نحو تصحيح الخطاب الإسلامي
بيع الأسيرات واغتصابهن ليس من الإسلام

د. سهيلة زين العابدين حمّاد

السبت 3/19/2016.
 

      ومن الافتراءات الباطلة ما يُنسبه الإرهابيون
والملحدون إلى ما تقوم به داعش من سبي النساء واغتصابهن، وبيعهن إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم وصحابته
رضوان الله عليهم، قائلين ما يفعله داعش فعله محمد وصحابته، ويرجع هذا لسوء فهم
ملك اليمين، باعتبارهن الأسيرات في الحروب والجواري، مع  بإباحة وطأهن من قبل من يملكهن بدون عقد زواج،
من ذلك ما ذكره الطبري في تفسيره للآية(3)من سورة النساء بقوله:
“…فإن خفتم
أيضًا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة، بأن لا تقدروا على إنصافها، فلا تنكحوها،
ولكن تسرَّوا من المماليك، فإنكم أحرى أن لا تجوروا عليهن، لأنّهن أملاككم
وأموالكم، ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر، فيكون ذلك أقرب لكم إلى
السلامة من الإثم والجور.” وللأسف فإنّ الإمام الطبري أخطأ في تفسيره لهذه
الآية، وكيف يُنسب هذا المعنى لله عزّ وجل؟

فلم
يرد في الآية ما يشير إلى التسري بالمماليك.

فمعنى
ملك اليمين طبقًا لسياق الآية عن الزواج من الكتابية إن لم تسمح ظروفه الزواج من
مسلمة ، فجاءت(أو ما ملكت أيمانكم) معطوفة على (فانكحوا ما طاب لكم..)ولنتأمل
الآية معًا لتتضح أمامنا الصورة(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي
الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ
وَرُبَاعَ  فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا
فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ 
ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا)

     وما ذخرت به كتب التراث من أحكام استرقاق
الأسرى، واستباحة الأسيرات يتنافى تمامًا مع ما جاء في القرآن الكريم، ومع السنة
الفعلية، فالرسول
صلى الله عليه وسلم لم يُبح لنفسه استرقاق
الأسيرات، ولا استغلالهن جنسيًا، فقد تزوّج من
 جويرية بنت الحارث
بن أبي ضرار التي وقعت في  السهم لثابت بن
قيس, فكاتبته على نفسها, فأتت رسول الله لتستعينه في كتابتها، فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم:” وهل لك في خيرِ من ذلك؟” قالت: “وما
هو؟” قال: “أؤدي عنك كتابتك, وأتزوجك” قالت: “نعم يا رسول الله, لقد فعلت. ففعل رسول الله كما تزوّج صفية بن حيي بن أخطب
النضيري  الذي قتل بعد غزوة الخندق لتأليبه
بني النضير وبني قريظة  ضد المسلمين،
وتحريضهم على قتالهم، وتحالفوا مع المشركين، فكانت غزوة الأحزاب، وكانت صفية من
ضمن أسرى خيبر، فخيرها الرسول صلى الله عليه وسلم
بين الإسلام وزاوجه بها، وبين بقائها على دينها ،وإطلاق
سراحها، فاختارت الإسلام والزواج بالرسول صلى الله عليه وسلم
، وكان مهرها مقابل إطلاق سراحها، وما ورد في صحيح البخاري
عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيدة صفية رضي الله عنها، روايات موضوعة؛ إذ
كيف يتزوجها، ولم تمض شهور العدة؛ فقد قتل زوجها كنانة بن ربيع النضيري في غزوة
خيبر، فكيف يدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
، ولم تمض مدة للتأكد من خلو رحمها من حمل؟

 أمّا ما ورد  من روايات عن تسري الرسول
صلى الله عليه وسلم بمارية القبطية وريحانة بنت شمعون اليهودية، فهذه روايات
موضوعة ليبيحوا لأنفسهم التسري بالإيماء وملك اليمين؛ فالقرآن لم يُبح ذلك بل نص
في آيات قطعية الدلالة على الزواج من الإماء و، ولا يمكن يخالف الرسول صلى الله
عليه وسلم
ما أمر به خالقه:(وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ)
[1]( وإمائكم) معطوفة على الأيامى، أي وانكحوا الأيامى وإمائكم،
فأين معنى التسري بالإماء؟

والذي أحدث هذا اللبس في الفهم أنّ استرقاق الأسرى من الموروثات لدى الأمم والحضارات، ولم يستوعب المفسرون والفقهاء والمؤرخون تحريم الإسلام استرقاق
الأسرى، واغتصاب السبايا من النساء،
فليس هناك فرق بين الأسرى والرق في كتبهم، ويُفسّر قوله تعالى:(وما ملكت
أيمانكم)أي الأسيرة التي تستعبد وتستمتع بمجرد ملك اليمين بالبيع والشراء،
والذين ضموا أسرى الحروب إلى العبيد والجواري  خالفوا  ما
جاء في القرآن الكريم عن الأسرى الذي تبيّنه الآية الكريمة(فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا
أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً
حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)
[2]

 فبعد انتهاء الحرب يكون الوضع بالنسبة للأسرى إما
إطلاق سراحهم بلا مقابل، أو طلب فدية، تشمل مالًا، أو تبادل الأسرى، ولم يتطرق
القرآن إلى استرقاق الأسرى لا من قريب ولا من بعيد
، كما أنّ الرسول
eشرع لنا تبادل الأسرى في كثير من أحاديثه الصحيحة، وألحَّ على ذلك.

 ولكن للأسف القول بنسخ هذه الآية جعل بعض
العلماء يُفتون باسترقاق الأسرى من قبيل المعاملة بالمثل، لأنّ الأعداء يسترقون
أسرى المسلمين، ويستبيحون أعراض الأسيرات المسلمات، وهذا يتنافى مع ما جاء في
القرآن الكريم، ويتنافى مع تحقيق قوله تعالى:(
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[3]

فلكي نكون خير أمة أُخرجت للناس، علينا أن نتجنب
المنكرات، ومن هذه المنكرات استرقاق الإنسان، واغتصاب عرضه، وإن كان أعداؤنا
يفعلون ذلك بأسرانا، فلا ننزل إلى مستواهم، ولنرفعهم إلى مستوانا باتباعنا تعاليم
ديننا التي جعلت المن والفداء هما طريقة التعامل بأسرانا من الأعداء، وللأسف
الشديد نجد  كتب التاريخ والفقه والتفسير
تعتبر الأسيرات إماء مسترقات، فيطلق أصحابها عبارة أعتقها على الأسيرة، وأعتق
الأسرى عند حديثهم عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة جويرية بنت الحارث
رضي الله عنها، فيقولون أعتقها وتزوجها، وعند سمع الصحابة بذلك، قالوا عن بني
المصطلق أصهار رسول الله، فأعتقوا مائة من بني المصطلق، وكأنّهم أصبحوا عبيدًا
بمجرد وقوعهم في الأسر، بل نجد القائلين بالناسخ والمنسوخ نسخوا كلمة(وأسيرًا)من
آية(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)[4]
فقالوا الآية كلها محكمة باستثناء(وأسيرا)فهي منسوخة!!!!

 أمّا  ملك اليمين لا علاقة لها بأسيرات الحروب، وإنّما
تعني طبقًا لسياق الآيات ومدلولاتها، الزوجان، أو الزوجة الكتابية أطلق عليها ملك
اليمين، ولم يطلق عليها زوجة لعدم التماثل في العقيدة ـــــ لأنّ من معاني الزوج: القرين والنظير والمثيل ــــــ أو البنات والأولاد
والأطفال واليتامى، ممن هم تحت رعاية وإشراف ومسؤولية من تعهد برعايتهم..

Suhaila_hammad@hotmail.com



 

 

 

 

 

 



[1] النور: 32.
[2] .
محمد: 4.
[3] .
آلأ عمران: 110.
[4] .
الإنسان: 8.

Leave a Reply