نحو
تصحيح الخطاب الإسلامي للمرأة

                   عضل
الراشدات وزواج القاصرات (6)

                التحقق
من صحة المرويات وإعادة تحقيق كتب تراثنا

د.
سهيلة زين العابدين حمّاد

الخميس 31/3/2016

قبل أن أتحدث عن سن السيدة عائشة رضي الله عنها عند زواجها من الرسول صلى
الله عليه وسلم ، أرى من الضرورة بمكان التوقف عند نقطة جد هامة ، وهي لابد من
التحقق من صحة الروايات التي نستند عليها في بناء أحكام فقهية. فكتب تراثنا تحوي  
على كثير من المرويات الضعيفة والمرسلة
والموضوعة والشاذة،
ورغم ضعفها ووضعها نجد مفسرين ومحدثين وكتاب سيرة يرددونها في
كتبهم،ويستشهدون بها في تفسيراتهم وأحكامهم ، بل نجد فقهاء بنوا أحكاماً فقهية
عليها ، وعند نبحث عمن حقَّق هذه الكتب
 
نجد أنَّ معظمها  إن لم يكن كلها قد
جمعها وحققها مستشرقون منهم يهود ، فهل هؤلا أمناء على ديننا وتاريخنا وتراثنا ؟

   فعلى سبيل المثال لا الحصر كتاب  الطبقات الكبرى
لمحمد بن سعد (ت. 230هـ / 844 م) وهو من
 أوائل  ما ألف في الطبقات، ولم يسبقه إلا طبقات
الواقدي، وقد تميز عن غيره من كتب الطبقات التي تلته،وكذا طبقات الواقدي، أنَّه
شمل السيرة النبوية، وإن كان التأليف في الطبقات بعده انقسم إلى قسمين: قسم خاص
بالصحابة رضوان الله عليهم ، وقسم خاص بسائر رجال الحديث من بعدهم.

هذا وقد قال عنه ابن خلكان أنَّه صنف كتاباً كبيراً في طبقات
الصحابة، والتابعين والخلفاء إلى وقته، فأجاد فيه وأحسن، وهو يدخل في خمســـة
عشــر مجــلدة، وقد قال العلماء أنّه من الثقات المتحرين.

وهذا القول يعني أنّ ابن سعد كان يتحرى رواياته، وهذا يدعونا إلى
التساؤل مادام ابن سعد من الثقاة المتحرين كيف ورد في طبقاته روايات ضعيفة، بل غير
صحيحة وهي من وضع الزنادقة كرواية قصة الغرانيق التي ثبت بطلانها سندًا ومتنًا
وتاريخيًا ولغويًا؟[1]

ومادام من الثقات المتحرين كيف يورد في طبقاته ما أورده من رواية
عن محمد بن عمر الواقدي أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى زيد بن
حارثة، ولم يكن موجوداً، ورأى السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها، فأعجبت رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فولى وهو يهمهم بشيء لا يكاد يفهم منه
الخ

فهذه الرواية مرسلة وغير صحيحة سندًا ومتنًا، فكيف ينقلها ابن
سعد؟.

ولست أدري هل نقلها ابن سعد بالفعل أم أضيفت إلى كتابه عند
تحقيقه؟.

فنحن نعرف أنَّه منذ سنة 1903م، عمل في نشر هذا الكتاب جماعة من
العلماء الألمان، فأشرف عليه سخاو، وأعانه فيه هورفتز، ومتوخ وكارل بروكلمان، ومشوالي،
ولبرت، وميسز ومستر ستين، ومن هؤلاء المستشرقين، مستشرقان يهوديان، هما هورفتز،
وكارل بروكلمان، واليهود معروفون بدسهم وتزييفهم للحقائق، وبصورة عامة فإنَّ
المستشرقين لم يكونوا أمناء في كتاباتهم لتاريخنا الإسلامي، فهل كانوا أمناء في
تحقيقهم لتراثنا؟

كما نجد تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري (ت. 310هـ / 922 م)

هذا الكتاب من المصادر الأساسية المطولة في التاريخ الإسلامي
العام، وهو مرتب على أساس الحوليات، يبدأ من ابتداء التاريخ مع الرسل والأنبياء،
ذاكرًا أحوالهم وأنسابهم، ثم تكلم عن الدولة الإسلامية من الهجرة النبوية إلى
المدينة المنورة حتى نهاية القرن الثالث للهجرة، وقد عمل عريب بن سعيد القرطبي
تكملة لتاريخ الطبري سمـــاه “صـــلة تاريـــــخ الطبري” بدأه من 291هـ
إلى ســــنة 320هـ/903-932 م ،وقد قام بتحقيقه محمد أبو الفضل إبراهيم.

ويؤخذ على
الإمام الطبري  ما يؤخذ  على ابن سعد في إيراد روايات ضعيفة، أو غير
صحيحة، فهو مُحدِّث قبل أن يكون مؤرخاً، فكيف يورد روايات مثل ما أورد من روايات
باطلة، أو فيها زيادات منكرة مثل ما أورده من زيادة في رواية النعمان بن راشد
الجزري عن الزهري، عن فترة الوحي، وأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد هم بالتردي
من شواهق الجبال.

والنعمان صدوق سيء الحفظ، وقد تفرد بروايات ضعيفة خاصة فيما
يتعلق بأول ما نزل من القرآن بعد اقرأ، فالزيادة التي أوردها في حديث فترة الوحي
زيادة منكرة من حيث المعنى، لأنَّه لا يليق بالنبي المعصوم أن يحاول قتل نفسه
بالتردي من الجبل مهما كان الدافع له على ذلك، وكذلك ما أورده في تاريخه وتفسيره
عن قصة الغرانيق، وكذلك ما أورده من روايات ضعيفة في تاريخه وتفسيره حول زواجه صلى
الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها.

والذي أراه ضرورة إعادة التحقيق في كتب تراثنا الإسلامي للتأكد
من صحة ما هو وارد فيها بالفعل، وتصحيح الروايات الشاذة والضعيفة والمرسلة، بوضعها
في الحواشي ليتنبه إليها طلاب العلم الذين يرجعون إليها لأنَّها هي المصادر
الأساسية والأصلية لتاريخنا، ولا غنى للباحث من الرجوع إليها.

فإنّ كان القصور من علمائنا ،فلا يعني أن نردد ما كتبوه دونما
تدقيق وتمحيص ، فهم اجتهدوا طبقًا لما كان متوفر لديهم ،بل بذل كل واحد منهم  جهودًا كبرى 
ومضنية تعجز فرق عمل بأكملها عن القيام بها ، والمتوفر لدينا اليوم لم يكن
متوفراً لديهم ،فإمكانات التحري والتوثيق متوفرة لدينا بشمولية وسهولة ويسر ، خاصة
مع التطور التقني ، وتوفر سرعة التنقل وسهولته وأمانه ؛ وهذا لا يعني أنَّنا نلقي
بكتبهم وراء ظهورنا ، ولكن علينا أن نكمل ما بدأوه ،ونحقق فيما كتبوه ، ولا نعتمد
على المستشرقين فيما جمعوه ،وحققوه.

الأصول التي تميز بين الصحيح
والضعيف والموضوع متناً وسنداً

   و قبل أن أوضح مدى ضعف
المرويات عن سن زواج السيدة عائشة بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي ابنة تسع
سنوات  ، هناك قواعد وأصول في علم الحديث
تميز بين الحديث الصحيح والضعيف والموضوع من حيث المتن والسند.

  وهناك علامات في المتن تُبيِّن الضعف ،مثل : اللحن
والركاكة ،ومخالفة العقل والحس ،والمجازفة بالوعد والوعيد ،ومزج الكلام البليغ
الفطري بعبارات معقدة من عبارات الأصوليين والمتكلمين ، وإدخال أشياء لا تليق
بالنبي صلى الله عليه وسلم ،ومن ذلك إدراج بعض العبارات التي يستحيل صدورها عن
الرسول صلى الله عليه وسلم[2]
، أو مخالفة الحديث لصريح القرآن ،أو السنة المتواترة ،أو الصحيحة المسلمة [3]كقول
” لو أردت أن آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها “،
أو كقول :” من حق الزوج على الزوجة، أن لو سألت منخراه دماً، وقيحًا،
وصديدًا، فلحسته
بلسانها ما أدت حقه،
لو كان ينبغي لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها،
إذا دخل عليها لما فضله الله عليها”
أو كقول : “لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد
لزوجها . ولو
أنّ رجلا أمر امرأة أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ، ومن جبل
أسود إلى جبل أحمر ، لكان نولها أن
تفعل”

1.     أمَّا
علامات ضعف الحديث من حيث الإسناد فهي إمَّا ضعف في الراوي ،فيخضع لعلم الجرح
والتعديل ، أو الضعف من إعلال[4]
وإعضال[5]
واضطراب[6]
وشذوذ[7].
وتدليس[8]
،ونحو ذلك إن كنا نعلم هذا يقيناً ، ونشفع قولنا بأحكام الحفاظ الذين اطلعوا على
الطرق المختلفة التي ورد بها هذا الحديث مما استوجب وصفهم له بالضعف.[9]

كتب
ومؤلفات تنتقد بعض أحاديث ورواة الصحيحين

هناك
من انتقد على الصحيحيْن  مائتيْن وعشرة
أحاديث كابن حجر في مقدمة الفتح  و
الدارقطني وغيرهما من الحفاظ، وبينوا وجود 
ضعف ووهم في  بعض رواتهما  ، وقد ضعَّف الشيخ الألباني أحاديث للبخاري من
الكتب التي تنتقد الصحيحيْن .

1.كتاب “الإلزامات والتتبع” للحافظ الدارقطني، بتحقيق
الشيخ مقبل الوادعي، طبع دار الكتب العلمية ببيروت. وهو كتاب ممتاز ينتقد حوالي
مئتين حديث بعلل معظمها غير قادح، وقد أجاب ابن حجر وغيره عن بعضها، وبعضها صحيح.
لكن الكتاب هذا يركز على العلل أكثر ما يركز على ضعف الرواة.

2.   
كتاب “علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم” لأبي
الفضل بن عمار الشهيد، طبع دار الهجرة بتحقيق علي الحلبي.

3. 
كتاب “تقييد المهمل وتمييز المشكل” لأبي علي الحسين
بن محمد الغساني الجياني (ت498 هـ)، طبع في ثلاث مجلدات بدار عالم الفوائد بتحقيق
محمد عزيز وعلي العمران. وغالبه ليس عن قضية انتقاد الصحيحين ولو أنّه مخصص
لرجالهما.

4. 
كتاب “غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم
من الأسانيد
المقطوعة” للحافظ رشيد الدين أبو الحسين يحيى بن علي العطار،
طبع بمكتبة المعارف بالسعودية بتحقيق سعد بن عبد الله آل حميد، وكذلك طبع دار
العلوم والحكم بالمدينة بتحقيق محمد خرشافي.

5. 
كتاب “هدي السّاري” وهو مقدمة “فتح الباري شرح
صحيح البخاري”، وكلاهما لابن حجر. وأجوبة ابن حجر إجمالاً جيدة والتعنت فيها
قليل.

6. 
كتب الجرح والتعديل وبخاصة ضعفاء العُقَيْلي. وهذه تبرز
أهميتها في نـــقد صــحيح مســلم ؛ إذ تكفل ابن حجر  بذكر الانتقادات على البخاري في الفتح.

7. 
بالإضافة  إلى كتب
أخرى  ، وبخاصة كتب علل الحديث ، وكتاب
“جامع العلوم والحكم” لابن رجب، وكتاب “المدرج إلى المُدرَج”
للسيوطي، وغيرها من الكتب.

8. 
كتاب الإمام البخاري وكتابه الجامع الصحيح لعبد
المحسن بن حمد العباد البدر ، والنشار الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

والسؤال
الذي يطرح نفسه الآن ، هو:

ما
مدى صحة الأحاديث التي تتحدث عن سن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بالشيدة عائشة
، وهي ابنة تسع سنوات؟

هذا
ما سأبينه في الحلقة القادمة إن شاء الله، فللحديث صلة.

Suhaila_hammad@hotmail.com

 

 



[1] .. أثبتُ ذلك في رسالتي للدكتوراة ( السيرة النبوية في كتابات
المستشرقين” دراسة منهجية تطبيقية على المدرسة الإنجليزية”)، وهي على
وشك الصدور في كتاب من أربع مجلدات.
[2] – د . صبحي الصالح : علوم الحديث ومصطلحاته ، ص 286 ،، الطبعة
الثامنة عشرة ،1991م ،دار العلم للملايين ،بيروت ـ لبنان.
[3]  د. محمد بن محمد أبو
شهبة : الوسيط في علوم ومصطلح الحديث ص 238،طبعة بدون رقم وتاريخ ، دار الفكر
العربي ، القاهرة ـ مصر.
[4] – هو الحديث الذي اكتشفت فيه علة تقدح في صحته.[ د. صبحي الصالح :
علوم الحديث ومصطلحاته  ،ص 179].
[5]  هو الحديث الذي سقط منه
راويان فأكثر بشرط التوالي، وهو صورة أشد استغلالاً وإيهاماً من المنقطع ،ومن هنا
جاءت تسميته بالمعضل، ويعتبر قسماً من المنقطع لكن بوجه خاص لأنَّ كل معضل منقطع
،وليس كل منقطع معضلاً. [ د. صبحي الصالح : علوم الحديث ومصطلحاته ،ص 169، 168.]
[6] – الحديث المضطرب هو الذي تتعدد رواياته ،وهي ـ على تعددها ـ
متساوية متعادلة لا يمكن ترجيح إحداها بشيء من وجوه الترجيح ،وقد يرويه راوٍ واحد
مرتيْن أو أكثر ، أو يرويه اثنان ،أو رواة متعددون .ومنشأ الضعف لا فيه ما يقع من
الاختلاف حول حفظ رواته وضبطهم ،والاضطراب يقع في الإسناد غالباً ،وقد يقع في
المتن ،لكن قل أن يحكم المحدث على الحديث بالاضطراب في المتن وحده دون الإسناد.[
د. صبحي الصالح : علوم الحديث ومصطلحاته ، ص 187، 188.]
[7] – الشاذ : له معنيان : الانفراد والمخالفة ،فهو ـ بصورة  عامة ـ ما رواه الثقة مخالفاً الثقات ،وهو
بتعبير أدق ـ ” ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه ” ،وقد صرَّح
الحافظ ابن حجر بأنَّ هذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح. [ المرجع
السابق : ص 196].
[8] – التدليس : قسمان : أحدهما مدلس الإسناد ،وهو الحديث الذي يؤديه
الراوي عمن عاصره ،ولقيه مع أنَّه لم يصح له سماعه منه ،أو من عاصره ،ولكنه لم
يلقه موهماً أنَّه سمعه من لفظه ،أمَّا القسم الثاني :فهو تدليس الشيوخ ،وهو أن
يصف راوية بأوصاف أعظم من حقيقته ،أو يسميه بغير كنيته قاصداً إلى تعمية أمره من
ذلك أن يقول : حدثنا العلامة الثبت ،أو الحافظ الضابط .[ المرجع السابق : ص 172].
[9] – المرجع السابق : ص 212.

One Comment

Leave a Reply