سهيلة زين العابدين حمّاد
نُشر في جريدة المدينة يوم السبت الموافق 11/8/
2018

مع عدم وجود ناسخ ومنسوخ في القرآن، ورغم تأكيد
بعض المفسرين على أنّ آية الوصية محكمة غير منسوخة، إلّا أنّنا نجد الفقه المعاصر المطبّق اليوم لم يُعِدْ النظر فيها، بل مُصِّر
على:


1.   
إعطاء الأولوية المطلقة للإرث وأحكامه، وليس للوصية وأحكامها.
2.   
الإصرار على نسخ آيات الوصية – وبخاصة قوله تعالى: (الوصية
للوالدين والأقربين)، بحديث آحاد منقطع مناقض للقرآن رواه أهل المغازي هو: “لا
وصية لوارث”، ولم يعترف الإمام البخاري بصحته، ولم يورده في صحيحه
، أمّا ما أخرجه البخاري(2747) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:”كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ
الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ،
فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ
وَالرُّبُعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ” فهذا ليس بحديث عن الرسول
عليه الصلاة والسلام، وإنّما منسوب لابن عبّاس، وهو يتعارض مع الآيتيْن180، 181من
سورة البقرة
.
3.   
 تجاهله عدم وجود نسخ في القرآن الكريم إلّا فيما يختص بشريعة موسى
عليه السلام، سواء كان بالنسخ طبق الأصل، أو بالإنساء والإتيان بخير منها.
4.   
إقراره للوقف الذي هو نوع من الوصية.
5.   
فاته أنّ قوله بنسخ الوصية للوالدين والأقربين قد خالف قوله
تعالى:(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ
تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا
اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا)[النساء:9]
،وقوله:(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ
أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ)[البقرة
240])”وبموجب هاتيْن الآيتيْن يدخل في نطاق الوصية من الأقربين بعد الوالدين المسنيّن،
أو المريضيْن،
والولد المعاق بين أولاد آخرين
أسوياء،
الطفل الصغير بين إخوة
آخرين منتجين، فقد أنفق الأب الكثير عليهم حتى أصبحوا منتجين، والصغير يحتاج إلى
الكثير حتى يصل إلى مرحلة الإنتاج، فليس من العدل مساواة الكبار المنتجين بالأطفال
الصغار، والبنت المتزوجة التعيسة ماديًا ومعنويًا بين بنات متزوجات أسعد حظًا،
والبنت التي بلغت سنًا كبيرًا ولم تتزوج، أو ترملت، ولديها أطفال، ولا دخل لديها
سوى ما سيأتيها من أبيها، والزوجة المريضة والمسنة، مع عدم التمييز في الوصية بين
الذكور والإناث، يوضّح هذا[النساء:7]
مع الالتزام بعدم ترك الوصية، مهما
كانت التركة(ممّا قلّ منه أو كثُر)، وهي نصيب مفروض، بينما الميراث حظ يفرضه الله
.
     فمن واجب الموصي
أن يوصي بجزء من ماله، ولا يحق له أن يخرج في وصيته على حدود المعروف السائد، لقوله:(فَمَنْ
خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ)
[البقرة:182]
  فالوصية جُعلت للأمور الفردية الخاصة
التي يكون الموصي رب الأسرة أعلم باحتياجات أفراد أسرته، بينما الميراث عام يتعلق
بالمجموعات، فمجال الاختيار في حقل الوصية مفتوح، وأنّ
القرار المتروك فيها للموصي، لا حدود له ولا رقابة عليه إلا تقوى الله ومخافته. أي
أنّه يمكن في مجال الوصية أن يكون نصيب الولد المعاق أكبر من نصيب أخيه السوي،
ونصيب الصغير الذي لم يكمل دراسته أكبر من أخيه المتخرج المنتج. كما يمكن أن تنص
الوصية على أمور لا ينص عليها الإرث،
فلو كان الخالق يريد أن يكون الإرث
بديلًا للوصية لما فرض الوصية، أو لَخَصَّ الوالدين والأقارب غير الوَارِثين
بالذكر.
فإن كان بعض المفسّرين لم
يستوعبوا أبعاد الوصية للورثة من الوالدين والأقارب، فليس من حقهم أن يتخلصوا من
عدم فهمهم، بالتجرؤ على الله بالقول بنسخ آية الميراث لآية الوصية فيما يتعلق
بالورثة من الوالديْن والأقارب، ويأخذون بحديث آحاد موضوع يُحرِّم الوصية للورثة،
ويعتمدونه كناسخ لآية قرآنية!
 أرجو من وزارة العدل عند
وضعها مدوّنة الأحوال الشخصية أن تُراجع موضوع الوصية للوالديْن والأقربين من
الورثة عملًا بقوله تعالى(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ
إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ
حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ
. فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى
الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
)[البقرة:180-181] وليس عملًا بحديث آحاد يتعارض
مع هاتيْن الآيتيْن؛ إذ كيف يُعارض الرسول عليه الصلاة والسلام  كلامًا للخالق جلّ شأنه؟
جريدة المدينة https://www.al-madina.com/article/585135/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B5%D9%8A%D8%A9-(3)

Leave a Reply