د. سهيلة زين العابدين حمّاد
الثلاثاء 13/2/ 2018م

    أواصل
مراجعاتي على الدكتور يوسف زيدان، وتوقفتُ عند المراجعة الماضية عند قوله: ”
نبي الإسلام كان عايز اليهود يدخلوا الإسلام على أساس ديانة واحدة، ورفض يقارنه
بالنبي موسى، وصام عاشوراء” [1]
     ممّا
لا يدعوا إلى الشك  أنّ الديانات اليهودية
والمسيحية والإسلام ديانات سماوية مصدرها واحد، هو الخالق  جلّ شأنه، وتدرّج في إنزالها، و لم يُنزلها
دفعة واحدة للتدرج في التشريع، فجاء الإسلام خاتمة الأديان باكتمال التشريع (الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإسْلامَ دِينًا
) [2]

    وبعض التشريعات في الديانة اليهودية تمّ نسخها
وإنساءها للإتيان بخير منها أو  بمثلها،
وهذا المقصود من آية النسخ (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ
مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ
قَدِير) [3]
ومن
الآيات التي في شريعة موسى عليه السلام، ونُسخت مثلها طبق الأصل في شريعة الرسالة
المحمدية توضيحًا لقوله تعالى:(
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) قوله تعالى:(وَكَتَبْنَا
عَلَيْهِمْ فِيهَا أنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ…)[4]
 نلاحظ أنّ 
الشريعة الخاتمة جنحت إلى التخفيف في عقوبة القتل الخطأ، فجعلتها في أدنى
درجاتها صيام شهرين متتاليين لمن لم يجد الدية، بينما كانت في شريعة موسى عليه
السلام  تصل إلى النفى لإحدى ثلاث مدن
بعينها، وهذا يأخذنا قياسًا إلى قلع العين وكسر السن المتعمد وعقوبته المثل قصاصًا
كما في الآية، أما القلع والكسر الخطأ فبدفع مرتكبه تعويضًا ماديًا في الشريعة
الخاتمة، يتضح هذا من قوله تعالى:(
وَلَا
تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ
مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ
إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا)
[5](وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا
خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ..)[6]
أمّا قوله(نأت بخير منها
أومثلها) يوضحه
(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى
يبلغ أشده) [7]
فنسختها آيات خير منها  في شريعة الرسالة
المحمدية
(وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا
كَبِيرًا. وَإِنْ
خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى..)
[8](
إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي
بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[9]
كما نجد الإسلام نسخ رجم الزاني والزانية في
شريعة موسى عليه السلام بالجلد في سورة النور(
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا
طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
) [10]،
[11].
فكان الرجم متبعًا عند المسلمين إلى أن نسخته آية الجلد في سورة النور.
    كلنا يدرك أنّ الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم هو المبلغ لرسالة الإسلام خاتمة الأديان وهذا يعني انتقـال النبوة من بني
إسرائيل إلى بني إسماعيل؛ لذا جاء تركيز اليهود على هدم الإسلام في شخص نبي
الإسلام صلى الله عليه وسلم، فهاجموا الرسول صلى الله عليه وسلم من بداية دعوته،
وكانت عيونهم  تلاحقه منذ طفولته، ولما كان
لليهود دور كبير في توجيه دفة الفكر الغربي حيث شاءوا نجد ذاك الكم الهائل من
المؤلفات والدراسات عن النبي   صلى الله
عليه وسلم ،والمسيئة إليه  من قبل الغرب.
   وعندما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة المنوّرة  نظّم  العلاقات بين سكانها،  وكتب في ذلك كتابًا اصطلح عليه اسم 
دستور المدينة أو الصحيفة”، واستهدف هذا الكتاب
توضيح التزامات جميع الأطراف داخل المدينة من مهاجرين وأنصار 
)أوس وخزرج) ويهود ووثنيين، وتحديد الحقوق والواجبات،  كما نص على تحالف
القبائل المختلفة في حال حدوث هجوم على المدينة، 
وعاهد فيها 
اليهود
 ووداعهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم،
وعليهم عند تعرّض المدينة لأي عدوان خارجي أن يردوه مع المسلمين، ولكنّ اليهود لم
يلتزموا بما عاهدوا عليه، بل ألّبوا الأحزاب ضد الرسول صلى الله عليه وسلم
والمسلمين في المدينة المنورة ، إضافة إلى تآمرهم على قتله أكثر من مرة.
 وهذا يعني أنّ الرسول
صلى الله عليه وسلّم لم يكن هدفه الأساس دعوة اليهود في المدينة إلى الإسلام،
فدعوته عامة لكل النّاس، ومنهج الدعوة رسمه له الخالق جلّ شأنه في قوله تعالى : (ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [12]
وليس في منهجه في الدعوة أن يتصرّف من تلقاء نفسه، فالصلاة
واستقبال القبلة بتوجيه إلهي، فالله هو الذي يفرض الصلاة ، ويُحدِّد قبلتها، وليس
الرسول من تلقاء نفسه، أو أحد من الصحابة رضوان عليهم، أمّا صيام عاشوراء ، فهو
عادة قرشية كان يتبعها قبل الإسلام، وسار عليها بعد الإسلام حتى فرض الله على
المسلمين صيام شهر رمضان على المسلمين جميعًا في السنة الثانية للهجرة، قخيّر الرسول
عليه الصلاة المسلمين بين صيامه، أو تركه.
   وليس من منهج دعوته
أن يتقرّب لمن يدعوهم إلى الإسلام باتباعه لشرائعهم وعباداتهم، فلو كان هذا منهجه
لاتبعه من باب  أولى في مكة لإنقاذ من
أسلموا من تعذيب قريش لهم.
    أمّا عن إشارة الدكتور
يوسف زيدان إلى  صيام الرسول صلى الله عليه
وسلم يوم عاشوراء بعد حديثه عن رغبته في إسلام اليهود ، فأقول : 
أولًا : باعتبار الدكتور يوسف زيدان قارئ للتاريخ
اليهودي، هو بلا شك يعلم أنّه  لا يوجد صوم
عاشوراء لدى اليهود، فاليهود يصومون يوم الغفران أي يوم الكفارة وهو اليوم العاشر
من تشري (أكتوبر)، ويبدأ هذا العيد قبيل غروب الشمس من اليوم التاسع من تشري ،
ويستمر إلى ما بعد غروب شمس اليوم التالي ، فمدته حوالي27 ساعة، يجب فيها الصيام
ليلًا ونهارًا ، وعدم الاشتغال بأي شيء ما خلا العبادة ، واسمه بالعبرية ”
يوم كِبُّور” [13]،  وبداية هذه الشعيرة ترجع إلى عصور العبريين
الأولى، بل من الراجح أنّ الشريعة الموسوية نفسها قد قرّرت يومًا في السنة لحساب
النّفس، والندم على ما بدر من المؤمن من الخطايا ، والتكفير عنها لا بالصوم فقط،
بل بالذبائح والصلوات والأموال ورد المظالم إلى أهلها ، وطلب الصفح من المٌعْتَدَى
عليهم، وكان اسمه قديمًا ” يوم هَكِّبُّور ” أي يوم الكفّارات ، ولكن
حدث انقلاب خطير في فكر اليهود، وبعد تعرضهم للأسر الآشوري عام (
 697ق.م)، والأسر البابلي عام (586 ق. م) جعلوا من الغفران و التكفير
يُعلنون فيه نقضهم للعهود والمواثيق التي قطعوها لغير اليهود، وأفتى فقهاؤهم بأنّ
الدّاعي إلى ذلك كان إكراه اليهود على تغيير دينهم ، وشاع بين عوام اليهود أنّ يوم
الغُفران هذا يجوز فيه أكل الديون التي على اليهودي، وعدم أدائها ، وكما يجوز
الرجوع في كل وعد ، أو تعهد قطعه على نفسه طول السنة . [14]
  فما
علاقة صيام يوم الغفران لليهود  الذي تحوّل
إلى يوم إعلان نقض اليهود لعهود هم ومواثيقهم لغير اليهود بصيام الرسول صلى الله
عليه وسلم عاشوراء؟ فهذا اليوم كان يصومه في مكة، لأنّ من عادة قريش صيامه، فقد
أخرج  البخاري في صحيحه عن قتيبة بن سعيد
عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن عراك بن مالك

حدثه أنّ عروة أخبره عن عائشة رضي الله عنها أن قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فُرض رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من شاء فليصمه ومن شاء أفطر )[15]
وفي رواية أخرى عن عبدالله بن مسلمة عن مالك عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في
الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر
بصيامه، فلما فرض رمضان ترك
يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن
شاء
تركه  .”[16]
ثانيًا : مدة صيام اليهود ليوم الغفران 27 ساعة
متواصلة يبدأ من قبل غروب الشمس إلى اليوم التالي، ويصحبه ذبائح وصدقات بالأموال،
أمّا صيام المسلمين لعاشوراء فهو من أذان الفجر حتى أذان المغرب،  ولا يصحب الصيام   ذبائح وصدقات بالأموال.
ثالثًا : إنّ الطريقة القديمة للتقويم العبري،
فيما يبدو تجعل بدء السنة في فصل الربيع ، بل ربما كان بدء التاريخ إذ ذاك هو قصة
خروج موسى (عليه السلام) من مصر في الفترة التي يقع فيها عيد الفصح، وهو شهر نيسان
(إبريل) من شهر الربيع ، ولذلك جرت عادة اليهود حتى الآن عندما يسردون أسماء شهور
السنة يبدأوا بنيسان لا بتشرين، فيقولون : نيسان – آيار – سيوان- تموز – آب –
أيلول – تشري – حشوان – كسلو – طبت- شباط- آذار.[17]
فشهر تشري يمثل الشهر السابع في السنة العبرية
الذي يصوم اليهود في العاشر منه صيام يوم الغفران، بينما يصوم المسلمون يوم
عاشوراء  أي العاشر من شهر عاشور (محرم )،
وهو الشهر الأول  من السنة الهجرية.
رابعًا: عند اليهود إجازة في يوم الغفران لا
يعملون، بينما المسلمون يصومون عاشوراء ، ويذهبون إلى أعمالهم.
   وهكذا نجد أنّه لا يوجد  أي رابط بين صيام الرسول صلى الله عليه وسلم
ليوم عاشوراء ، وبين صيام اليهود ليوم الغفران، ولكن المستشرقين جعلوا صيام الرسول
صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء الذي يمثل العاشر من محرم الشهر الأول من السنة
الهجرية  لإرضاء اليهود ليدخلوا في
الإسلام، فصام هذا اليوم مثلهم، وهو لا علاقة له البتة بصيام اليهود ليوم العاشر
من تشري الذي يمثل  قبل غروب اليوم التاسع
من شهر تشري إلى  غروب شمس اليوم العاشر
من  شهر تشري الذي يمثل الشهر السابع من
السنة العِبرية، فهم كعادتهم ينسبون معظم عبادات وشعائر الإسلام إلى الديانة
اليهودية ، وبعضها ينسبونه إلى المسيحية ، أو ديانات فارسية.
 وللأسف  نجد الدكتور يوسف زيدان كثيرًا ما يردد أقوال
المستشرقين، بل نجده في بعض الأحايين يتفوّق عليهم في تزييف التاريخ ليسلب  من المسلمين حقوقًا لهم ليُعطيها لليهود  بدون وجه حق، فما قاله عن صوم النبي عليه
الصلاة والسلام عن صوم عاشوراء ، ما هو إلّا ترديدًا  
لما يقوله  المستشرقون قدماء ومحدثين انجليز وغير إنجليز،  فقد أجمع المستشرقون على أنّ الرسول صلى الله
عليه وسلم صام عاشوراء لما قدم إلى المدينة ورأى اليهود يصومونه، منهم  المستشرق اليهودي الألماني  كارل بروكلمان ؛ إذ يقول : “صحيح أنّه لم
يلغ صوم عاشوراء الذي اقتبسه من اليهود، والذي لا يزال بعض المسلمين اليوم يؤدونه،
جريًا على العادة تطوعًا واختيارًا، ولكنه أضاف إلى هذا الصوم صومًا  آخر معمولًا  به حتى اليوم يستغرق شهر رمضان بكامله، وهو
الشهر التاسع من أشهر السنة القمرية، وبينما يكتفي النصارى بمجرد الامتناع
عن أكل اللحم خلال صومهم الكبير، نجد أنّ محمداً كلف أتباعه الامتناع
عن كل ضرب من ضروب الغذاء طوال النهار، مانحاً إياهم، مقابل ذلك حرية الطعام بعد
المغيب، ولسنا نعرف حتى الآن ما إذا كان محمد قد اقتبس هذه الفريضة عن إحدى الفرض
الغنوسنية ، أم عن المانيين الذين نفذ مبشروهم إلى بلاد العرب أيضاً، فقد كان لا
يعرف شيئاً أو يكاد عن الحرانيين في العراق الذين كانوا يصومون كذلك في شهر آذار
تمجيداً للقمر  .”[18]
   
ويعتبر كارل بركلمان كغيره من المستشرقين 
أنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو المشرع لتشريعات الإسلام ،وأنّه حاول أن
يكسب ود اليهود بتكييف شعائر الإسلام مع شعائرهم فيقول: “تأثرت اتجاهات النبي
الدينية في الأيام الأولى من مقاله في المدينة بالصلة التي كانت بينه وبين اليهود،
وأغلب الظن أنّه كان يرجو عقب وصوله إلى المدينة أن يدخل اليهود في دينه، وهكذا
حاول أن يكسبهم عن طريق
تكييف شعائر الإسلام بحيث تتفق وشعائرهم في بعض المناحي فشرع صوم
عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، على غرار صوم اليهود في يوم الكفارة الذي
يقع عندهم في العاشر من شهر تشري[19]،
وبينما كان المؤمنون في مكة لا يصلون إلا مرتين في اليوم أدخل في المدينة على غرار
اليهودية أيضًا صلاة ثالثة عند الظهر[20]،
وإذا كان في وسعه ووسع أتباعه أن يقيموا الصلوات منذ عهده بالمدينة جهارًا وغير
إزعاج فقد عيَّن منادياً للصلاة يعرف بالمؤذن، وليس من شك أنّه قد بدأ بذلك
معارضته لكل من الديانتين الموحدتين، فبينما كان النفخ في الأبواق هو وسيلة الدعوة
إلى الصلاة في كنس اليهود الشرقية، كان النصارى يصطفون النواقيس الخشبية بدلاً من
أجراس الكنيسة، أمّا محمد فقد وقع اختياره إلى 
الصوت البشري لدعوة أتباعه
إلى  الصلاة، كذلك جعل يوم الجمعة يوم صلاة عامة على غرار السبت اليهودي، ولكنه خالف اليهود حين سمح للمؤمنين بأنّ ينصرفوا في ذلك النهار إلى شؤونهم الدينية قبل أداء الصلاة وبعدها  .”[21]
يلاحظ
تجاهله تمامًا أنّ صلاة المسلمين خمس صلوات وليس ثلاث ، ومذكورة في الآيتين 17.18
من سورة الروم ،وهي سورة مكية، كما فاته الفروق بين اليومين وبين الصياميْن، فلمجرد
أنّ عاشوراء في اليوم العاشر ، مثل يوم الغفران، جعل الرسول صلى الله عليه وسلم
صامه لإرضاء اليهود  تمامًا كما جعل
المستشرق البريطاني الفريد جيوم أنّ المسجد الأقصى الذي أُسري إليه الرسول من
المسجد الحرام هو المسجد الأقصى بالجعرانة قرب مكة ،وليس المسجد الأقصى الذي بالقدس،
والدكتور زيدان ردّد ما قاله هذان المستشرقان 
بشأن المسجد الأقصى وصوم عاشوراء ، كما ردد أقوال آخرين من مستشرقين ووضّاع
التوراة ليعطي شرعية لإدعاءات الصهاينة المحتلين في فلسطين والقدس والمسجد الأقصى
، بل أكثر من هذا في امتداد دولة الصهاينة من النيل إلى الفرات.
    والحقيقة
خلاف ذلك ، ففيما يختص بصوم عاشوراء الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن  يدحض تلك  المزاعم ما  سبق أن أوضحته بأنّه  لا يوجد رابط بين يوم عاشوراء عند المسلمين، ويوم
الغفران عند اليهود، هذا من جهة، ومن جهة أخرى 
أنّه لم يأخذه من اليهود، وإنّما كان معروفًا عند عرب الجاهلية، وكان
الرسول صلى الله عليه وسلم يصومه والمسلمون، وعندما فُرض صيام شهر رمضان في السنة
الثانية للهجرة ، خيّر المسلمين بين صيامه، وبين عدم صيامه.
    وأشك
أنّ الدكتور يوسف زيدان يجهل كل هذه الحقائق عن 
صيام يوم الغفران عند اليهود، مدته وما يصحبه  وترتيب شهر تشري بين شهور السنة العبرية، وما
يصحب هذا الصيام من ذبائح وصدقات، وكيف تحوّل إلى يوم إعلان نقض العهود والمواثيق
مع غير اليهود، وعدم رد لهم ديونهم، ومع هذا يردد مزاعم المستشرقين، ويُنسب للرسول
صلى الله عليه وسلم صيامه هذا اليوم إرضاء لليهود ليجذبهم إلى الإسلام، مع أنّه
يعلم أنّ هذا يُخالف منهجه عليه الصلاة و السلام في الدعوة  إلى الإسلام ، ثُم لو كان صامه لإرضاء اليهود
لماذا لم يلغ صيامه عند عدم إسلامهم، مثلما زعم المستشرقون أنّه حول القبلة من بيت
المقدس إلى الكعبة المشرّفة لعدم دخول اليهود الإسلام
.؟
  أمّا عن
قول ” كارل بروكلمان عن فريضة صيام شهر رمضان :” ولسنا نعرف حتى الآن ما
إذا كان محمد قد اقتبس هذه الفريضة عن إحدى الفرض الغنوسنية ، أم عن المانيين
الذين نفذ مبشروهم إلى بلاد العرب أيضاً، فقد كان لا يعرف شيئاً أو يكاد عن الحرانيين
في العراق الذين كانوا يصومون كذلك في شهر آذار

تمجيداً
للقمر
  هذا و نلاحظ
عند حديث الدكتور يوسف زيدان عن الديانة الزرادشتيه عند قراءته لكتاب نيتشه عن
زرادشت ألمح إلى صيام الزرادشتيين وصلاتهم ، فقال يصلون خمس صلوات ، ويصومون
رمضان، وعندما قال له الأستاذ عمرو متسائلًا : هم يصومون رمضان ؟ فقال د. زيدان مستدركًا
: “لا أقصد يصومون شهرًا،” فمقولته لم تكن زلة لسان، ولكنه أراد أن يوحي
بطريق غير مباشر أنّ المسلمين يصومون شهر رمضان مثل الزرادشتية، وكذلك يُصلون
الخمس صلوات، بعدما نبّهته أنّ عدد صلوات اليهود ثلاث صلوات، وليس خمس صلوات، كما
ذكر في محاضرته” خرافة المسجد الأقصى” بأنّ الصلاة فرضت في المدينة،
وصلى المسلمون كاليهود خمس صلوات . والحقيقة التي غابت عن المستشرق اليهودي الألماني
” كارل بروكلمان” وسائر المستشرقين ، وكذلك غابت د. زيدان   أنّ
الله لم يخلق الخلق هملًا بدون رسل وأنبياء يوجهونهم لعبادته وقيم العدل والخير ،
فالغاية العليا من خلقه الخلق عبادته( وما خلقتُ الجنّ والإنس إلّا ليعبدون) [ الذاريات:
56] ولذا ما خلق أمة إلّا وأرسل لها نذير( إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ بِٱلْحَقِّ
بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) [ فاطر :
24]
وهذه الرسل منهم ذكرهم الله في القرآن الكريم،
ومنهم لم يذكرهم (قَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا
عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن
يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ
وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ )[غافر : 78]
والزرادشتية من أقدم الديانات التوحيدية في العالم، إذ ظهرت في بلاد فارس قبل 3500 سنة، وممّا لاشك فيه أنّ
زرادشت تأثر بدعوة من أتاهم من رسل بفرض خمس صلوات ،وصيام شهر كامل، فإن صلى
المسلمون خمس صلوات، وصاموا شهر رمضان
فليس اتباعًا للزرادشتية ، وإنّما لأنّ الله فرضها عليهم، كما فرضها
على أمم من قبلهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم أمي لا يقرأ ولا يكتب، فكيف علم
بصلاة وصيام الزرادشتية. لولا أنّ الله الذي فرض على تلك الأمم  الصلاة خمس صلوات وصيام وصيام شهر كامل  فرضها على المسلمين؟
للمراجعات صلة.
البريد اليكتروني: Suhaila_hammad2@hotmail.com



[1] .  برنامج
” كل يوم” أثناء قراءته لكتاب الدكتور إسرائيل ولفنسون ” تاريخ
اليهود في بلاد العرب، شاهد الفيديو”
https://www.youtube.com/watch?v=9oJbDsGRN7I
[2] . المائدة: 3.
[3] . البقرة : 106.
[4] . المائدة : 45.
[5] . الإسراء: 33.
[6] . النساء : 92.
[7] . الأنعام : 152.
[8] . النساء : 2، 3.
[9] . النساء : 10.
[10] . النور: 2.
[11] . وأدلة نسخ الرجم بالجلد كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، ولدى بحث في هذا
الموضوع.
[12] . النحل : 125.
[13] .د. حسن ظاظا: الفكر الديني اليهودي ” أطواره ومذاهبه”،
ص 168، ط2، 1407ه/1987م، دار القلم – دمشق، دار العلوم – بيروت.
[14] . المرجع السابق : ص 169.
[15] صحيح البخاري ص 31كتاب الصوم .
[16] المصدر السابق  :
3/57.
[17] . د. حسن ظاظا: الفكر الديني اليهودي ” أطواره
ومذاهبه”، ص 164.
[18] – كارل بروكلمان : تاريخ الشعوب العربية ، ص 48.
[20] . يُكذِّب قوله هذا آيتي 16، 17 من سورة الروم ، وهي سورة مكية ( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ.
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ
تُظْهِرُونَ) 
[21] . كارل بروكلمان: تاريخ الشعوب العربية، ص 48.

Leave a Reply