خاص بالمدوّنة
حجاب المرأة المسلمة بين جواز كشف الوجه ووجوب تغطيته! (2)

د. سهيلة زين العابدين حمّاد
30/12/ 2015
 
بيّنتُ في الحلقة الأولى أدلة الفئة الأولى  من القرآن الكريم التي تبيح للمرأة كشف وجهها ،
وسأورد في هذه الحلقة والتي تليها أدلتها من السنة.
ثانيًا : الأدلة من السنة على جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها:

1.    عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى
الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ
وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ..”[ رواه البخاري][ البخاري : كتاب أبواب
الأذان ، باب السجود على الأنف.
  وفي رواية عند
النسائي : ووضع يده على جبهته وأمرّها على أنفه ، وقال هذا واحد. وقد أورد البخاري
هذا الحديث في باب السجود على الأنف.
  وقال الحافظ ابن حجر : “نقل ابن المنذر
أجماع الصحابة على أنّه لا يجزئ السجود على الأنف وحدها ، وعن الأوزاعي وأحمد  وإسحاق ، وابن حبيب من المالكية ، وغيرهم يجب
أن يجمعهما ، وهو قول الشافعي أيضًا. [
ابن حجر :
فتح الباري ، 2/ 440.]

 وقال الشّافعي في الأم : “وكمال فرض السجود
وسنته أن يسجد على جبهته دون أنفه كرهت ذلك له، وأجزأه … ولو سجد على جبهته ،
ودونها ثوب ، أو غيره لم يُجْزِه السّجود”.[الشافعي : الأم ، 1/114.]

 وقال ابن عبد البر في التمهيد :”وتؤمر
المرأة بكشف الوجه والكفيْن في الصلاة ” [ابن عبد البر : التمهيد ، 8/
324.]
وقال النووي في
المجموع : “ويكره للمرأة أن تنتقب في الصلاة”. [المجموع : النووي، 3/
185.]
 وقال صاحب الشّرح
الكبير : ” ويكره للمرأة النقاب ، وهي تصلي ، قال ابن عبد البر : أجمعوا على
أنّ على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام، ولأنّ ذلك يخل بمباشرة المصلي بالجبهة
والأنف ، ويُغطّي الأنف ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عنه. [ابن
قدامة : الشرح الكبير ، 1/ 466].
 وقال ابن تيمية في فتاواه : “وأَمْرُ
المرأة في الصلاة بتغطية يديها بعيد جدًا ، واليدان يسجدان ،كما يسجد الوجه.’ [ابن
تيمية : مجموع الفتاوى ، 22/118]
أ مّا القول
بأنّ عورة الصلاة غير عورة النظر ، فهو بعيد عن الصّواب ، وذلك استنادًا على مقولة
الإمام ابن القيم : “إنّ بعض الفقهاء سمع قولهم : إنّ الحُرّة كلها عورة إلّا
وجهها وكفيْها [1]
وهذا إنّما في الصلاة لا في النظر ، فإنّ العورة عورتان : عورة في النظر ، وعورة
في الصلاة “ ابن القيم : إعلام الموقعين ، 2/ 80.]
وفي هذا خطآن :
  الخطأ
الأول : هو تقرير أنّ العورة عورتان : عورة للصلاة ، وعورة للنظر، وهذا التقرير
مخالف لأصل لُغوي ، ولأصل فقهي ، أمّا الأصل اللغوي ، فهو أنّه عند إطلاق
لفظ” العورة” بأل التعريف التي تُستخدم للعهد الذهني ، يكون المُراد
العورة المعروفة والمعهودة، سواءً للرجل، أو المرأة ، وهي ما يستقبح ظهوره للناس
أي عورة النظر، وأمّا الأصل الفقهي فقد جرت عادة الفقهاء على أن يخصصوا بابًا ، أو
بحثًا لشروط صحة الصلاة ، أو واجباتها ، مثل : دخول الوقت ، استقبال القبلة ، طهارة
المكان ، ستر العورة … ثُمّ جاء الفقهاء ليبينوا أنّه من شروط الصلاة ستر تلك
العورة. [ عبد الحليم أبو شقة: تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/191- 192.]
  الخطأ
الثاني :
هو
اتهام الفقهاء المتقدمين بالخلط بين عورة الصلاة وعورة النظر. والصحيح أنّ
الفقهاء المتقدمين لم يُخطِئوا ، ولم يخلطوا بين عورتيْن ، بل علموا تمام العلم ،
وأيقنوا غاية اليقين ، أنّ العورة واحدة ،وهي عورة النظر… عورة يسترها الإنسان
وجوبًا عن نظر غيره إلّا لضرورة، ويسترها استحبابًا عن نظر الجن والملائكة…
ويسترها قبل ذلك وبعده – وإن كان خاليًا- استحياء من الله  ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ قال
لمعاوية بن حيْدة : ” احفظ عورتك إلّا من زوجك ، أو ما لكت يمينك “.قال
معاوية : “يا نبي الله إذا كان أحدنا خاليًا/ قال “فالله أحق أن يستحيي
منه من النّاس. [عبد الحليم أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 192.[
رواه الترمذي] [صحيح سنن الترمذي ، أبواب الإستئذان ، باب ما جاء في حفظ العورة
، حديث رقم ( 2244) .
   هذه العورة هي التي
بدت لأبينا آدم عليه السلام ولأمنا حواء يوم عصيا الله وأكلا من الشجرة ، قال
تعالى : (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ … ) [
الأعراف : 22.]
  وهي
العورة التي أنزل الله علينا لباسًا يواريها .قال تعالى (
يَا
بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا

يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ)[
الأعراف :
26.]
وهي العورة التي أمر الله
بسترها ، وذلك في قوله تعالى : (
يَا بَنِي
آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ
كُلِّ مَسْجِدٍ) [ الأعراف :
31.]
2.حديث الخثعمية ،
فقد صرف  الرسول صلى الله عليه وسلم  وجه الفضل بن العباس الذي كان رديفه عن تلك
الحسناء الخثعمية  التي جاءت تستفي  رسول الله بعد تحللها من الإحرام في حجة الوداع
.هذا ما رواه
 البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس، قال ابن
بطال: وفيه دليل عل
أنّ نساء المؤمنين ليس عليهن من الحجاب ما يلزم
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو يلزم ذلك جميع النساء لأمر النبي صلى الله
عليه وسلم الخثعمية بالاستتار ولما صرف وجه الفضل عنها
.

 أدلة كشف المرأة لوجهها
وكفيها في عصر الرسالة

هذا ما سأبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله ؛ إذ لا تزال للحديث
بقية.

Suhaila_hammad@hotmail.com



[1] .  المرأة سواءً كانت حُرّة أم أمة  كلها عورة إلّا وجهها وكفيْها.

Leave a Reply