د. سهيلة زين العابدين حمّاد
الجمعة 23 فبراير 2018م


  أثناء قراءة الدكتور
يوسف زيدان لكتاب د. إسرائيل ولفنسون ” تاريخ اليهود في بلاد العرب” في
فقرة ” رحيق الكتب من برنامج ” كل يوم ” مع الإعلامي القدير
الأستاذ عمرو أديب ، نفى قيام أي حضارة في مدينة القدس [1]
 وللأسف ما قاله
الدكتور يوسف زيدان يخالف الحقيقة التاريخية ، وهذا ما تقوم به الحركة الصهيونية ،

منذ مؤتمرها التأسيسي الأول عام 1897
المنعقد في مدينة بازل بسويسرا، إنكار وجود أي حضارة في فلسطين، وادعت أنّ فلسطين
هي أرض الميعاد (للشعب اليهودي) ومن أجل دعم هذه الفكرة أنكرت وحاولت طمس أي أثر
لوجود حضارة أخرى في فلسطين قبل دخول الإسرائيليين إليها من مصر
.

 فممّا
ينبغي التأكيد عليه أنّ  الكنعانيين والذين
جاء ذكرهم في التوراة هم عرب ساميون وسكنوا فلسطين قبل هجرة إبراهيم الخليل إلى
فلسطين من العراق
.[2]فهم أوّل من  استقروا في فلسطين وإليهم يعود تأسيس حضارة
فلسطين القديمة وترجع حضارة الكنعانيين إلى عصور موغلة في القدم فمنذ مرحلة العصر
الحديث التي تعود إلى8000 –  4000ق.م بدأت
هذه الحضارة تنمو في مختلف المجالات الاقتصادية و السياسية والفكرية وتتقدم في
مجال التمدن، وكان الكنعانيون أول من اكتشف النحاس الطري ثم اهتدوا إلى الجمع بين
النحاس و القصدير في إنتاج البرونز الذي ساعدهم في تطوير أدواتهم الصناعية
والحرفية، وبذلك كانوا السباقين في استخدام صناعة التعدين ممّا أعطاهم أدوات
وأسلحة فتاكة، وقد أصبح استعمال البرونز شائعًا في المدن الكنعانية منذ أواسط
الألف الثالث ق.م  وبدأوا يستعملون الحديد
منذ أواخر القرن الثاني عشر ق.م ويتجلى لنا مدى تقدم صناعة المعادن في بلاد كنعان
مما أورده الفراعنة المصريون في وصف الغنائم التي أخذوها من المدن الكنعانية أثناء
حربهم للشرق . وكانت الكروم و التين من المزروعات القديمة في كنعان ،  وتشير مدونات تحتمس الثالث إلى خصوبة أرض كنعان
مؤكدة أنّ النبيذ عند الكنعانيين كان موجودًا بكثرة تفوق الماء . وقد تقدم لدى
الكنعانيين عدا فن الصناعة وصناعة العاج والزجاج والنسيج الصوفي و القطني و صناعة
الأصباغ ولاسيما القرمز و الأرجوان , وقد اشتهر الكنعانيون بما ابتكروه من وسائل
الدفاع عن مدنهم،  فقد كرّسوا طاقاتهم
وجهودهم في سبيل اتقان الأساليب الحربية التي لازمتهم طيلة حياتهم بسبب النزاعات
والخصومات المستمرة بين دويلات المدن الكنعانية المنتشرة في أرجاء البلاد ، وبسبب
الغزوات التي يشنها الفاتحون من خارج البلاد ومن الوسائل التي برعوا فيها إنشاء
القلاع وما يرافقها من تحصينات دفاعية ولحاجتهم للماء في فترات الحصار فقد قاموا
بأعمال هندسية ضخمة لإيصال الماء إلى الحصن الذي شيده اليبوسيون (وهم فرع من
القبائل الكنعانية) سكان اورشليم (يبوس) الأصليون على الهضبة الشرقية من مدينة
القدس حاليًا ، وقد سميت المدينة باسمهم (يبوس)وأصبحت هذه التسمية مرادفة لأورشليم
مدينة اليبوسيين . وقد اقتبس الكنعانيون فن البناء من البابليين وخاصة بناء
الأقواس . والكنعانيون هم الذين اخترعوا السفينة واهتدوا إلى عمل الزجاج ووضعوا
(نظام الحساب) وأعظم عمل قام به الكنعانيون للحضارة هو اختراعهم الأبجدية الهجائية
التي تعتبر من أهم الاختراعات في العصور القديمة، بل في تاريخ الحضارة البشرية . وباختصار
يمكننا القول إنّ الكنعانيين العرب الذين هاجروا من الجزيرة العربية منذ أكثر من
5000عام ق.م ضربوا بسهم وافر في المدنية واشتهروا ببناء المدن المحصنة، واستعمال
العجلات الحربية والصناعات الحديدية، وعرفوا ازدهار التجارة وانتعاش الزراعة ،
وأقاموا مع جيرانهم علاقات اقتصادية وتجارية، ومن أبرز سلعهم الأخشاب والزيت،
واستعملوا الخشب في الأبنية والأثاث واستخدموا الدولاب في صناعة الفخار والخزف، والجدير
بالذكر أنّ النقوش المصرية المكتوبة على جدران معبد الكرنك ذكرت أسماء 119 مدينة
من مدنهم ؛ لذا لا عجب إذا وصفت فلسطين في التاريخ القديم بأنّها بلاد الخيرات
التي تدر لبنًا وعسلًا،
وقد اقتبس
العبرانيون هذا الوصف وذكروه في التوراة وكأنّه منسوب إليهم
.
أعلى النموذج
يقول الكاتب الامريكي يهودي الأصل (موشيه
مينوحين) في كتابه” انحلال اليهودية في عصرنا”،[3]
(منذ أكثر من أربعة آلاف سنة عاش الكنعانيون في فلسطين، وقد بنى الكنعانيون المدن
والقصور، واستعملوا الجياد 
والعربات، وأقاموا المعابد، وكانت بيوتهم
مبنية بشكل جيد وبصورة فريدة في ذلك الزمن البعيد،  وقد تكلم الكنعانيون لهجة أو لغة خاصة بهم
مشتقة من العربية الأولى ووجد ضمن حفريات مملكة اوغاريت (قرب رأس شمرا على الساحل
السوري) نماذج من الأبجدية المسمارية الخاصة التي كان الكنعانيون يستخدمونها، وهي
أقدم أبجدية عرفت في تاريخ البشرية، ويربو عدد المدن التي عثر عليها ورد أصلها
للكنعانيين في بلاد الشام عن 135 مدينة من أهمها أوغاريت (رأس شمرا)، جبيل، بيروت،
صيدا، صور، عكا، عسقلان، أسدود، غزة، قادش، بيت شان (بيسان)، بيت أيل، أريحا، أور
شالم /سالم (القدس)، حبرون (الخليل)، عجلون، يافا، شكيم (نابلس)، حلحول، المجدل،
بئر السبع وغيرها. كما وجد 1200 قرية تعود نشأتها للكنعانيين.

      هذا
وممّا يجدر ذكره
أنّ مدينة القدس كانت باستمرار محط أنظار
الدارسين التوراتيين والطامعين في الكنوز الأثرية ، إلّا أنّ كثرة المباني
التاريخية في المدينة ، وخيبة الأمل التي أصابت الكثيرين منذ أنّ عمل فيها الكابتن
الإنجليزي (تشارلز وارن) في عام 1867م بسبب صعوبة ربط آثارها بالحوادث التوراتية –
أدتا إلى فترة انقطاع عن التنقيب فيها، يقول الأستاذ فيصل صالح خير رئيس مركز
إحياء التراث الفلسطيني في مقال له عن القدس والآثار، نشر في جريدة الأسبوع
القاهرية بتاريخ 4/9/ 2000م: ” كل الشعوب والأمم التي كانت لها صلة بالقدس،
وما حولها، تركت آثارًا لها شاهدة على تلك الصلة إلّا اليهود ، فلم يعثر لهم على
أية آثار في القدس.. النطوفيون و الغسوليون والعموريون والكنعانيون واليبوسيون)
والمصريون والهكسوس والبابليون والآشوريون والفرس واليونان والرومان، كل هؤلاء قد
تركوا في القدس وما حولها آثارًا تدل عليهم إلّا اليهود لم يستطع اليهود العثور
على أي أثر يؤكد أطروحاتهم في وجود أناس يسمون” إسرائيليين أو عبريين”

والملاحظ أنّ الآثار
الفلسطينية لا تدل بشواهدها على مخلفات يهودية لسبب بسيط للغاية، وهو عدم استقرار
اليهود على أرض فلسطين بوجه عام، و للاستطلاع على المزيد حول آثار فلسطين وتناقضها
مع أسفار العهد القديم في كتاب آثار فلسطين ، تأليف حسين عمر حمادة ، ص 86 وما
بعدها ، طبعة دار قتيبة بدمشق لسنة1983م[4] .

                                            أحد أزقة صفد القديمة

                           برج وبلدة السموع جنوب الخليل

   

                               بعد ترميم البلدة القديمة بالظاهرية

                            بقايا جدران شكيم (نابلس)

                          
    والحقيقة هي أنّ اليهود هم الذين لم تكن لهم
حضارة
،
بشهادة  المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون في
كتابه عن اليهود والحضارة الذي أصدره عام 1889م؛ إذ أكّد أنَّ اليهود لم يكن لهم
علوم أو فنون، ولا حق لهم في الأرض التي يحاولون احتلالها، وهم غرباء عنها، وكل
تقاليدهم وعاداتهم ودياناتهم مستعارة ومقتبسة ومسروقة من الدول المجاورة لهم،
وقال:(إنَّهم وحوش وقساة ما نجده في التوراة من أنواع الوحشية والبدائية، في سفر
يشوع يقال لهم” اهلكوا جميع ما في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى الغنم
والحمير بحد السيف، وأحرقوا المدينة، وجميع ما فيها بالنار”، ينما نجد العرب
كانوا ينفذون وصية أبي بكر:” لا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا
امرأة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه” ويؤكد على هذا
المستشرق البريطاني بودلي في كتابه حياة محمد الذي صدر عام 1946م:” إنَّ
اليهود لا وطن لهم، وأنَّهم مشردون، وأنَّهم قدموا إلى يثرب بعد اضطهاد تيتس لهم
ونهبه لبيت المقدس سنة 70م، فإبراهيم جد إسرائيل وإسحاق والده عاشا غرباء في كنف
الكنعانيين، فالتوراة لا تذكر حركة من حركات إبراهيم وذريته إلاَّ مقرونة بالغربة” وتغرّب إبراهيم في أرض
الفلسطينيين أيامًا كثيرة
” “وسكن
يعقوب في غربة أبيه إسحاق في أرض كنعان”[5]وجاء يعقوب
إلى إسحاق أبيه إلى ممرا، قرية أربع، التي هي حبرون، حيث تغرب إبراهيم وإسحاق”
[6]
 فهذا
سأبحثه في المراجعات القادمة إن شاء الله؛ إذ لاتزال للمراجعات بقية.








[1]
.  شاهد الفيديو 
https://www.youtube.com/watch?v=9oJbDsG
 RN7I
[2] . إبراهيم الخطيب: الكنعانيون: نشأتهم، حضارتهم، ديانتهم وأثرها على
التوراة، الجزء الأول،
http://www.aljabha.org/?i=34798

[3]
. إبراهيم
الخطيب : مرجع سابق.
[4] .
أورشليم القدس في الفكر الديني الإسرائيلي: مرجع سابق، ص 55.

[5] . سفر
التكوين: الإصحاح 37: 1.
[6] . التكوين :الإصحاح 35: 27

Leave a Reply