ميراث أولي  الأرحام
                                        بحث ميراث أولي الأرحام كاملًا
سهيلة زين العابدين حمّاد
السبت 27/2/2016
الأرحام : جمع رحم، وهي منبت الولد في بطن الأم(هُوَ
الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ)[ آل  عمران: 6] وتسمّى القرابة بالرحم(
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)[النساء:1]وقال
الرسول صلى الله عليه وسلم :” الرحم معلقة بالعرش ،تقول: من وصلني وصله الله
، ومن قطعني قطعه الله.”
وأولوا الأرحام في مصطلح الفقهاء هم الأقارب الورثة الإناث ، أو من
جهتهن الذين ليسوا من أصحاب الفروض والعصبيات مثل العمات  والخالات ، وأولاد البنات، وبنات الإخوة ،
وأولاد الأخوات، وأصنافهم أربعة:

الصنف الأول: فروع الميت الذين يُدْلُون إليه بواسطة الأنثى، وهم نوعان: أولاد
البنات.. وأولاد بنات الابن وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً. مثل: بنت البنت، وبنت ابن
البنت، وابن بنت الابن، وبنت بنت الابن وإن نزلوا.
الصنف الثاني: أصول الميت الذين يتصلون به بواسطة الأنثى، سواء كانوا رجالاً أو
نساءً، وهم نوعان:
1. الأجداد الرحميون: مثل أب أم الميت، وأب أب الأم.2. الجدات الرحميات: مثل أم أب
الأم، وأم أم أب الأم. وهم: الجد غير الصحيح وإن علا، والجدة غير الصحيحة وإن علت.
الصنف الثالث: فروع أبوي الميت وهم الإخوة والأخوات. وهم ثلاثة أنواع:
1- أولاد الأخوات مطلقاً وإن نزلوا، مثل: ابن الأخت، وبنت الأخت، وابن بنت الأخت،
وبنت ابن الأخت وإن نزلوا.
2- بنات الإخوة مطلقاً وإن نزلوا. مثل:
بنت الأخ الشقيق، وبنت الأخ لأب، وابن بنت الأخ الشقيق، أو لأب وإن نزلوا.
3- أولاد الإخوة لأم وإن نزلوا.
مثل: ابن الأخ لأم، وبنت الأخ لأم،
وبنت ابن أخ لأم، وابن بنت الأخ لأم وإن نزلوا.
الصنف الرابع: فروع أحد أجداد الميت أو جداته الذين ليسوا بأصحاب فرض ولا تعصيب. وهؤلاء
ست طوائف:
1- الأعمام لأم، والعمات مطلقًا، والأخوال والخالات مطلقًا.
2- أولاد الطائفة السابقة وإن
نزلوا، وبنات أعمام الميت، وبنات أبنائهم وإن نزلوا.
3- أعمام أب الميت لأم، وأعمامه، وأخواله، وخالاته جميعاً، وهؤلاء من جهة الأب.
وأعمام أم الميت وعماتها وأخوالها وخالاتها جميعاً، وهؤلاء من جهة الأم.
4- أولاد من ذُكروا في الطائفة السابقة وإن نزلوا.
5- أعمام أب أب الميت لأم وعماته،
وأخواله وخالاته، وأعمام أم أب الميت وعماتها وأخوالها وخالاتها.
6- أولاد من ذُكروا في الطائفة السابقة وإن نزلوا.
   ويرث ذوو الأرحام بشرطي عدم وجود
أهل الفروض غير الزوجين، وعدم وجود العصبة. وجهات ذوي الأرحام ثلاث: البنوة،
الأبوة، الأمومة.
   ونجد أهل التنزيل –أي تنزيل كل ذي رحم منزلة الوارث الذي أدلى به
للميّت ، ثم يُعْطى نصيبه إرثًا وحجبًا-  لا
يعتبرون ذوي الأرحام أصناف، ومن ثم لا يقدمون صنفًا على آخر، ولا اعتبار عندهم
لقرب الدرجة بل العبرة بقرب الإدلاء بوارث، صاحب فرض أو عاصب، فمن يدلي عن قريب
بذي فرض أو عصبة أولى ممن يدلي عن بعيد
    أمّا أهل القرابة يقسمون ذوي الأرحام أصنافًا
ويقدمون بعضهم على بعض، ويجعلون قرب الدرجة أول مراتب الترجيح بن أحاد الصنف
الواحد، ثم بقوة القرابة، وأن للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا عول عندهم في مسائل ذوي
الأرحام.
نلاحظ
هنا الاختلاف بين أهل التنزيل وأهل القرابة الذي يترتب عليه  اختلاف في حظوظ الورثة ومقدارها من ذوي
الأرحام!
    هذا ورغم ورود آيتيْن تؤكدان على أنّ لفظ أولوا الأرحام عام يشمل جميع الأقارب(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي
كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِين) [الأحزاب:6](وَأُولُوا
الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[الأنفال: 75].
   ورغم أنّ آيات المواريث : (يُوصِيكُمُ
اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ
نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ
وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ
مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ
أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ
السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا . وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ
أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ
فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ
دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ
امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ
كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ
وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ )[1]
(يَسْتَفْتُونَكَ
قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ
وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا
تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ )[2]ليس فيها إشارة أو تخصيص للعصبات الذكورية، وتقديمها على
الأقارب من جهة الإناث، هذا الشرط الذي وضعه العلماء كأحد شرطي توريثهم، إلّا
أنّنا نجد منهم مَن
قالوا بعدم توريث ذوي الأرحام، وأنّ الأولى إعطاء مال
المتوفى الذي لا وارث له لا بطريق الفرض ولا
التعصيب
إلى بيت المال، وهو مذهب الإمام الشافعي ومالك، والظاهرية، واستدلوا بأدلة، هي:
1.     
أنّ المواريث لا تثبت إلّا بنص قاطع من كتاب الله أو سنة رسول الله الكريم؛ وحيث لا نص، فلا
ثبوت لتورثيهم مع عدم وجود النص وإلاّ كان  توريثًا بغير دليل، وإعطاء للمال
بغير حق، وهو باطل.
      
2.     
ما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّه قال لما سئل عن ميراث  العمة والخالة: “أخبرني
جبريل ألا شيء لهما”
3.     
أنّ آيات المواريث قد بينت نصيب الأقارب الوارثين، ولو كان لذوي الأرحام نصيب في التركة
لجاءت النصوص ببيانه.
4.  أن
دفع المال لبيت مال
المسلمين تتحقق منه منافع كثيرة يشترك فيها جميع المسلمين،
        
بخلاف ما إذا أعطيناه لذوي الأرحام فإن النفع يكون مقصوراً عليهم فقط.
وهذه مبررات مردودة:
أولًا: لوجود آيتيْن في القرآن تؤكدان حقهم في
الميراِث[الأنفال:75، والأحزاب:
6]وهما
تدحضان الروايات المنسوبة إلى بعض الصحابة القائلة بعدم توريث أولي الأرحام.
ثانيًا:
استدلالهم بحديث” العمة والخالة لا شيء لهما”، رواه أبو داود والنسائي
في المراسيل؛ لذا لم يأخذ به عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؛ لأنّ المراسيل لا يُعتد
بها في الأحكام الفقهية.
ثالثًا: قولهم إنّ آيات المواريث قد بينت
نصيب الأقارب الوارثين، ولو كان لذوي
  الأرحام نصيب في التركة لجاءت النصوص ببيانه، متجاهلين أنّ تلك الآيات لم تشر إلى العصبات،
ومتجاهلين أيضًا آيتي 6من الأحزاب،و75 من الأنفال.
رابعًا : إن كان ذوي الأرحام ليسوا من الأقارب،
فمن هم الأقارب إذن، ألكونهم فروع الميت الذين يدلون إليه بواسطة الأنثى، فيصبحون
ليسوا بأقارب، كأولاد البنات، وأولاد بنات الابن

وإن نزلوا ذكوراً وإناثاً..
وأصول الميت الذين يتصلون به بواسطة الأنثى، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، مثل أب
أم الميت، وأب أب الأم. وأم أب الأم، وأم أم أب الأم، وابن الأخت، وبنت الأخت وإن
نزلوا. وبنات الإخوة مطلقاً وإن نزلوا، وأولاد الإخوة لأم وإن نزلوا والأعمام لأم،
والعمات مطلقاً، والأخوال والخالات مطلقاً.. إلخ؟
      وهذا يدعو
إلى التساؤل:
  كيف يُحرم من الإرث من هم على درجة قرابة واحدة
للمتوفي لكونه أنثى، فتُحرم بنت البنت أو ابنها بينما ترث بنت الابن، وتُحرم بنت
الأخ الشقيق، بينما يرث أخاها بالتعصيب، ويرث ابن العم، وتُحرم أخته، ويرث ابن
الأخ، ولا يرث ابن الأخت، ويرث ابن الأخ العمة ولكنها لا ترثه؟
 ومرد هذا الخلل يعود إلى التعصيب الذي لم يرد نص
قرآني بتوريثه، مع ثبوت لنا عدم صحة الروايات المنسوبة للرسول صلى الله عليه
بتوريث العصبة من الذكور.
  ثمّ كيف
يتم تقسيم المواريث، وهناك اختلاف في الفروض والعصبة والأرحام بين المذاهب، فنجد
في المغرب، اعتبروا الزوج والزوجة من الفروض، بينما اعتبرت دول أخرى الزوجان من
ذوي الرحم، في حين استقرّت الفتوى في المملكة على اعتبار الإرث بين الزوج والزوجة
ليس من الرحم، ولكن بالزوجية، فيكون كل واحد منهما كواحد من المسلمين، فيُعطى
المال المتبقي من نصيب أي منهما لبيت مال المسلمين إذا لم يكن للميت وارث من
الفروض، أو العصبة، وهذا أمر غريب، فقد يكون الميراث قليلًا، وربعه لا يكفي لمعيشة
الزوجة الأرملة، ولا يوجد لها دخل إلّا ما تركه زوجها من ميراث، فكيف يودع مال
زوجها في بيت مال المسلمين، وهي في حاجة إليه، وهي جاهدت وكافحت معه في تكوينه،
وقد تكون ساهمت بمالها الخاص في تنميته، فلماذا لا ترث كل الميراث في حالة عدم
وجود أبويْن وإخوة وأخوات؟
  وكيف يختلفون حول من هم أصحاب الفروض، وآيات
المواريث قد حددتهم؟
  إنّ تفضيل العصبات من الذكور على الإناث في
الميراث رغم مساواتهم في درجة القرابة تمييز ضد المرأة  من موروثات 
الجاهلية التي لا يقرّها الإسلام، فلا توجد نصوص  من القرآن والسنة الصحيحة تنص على ذلك.
وهذا يبين لنا أن ما تم إقراره في كتب الفرائض ومدونات الأحوال
الشخصية بشأن ميراث ذوي الأرحام مسائل اجتهادية من علماء بشر، قد يُصيبون، وقد
يُخطئون، وليس لنا أن ننسب اجتهاداتهم إلى شرع الله، ونعتبرها من ثوابت الإسلام،
لا تقبل النقاش والانتقاد، وعلينا الالتزام بها ،وكأنها قرآن منزل، مع أنّ
بالتزامنا بها نكون خالفنا ما جاء في القرآن الكريم الذي أقر العدل ودحر الظلم،
وساوى بين الذكر والأنثى في حق الميراث، بل جعلها الأساس في احتساب حظوظه، تكريمًا
لها، وتعويضًا عن الظلم الذي ألحقته بها الشرائع السابقة للإسلام.
وختامًا: أتساءل: ألمجرد اجتهاد
من شخص قد يُخطئ وقد يُصيب يُحرم أحب النّاس إلينا من أقاربنا من الميراث؟
     فكما تبيّن لنا من خلال هذه الدراسة عن المواريث
مدى الخلل في منظومة الميراث التي وضعها علماء وفقهاء المواريث ، طبقًا لمفاهيم
خاطئة لآيات المواريث ، واستنادًا على أحاديث وروايات ضعيفة وموضوعة، لتحقيق أهداف
سياسية بتوريث العصبة الذكور من جهة ، وتمسكًا بالموروثات الجاهلية التي تحرم
الإناث من الميراث.
    وآن الأوان لنصحح هذا الخلل الواضح في منظومة
المواريث، وعلى علماء الأمة الإسلامية وفقهائها أن يعيدوا النظر في منظومة
المواريث المعمول بها الآن، ويصححوا ما فيها من أخطاء ترتب عليها ظلم كبير أُلحق
بالإناث بصورة خاصة، وهذه أمانة أضعها في أعناقهم، سيُسألون عن يوم القيامة.
suhaila_hammad@hotmail.com




 
 
 
 


[1] . النساء : 11، 12.
[2] . النساء :176.

Leave a Reply