام البخاري نفسه رحمه الله (ت256ه)، كما أخبر بذلك أحد أشهر
تلاميذه، وهو محمد بن يوسف الفربري(ت320هـ). ينظر” تاريخ بغداد”(2/9)،”تاريخ
الإسلام”(7/375)، وقد اشتهرت رواية الفربري لصحيح البخاري لطول عمره، وإتقان
نسخته، فقد سمعها من البخاري رحمه الله في ثلاث سنين، ثم أخذها عنه جماعة من
الرواة الثقات، وعنهم اشتهر أيضا هذا الكتاب.
  يقول
المستملي(ت376هـ)– أحد الرواة عن محمد بن يوسف الفربري–:” انتسخت كتاب البخاري من
أصله كما عند ابن يوسف، فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة، منها
تراجم لم يثبت بعدها شيئا، ومنها أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض”
انتهى. رواه الباجي في” التعديل والتجريح”(1/310)، وقد أورد هذا القول ابن حجر في
مقدمة “فتح الباري”
ولقد تصدر الأمر الباحث العراقي عواد كوركيس عضو
المجلس العلمي العراقي، بكتاب [أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم] وهي
المخطوطات المكتوبة منذ صدر الإسلام حتى القرن الخامس الهجري. ونسخة الكتاب محفوظة
بمكتبة جامعة الدول العربية بالقاهرة، وهو من منشورات وزارة الثقافة والإعلام
العراقية عام 1982. وتم توثيق الكتاب بدار الكتب والوثائق المصرية عام 1983.وفيه:توجد
مخطوطات ثلاثة لصحيح البخاري: أقدمها في العالم تمت كتابتها عام 407ه، أي بعد رحيل
الإمام البخاري ب151 سنة وهي الوثيقة رقم( 303)،ثانيها في القدم الوثيقة رقم(304)والتي
كتبت في عام 424 ه أي بعد رحيل البخاري ب 168 عام تقريبا، وثالثه الوثيقة رقم (305)
كتبت في عام 495 ه أي بعد رحيل الإمام ب 239 عام.
 والمخطوطات
الموجودة لصحيح البخاري في المغرب 12 مخطوطة من أجزائه أولها:
جزء يبتدئ بحج أبي بكر بالناس إلى
آخر كتاب التفسير، تحتفظ به خزانة القرويين بفاس، برقم(969)، ترجع كتابته إلى
أوائل القرن الخامس الهجري، وبآخره سماعات بتاريخ 481هـ على أبي الحسن طاهر بن
مفوز بن أحمد بن مفوز(ت484هـ). وآخرها يبتدئ من باب من أراد غزوة فورّى
بغيرها، وينتهي بآخر حديث الإفك، تحتفظ به الخزانة العامة بالرباط، برقم(93 ك) وقع
الفراغ من كتابته في 17 ربيع الآخر عام 789هـ.
   
وكذلك
توجد في المغرب مخطوطةٌ
فريدة في العالَم الإسلامي، وهي  نسخةٌ مِن
المجلد الأول الموافي للخُمس الثاني من الأصل للجامع الصحيح بخطِّ يدِ الحافظ أبي
عمران موسى بن سعادة الأندلسي، وقد عُثِرَ عليها بخِزانة جامع القرويِّين الكُبرَى،
وتُعتَبر مِن الأهميَّة بمكان؛ لأنَّ رواية ابن سعادة ظلَّت مُعتمَد المغارِبة
أجمعين بنفس اعتمادِ المشارقة على روايةِ اليونيني، وقد أتَى هذا الاهتمام مِن
كَوْنِ ابن سعادة رَوى عن الصدفي عن الباجي عن أبي ذرٍّ عن شُيوخه الثلاثة عن
الفَرَبْرِي عن البخاري؛ فبينه وبيْن الإمام خمس وسائط، وقد قام المستشرق الفرنسي  ليفي بروفنسال مدير معهد الدروس العُليَا آنذاك
بالعمل على تحقيقها.
  هذا وقد قدّم
الدكتور  محمد بن عبد الكريم
بن عبيد أستاذ السنة النبوية وعلومها
المشارك بجامعة أم القرى بمكة
المكرمة، دراسة
قيمة بعنوان:” روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام

البخاري” تحدّث فيها عن نُسخ الجامع الصحيح
المطبوعة، وبدأ حديثه عن النسخ المطبوعة بقول الأستاذ عبد

الغني عبد الخالق: “طبع في 3 أجزاء بليدن: سنة
1862م،
باعتناء المستشرق(كرهل
وطبع جزء منه في بطرسبرج، سنة 1876م
.الطبعة
التي كتب مقدمتها العلمية
الشيخ عبد الغني،
وكُتِب عليها أنّها من تحقيق محمود النواوي، ومحمد أبو

الفضل إبراهيم، ومحمد خفاجي. وذكر أنّها أحدث طبعات”
الجامع الصحيح” وأحسنها
تنسيقًا، فقد
تحدث رحمه الله عن مجمل عمل الجماعة المذكورين فيها، وبتأمل كلامه
نلاحظ مواطن الخلل في هذه الطبعة،
وتصرف المحققين خلاف ما يقتضيه المنهج العلمي

السديد، يقول:”
وقد وجدوا في كتاب” تفسير
القرآن” من” الجامع الصحيح” أنّ بعض
نسخ الأصل يكتفى في العنوان بذكر اسم
السورة، وبعضها
يضيف إليه كلمة” تفسير”، والبعض يضيف البسملة، إما قبل
السورة، أو بعدها، فرأوا أن يأخذوا
بالأحوط، فأثبتوا البسملة في أول كتاب” التفسير”، ثم ذكروا العناوين
الأخرى بلفظ: سورة كذا، مسبوقة بالبسملة أيضًا،

متابعين في ذلك-غالباً- نسخة أبي ذر الهروي، وبعض
الشراح.
 ووجدوا كذلك
أنّ
بعض النسخ تنفرد
عن غيرها: بأن تزيد قبل الأحاديث لفظ” باب” أو” باب قوله
كذا” ثم تسرد فقرة من آية
قرآنية، تتناسب مع الحديث الآتي بعد ذلك، فرأوا

أيضًا متابعة هذه النسخ، وأثبتوا ما زادته بعد أن
تثبتوا من أن صنيع الهروي
مواف له .
  من خلال هذا العرض نجد الآتي:
·      
أنّ
لا وجود لمخطوطة الجامع الصحيح للبخاري بخط يد البخاري نفسه.
·      
أنّ
المخطوطة المكتوبة بخط تلميذه ابن يوسف الذي سمع الصحيح منه غير كاملة، كما قال المستملي.
·      
أنّ
المخطوطات الموجودة باختلاف تواريخ كتابتها، كُتبت سماعًا من تلامذة البخاري.
أنّ أقدمها كتب بعد وفاة البخاري ب(151) سنة. ثانيها
في القدم الوثيقة رقم(304)والتي كتبت في عام 424 ه أي بعد رحيل البخاري ب 168 عام
تقريبا، وثالثه الوثيقة رقم (305) كتبت في عام 495 ه أي بعد رحيل الإمام ب 239
عام.
·      
المخطوطات
الموجودة لا تحوي الجامع الصحيح بكامله، بل أجزاء مفرّقة، ومتناثرة في عدة دول ،ومكتبات.
·      
وجود
أخطاء كثيرة في هذه المخطوطات، وتقديم وتأخير وحذف وإضافة، وهذا ما ذكره  المستملي(ت376هـ)أحد الرواة عن محمد بن يوسف
الفربري، والشيخ عبد الغني عبد الخالق في مقدمة طبعة بليدن(1862ه)، وطبعة
بطرسبرج
سنة 1876م.
·      
تولى
تحقيق بعض مخطوطات” الجامع الصحيح” مستشرقان هما: ليفي برونفسال، وهركل.
والسؤال الذي يطرح نفسه
أين هي مخطوطة البخاري التي كتبها بخط يده؟
·      
وجود
أخطاء في مخطوطات كتاب التفسير، وحديث الإفك.
ومع هذه المعطيات من
البديهي أنّه توجد روايات ضعيفة وموضوعة ومخالفة للقرآن الكريم، وتشكك في صحة
القرآن، وتشوّه صورة النبي صلى الله عليه وسلم ،وتطعن في عصمته. ويتحمّل علماء
الأمة الإسلامية المسؤولية أمام الله على تقريرهم أنّ جميع أحاديث الصحيحيْن
صحيحة، وتكفير من ينتقدهما، وفيهما روايات تسيء للإسلام، ولم يكلفوا أنفسهم دراسة
جميع المخطوطات الموجودة في مختلف دور الكتب والوثائق في العالم، والموازنة بينها،
وبيان الدخيل عليه، خاصة أنّ مستشرقيْن تدخلا في تحقيق وطباعة صحيح البخاري، وإن
ثبت أنّ الأحاديث التي انتقدها الأصوليون والمحدّثون والباحثون والشراح قدامي
ومحدثين هي موجودة بالفعل في صحيح البخاري يعلنوا هذا ،ويبيّنوه في الهوامش، فلا يُرجع
إليها، ولا تُبنى عليها أحكام فقهية وقضائية، مع بيان الدخيل عليه، بحيث يطلع
عليها كل من يرجع إلى الصحيح.
  إنّ حماية السنّة ليس بقبول ما يخالف القرآن،
وتشويه صورة نبي الأمة، وتوجيه إليه اتهامات خطيرة باطلة بالتأكيد على صحته،
واتهام من يُبيِّن ضعفه بالجهل والكفر والزندقة، والانصراف عن المناقشة العلمية
الجادة باتهام الناقد بأنّه يجهل اسم كتاب 
صحيح البخاري، وكيف ينتقده، وهو لا يعرف اسمه. ولنكن على مستوى المسؤولية،
فليس البخاري ومسلم نبيين معصوميْن من الخطأ.
ولمَ هذه المغالطات
والمكابرات، ولديهم كل هذه المعطيات حول صحيح البخاري، واختفاء نسخته الأصلية؛
وكذا الحال بالنسبة لصحيح مسلم، وباقي السنن؟
إنّ الإصرار على صحة جميع
أحاديث الصحيحيْن بما فيها من أخطاء ومغالطات واتهامات للرسول صلى الله عليه
وسلّم، استغلّها أعداء الإسلام في تضليل شبابنا، ودفعهم إلى الإلحاد.




صحيح البخاري
وسأبدأ بصحيح
البخاري، فقد بيّن  ابن حجر العسقلاني في
مقدمة فتح الباري بشرح  صحيح البخاري   (110)حديثًا للبخاري من التي انتقدها الدارقطني،
وخصّص لها فصلًا، ومن ضمنها حديث” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”، كما
خصّص فصلًا عن رواة البخاري الذين فيهم طعن بالضعف والتدليس والإرسال والقطع
وعددهم(464)راويًا.
[انظر مقدمة فتح الباري: 544-648]
   وممن طُعن فيهم عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب
وسعيد المقبري، وهما من رواة حديث” النساء ناقصات عقل ودين[انظر: مقدمة فتح
الباري570، 571، 604، 607]
  
وهذا يتنافى مع شروط صحة الحديث التي أوردها العسقلاني في مقدمة شرحه لصحيح
البخاري، وهي: أن يكون إسناده متصلًا، وأن يكون راويه مسلمًا صادقًا غير مدلّس ولا
مختلط، متصفًا بصفات العدالة ضابطًا متحفظًا سليم الذهن قليل الوهم سليم
الاعتقاد[ابن حجر العسقلاني: من مقدمة فتح الباري، ص9]
والمتتبع لانتقادات الشيخ الألباني لأحاديث
البخاري يجد
أنّ مدارها هو الإسناد من حيث التكلم في أحد
 رجاله أو الاضطراب فيه، وبعض ألفاظ المتون من حيث غرابتها أو شذوذها أو نكارها،
فقد
قام الشيخ بالحكم على هذه الأحاديث من خلال جرح رواة بعض الأسانيد  مثل فليح بن سليمان وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وغيرهما.
 ومن الأخطاء الكبرى للبخاري المتغاضى عنها من
قبل خطابنا الديني:
 أولها: حديث ينال من عصمة النبي صلى الله عليه
وسلّم
أنّه همّ بالانتحار عند انقطاع الوحي عنه، فقد روى البخاري بلاغ الزهري
عنها، قال: حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، وحدثني عبد الله
بن محمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر، قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة رضي الله
عنها أنّها قالت.. فذكر الحديث إلى قولها:” ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر
الوحي فترةً حتى حزن النبي
صلى الله عليه وسلم فيما بلغن حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رءوس شواهق
الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه، تبدّى له جبريل فقال: يا محمد،
إنك رسول الله حقًّا. فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة
الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل، تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك”[صحيح
البخاري، كتاب التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، حديث رقم 6982]وبلاغ
الزهري لا يصلح لإثبات الحادث لتعارضه مع عصمة النبي
صلى الله عليه وسلم ،ثم إنّه مرسل ضعيف[د.أكرم ضياء العمري: السيرة
النبوية الصحيحة، مكتبة العلوم والحكم–المدينة المنورة،1/126،127]
ثانيها: في تفسير سورة ” النّاس جاء
هذا الحديث:
حدّثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش ح
وحدثنا
عاصم عن زر قال سألت أبي بن كعب قلت
يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا، فقال أُبي سألت رسول الله
r،
فقال لي …قيل لي.. فقلت قال فنحن نقول كما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
  
يقول العسقلاني في فتح الباري في شرحه لهذا الحديث: قوله:” يقول كذا
وكذا”
هكذا وقع هذا اللفظ مبهمًا، وكأن
بعض الرواة أبهمه استعظامًا له، وأظن ذلك من سفيان فإنّ
الإسماعيلي أخرجه
من طريق
عبد الجبار ابن العلاء عن سفيان كذلك على الإبهام، كنت أظن أولًا أنّ الذي أبهمه البخاري لأنّني
رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان ولفظه” قلت لأبي إن أخاك يحكها من
المصحف” وكذا أخرجه
الحميدي عن
سفيان ومن طريقه أبو نعيم في “المستخرج” وكأن سفيان كان تارة يصرح بذلك
وتارة يبهمه. وقد أخرجه أحمد أيضًا
وابن حبان من
رواية حمّاد بن سلمة عن عاصم بلفظ
 إنّ عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، وأخرج
أحمد عن
أبي بكر بن عياش عن عاصم بلفظ “إنّ عبد الله يقول في المعوذتين” وهذا أيضًا
فيه إبهام، وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند
والطبراني وابن
مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال:”
كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنّهما ليستا من كتاب الله، قال الأعمش:
“وقد حدثنا عاصم عن زر عن أبي بن كعب فذكر نحو حديث قتيبة الذي في الباب
الماضي، وقد أخرجه البزار وفي آخره يقول” إنّما أمر النبي
صلى الله عليه وسلّم أن يتعوذ بهما”
قال البزار، ولم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنّه قرأهما في
الصلاة.
ثالثها: ما أورده البخاري من روايتيْن في
تفسير سورة الليل بشأن(وما خلق الذكر والأنثى)وفي هاتيْن الرواية أنّ عبد الله بن
مسعود يقرأها(والذكر والأنثى)، وفي الأولى: عن قبيصة بن عقبة عن سفيان، عن الأعمش،
والثانية من طريق الأعمش.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الهدف من
إيراد البخاري رواية كهذه، وهي رواية موضوعة كما ذكر ابن حزم والنووي، ولماذا
اختار البخاري هذا الحديث بالذات في تفسير سورة الناس، واكتفي به، وتوجد روايات
أخرى تؤكد وجود المعوذتيْن في مصحف عبد الله بن مسعود
رضي الله
عنه
، فها هو ابن حزم يقول:” وأما ما
روي عنه في المعوذتين فقد عارضه ما هو أصح منه وهو نقل أئمة القراء لهما عنه، فقراءة
عاصم وحمزة والكسائي مسندة بالأسانيد المتصلة بابن مسعود، كما قال الداني والجزري،
وقد ثبتت المعوذتان في هذه القراءات وهذه مصاحف العالم اليوم برواية حفص عن
عاصم وفيها المعوذتان.” وقال أيضًا في المحلى:” كل ما روي عن ابن
مسعود من أنّ المعوذتين، وأم القرآن لم يكونا في مصحفه، فكذب موضوع لا يصح، وإنّما
صحت عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود فيها أم القرآن، والمعوذتان.
 وقد تابع النووي ابن حزم في ذلك
فقال في المجموع: أجمع المسلمون على أنّ المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة
في المصحف قرآن, وأنّ من جحد شيئا منه كفر، وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة
والمعوذتين باطل، ليس بصحيح عنه”
 وهنا أسأل: لماذا يورد العسقلاني روايات  موضوعة 
توضح المبهم فيها، وتؤكدها؟
ولماذا يتغاضى علماءنا عن هذا الخطأ
الكبير للبخاري، ويؤكدون صحة جميع أحاديثه، وكأنّهم يُقرِّون بصحة هذه الروايات؟
 ولماذا العسقلاني لم يُخضع رواة هذه الروايات
على علمي الجرح والتعديل، فيقبلها مسلمًا بصحة إسنادها ومتنها، ومقرًا بها، و
ما
أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند
والطبراني وابن
مردويه من طريق الأعمش،

وسليمان بن مهران الأعمش، وقال عنه في تقريب التهذيب:”
يعتبر ثقة حافظ عارف بالقراءات، ورع، لكنه يدلس”[ ص 195، رقم 2615]،وتعارض هذه
الرواية مع ما ذكره ابن حزم في المحلى :”
فقراءة عاصم وحمزة والكسائي مسندة بالأسانيد المتصلة بابن
مسعود، كما قال الداني والجزري.
 ورواية ( والذكر والأنثى) في قراءة ابن مسعود،
فيها: قبيصة بن عقبة الكوفي، من كبار شيوخ البخاري أخرج عنه أحاديث عن سفيان
الثوري، وقال محمد بن عبد الله بن نمير لما قيل له إنّ قبيصة كان صغيرًا حين سمع
من سفيان، لو حدّثنا قبيصة عن النخعي لقبلنا منه، وقال أحمد بن حنبل كان كثير
الغلط، وقال داود كان قبيصة لا يحفظ ثم حفظ بعد.”[مقدمة فتح الباري: 610]،
والأعمش قال عنه ابن حجر في التقريب “كان يدلس”، والروايتان إلى جانب
بعض رواتهما ففيهما إرسال، كما قال العسقلاني في فتح الباري، إضافة إلى معارضتهما
لقراءة عاصم، كما سبق بيانه.
ومن أخطاء
البخاري ما أخرجه في كتاب التوحيد، باب قوله تعالى( وكلم الله موسى تكليما)عن شريك
ابن عبد الله في حديث الإسراء والمعراج:”
قال الإمـام البخاري: حَدَّثَنَا
عَـبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ
،عَنْ شَرِيكِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ
t يَقُولُ
لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِرَسُولِ اللَّهِ
r مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ: أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ
نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهْوَ” نائم فِى الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ”
وقد ردّ الإمام النووي في شرح مسلم هذه الرواية للبخاري،
فقال في رواية شريك أوهام، وذلك قوله قبل أن يُوحى إليه، وهذا خطأ لا يوافقه أحد
عليه؛ إذ كيف أُسري بالرسول
r  قبل أن يُبعث
نبيًا؟
وقد عد العلماء اثنى
عشر خطأ في هذا الحديث.
فالذين يقطعون بصحة جميع
أحاديث البخاري ماذا يقولون في هذه الروايات؟
رابعها: في باب حديث الأفك في كتاب المغازي، أورد
الإمام البخاري الحديث رقم (4141)،وهو حديث طويل وردت فيه عبارة تتهم أمهات
المؤمنين رضوان الله عليهن خوضهن في الإفك، وهذه العبارة للسيدة عائشة رضي الله
عنها:” فقلت لأمي يا أمتاه ماذا يتحدث الناس قالت يا بنية هوني عليك
فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها

قالت فقلت سبحان الله أو لقد تحدث الناس..”
وفي نفس الحديث خطأ منهجي أخذه عليه عدد من
العلماء، وذلك
عما كان من وقعة في المسجد بين الأوس
والخزرج «فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه: إن كان من
الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك».
والمعروف إجماعًا أنّ سعد بن معاذ كان قد استشهد قبل واقعة الإفك وذلك بعد وقعة
الخندق في السنة الخامسة من الهجرة, بينما واقعة الإفك كانت بعد وقعة بنى المصطلق
في السنة السادسة، فكيف يورد البخاري قول سعد بن معاذ
t وكان قد استشهد قبل
الواقعة بعام على الأقل, وقد رد ابن القيّم الجوزية على هذا الخطأ للبخاري
بقوله:” فإنّ سعداً بن معاذ لا يختلف أحد من أهل العلم أنّه توفى عقيب حكمه في
بنى قريظة عقيب الخندق, وذلك سنة خمس على الصحيح وحديث الإفك لا شك أنّه في غزوة
بنى المصطلق هذه وهى غزوة المريسيع والجمهور عندهم أنّها كانت بعد الخندق سنة
ست” [(3/237-238).
ويؤيد هذا القول أن
قصة الإفك كانت بعد نزول الحجاب ، والحجاب كان بعد زواج النبي صلى الله عليه وسلّم
 بزينب بنت جحش ، وكان زواجه بها في السنة
الخامسة من ذي القعدة .
 وقد تنبّه بعض علماء
الحديث لهذا الخطأ، ولكن للأسف لم يتنبّهوا إلى خطأ خطير جدًا، وهو اتهام أمهات
المؤمنين بالخوض في الإفك على لسان زوجة الصديق رضي الله عنهما، وهو اتهام لا أساس
له من الصحة.
 خامسها: حديث في كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض، يتهم الرسول صلى الله عليه وسلّم بمباشرة السيدة عائشة رضي الله عنها، وهي
حائض في هذا الحديث:
حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ
الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ
r مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كِلَانَا جُنُبٌ
وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ وَكَانَ يُخْرِجُ
رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ”.
 هذا
الحديث غير مقبول، لأنّ لا يمكن الرسول
صلى الله عليه وسلم يُخالف قوله تعالى(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى
فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ
فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
[البقرة الآية 222]  
ومن
حيث الإسناد فيه: قبيصة بن عقبة الكوفي، قال عنه أحمد بن حنبل كثير الغلط، وقال
داود كان لا يحفظ ثم حفظ بعد، وقد روى عن سفيان عندما ما صغيرًا فلا يُقبل منه كما
قال ابن نُمير”[مقدمة فتح الباري: 610] وفيه منصور بن عبد الرحمن بن طلحة من
المطعون فيهم؛ إذ قال عنه ابن حزم “ليس بالقوي”[ المرجع السابق: ص 623]
سادسها: في كتاب النكاح، وفي باب كفران
العشير، هذا الحديث :حدثنا
عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس أنّه قال خسفت الشمس على
عهد رسول الله
r إلى أن قال:” ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط
ورأيت أكثر أهلها النساء قالوا لم يا رسول الله قال بكفرهن قيل يكفرن بالله قال
يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما
رأيت منك خيرا قط”
 فيه زيد بن أسلم، قال عنه ابن حجر في
التقريب: “ثقة عام، كان يرسل“[
ص 162]، وسبق وأن
بيّنتُ أحاديث موضوعة عن كفران العشير، وضعيفة ومنكرة عن أنّ النساء أكثر أهل
النار، بل يوجد في صحيح مسلم حديث يُعارضه 
يُبيّن أنّ النساء أكثر أهل الجنة [راجع مقال:النساء أكثر حطب جهنّم في مناهجنا
الدراسية! –
http://www.al-madina.com/node/553120]
وهناك
أحاديث ضعيفة في صحيح البخاري سلبت المرأة أهليتها، وهو حديث “النساء ناقصات
عقل ودين” وأحاديث ضعيفة أوجدت مبررًا للآباء تزويج بناتهم أطفالًا، وهي
أحاديث السيدة عائشة رضي الله عنها عن زواجها من الرسول
r، وهي ابنة ست سنوات، ودخولها بها، وهي ابنة تسع سنوات، وفي مقالات
سابقة بيّنتُ فيها ضعف هذه الأحاديث.
سابعها: حديث
البخاري عن مجامعة الرسول لنسائه في غسل واحد (كتاب الغسل)
حدثنا محمد بن بشار قال
حدثنا
معاذ بن هشام قال
حدثني
أبي عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك قال
كان النبي
صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة
من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال قلت لأنس أو كان يطيقه قال كنا نتحدث أنّه
أعطي قوة ثلاثين وقال سعيد عن قتادة إن
أنسًا حدثهم تسع
نسوة”
هذا الحديث مردود بغض النظر عن
الاختلاف في عدد نسائه
صلى الله عليه
وسلم
وضعف بعض رواته لأنّ أنس بن مالك
هو الذي قال أنّ النبي
صلى الله عليه
وسلم كان يدور على نسائه، ولم يقل له الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فهل شهد
أنس ذلك؟ وزيارة رسول الله لزوجاته في ساعة واحدة لا يعني مجامعتهن!
أمّا عن ضعف الإسناد، ففيه معاذ بن
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي صدوق ربما وهم[التقريب: 469، رقم 6742] وقد رمي
أبوه بالقدر[ ص503، رقم 7299] وفيه: سعيد بن أبي عروبة: ثقة حافظ له تصانيف،
كثير التدليس واختلط[ص179،رقم 2365]
وأتعجب : كيف قبل العسقلاني في فتح
الباري هذا الحديث، وهو الذي بيّن هذا الضعف في رواته!
   وقبولنا لكل ما جاء في صحيح البخاري يعني
قبولنا بأنّ المعوذتيْن ليستا من القرآن، وأنّ في سورة الليل( والذكر
والأنثى)،وليس(وما خلق الذّكر والأنثى)وأنّ الرسول
صلى الله عليه وسلم همّ بالانتحار، وهذا يتعارض مع عصمته، وأنّ
أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، قد خضن في الإفك، وأنّ الإسراء كان قبل البعثة،
وأنّ الرسول
صلى الله عليه
وسلم
 شهواني يُجامع زوجاته التسع في ساعة واحدة،
ويباشرهن أثناء حيضهن، ويتزوج وهو محرم، والشيطان يتمثل لأبي هريرة ثلاث مرات في صورة
لص، ويتركه ولا يُعاقبه، وأنّ موسى عليه السلام يلاحق حجرًا عاريًا(كتاب
الغسل
:باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالتستر أفضل)،
وأنّ النساء ناقصات عقل ودين، وأنّ الرسول
صلى الله عليه وسلم  تزوّج عائشة رضي الله عنها وهي ابنة ست سنوات،
وغير ذلك من الروايات التي تناقض الواقع، والوقائع التاريخية وتتناقض مع القرآن، فشكك
النّاس في القرآن، وفي عصمته
صلى الله عليه وسلم ، وسببًا في امتهان المرأة وانتقاص أهليتها، وتزويجها
طفلة لمسن!
                                     الخطاب الديني وصحيح مسلم
  يقف خطابنا
الديني من صحيح مسلم ذات الموقف من صحيح البخاري، وهو القطع بصحة جميع أحاديثهما،
وتكفير من يُضعّف رواية فيهما رغم تضعيف عدد من الأصوليين والمحدثين والباحثين
قدامى ومعاصرين لبعض أحاديثهما، ورغم  اعتراف
الإمام النووي بوجود أحاديث غير صحيحة في صحيح مسلم، فقد جاء في مقدمة الإمام
النووي لشرحه لصحيح مسلم الآتي:” وأمّا قول مسلم رحمه الله في صحيحه، في باب
صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ليس كل شيء صحيح عندي وضعته هنا –
يعني في كتاب هذا الصحيح، وإنّما وضعتُ هنا ما أجمعوا عليه فمشكل قد وضع فيه
أحاديث كثيرة مختلفًا في صحتهاَ، لكونها من حديث من ذكرناه، ولم نذكره ممن اختلفوا
في صحة حديثه،” ثم يستدرك الإمام النووي، بقوله:” ومع هذا فقد اشتمل
كتابه على أحاديث اختلفوا في إسنادها، أو متنها لصحتها عنده، وفي ذلك ذهول منه عن هذا
اشرط، أو لسبب آخر، وقد استدركتُ وعللت” [صحيح مسلم بشرح الإمام النووي،
1/131، ط19. 1433ه/2012م،دار المعرفة- بيروت – لبنان]
كما عاب عائبون مسلمًا بروايته في صحيحه عن جماعة من
الضعفاء والمتوسطين والواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح.[ ص
143]
 ونجد تناقضًا
في تبرير الإمام النووي لذلك، بقوله  ولا
عيب عليه في ذلك، لأوجه ذكره الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: أحدها:
أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده، ولا يُقال الجرح مقدم على التعديل،
لأنّ ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتًا مفسر السبب، وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن
كذا، وقد قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي وغيره ما
احتج البخاري ومسلم وأبو داود به من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنّه
لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب[ص 143]
كما أنّهم يعلمون اختفاء نسخة صحيح مسلم التي كتبها
بخط يده، والموجود مخطوطات بأسانيد
تثبت نسبة الكتاب إلى مصنفه ما لا يكاد
ينحصر، حتى إن جماعة من العلماء أفردوا أسانيد” صحيح مسلم” بمصنفات خاصة، بلغ
عددها نحوا من ثمانية مصنفات، من آخرها كتاب الكتاني (ت1327هـ) المسمى بـ ” جزء
أسانيد صحيح مسلم“، والمعروف أنّ الإمام مسلم في الفترة من(
206 هـ261 هـ)
و( 822 م- 875 م)،

  يقول
الشيخ مشهور حسن سلمان:” أخذ هذا الكتاب عن مسلم جماعة، من أشهرهم إبراهيم بن محمد
بن سفيان، وقد سمعه من صاحبه خلا ثلاثة مواطن، فقد قابلها بنسخة شيخه مسلم، وكانت
نسخة مسلم هذه نفيسة عزيزة عليه، حملها معه إلى الري، ووضعها بين يدي أبي زرعة
الرازي، واطلع عليها ابن وارة، وأخذها عن سفيان جماعة، بالسماع أحيانًا، والإجازة
مرة ثانية، من بينهم الجلودي، وقد كانت نسخته يتداولها الطلبة فيما بينهم , وينسخ
عنها بعضهم … وكانت كثير من هذه النسخ صحيحة غاية، وعليها سماعات ومقابلات، ولذا
احتج بها العلماء عند المباحثة والمناقشة، وكانوا يرجعون إليها في المعضلات
والمشكلات. وتوجد في مكتبات العالم من هذا” الصحيح” نسخ خطية عديدة جدًا، فتكاد أن
لا تخلو منه مكتبة أو دار للكتب، وهذه النسخ تتفاوت في تاريخ نسخها، وفي نفاستها
وجودتها.
وفي
مكتبة القرويين بفاس إلى الآن نسخة منه نفيسة جدًا، هي نسخة ابن خير الإشبيلي،
التي قابلها مرارًا، وسمع فيها وأسمع، بحيث يعد أعظم أصل موجود من” صحيح مسلم” في
إفريقية، وعليه بخط ابن خير أنه عارضه بأصول ثلاثة معارضة بنسخة الحافظ أبي علي
الجياني” انتهى باختصار من” الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح” (1/375-376).
أحاديث
مخالفة للقرآن الكريم في صحيح مسلم، منها:
عن أبي هُرَيْرَةَ(رضي
الله عنه)قَالَ: قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم بِيَدِى فَقَالَ« خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ
السَّبْتِ …إلى قوله وخلق آدم عليه السلام بعد العصر يوم الجمعة..”
وهذا
الحديث يخالف قوله تعالى:(ِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)
هذا
حديث باطل موضوع بلا شك، وليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجح الإمام
البخاري أنّ هذا من الإسرائيليات من قول كعب الأحبار، فقال في التاريخ الكبير(1|413):
«وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب وهو أصح». قال ابن كثير: «فكأن هذا الحديث مما
تلقاه أبو هريرة عن كعب عن صحفه (الإسرائيلية). فوهم بعض الرواة، فجعله مرفوعًا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم. وأكد رفعه بقوله: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيدي».
وأعله إمام
العلل علي بن المديني بأن إبراهيم بن أبي يحيى قد رواه عن أيوب. قال ابن المديني:
«وما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا، إلا عن إبراهيم ابن أبي يحيى». وقد حرر ذلك
البيهقي في “الأسماء والصفات” (ص 276). وإبراهيم مرمي بالكذب.
والحديث
منكر المتن جداً. فهو لم يذكر خلق السماء، وجعل خلق الأرض في ستة أيام. وجعل خلق
الشجر قبل خلق النور! وهو محال. ومن الباطل أن يكون النور قد خلق في النهاية، لأنّ
النور من السماء، والسماء خلقت مع الأرض بنفس الوقت. قال الله تعالى: {أَوَلَمْ
يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا
فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا
يُؤْمِنُونَ}[الأنبياء:30]. لكن بعض شراح الحديث فسروا “النور” بأنّه
كناية عن الخير. وبذلك تظهر العقيدة المجوسية لواضع هذا الحديث. فقد جعل خلق الشر
يوم الثلاثاء، وخلق الخير يوم الأربعاء[ محمد الأمين: ضعيف البخاري ومسلم]
ويقول سماحة الشيخ ابن باز حمه الله: ومما أخذ
على مسلم رحمه الله رواية حديث أبي هريرة:(أن الله خلق التربة يوم السبت
. . . إلخ الحديث)والصواب: أن بعض
رواته وهم برفعه للنبي
صلى
الله عليه وسلم وإنّما
هو من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار؛ لأنّ الآيات
القرآنية
والأحاديث
النبوية الصحيحة كلها قد دلت على أنّ الله سبحانه قد خلق السماوات والأرض
وما بينهما في ستة أيام،
أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة ؛ وبذلك علم أهل
العلم غلط من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنّ الله خلق التربة
يوم السبت)وغلط كعب الأحبار ومن قال بقوله في ذلك، وإنما ذلك من الإسرائيليات
الباطلة، والله
ولي
التوفيق[مجموع فتاوى ابن باز 25/
69]
  لم يقل أحد أنّ هؤلاء طعنوا في مسلم, ويلاحظ أنّ
البخاري رد الحديث لمخالفته للقرآن الكريم 
دون النظر لإسناده.
والأسئلة
التي تطرح نفسها: عندما يُصِّر علماءنا على صحة جميع أحاديث مسلم، هل نصدِّق ما
جاء في هذا الحديث،
ونُكذّب القرآن الكريم؟
وهل
حماية السنة تتطلب منا تكذيب القرآن، وتصديق الإمام مسلم؟
وهل
السنة لم تكن محمية قبل ظهور صحيحي البخاري ومسلم؟
وماذا
نقول لمن تسلل إليه الإلحاد عن هذا الحديث الوارد في صحيح مسلم، والذي يؤكد خطابنا
الديني على صحته، بإصراره على صحة جميع أحاديثه؟
   بيّنتُ 
سابقًا أنّ من أسباب وجود أحاديث ضعيفة ،أو موضوعة عدم وجود مخطوطة صحيح مسلم
التي كتبها بخط يده، وتناسخها من شخص لآخر، أوجد أخطاءً في بعض الأحاديث، كما أنّ
البعض قد دسّ بعض الروايات ونسبها إلى الإمام مسلم، إضافة أنّ مسلم بشر ، وليس
معصوم من الخطأ، وقد رأينا كيف رد الإمام البخاري لمسلم حديث خلق الله الكون
والخلق في سبعة أيام، أواصل الحديث عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي بيّنها
علماء الحديث في صحيح مسلم، منها:
1.   
حديث سؤال أبي
سفيان تزويج ابنته
ما أخرجه مسلم(4|1945 #2501): من طريق النضر بن محمد اليمامي:
حدثنا عكرمة: حدثنا أبو زميل: حدثني ابن عباس قال:  كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا
يقاعدونه. فقال للنبي
r:«يا نبي الله. ثلاث أعطنيهن» قال: «نعم» قال:
«عندي أحسن العرب وأجمله: أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها». قال: «نعم». قال:« ومعاوية
تجعله كاتبا بين يديك» قال: «نعم» قال: «وتؤمّرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل
المسلمين»قال: «نعم» قال أبو زميل: «ولولا أنّه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه
وسلم ما أعطاه ذلك، لأنّه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: “نعم”».
قال
النووي: «واعلم أنّ هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال. ووجه الإشكال أنّ
أبا سفيان

إنّما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من
الهجرة. وهذا مشهورٌ لا خلاف فيه. وكان النبي
r قد تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طويل”
   وقال ابن حزم: «هذا حديث موضوع لا شك في وضعه.
والآفة فيه من عكرمة بن عمار، فإنّه لم يُختَلف في أنّ رسول الله صلى الله عليه
وسلم تزوجها قبل الفتح بدهر وأبوها كافر» وقد قصد تخطئة عكرمة لا تكذيبه. قال: «هذا
الحديث وهمٌ من بعض الرواة. لأنّه لا خلاف بين الناس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم
تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر، وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر». وقال البيهقي في
سننه الكبرى(7|140):«فهذا أحد ما اختلف البخاري ومسلم فيه: فأخرجه مسلم بن الحجاج،
وتركه البخاري. وكان لا يحتج في كتابه الصحيح بعكرمة بن عمار، وقال: “لم يكن
عنده كتاب فاضطرب حديثه”». وقد عدّه الحافظ الذهبي في الميزان حديثًا منكرًا
من مناكير راويه “عكرمة بن عمار”.
1.   
رد الشيخ ابن عثيمين
لحديث” الجساسة”
 لإنكاره
المتن، ولا يشترط قول أحد من السلف بهذا القول، “
حديث الجساسة فيه
نظر ولو كان في صحيح مسلم”،
واستشهد بإنكار محمد رشيد رضا للحديث[شاهد http://www.youtube.com/watch?v=4-uD-nammpM]
2.   
حديث ” المرأة تقبل في صورة شيطان”
الحديث
الثالث الذي فيه طعنٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم” وقد أخرجه مسلم بعدة
ألفاظ منها (2|1021): حدثنا عمرو بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا هشام بن أبي عبد
الله عن أبي الزبير عن جابر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأةً، فأتى
امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته. ثم خرج إلى أصحابه، فقال: إنّ المرأة
تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان. فإذا أبصر أحدكم امرأةً، فليأت أهله،
فإن ذلك يرد ما في نفسه». وأخرجه كذلك: حدثنا زهير بن حرب حدثنا عبد الصمد بن عبد
الوارث حدثنا حرب بن أبي العالية (فيه ضعف) حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله:
أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فذكر أنّه قال: «فأتى امرأته زينب وهي
تمعس منيئة»، ولم يذكر تدبر في صورة شيطان (وهو ثابت بنفس هذا الإسناد عند أحمد
22|407). ثم قال مسلم: حدثني سلمة بن شبيب حدثنا الحسن بن أعين حدثنا معقل عن أبي
الزبير قال، قال جابر، سمعت النبي
r يقول: «إذا أحدكم أعجبته المرأة، فوقعت في
قلبه، فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه». وهذا الحديث مردودٌ
لانقطاع سنده ووجود النكارة الشديدة في متنه. وهذا محال على رسول الله، فقد نزهه
الله عن ذلك وعصمه. وقد حاول بعض العلماء التكلف بالإجابة عن هذه النكارة بأجوبة
ليست بالقوية، إلا أنّ الحديث الضعيف لا يُعبئ بشرحه أصلاً، والله أعلم. وما جاء
من طريق ابن لهيعة من تصريح أبي الزبير بالتحديث من جابر، مردود. لأنّ ابن لهيعة
ضعيف جداً من غير رواية العبادلة يقبل التلقين، فلا يعتبر به ولا يكتب حديثه.
والملاحظ أنّ الذي روى قصة المرأة هما هشام الدستوائي وحرب بن أبي العالية فقط عن
أبي الزبير، بينما أغلب الرواة رووا الحديث عن أبي الزبير دون تلك القصة: معقل بن
عبيد الله(مسلم)، وابن جريج (ابن حبان 12|385)، وابن لَهيعة(أحمد 23|77)، وموسى بن
عقبة(أحمد 23|403) كلهم كاللفظ الأخير عند مسلم أي دون تقبل وتدبل في صورة شيطان.
كما أنّ النسائي في الكبرى (8|235) قد روى الحديث عن قتيبة بن سعيد عن حرب عن
جابر(أي مرسلًا)، ورجح هذا فقال: «هذا كأنّه أولى بالصواب من الذي قبله». والله
المستعان على ما يصفون.[ موقع الشيخ محمد أمين : ضعيف صحيح البخاري ومسلم:
http://www.ibnamin.com/daef_bukhari_muslim.htm#_Toc92456657]
3.   
حديث المغفرة لقاتل نفسه
أخرج مسلم(1|108 #116)من طريق حجاج الصواف عن أبي الزبير عن
جابر أنّ الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
هل لك في حصن، حصين ومنعة؟». قال(جابر): حصن كان لدوس في الجاهلية– فأبى ذلك النبي
r للذي ذخر الله للأنصار.
فلما هاجر النبي
rإلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن
عمرو وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة، فمرض، فجزع. فأخذ مشاقص له، فقطع
بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات. فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة
ورآه مغطيًا يديه. فقال له: «ما صنع بك ربك؟». فقال: «غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى
الله عليه وسلم ». فقال: «مالي أراك مغطيا يديك؟» قال:« قيل لي: لن نصلح منك ما
أفسدت». فقصّها الطفيل على رسول الله
r، فقال رسول الله: «اللهم وليديه فاغفر». هذا
حديث غريب لم يذكر أبو الزبير ممن سمعه. وقال الطبراني في المعجم الأوسط(3|40):
«لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا حجاج» وهذا التفرد الغريب مع احتمال
التدليس، يجعلني أتوقف عن الحكم في هذا الحديث.[ المرجع السابق]
 وهذا الحديث يتناقض مع حديث رواه البخاري ومسلم عن
أبي هريرة
رضي الله عنه عن
النبي
صلى الله عليه وسلم قال”
مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا،
ومَن تحسَّى سمًّا فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها
أبدًا، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا
مخلدًا فيها أبدًا”
حديث الفطرة
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: عشر من الفطرة،
وذكر منها المضمضمة والاستنشاق. هذا حديثٌ رواه مسلم (1|223) وأبو داود (1|14)
وابن ماجة (1|107) في الطهارة، والترمذي (5|91) في الاستئذان، والنسائي (5|405) في
الزينة، كلهم عن زكريا بن أبي زائدة (مدلّس) عن مصعب بن شيبة (ضعيف) عن طلق بن
حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله
r:«عشرٌ من الفطرة: قص الشارب وإعفاء اللحية
والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص
الماء». قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة. قال مسلم: وحدثناه أبو كريب
أخبرنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن مصعب بن شيبة ثم في هذا الإسناد أنّه قال: قال
أبوه: ونسيت العاشرة.
قلت هذا إسناد ضعيف لا تقوم به الحجة. وأشار الكثير من الحفاظ
إلى أنّه معلول كابن عبد البر وابن مندة وغيرهم. قلت: وفيه ثلاثة علل:
1- فزكريا هذا مدلّسٌ ليّنه أبو حاتم، و قد عنعن في كل طرق
الحديث!
2- مصعب بن شيبة ضعيف. قال عنه الدراقطني: «ليس بالقوي ولا
بالحافظ»، وقال أحمد:«روى أحاديث مناكير»، وقال أبو حاتم: «لا يحمدونه وليس بقوي»،
و قال النسائي: «منكر الحديث»، وقال عنه ابن حجر:«ليّن الحديث»، وقال الذهبي:«فيه
ضعف». ولذلك أشار أبو نعيم الأصبهاني إلى ضعف هذا الحديث في مستخرجه على صحيح
الإمام مسلم (1|318)، بقوله: «إسناده فيه مصعب بن شيبة، ليِّن الحديث». وقد جعل
العقيلي هذا الحديث من منكرات معصب، كما في ضعفائه (4|197).الشيخ محمد الأمين :
ضعيف البخاري ومسلم]
3
حديث الوسوسة
أخرج
مسلم في الشواهد (1|119 #133): حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار حدثني علي بن عثام عن
سعير بن الخمس عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: سئل النبي
rعن الوسوسة قال: «تلك محض الإيمان».
الحديث
أرسله أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله. ورواه جرير بن عبد الحميد وأبو
جعفر الرازي عن مغيرة عن إبراهيم قال رجل: يا رسول الله… فذكر حديث الوسوسة.
فالحديث الصواب فيه أنّه من مراسيل إبراهيم، ووصله خطأ من سعير بن الخمس. وحكم أبو
حاتم  على أحد أحاديث سعير بأنّه موضوع!  وسعير بن الخمس كان قليل الحديث، ويروون عنه
مناكير».
حديث
الجماع بغير إنزال
أخرج
مسلم (1|272): من طريق ابن وهب، قال: أخبرني عياض بن عبد الله عن أبي الزبير عن
جابر بن عبد الله عن أم كلثوم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن
رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل، هل عليهما
الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّي لأفعل ذلك أنا
وهذه، ثم نغتسل».
قلت:
هذا الحديث أخرجه مسلم في الشواهد في آخر الباب، فلا يقال أنّ مسلمًا قد صححه. بل
هو منكَر المتن، مُعَلّ الإسناد. وهو معارضٌ صريحٌ لحديثٍ آخر في صحيح مسلم:« إنّ
من أشرّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة: الرّجُل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه،
ثم ينشر سرها».
وأما
إسناده ففيه عدة علل منها: أنّ فيه أبي جابر المدلّس المشهور، قد رواه عن جابر دون
أن يصرح بالتحديث في أيٍّ من طرق الحديث. وفيه عياض بن عبد الله بن عبد الرحمن
القرشي الفهري، وهو متروك. قال ابن حجر في التقريب: «فيه لين». وقال أبو حاتم:
«ليس بالقوي». و قال الساجي: «روى عنه ابن وهب أحاديث فيها نظر». قلت: وهذا الحديث
الباطل منها. وذكره العقيلي في ضعفائه (#1382). و قال يحيى بن معين: «ضعيف الحديث».
وهذا معناه متروك باصطلاح ابن معين.  قال
البخاري: «منكر الحديث». وهذا معناه باصطلاح البخاري: متروك لا تحل الرواية عنه.
وهذا كله يوجب أن هذا أقل ما فيه أنه ضعيفٌ لا يحتج به.
وهذا
الحديث أخرجه الألباني في سلسلته الضعيفة (2|406)، وقال: «ضعيفٌ مرفوعًا»[المرجع
السابق]
حديث صلاة
الكسوف أربع ركعات
أخرج
مسلم في صحيحه (2|627 #908): من طريق حبيب(كثير الإرسال والتدليس)عن طاووس عن ابن
عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف ثمان ركعات في أربع سجدات.
قال
الشيخ الألباني في إرواء الغليل(3|129):«ذكر الست ركعات شاذ. والصواب: أربع ركعات،
كما في حديث عائشة الذي قبله، وروايةٍ عن جابر تقدمت قبله». وقال عن هذا الحديث:
«ضعيفٌ، وإن أخرجه مسلم ومن ذُكِرَ معه وغيرهم». فذكر تدليس حبيب وعدم سماعه ثم
قال:« وفيه علة أخرى وهي الشذوذ. فقد خَرّجتُ للحديثِ ثلاثَ طُرق أخرى عن ابن
عباس، وفيها كلها: أربع ركعات وأربع سجدات. وفي هذه الطريق المعلة: ثماني ركعات.
فهذا خطأٌ قطعاً».
وقال
البيهقي في سننه سنن الكبرى(3|327)ما مختصره: «وأما البخاري فإنّه أعرض عن هذه
الروايات التي فيها خلاف رواية الجماعة. وقد روينا عن عطاء بن يسار وكثير بن عباس
عن بن عباس عن النبي
rأنّه صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان.
وحبيب بن أبي ثابت –وإن كان من الثقات– فقد كان يدلس. ولم أجده ذَكَرَ سماعَهُ في
هذا الحديث عن طاووس. ويَحتمِل أن يكون حمله عن غير موثوقٍ به، عن طاووس. وقد
خالفه سليمان الأحول فوقفه». وقال ابن حبان في صحيحه(7|98)عن هذا الحديث: «ليس
بصحيح، لأنّ حبيباً لم يسمع من طاووس هذا الخبر».
قال
ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (18|17) في حديثه عن الأحاديث الضعيفة في صحيح مسلم:
«ومثل ما روى مسلم أنّ النبي صلى الكسوف ثلاث ركعات وأربع ركعات. انفرد بذلك عن
البخاري. فإنّ هذا ضعّفه حُذّاق أهل العلم. وقالوا أنّ النبي لم يصل الكسوف إلا
مرةً واحدةً يوم مات ابنه إبراهيم[ المرجع السابق]
وأصح
الروايات أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلى ركعتين فقط: في كل ركعة ركوعين
وسجدتين. فالحاصل هو أربع ركعات وأربع سجدات. أي صلاة الخسوف، كل ركعة فيها
ركوعين، لا ركوع واحد كما في باقي الصلوات.
استرقاق
الأسيرات
كما روى مسلم في كتاب السير في حديث أياس بن سلمة عن أبيه
أنّه أخذ امرأة من العرب رقيقًا بعد غزوة فزارة، فما زال رسول الله يطلب منه أن
يهبه هذه المرأة حتّى فعل، فبعث بها رسول الله إلى مكّة وفدى بها ناسًا من
المسلمين كانوا أسرى هناك.
بعد
بيان هذه الأحاديث الضعيفة، وغيرها لم يتسع المجال لذكرها ماذا يقول المصرون على
أنّ جميع أحاديث صحيح مسلم صحيحة، ويُكفّرون من يُضعِّف بعضها؟








Leave a Reply