سهيلة زين العابدين حمّاد
السبت 25/11/2017م


   يدور الجدل في مجتمعنا السعودي حول راتب الزوجة هل من حق الزوج أن
يأخذ نصيبًا منه، أو هل على الزوجة أن تُسهم بجزء من راتبها في مصروف البيت؟
  وللأسف
نجد من فقهائنا من يتحدث عن الحبس الزوجي الذي قاله بعض الفقهاء الذي يعطي الحق
للزوج أخذ ما تكتسبه الزوجة من مال من عملها التكسبي، أو جزء منه، وألزمها البعض
بتحمّل ثلث مصاريف البيت  تحت ذريعة أنّ
وقتها ملك لزوجها، وما تقضيه من وقت في عملها التكسبي هو أصل ملك لزوجها، فهي
محبوسة له، وبهذا حرموا الزوجة حتى من مالها، وحتى إن شاركت زوجها في مالها، أو
عملت على تنمية دخل زوجها، فلا يُحسب هذا لها عند طلاقها، ولا عند وفاة تزوجها،
فتوزع تركته التي تكوّنت بكدها وسعيها مع زوجها في تنميته، مخالفين بذلك هذه
الآيات:

 (لِّلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ)[النساء:32](وَأَن
لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ)[النجم:39] (وَلَا تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ
لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة:188] ولو كان هناك حبس زوجيًا لما خص الله جل شأنه النساء في أنّ لهنّ نصيبًا ممّا
اكتسبن، وذلك للتأكيد على حقهن فيما اكتسبن. ولما قال(وأنّ ليس للإنسان إلّا ما
سعى) والإنسان تشمل الرجل والمرأة زوجة كانت أو غير زوجة؛ لذا نجد سيدنا عمر بن
الخطّاب رضي الله عنه حكم بنصف مال الحارث بن عمر لأرملته حبيبة بنت زريق، ثم
توزيع النصف الباقي على الورثة، مع عدم إسقاطه حظّها من الإرث، وهذا يُسمي حق الكد
والسعاية، أو حق” الشقا”، وذلك لأنّ حبيبة  كانت نساجة طرّازة، وكان زوجها يتاجر فيما
تنتجه وتصلحه حتى اكتسبا من جراء ذلك مالًا وفيرًا. ولما مات الزوج وترك المال
والعقار فإنّ أولياءه تسلموا مفاتيح الخزائن. إلّا أنّ الزوجة نازعتهم في ذلك.
وحين اختصموا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنّه قضى لحبيبة بنصف المال، واعتبر
الباقي إرثًا يوزع على الورثة، وهي من ضمنهم لها حظّها من الإرث.
 وهذا
الحكم تجاهله تمامًا كثير من الفقهاء، بل عتّموا عليه إلّا أنّ فقيهًا مالكيًا
مغربيًا عاش في القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، وهو “أحمد بن
عرضون”، وكثيرًا ما يقع الخلط بينه وبين أخيه “محمد” لأنّهما كانا
أبرز فقهاء عصرهما، وكلاهما شغل منصب القضاء عدة سنوات، وكلاهما ألف وأفتى، إلّا
أنّ صاحبنا هذا كان أكثر انتاجًا من أخيه الذي برز في ميدان الحساب والشعر، وتوفي
“أحمد” قبل أخيه سنة 992 هـ بينما توفي أخوه محمد سنة 1012هـ
فقد أفتى القاضي” أحمد بن عرضون”
المشهور بالعدل والاستقامة، ويتمتع بمكانة علمية عالية بحق” الكد والسعاية
للزوجة”، ولم يجرؤ أحد قبله من علماء المغرب بإصدار هذه الفتوى، وملخصها: أنّه
لما كانت المرأة تعمل الى جانب زوجها في الريف المغربي آنذاك – ولا يزال الأمر إلى
اليوم – فهي تقوم بنفس العمل الذي يأتيه الرجل من حرث ودراسة، وحصاد وكل الأشغال
الشاقة خارج البيت، فضلًا عن الوظيفة المنزلية – فإنّ “ابن عرضون” رأى
أنّه من الظلم و الحيف أن لا يعطى المرأة نصيب من تلك الثروة المشتركة بينهما حين
حصول الطلاق أو الوفاة، وقد كان ولتشريع الفقهي المعمول به يحرم المرأة من كل جهدها
وثروتها فتذهب أدراج الرياح، و تخرج من البيت كما دخلته أول مرة أو أضعف وأوهن.
وعليه تشير الفتوى إلى ضرورة اقتسام الثروة على النصف بينهما حين الوفاة أو
الطلاق، ثم تأخذ حظها من الميراث من النصف الباقي إمّا الثُّمن فيما بقي إن كان
للزوج أولاد أو الربع في حالة عدم وجود أولاد، وذلك حين الوفاة، وهي لا تزال في
العصمة،  عملًا بفتوى عمر بن الخطّاب رضي
الله عنه.
للحديث صلة.
البريد اليكتروني:          Suhaila_hammad@hotmail.com

Leave a Reply