سهيلة زين العابدين حمّاد  
السبت 4/22/2017م

  من المؤسف أنّ الوصاية المجتمعية الذكورية على المرأة منذ بداية
الدولة الأموية إلى عصرنا الراهن حال دون وصول المرأة الفقيهة العالمة إلى  الإفتاء والقضاء إلّا ما ندر، فليس من المعقول
وجود هذا الكم من الفقيهات العالمات اللاتي علّمن فقهاء ومنهم من أئمة المذاهب،
أمثال الشافعي وأحمد بن حنبل وابن حزم، ولا يتصدرّن للفتوى والقضاء،


 بل نجد أحد
الفقهاء تلقى العلم من نساء، ورفض أن تكون 
إحدى شيخاته مفتية، كما نجد من الفقهاء اشترطوا الذكورة في ولاية القضاء مع
عدم وجود  نص شرعي بذلك لإبعاد المرأة عن
ولاية القضاء، وعندما ولّت أم الخليفة المقتدر العباسي(282- 320هـ)التي تولت زمام
أمور الدولة لصغر سنه وصيفتها” ثمل”(ت: 315 هـ/928م) دار المظالم برصافة
بغداد أي عيّنتها في منصب قاضي القضاة في الزمن المعاصر؛ إذ وجدت فيها الذكاء والعلم
في أمور الدين.



                                               القاضية ” ثمل”
 وقد استاء الناس من تعيينها غير أنّ القاضي أبا الحسن ابن الأشناني
ساعدها في تخطي رفض الناس بإبراز ثقته بها. فبدأوا يثقون بها، وعندما رأوا قدرتها
على الحكم بينهم توافد إليها الناس لتحكم بينهم،
وخرجت
التوقعيات وعليها خطها، وكان يحضر مجلسها القضاة والفقهاء والأعيان، بعض المؤرخين
وعلماء الدين كالطبري(ت:310هـ) والذي عاصر ثمل القهرمانة في بغداد، كتب بأنّ “ثمل”
قامت بمهمتها خير قيام، وبأنّ رفض الناس الأوّلي لتوليها القضاء تحوّل لاحقًا إلى
محبة بسبب الإصلاحات التي قامت بها.

  ومن الطبيعي أن يكون البعض
في ذاك العصر مستغربًا من نجاحها في مهمتها كقاضية فهناك من الرجال في ذاك الزمن
لم يكونوا يريدون ممارسة المرأة لحقوقها التي منحها إياها الخالق جل شأنه، ويرون
في أحكام ثمل :الشدّة، لأنّها تعدل بين الناس وكانوا يتوقعون منها أن تطلق سراح
الكل، وأن لا تستطيع أن تقيم الحد لأنّها ليست رجلًا، ويعود هذا إلى موروثاتهم
الثقافية التي تربوا عليها والتي كوّنت نظرتهم إلى المرأة، مثل القاضي أبو علي
المحسّن بن علي التنوخي ذكر في كتاب “الفرج بعد الشدة” بأنّ “ثمل” كانت موصوفة
بالشر والإسراف في العقوبة
.
أمًا ابن حزم الاندلسي وضع تولي ثمل القضاء من ضمن أحداث اعتبرها من“ غرائب
الدهر” في التاريخ الإسلامي، وممّا يثير الدهشة هذا الموقف من الفقيه ابن حزم، مع
أنّه كان للنساء دور بارز في تثقيفه وتربيته؛ حيث علمنه القرآن الكريم والقراءة
والكتابة والشعر وظلّ في رعايتهن حتى مرحلة البلوغ.
وتنحّت من عملها في عام (309هـ/ 922)
 ونلاحظ هنا أمران:
أولهما: أنّ امرأة هي التي عيّنت قاضية، فلو كان الأمر بيد رجل لما
عيّنها، مع أنّها أثبتت نجاحها وتفوقها، وهذا سبب ندرة تولي المرأة القضاء والإفتاء
لتحكّم الرجل في أمر توليها، وليس لعدم جدارتها، فإن كان فقيهات علّمن فقهاء ومن
أئمة المذاهب ألا يجدر بهن أن يكنّ قاضيات ومُفتيات؟
ثانيهما: أنّ القاضي أبا الحسن ابن الأشناني ساعد القاضية
“ثمل” في تخطي رفض الناس بإبراز ثقته بها، وكان يحضر مجالسها قضاة
وفقهاء، ولو كان محرّم شرعًا ولاية المرأة للقضاء لما ساعدها القاضي الأشناني،
ولما حضر مجالسها القضاة والفقهاء.
أمّا عن عدم قبول شهادة المرأة في الجنايات فهو
لا يستند على نص شرعي، وإنّما مجرد اجتهاد من بعض الفقهاء تناقله وردده الآخرون،
وأصبح كأنّه من الثوابت الشرعية، رغم أنّ فقهاء لم يأخذوا به مثل القائلين بالجواز
المطلق لولاية المرأة للقضاء، وقد أخذت به دول إسلامية مثل المغرب وماليزيا واليمن
الجنوبي قبل الوحدة اليمنية، والقاضيتان الأردنية والتونسية رشحتا لعضوية المحكمة
الجنائية الدولية، ويلاحظ أنّ دولًا مثل المغرب وتونس واليمن التي أطلقت ولاية
المرأة للقضاء تسود فيها المذاهب التي لا تجيزها على الإطلاق،

 لذا نأمل من الجهات صاحبة الاختصاص أن تُولِي أمر ولاية المرأة
للإفتاء والقضاء عنايتها، لتشجيعها، وتنوير المجتمع بعلمها وفقهها، خاصة وأننا نجد
بعض الدول العربية والإسلامية عيّنوا قاضيات يحكمن بين الناس
، فمثلًا بدأ
تعيين المرأة السودانية في القضاء منذ عام 1965م، وأصبح الآن لدى السودان حوالي 89
قاضية في الدرجات العليا.

Suhaila_hammad@hotmail.com
المصدر
: جريدة المدينة
http://www.al-madina.com/article/520143/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%A1-(2)

Leave a Reply