د. سهيلة زين العابدين حمّاد
الثلاثاء 19/7/ 2016م

   أواصل مراجعاتي على
برنامج صحوة الرمضاني الذي أذيع  في
قناتي  روتانا خليجية ومصرية، وقّدمه
الدكتور أحمد العرفج  مع ضيفه الدائم
المفكر الدكتور عدنان إبراهيم.
وستكون مراجعاتي في هذا الجزء تكملة مراجعاتي على مقولة
الدكتور عدنان إبراهيم : ” لو سُئلتُ 
من أكثر إحكامًا عدلًا وتطورًا شورى 
المسلمين في الخلافة الراشدة أم الديمقراطية الحالية
؟ لقلت الديمقراطية الحالية… شورى الراشدين تؤبد
الخليفة، وأنا غير متعاطف مع هذا … هم ( يقصد غير المسلمين) الذين أوجدوا
الديمقراطية وقعّدوا ونظّروا لها ، ووضعوا أحكامها.”
لقد بيّنت في الجزئيْن السابقين عدالة حكم الخلافة الراشدة،
وسأتحدّث في هذا الجزء عن عدالة الديمقراطية الغربية الحديثة.
   أمّا عدالة الديمقراطية الغربية الحديثة ، لي وقفات
طويلة عندها، بعد التعرّف على تاريخها،

فمصطلح الديمقراطية بشكله
الإغريقي القديم- تم نحته في أثينا
القديمة
في القرن الخامس قبل الميلاد
والديمقراطية الأثينية عمومًا يُنظر إليها على أنّها من أولى الأمثلة التي تنطبق
عليها المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي. كان نصف أو ربع سكان أثينا
الذكور فقط لهم حق التصويت، ولكن هذا الحاجز لم يكن حاجزًا قوميًا، ولا علاقة له
بالمكانة الاقتصادية
، فبغض النظر عن درجة فقرهم كان كل
مواطني أثنيا أحرار في التصويت والتحدث في الجمعية العمومية. وكان مواطنو أثينا
القديمة يتخذون قراراتهم مباشرة بدلاً من التصويت على اختيار نواب
ينوبون عنهم في اتخاذها. وهذا الشكل من الحكم الديمقراطي الذي كان معمولًا به في
أثينا القديمة يسمى بالديمقراطية المباشرة أو الديمقراطية النقية. وبمرور الزمن
تغير معنى “الديمقراطية” وارتقى تعريفها الحديث كثيرًا منذ القرن الثامن
عشر مع ظهور الأنظمة “الديمقراطية” المتعاقبة في العديد من دول العالم.

    فالديمقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه،
لكن كثيراً ما يطلق اللفظ علَى الديمقراطية
الليبرالية
لأنّها النظام السائد للديمقراطية في دول الغرب، وكذلك
في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ
“الديمقراطية” لوصف الديمقراطية
الليبرالية
خلطًا شائعًا في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق،
فالديمقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي
للسلطة وحكم الأكثريّة، بينما الليبرالية
تؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقليات، وهذا نوع من تقييد الأغلبية في التعامل مع
الأقليات والأفراد بخلاف الأنظمة الديمقراطية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل
هذه الحماية والتي تدعى بالديمقراطيات
الليبرالية
، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في اُخرى يظهر في العلاقة بين
الديمقراطية والليبرالية
، كما قد تختلف العلاقة بين
الديمقراطية والعلمانية
باختلاف رأي الأغلبية.
وتحت نظام الديمقراطية
الليبرالية
أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد والعشرين
ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتين والهند وأنحاء أخرَى. بينما
يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعَا آخر من الديمقراطيّة (كالصين
التي تدعي الديمقراطية
الشعبية
). فالديمقراطية تتناقض مع أشكال الحكم التي يمسك شخص واحد فيها
بزمام السلطة ، أو حيث يستحوذ على السلطة عدد قليل من الأفراد، كما هي الحال في الأوليغارشية.
ومع ذلك، فإنّ تلك المتناقضات المورثة من الفلسفة الإغريقية [1]،  هي الآن أفكار غامضة لأنّ الحكومات المعاصرة قد
تحتوي على عناصر من الديمقراطية والملكية  وأوليغارشية مختلطة معاً. كارل بوبر
يعرف الديمقراطية على النقيض من الديكتاتورية
أو الاستبداد، وبالتالي فه
ي تركز على الفرص المتاحة
للناس للسيطرة على قادتهم والاطاحة بهم دون الحاجة إلى ثورة.
 أشكال الديمقراطية
  توجد عدة أشكال للديمقراطية، ولكن هناك شكلان
أساسيان، وكلاهما يهتم بكيفية تحقيق ارادة مجموع المواطنين المؤهلين لتلك الممارسة.
إحدى نماذج الديمقراطية هي الديمقراطية
المباشرة
، التي يتمتع فيها كل المواطنين المؤهلين بالمشاركة
المباشرة والفعالة في صنع القرار في تشكيل الحكومة. في معظم الديمقراطيات الحديثة،
يظل مجموع المواطنين المؤهلين هم السلطة السيادية في صنع القرار، ولكن تمارس
السلطة السياسية بشكل غير مباشر من خلال ممثلين منتخبين، وهذا ما يسمى الديمقراطية
التمثيلية
،  نشأ مفهوم
الديمقراطية التمثيلية إلى حد كبير من الأفكار والمؤسسات التي وضعت خلال العصور
الأوروبية الوسطى
، وعصر
الاصلاح
، وعصر التنوير،
والثورات
الأمريكية
والفرنسية.[2]
الديمقراطية الغربية دينية
الباطن، وعلمانية الظاهر
 هذا وإن كان همّ الذين هاجموا دولة الخلافة
الراشدة بأنّ شوريتها، ونظام الحكم فيها أقل تطورًا من الامبراطورية الرومانية
وعدلها أقل إحكامًا من عدالة الديمقراطية الغربية، هو جعل الدين الإسلامي دين
عبادات، فالإسلام ليس بحاجة إلى دولة ليلتزم النّاس بتعاليمه، بدليل مسلمي أوربا
ملتزمون بالإسلام، وهم في دول غير إسلامية، فهم يروْن أنّ القرآن الكريم لم يتحدث
عن السياسة والاقتصاد، إلّا في آيات قليلة لا تشكل نظامًا سياسيًا واقتصاديًا تقوم
عليه دولة، وذلك لسعيهم إلى إقامة الدول العربية والإسلامية على النظام الديمقراطي
العلماني الغربي، لتوظيف كثير من الحكام المسلمين والأحزاب والجماعات الدين لخدمة
أغراضهم السياسية، وأنا أتفق معهم في أنّ الإسلام وُظِّف لخدمة السياسة، ولكن لا
يعني هذا أنّنا نُنكر وجود نظام سياسي واقتصادي في الإسلام مثبت بآيات قرآنية ،
ودولة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة خير دليل على ذلك، وقد بيّنتُ
في الأجزاء الأربعة السابقة النظام السياسي للإسلام الذي بُني على آيات قرآنية
قطعية الدلالة، وسأبيِّن في أجزاء لا حقة النظام الاقتصادي في الإسلام. فأقول
لهؤلاء : إنّ الديمقراطية الغربية  الحديثة
لم تتحرر من الدين ، فهي في باطنها وأسسها دينية، وفي ظاهرها علمانية ، فمن
المفترض في الديمقراطية الغربية أن تكون علمانية تقوم
على فصل الدين عن الدولة.. ولكنّ الحقيقة أنّ الأحزاب المؤسسة للسياسة الغربية
الديمقراطية تزخر بالتيارات الدينية اليهودية والمسيحية!!
 ففي حين ينشط العلمانيون العرب في سلخ الأمّة
العربيّة من عروبتها وأصالتها ومن الإسلام، نجد الديمقراطية الغربية قائمة على تلك
الأحزاب الدينية بل والمتطرفة.
وإذا ما أخذنا بريطانيا
كدراسة حالة، عن طريق دراسة ساهجال ويوفال- ديفيز، نجد الملكة هي الرئيس الرمزيّ
للكنيسة الإنجليزية.. بل إنّ هيئة الكنيسة العليا تسهم في مجلس اللوردات بشكل
فعال، وهناك قوانين الكفر (التجديف)
Blasphemy law التي تمنع التعرض للكنيسة
والمذهب الأنجليكاني المسيحي، بينما تبيح هذه القوانين هذا الأمر ضد الديانات
الأخرى!!
كما أنّ المسيحية أعطيت
من خلال مرسوم إصلاح التعليم الصادر سنة 1988 مكانة قانونية وأيديولوجية تجعلها
تجسّد الثقافة والهوية القوميتين.
وبهذا صار متّبع
الديانات الأخرى مواطنًا ناقص الأهلية!!
ولذلك استخدم الحزب
المسيحي الديمقراطية الليبرالية لخدمة أهدافه فجاء المنع في فرنسا وبريطانيا
للطالبات المسلمات من لبس الحجاب أو غطاء الرأس، في الوقت الذي لا يُمنع اليهوديّ
من لبس شودره وقلنسوته ورباط الرأس!
هذه هي العلمانية
الغربية: صليبية جديدة بغطاء التحرر والتمدن!!
ولذلك وفي أغلب دول
أوروبا الغربية الأخرى ـ غير بريطانيا وفرنسا ـ فإنّ التيار السياسي السائد فيها
هو التيار المسيحي الديمقراطيّ.. وبعد الحرب العالمية الثانية استطاعت الأحزاب
المسيحية أن تفوز في الانتخابات في أغلب دول أوروبا الغربية، ولم تقلّ هذه الأحزاب
عن ثلث أصوات الناخبين!
ومبدأ هذه الأحزاب
المسيحية يقوم على الشخصانية (
personalism) الذي يقول: بأنّ الإنسان يحقق
طموحه من خلال قيامه بمسؤولياته تجاه الأسرة والجماعة الوطنية، وهو ما يتعارض مع
مبادئ الحرية الليبرالية المبنية على الحرية الشخصية!!..
وأمّا بقية مبادئ
هذه الأحزاب الدينية، فهي مستمدة من تعاليم الكنيسة الكاثوليكية!
  وممّا يؤكد ارتباط الديمقراطية الغربية بالدين مقولة الرئيس الأمريكي
وليام ما كينلي (1898م) : ” نحن لم نذهب إلى الفلبين بهدف احتلالها، لكن
المسألة أنّ السيد المسيح زارني في المنام ، وطلب مني أن نتصرف كأمريكيين ، ونذهب
إلى الفلبين لكي نجعل شعبها يتمتع بالحضارة.”
  وهذا المقولة تذكرنا بوصف جورج بوش الابن
”  احتلال أفغانستان والعراق بأنّها حملة
صليبية على الإرهاب. وقد أطلقت الإدارة الأميركية على حرب أفغانستان مسمى (النسر
النبيل) وهي تسميةٌ أُطلقت على إحدى الحملات الصليبية القديمة.
    والملاحظ أنّ القوات الأميركية  لا تنشط 
في معظمها إلّا في الأراضي العربية والإسلامية ، وذلك لأنّ أميركا محكومة
بالصهيونية المسيحية التي تضع سياساتها على أسس دينية بحتة، كما يُلاحظ أنّ الائتلاف
المسيحي كان هو الداعم الأكبر لحزب الرئيس بوش.
  وهكذا نجد أنّ المسيحية مقبولة في السياسة  في الدول
الديمقراطية ، مع أنّ تعاليم المسيحية تستند على التشريعات اليهودية، في حين نجد
من المسلمين رافضين التشريعات السياسية في الإسلام.
  هذا هو النموذج الغربي العلمانيّ الديمقراطيّ، يحمل طابعًا
دينيًا ورجعيًا، ممّا يجعل أحلام السيد (فوكوياما) تتبدّد، لأنّ النموذج الذي تنبأ
بأنّه سوف يعمّ العالم ليس إلّا نموذجًا تجريديًا مثاليًا لم يُطبق لحظة على وجه
الأرض!.. لأنّ الأحزاب التي تشارك في الحكم الآن في أوروبا معادية للديمقراطية، أو
متمسكة بها ولكن عبر صيغ ليبرالية محافظة أو متدينة مسيحية، تتبنى ضمنًا أو صراحة
روح التمييز بين المواطنين على أساس الدين والمنشأ والمعتقد. واللون. هذه الأحزاب
الدينية في أوروبا هي الحاكمة، والتي يتمثلها العلمانيّ العربيّ “المتحذلق ”
لاهثًا وراء السيد الغربيّ، ولو دخلوا جحر ضب لدخله!
 الآن في أوروبا يثبّت اليمين الديني أقدامه على
الساحة السياسية شرقها وغربها، وتتلاحم صفوفه من اليمين المحافظ الرجعي العنصري
إلى يمين الوسط، في حين تتفتت قوى اليسار وتتوزع على ألوان الطيف السياسيّ.
ولذلك لا نستغرب أن يصل
(بوش) للحكم في أمريكا، مع  محدودية ذكائه  لوجود زمرة شريرة تحيط به تحرّضه على تدمير
العالم، إلا إنّه صعد، لأنّه مارس لعبة الكبار، بواسطة دعم اللوبيات الصهيونية
التي تملك رأس المال، وشاشة التلفاز وزمام الإعلام.
  وهذا يكشف لنا الخلل في نظام الانتخابات في
الدول الديمقراطية، فالذي يختار رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية اللوبي الصهيوني،
وليس الشعب الأمريكي.
أصحاب السلطة في الدول
الديمقراطية من الطبقة البروجوازية الرأسمالية
 الديمقراطية الغربية أصبحت مفهومًا شكليًا يخفي
وراءه ديكتاتورية الطبقة البورجوازية الرأسمالية، فأصحاب السلطة والقرار في هذه
المجتمعات التي تسمي نفسها ديمقراطية هم فعليًا أصحاب المليارات والملايين، وليس
عامة الشعب، ولا حتى الطبقة الوسطى.
علاقة الديمقراطية
بالديكتوتارية
لقد وصل (أدولف هتلر)
إلى حكم ألمانيا عن طريق الانتخابات الديمقراطية..  لأنّه أعجب الناخب الألمانيّ.. لقد لعبها هتلر
بشكل جيد، فوصل ثم نكسها من ديمقراطية إلى نازية دموية!
تشترك الديمقراطيّة
والديكتاتوريّة أيضًا في نهب الثروات وتكديسها في يد القلة.. ففي الديمقراطية
يسخّر النظام الرأسمالي الأكثرية الفقيرة للأقلية الغنيّة.. ولذلك لا عجب إذا وجد
30% في أمريكا تحت خط الفقر!
وأيضا يشتركان في وجود
الفساد الإداري، فما حصل للشركات الأمريكية النفطية وغيرها بعد حادثة 11 سبتمبر
خير دليل على السرقات والفساد الإداري، مثلما هي الحال في الأنظمة الديكتاتورية.
أيضا يشتركان في تصعيد
لغة العنصرية، وتهميش حقوق الأقلية والعرقيات، كما يشتركان في تصعيد الحروب وتدمير
البلدان، وهذا أمر لا يحتاج إلى مثال، لكن الفرق بين الديمقراطية والديكتاتورية
هنا، أنّ الديمقراطية تشعل الحروب والدمار والفتن ، وتحتل دول  باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان ، والدكتاتورية
تشعلها باسم الفرد الطاغية!!!
عدالة الديمقراطية
الغربية
والأسئلة التي تطرح
نفسها هي : أين هي العدالة في الديمقراطية الغربية التي تعطي ل
وزير الخارجية البريطاني جيمس بلفور حق منح  اليهود وعد بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ،
وتشريد الشعب  الفلسطيني بأكمله أصحاب
الوطن الحقيقين؟ بأي حق يعطي مثل هذا الوعد لأرض ليست بأرضه؟
أين هي عدالة الديمقراطية الغربية في
احتلال بلاد عربية وأفريقية وآسيوية  واستعباد شعوبها، ونهب خيرات بلادهم؟
أين هي عدالة الديمقراطية الغربية في قذف أمريكا
قنبلتيّن نوويتيّن على هيروشيميا ونجازاكي  لإلزام اليابان على الاستسلام لها بلا شروط ،
وقُتل  زهاء 120,000 شخص من جراء  انفجار القنبلتيْن  النوويتين  وأعداد أكثر فيما بعد نتيجة التأثيرات الإشعاعية للقنبلة
النووية
وكان 95% من الضحايا مدنيين.
أين عدالة الديمقراطية الغربية في الحرب الفياتنامية؛ إذ بلغ أعداد جرائم الحرب
الموثقة لدى البنتاجون 360 حادثة. ليس من ضمنها مجزرة ماي-لاي،
والتي راح ضحيتها 347-504 مدني في فيتنام الجنوبية، أغلبهم نساء وأطفال في 16 مارس
1968. ومن ضمن جرائم الحرب الأمريكية في فيتنام استخدام الرش الكيماوي لتدمير وحرق
وإتلاف البشر والحقول والقرى، مثل الرش البرتقالي والأزرق والأخضر.
مثال  عملية رانش-هاند والتي وقعت سنة 1962 واستمر
تأثيرها حتى 1971. وكانت فيتنام قد ادعت سنة 1995 أن عدد القتلى في الحرب بلغ 5
مليون
، 4 مليون منهم مدنيين عُزّل. في حين كان وزير الدفاع حينما ماكنامارا
قال في لقاء متلفز لاحقا أنّ عدد القتلى 3 مليون 400 ألف.
    
ويُبرِّر السيناتور هارت بنتون في خطاب أمام مجلس الشيوخ عام 1846م ما تقوم
أمريكا من حروب بِ” أنّ قدر أمريكا الأبدي هو الغزو والتوسع . إنّها مثل عصا
هارون ( يقصد موسى عليه السلام)التي صارت أفعى ، ثمّ ابتلعت كل الحبال ، فهكذا
ستغزو أمريكا الأراضي ، وتضمها إليها، أرضًا بعد أرض، ذلك هو قدرها المتجلي .
اعطها الوقت. وستجدها تبتلع كل بضع سنوات مفازات بوسع معظم ممالك أوربا ، ذلك هو
معدل توسعها.
    أين
هي عدالة الديمقراطية الغربية في الولايات المتحدة، و
التيار الليبرالي لا يختلف كثيرًا فيها عن
التيار الرجعيّ، في قبوله بالتمييز العنصري ضد السود أو ضد الأمريكيين من أصل إيرلندي
أو ضد النساء”. وما تفعله أمريكا بالعرب.. فشارون السفاح القاتل (رجل
سلام)!!.. وما فعله بالفلسطينيين من قتل وذبح وسحل وتدمير منازل واغتيالات وسجن
وعذاب، كل ذلك له مصطلح غريب في القاموس الإعلامي الغربي ألا وهو (استخدام مفرط للقوة)!!!
وأما مقاومة الفلسطينيين
فهي إرهاب وتعدٍّ على حقوق الإنسان!!.. وفي نهاية المطاف يسمى (أريل شارون) رجل
السلام!
ومثال آخر: أمريكا بلد
الديمقراطية تدعم ثوار الكونترا ضد حكم شرعي ديمقراطيّ، لأنّ النظام لا يدور في
فلكها!
وبريطانيا بعد الحرب العالمية تبيع (بولندا) الديمقراطية
للاتحاد السوفييتي الشيوعيّ، مقابل مصالح مشتركة استعمارية في (اليونان)
       أين هي عدالة
الديمقراطية الغربية في احتلالها للعراق وأفغانستان ، وقتل مئات الألوف من
الأبرياء وتدمير البُنية التحتية لتلك البلاد ، وبُنية الإنسان
، فقد نشرت مجلَّة
“لانسيت” الطبية في عام 2006 دراسة قدَّرت عدد العراقيين الذين قضوا
جرَّاء الحرب بـ 654965 قتيلا، منهم 601027 قُتلوا نتيجة أعمال العنف في البلاد،
فيما قدرت بعض الجهات أنّ
قتلى العراق على سبيل المثال بلغ 2 مليون مدني منذ بداية الحرب في 2003؟
  
أين هي عدالة الديمقراطية الغربية في تبنيها مشروع تقسيم البلاد العربية
وتفتيتها للسيطرة عليها، وإثارة الحروب والقلاقل فيها، وإنشاء جماعات إرهابية
تتسمى بالإسلام متمثلة في القاعدة وداعش ليحارب العرب والمسلمون أنفسهم، ويقتل
الابن أباه وأمه، والأخ أخاه، وتحويل البلاد العربية إلى ساحات قتال وصراع، ومساجدها
إلى مواضع عمليات انتحارية إرهابية، حتى المسجد النبوي الشريف لم يسلم منها؟
أين هي عدالة الديمقراطية الغربية في الولايات
المتحدة الأمريكية بعد أن ظلّ رجال الشرطة البيض يقتلون الأمريكان السود ويحصلون
على البراءة؟
وهذه شهادة من  اليوروبيان في 22 /4/ 1993:
“إننا نسمي أنفسنا
مسئولين وديمقراطيين، ولكننا في الواقع أنانيون وبرابرة ومعدومو المسؤولية.. إنّ
مئات الأبرياء والمدنيين العزل قتلوا في (سربرنتا) بمدفعية الصرب المتوحشة ونُصرُّ
في نفس الوقت على استمرار حظر السلاح!.. إن أسوأ مجرمي الحرب في هذه المأساة هم
قادة الغرب الذين يشاهدون المجزرة ولا يفعلون شيئا لإيقافها.. إن مأساة البوسنة
عار على حضارتنا.. فإذا تحول الدم إلى بترول أو تحوّل المسلمون إلى مسيحيين أو
يهود فكلّنا يعلم أنه سيكون هناك تدخل وفعل”!!
     ويقول المستشرق الفرنسي  جوستاف لوبون: “إنّ حرية الفكر في الغرب
تختفي لدى الأوربي عندما يمتد فكره إلى بحث فكر العالم الإسلامي، فالمفهوم الصليبي
العميق الأثر في النفس الأوروبية يحول دون حرية الرأي إذا كان موضوع البحث هو
الإسلام”، وقد كان مفهوم حرية الفكر في الإسلام واضحًا صريحًا: لم يقبل
الإسلام محاولة الإغراء بحرية الفكر على أساس التحرر من الأخلاق أو التحرر من
القيم، أو اتهام الموروثات بالزيف، ولكن دعا إلى البرهان والعقل، فحرر الإنسان
أولاً من رق التقليد الأعمى، ورباه على حرية الفكر واستقلال الإرادة، ودعاه إلى
التخلص من عبادة الأهواء وطالَبه بالدليل، ونعى عليه الجهل والظلم والمتابعة بغير
اقتناع، فهي حرية فكرية تتقيد بالحق والدليل، وتقوم على قواعد النظر والاستدلال
بعيدًا عن الأهواء والأوهام، وهي تختلف اختلافًا واضحًا عما دعا إليه الماديون
والغربيون الذين يدعون الناس اليوم إلى التحرر من الأساطير الموروثة وهم ينعون بها
الإسلام؛ وإلا فأين هذه الأساطير الموروثة اليوم؟ وقد فصل الإسلام بينها وبيننا
بأربعة عشر قرنًا حين جاء القرآن بالحجة الواضحة، وزيف كل دعوى الوثنية والمادية
والإباحية مما كان قبله.”
  
 وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه :
” ولقد كان ظهور الإسلام وتوسعه عاملًا أنقذ الكنيسة من الانحدار، وأرغمها
على إعداد نفسها لمواجهة تلك القوى المعادية دينيًا وفكريًا وماديًا. ”
وتواصل قائلة: ” ولعل أكبر دليل على هذا ما هو أنّ الغرب بقي في تأخره
ثقافيًا واقتصاديًا طوال الفترة التي عزل فيها نفسه عن الإسلام ولم يواجهه، ولم
يبدأ ازدهار الغرب ونهضته إلّا حين بدأ احتكاكه بالعرب سيسيًا وعلميًا وتجاريًا،
واستيقظ الفكر الأوروبي على قدوم العلوم والآداب والفنون العربية من سباته الذي
دام قرونًا ليصبح أكثر غنى وجمالًا ، وأوفر صحة وسعادة.”[3]
 وأخيرًا أتساءل : بعد بيان عدالة الخلافة
الراشدة ، وعدالة الديمقراطية الغربية على أي أساس يعتبر الدكتور عدنان
إبراهيم  الديمقراطية الغربية أكثر عدلًا
من شورى الخلافة الراشدة؟
للحديث صلة
جريدة أنحاء اليكترونية

an7a.com/257016/





 ويكيبيديا  https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9.[1]
[3]
.
زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب ” أثر الحضارة العربية علي أوروبا، ص
541،، ترجمة فاروق بيضون، وكمال دسوقي، منشورات دار الآفاق الجديدة ، بيروت
الطبعة
السادسة ، 1401ه/ 1981م.

Leave a Reply