خاص بمدوّنة الدكتورة سهيلة زين
العابدين حمّاد

انتقاص أهلية
المرأة(1)

د. سهيلة زين
العابدين حمّاد

الجمعة
12/2/2016م
 

 مع أنّ الإسلام منح المرأة الأهلية الكاملة بلا
استثناءات، إلّا أنّ انتقاص أهليتها وعدم الاعتراف حتى بولايتها على نفسها
وأولادها القصر يُنسب إلى شرع الله, بالاستناد على أحاديث ضعيفة وموضوعة وشاذة ومفردة,
مع علمهم بضعفها ووضعها وإفرادها وإعلالها, مرددين مقولة ” شهرة الحديث تفوق
ضعف إسناده, وعدم شهرة الحديث تغلب صحة إسناده”, وهذا أمر دلالته جد خطيرة,
وهي ترك الأحاديث قوية الإسناد التي لا توافق أهواء بعض الفقهاء وموروثاتهم
الفكرية والثقافية, واعتماد الأحاديث الضعيفة الموافقة لما يريدون إقراره وإصداره
من أحكام فقهية.

  لقد أعطى الإسلام للمرأة أهلية قانونية وذمة
مالية مستقلة مثلها مثل الرجل تمامًا، فساوى بينها وبين الرجل في القصاص والحدود
والعقوبات، وفي البيع والشراء والرهن والقرض والوقف، والهبة، فقد نصَّت ونصَّت
كذلك الفقرة (أ) من المادة (19) من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام
(1411هـ / 1990م)على أنَّ ( الناس سواسية أمام الشرع ، يستوي في ذلك الحاكم
والمحكوم.)

  كما
نصّت المادة السادسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ ” لكل إنسان
في أي مكان، الحق في أن يعترف له بالشخصية القانونية”.

   ويصطدم ما يُنسبُ للشريعة الإسلامية، وما نصَّت
عليه المادة (6) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والفقرة (أ) من المادة (19) من
إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام ببعض التعليمات أو التعميمات أو الممارسات
القضائية التي لا تجد سنداً شرعيًا أو نظاميًا، والتي تقيد حق المرأة الرشيدة في
التقاضي وفي إبرام التصرفات القانونية، وذلك باستلزام ولي لها رغم بلوغها سن
الرشد. فهذا يعني عدم الاعتراف لها بالشخصية القانونية بهذا الشأن. لأنَّ الاعتراف
بالشخصية القانونية لها يقتضى منحها إمكانية التقاضي والتصرف متى بلغت سن الرشد.
وقد نصّت الفقرة 3 من المادة(15) من اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة،
على أن :” تتفق الدول الأطراف على اعتبار جميع العقود وسائر أنواع الصكوك
الخاصة التي يكون لها أثر قانوني يستهدف الحد من الأهلية القانونية للمرأة باطلة
ولاغية”. فصياغة هذا النص على هذا النحو المباشر يقر حقاً للمرأة ويعتبر
باطلاً أي إجراء أو نص نظام يخالف هذه المادة. ويحق بالتالي للقاضي الاستناد
مباشرة إلى هذا النص لإلغاء وإبطال كل ما يتعارض معه. ولكن للأسف الشديد الموروث
الفكري والثقافي لدى الرجل مفسرًا كان أم محدِّثًا, فقيهًا كان أم قاضيًا حكم على
المرأة البالغة الرشيدة بنقصان أهليتها, مستندًا على مفاهيم خاطئة لبعض الآيات القرآنية،
ومرويات ضعيفة وموضوعة، وتعميم في غير محله, من ذلك:

أولًا : حديث
“ناقصات عقل ودين.”
ثانيًا : تعميم
شهادة امرأتيْن برجل واحد.
ثالثًا: تعميم
للذكر مثل حظ الأنثيين, مع أنّ نص الآية واضح (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثلُ
حظُّ الأُنثييْن)
رابعًا :
تعميم القوامة وتحويل قوّام إلى قيّم.
خامسًا : إنكار ولاية المرأة بحديث( لن يفلح قوم ولوا أمرهم
امرأة).                               
سادسًا : تنصيف
دية المرأة بجعلها نصف دية الرجل.
سابعًا :تحويل
معنى (وليس الذكر كالأنثى) إلى معنى مخالف لمعنى الآية بلاغيًا ومعنى.
ثامنًا:
التفسير الخاطئ لآية ( أومن يُنشّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين)
وسأبدأ بِ:

أولًا: حديث
“ناقصات عقل ودين”

  ففي صحيح البخاري جاء هذا الحديث: ”
حدّثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني زيد هو ابن أسلم عن
عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في
أضحى أو فطر إلى المصلى فمرَّ على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن
أكثر أهل النار فقلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من
ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا
رسول الله قال أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قلن بلى قال فذلك من نقصان
عقلها أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُم؟ قلن بلى قال فذلك من نقصان دينها “

فهذا الحديث
قد وَرَد في الصحيحين مِن طُرُق عن أربعة من الصحابة :

 من حديث أبي سعيد، ومن حديث ابن عمر، ومن حديث
جابر، ومن طريق ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين , وفيه:

1. زيد بن
أسلم العدوي، مولى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال عنه ابن حجر في
التقريب: “ثقة عام ، كان يرسل ,قال ابن عُيينة : كان زيد بن أسلم رجلًا
صالحًا ، وكان في حفظه شيء ، وقال أبو حاتم: زيد عن أبي سعيد “مرسل”،
وذكرها بن عبد البر في مقدمة التمهيد ، ما يدل على أنّه كان يدلس مما يفقد أحاديثه
المعنعنة حجيتها ) ، وبالتالي فأحاديث زيد في الإسناد جديرة بالاستبعاد.[1]

ويلاحظ الضعف
الواضح في الحفظ فلم يحفظ زيد الزمن فطر أم أضحى أم كلاهما؟

2.سعيد
المقبري: قال عنه ابن حجر في التقريب: “ثقة” تغيّر قبل موته بأربع سنين
، وروايته عن عائشة ، وأم سلمة مرسلة’.

3.عمرو بن
أبي عمرو، واسمه: ميسرة مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أبو عثمان
المدني. قال عنه في التقريب:’ ثقة ربما وهم” وجاء عنه في تهذيب التهذيب: في
حديثه ضعف ليس بالقوي” وكان كثير الحديث صاحب مراسيل، وقال عثمان الدرامي:
“في حديث رواه في الأطعمة هذا الحديث فيه ضعف من أجل عمرو بن أبي عمرو”
وقال ابن حبّان في الثقات:” ربما أخطأ”, وقال السّاجي صدوق إلّا أنّه
يهم.

عندما نتأمل
هذا الحديث من حيث المتن نجد:

1.   
أنّ ليس من
خُلق الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجمع العواتق وذوات الخدور والحُيّض في يوم
العيد، وحتى التي لا يكون لها جلباب تستعيره ممن لديها، ليقول لهن “أنتن أكثر
أهل النار، وناقصات عقل ودين، كما جاء في الأحاديث.

2.   
توجد أحاديث
رواها البخاري تحث النسّاء على الصدقة في العيدين، دون ذكر النساء أكثر أهل النار
،وناقصات عقل ودين.

3.   
توجد أحاديث
ضعيفة ومنكرة عن النساء أكثر أهل النّار.

4.   
توجد أحاديث
موضوعة وضعيفة عن تكفير العشير.

 الحديث لا يتفق مع ما جاء به
الإسلام، فهل يُعقل أنّه ينحصر دخول النساء النّار في قولهن لأزواجهن” ما
رأينا خيرًا منكم ّقّط”. ولا توجـــد معاص ولا منكرات غير كفران العشير، وفي
المقابل إنكار الزوج لخير زوجته ألا يدخله النّار؟ وهل كل النساء متزوجات؟

  واضح
أنّ رواة الحديث الضعاف أرادوا منح الزوج قدسية، فتقولوا على رسول الله هذا القول,
وجعلوا مجرد قول المرأة لزوجها ما رأيتُ منك خيرًا قط يدخلها النّار، وممّا يؤكد
عدم صحة هذا الحديث ،التقوُّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنّ النساء
“ناقصات عقل ودين لشهادة امرأتين برجل واحد، ولعدم صلاتها وصومها فترة الحيض،
لو كان الرســـــول صـــــلى الله عليه وسلم قــــال هذا القول، لمــــا عمــــّم
الشهادة والحـــــيض، فهو يدرك أنّ الآية إنَّما تتحدث عن” الإشهاد” في
ديْن خاص، وليس عن الشهادة، وأنَّها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن وليست تشريعاً
موجهًا إلى القاضي الحاكم في المنازعات, فهي في عقود المداينة، أمّا الحيض فهو لا
يلازم المرأة طوال حياتها، ومعروف أنّه يأتي الحيض في سن البلوغ، وينقطع في الغالب
عند بلوغها الأربعين، فهل تعتبر ناقصة دين على الدوام؟ وهل عدم صلاة الحائض
وصيامها يعد نقصانًا في الدين؟ وهو يمثل إرادة إلهية، والتزامها بتعاليم دينها
منعها من الصلاة والصوم أثناء حيضها، وليس بدافع منها، حتى يعد نقصانًا في دينها،
كما لا يسقط الحيض الصيام عن الحائض، فهي تقضيه، ولستُ أدري كيف يعتبر محقق  صحيح الإمام مسلم أنّ ذلك من نقصان الإيمان؛ إذ
صنّف هذا الحديث في باب” بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات؟ وللأسف نجد علماء
الإسلام وفقهاءه قبلوا بهذا التصنيف، وقبلوا بهذا الحديث رغم ضعف بعض رواته، بل
تغاضوا عن ضعفه، وبعد متنه عن مبادئ وقيم الإسلام، وتناقضه مع أحاديث صحيحة، لأنّ
ما جاء فيه يتفق مع أهواء الكثير في التقليل من مكانة المرأة، وبناء أحكام فقهية
عليه، وعانت المرأة الأمرْين من هذا الحديث الذي حرمها من كثير من حقوقها في
مقدمتها أهليتها، وولايتها على نفسها، وعلى غيرها، وحقّها في الولاية والشورى
والبيعة.

ثانيًا:
تعميم شهادة امرأتيْن برجل واحد، مع أنّ هذا خاص في عقود المداينة،
يوضح هذا
قوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ
بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ
اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ
رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ
سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ
وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ
يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى)[2] ، فكما هو واضح من سياق
الآية أنّ شهادة امرأتيْن برجل واحد
 لا علاقة له بالأهلية, وإنّما هي لانعدام خبرة
المرأة بالأمور المالية لعدم ممارستها لها, فإن مارستها انتفت العلة, وتُعادل  شهادة امرأة, شهادة الرجل, ولا علاقة لهذا
بالشهادة في المحكمة, فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد عليه ابن القيم : قال
عن البينة التي يحكم القاضي بناءً عليها ..التي وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم:” البينة على المدعي ،واليمين على المدعي عليه
” رواه البخاري والترمذي وابن ماجه 🙁 إنَّ البينة في الشرع ،اسم لما يُبيِّن
الحق ويظهره، وهي تارة تكون أربعة شهود ،وتارة ثلاثة بالنص في بينة المفلس، وتارة
شاهدين ،وشاهد واحد، وامرأة واحدة ،وتكون نُكُولًا – النكول الامتناع عن اليمين –
ويميناً ،أو خمسين يميناً، أو أربعة أيمان ،وتكون شاهد الحال، فقوله صلى الله عليه
وسلم:” البيِّنة على المدعي ” أي عليه أن يظهر ما يبين صحة دعواه، فإذا
ظهر صدقه بطريق من الطرق حكم له” هذا ما جاء نصه في كتاب السياسة الشرعية
لابن القيم، وقد أورد ابن القيم تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان[ الطرق التي يحفظ
بها الإنسان حقه] فقال:” إنَّ القرآن لم يذكر الشاهدين، والرجل والمرأتيْن في
طرق الحكم التي يحكم بها الحاكم، وإنَّما ذكر النوْعين من البيِّنات في الطرق التي
يحفظ بها الإنسان حقه ، فقال تعالى، وذكر آية المداينة،  ويقول ابن القيم في الطرق الحُكْمية في السياسة
الشرعية: “وليس في القرآن ما يقتضي أنّه لا يُحكم إلاّ بشاهديْن، أو شاهد
وامرأتين  فإنّ الله سبحانه وتعالى إنَّما
أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النصاب، ولم يأمر بذلك الحكام (يقصد
القضاة) أن يحكموا به، فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألاّ يقضوا إلاّ بذلك. ولهذا
يحكم الحاكم بالنكول واليمين المردودة، والمرأة الواحدة، والنساء مفردات،  لا رجل معهن، وبمعاقد القِمْط ووجوه الآجر،
وغير ذلك من طرق الحكم التي لم تذكر في القرآن. فإن كان الحكم بالشاهد واليمين
مخالفاً لكتاب الله، فهذه أشد مخالفة لكتاب الله منه، وإن لم تكن هذه الأشياء
مخالفة للقرآن، فالحكم بالشاهد، واليمين أولى ألاَّ يكون مخالفاً للقرآن، فطرق
الحكم شيء، وطرق حفظ الحقوق شيء آخر، وليس بينهما تلازم, فتحفظ الحقوق بما لا يحفظ
به صاحب الحق حقه، ولا خطر على باله من نكول، ورد يمين، وغير ذلك، والقضاء بالشاهد
واليمين، ممّا أراه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى في الآية 105
من سورة النساء:
(إنَّا
أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكمَ بيْن النَّاسٍ بِمَا أَرَاك الله
[3]

    ومن هنا نجد ابن القيم يستدل بالمساواة  في الشهادة بقوله تعالى:﴿ وكذلك جعلناكم أُمةً وسطًا لتكونوا
شُهَداءَ على النّاسِ وَيَكُونُ الرسول عليكم شهيدًا
على أنَّ المرأة كالرجل في الشهادة
على بلاغ الشريعة ورواية السنة، فالمرأة كالرجل في رواية الحديث، التي هي شهادة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  وإذا
كان ذلك ممَّا أجمعت عليه الأمة ،ومارسته راويات الحديث النبوي جيلًا بعد جيل، والرواية
شهادة ـ فكيـــف تقــــبل الشهــــادة من امرأة على رســــول صــــلى الله عليه
وســــلم، وعلى شرع الله ، ولا تُقبل على واحد من النَّاس؟؟ إنَّ المرأة العدل ـ
كما يقول ابن القيم في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية “كالرجل في الصدق
والأمانة والديانة.[4]

ثالثًا :
تعميم للذكر مثل حظ الأنثيين

هذا سأبحثه
في الحلقة القادمة إن شاء الله ، فللحديث صلة

Suhaila_hammad@hotmail.com

 



[1] . ابن حجر: تهذيب التهذيب ، 3/ 345، 346.
[2] . البقرة : 282.
[3] .ابن القيم الجوزية :الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ،تحقيق د.
محمد الإسكندراني علي محمد دندل، ص 112،طبعة بدون رقم، 1428هـ /2007م، دار الكتاب
العربي ـ بيروت .
[4] . المرجع السابق : ص 132.

Leave a Reply