خاص للمدونة
حجاب المرأة المسلمة بين جواز كشف الوجه ووجوب تغطيته!(1)

  د. سهيلة زين
العابدين حمّاد      
29/ 12/ 2015             

    الاختلاف حول حجاب المرأة المسلمة وهيئته وصفته
لم يتوقف عند كشف وجه المرأة ، أو تغطيته ، ولكن هناك من أوجب عليها النقاب ولبس
القفازين، وأُعتبر أنَّ مجرد رؤية أجنبي لظفرها كأنّها بدت عارية أمامه ، وعلى
النقيض نجد من أباح للمرأة المسلمة بكشف الشعر والذراعين والساقين ، ووصفه بأنَّه
حجاب قرآني ، من هنا نجد أنَّ حجاب المرأة المسلمة قد غدا متأرجحاً بين إفراط
وتفريط ، وأصبحت المرأة المسلمة في حيرة من أمرها لا تعرف بالضبط مواصفات الحجاب
الإسلامي ، فقد انقسم المسلمون في فهمهم لحجاب المرأة المسلمة إلى أربعة فئات ،هي
:

الفئة الأولى  : ترى
أنَّ الحجاب الشرعي هو ستر الجسم ما عدا الوجه والكفين  بلبس واسع فضفاض لا يصف ولا يشف ، وهذه الفئة
تمثل الغالبية ، ويكاد هذا الحجاب بهذه الكيفية هو المتفق عليه في سائر البلاد
الإسلامية ، وأدلتهم علي ذلك :

أولًا : من القرآن الكريم : 

1.   
(فَمَنْ حَاجَّكَ
فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ
)[ آل عمران : 61]

فقد ذكر بعض المفسّرين وكتّاب السيرة  أنَّه لم يخرج معه عليه الصلاة والسلام أحد من
نسائه لأنَّه ضُرب عليهن الحجاب، وخرجت معه ابنته فاطمة وزوجها وولديها رضوان الله
عليهم أجمعين.

2.    (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ
فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ
فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ
مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ
أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ )[البقرة: 282]

فهذه الآية تدل على جواز الاختلاط وكشف الوجه؛ إذ كيف تشهد
المرأتان مع رجل واحد على عقد المداينة ، وهما غير معلومتي الوجه؟

وكيف تشهد المرأتان مع رجل واحد على عقد المداينة مالم
تكونا جالستيْن في مجلس به رجال؟

3.    (ُقل
لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ
أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ
يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ
وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي
الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى
عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ
مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[ النور: 30، 31]

هنا أمر الله المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ،ولو كان
الاختلاط وكشفه الوجه مُحرَّمان لما يطالب الرجال 
بغض البصر ،مادامت النساء معزولات عن الرجال ومغطيات وجوههن ، ولو كان غطاء
الوجه واجباً على المرأة لقال جل شأنه ـ كما قال ابن حزم ـ (  “وليضربن بخمرهن على وجوههن” بدلا من
قوله تعالى ( على جيوبهن ) أي نُحورهن. ولو كان غطاء الوجه واجباً على المرأة، أو
النقاب ولبس القفازين لما جعل إحرام المرأة في وجهها وكفيها ، وعليها أن تُفدي إن
فعلت ذلك ، أمّا النقاب ولبس القفازين فهما من مبطلات الإحرام.

     فلم
يأت الامر منه تعالى بضرب الخمر على الوجوه بل على الجيوب , والخمار في اللغة
العربية هو غطاء الراس وليس غطاء الراس والوجه ، كما نجد  ابن عباس رضي الله عنه فسر  قوله تعالى 
( ولا
يبدين زينتهن إلا ما
ظهر منها) أي: الوجه والكفان يؤيده قول عائشة وأنس وابن عمر

رضي الله عنهم ونفس هذا التفسير فسره بعض التابعين: عكرمة
وسعيد بن جبير وعطاء
وقتادة وهذه الأقوال
أوردها السيوطي في “الدر المنثور في التفسير بالمأثور”، وهناك من  أهمل ما أورده السيوطي[1]
بهذا الشأن ،وذكر قوله في تفسير هذه الآية بوجوب ستر الوجه والرأس ، كما هناك من
يتجاهل  ما رجّحه المفسرون: الطبري والرازي
والقرطبي والبيضاوي وغيرهم قول ابن عباس رضي الله

عنه ،وقال  القرطبي
(أجمع المسلمون على أنّ السوءتين عورة من الرجل والمرأة وأنَّ المرأة كلها عورة
إلا وجهها ويديها على خلافٍ في ذلك) كما نقل الشوكاني في” فتح
القدير
.

     والأدلة على
ذلك : الحديث الذي رواه الخمسة الا النسائي لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار صححه
احمد شاكر والالباني يفهم منه أنّ الخمار هو غطاء الرأس وليس غطاء الرأس والوجه
معا لانّ المرأة متطلب منها أن تكشف وجهها في الصلاة .

ومثل ذلك الحديث الذي روى أبو داود عن أم سلمة رضي الله
عنها أنّها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار
ليس عليها إزار، قال : ” إذا كان الدرع سابغاً يغطي
ظهور قدميها”.
رواه أبو داود والحاكم وصححه وأقره الذهبي .

وفي “المعجم الوسيط” – تأليف لجنة من العلماء تحت
إشراف” مجمع اللغة العربية” – ما نصه:

” الخمار: كل ما ستر ومنه خمار المرأة، وهو ثوب تغطي
به رأسها، ومنه العمامة، لأن الرجل يغطي بها رأسه، ويديرها تحت الحنك”.

ومن اللغويين: الراغب الأصبهاني(ت502)قال في كتابه
الفريد” المفردات في غريب القرآن” (ص159)

“الخمر، أصل الخمر: ستر الشيء ويقال لما يستتر
به: (خمار) لكن (الخمار) صار في التعارف اسما ًلما تغطي به المرأة رأسها، وجمعه
(خُمُر) قال تعالى: { وليضربن بخمرهن على جيوبهن}وابن منظور (ت711) والفيروز أبادي
(816) وجماعة من العلماء المؤلفين ل” المعجم الوسيط”- كما تقدم- مع نص
قولهم الصريح في أنّه غطاء الرأس.

و ثبت في صحيح البخاري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم
سمى،  أو أطلق على عمامة الرجل خمار
مع أنّ العمامة لا تغطي الوجه .

إذن عندما يقول الله تعالى ” وليضربن بخمرهن على
جيوبهن ” فهم منه كثير من الفقهاء أنّ وجه المرأة ليس عورة لوجود أمرين 
:
أولهما: أنّ الأمر في هذه الآية الكريمة جاء بضرب الخمر على الجيوب لا على
الوجوه .

ثانيهما : لأنّ الاخمار هو غطاء الرأس بناء على الفهم من
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم . وأنا درستُ في مناهجنا الدراسية في
المملكة العربية السعودية أنّ الخمار هو غطاء الرأس، وفجأة أصبح الخمار في مناهجنا
الدراسية غطاء الرأس والوجه!

وهو
خلاف معناه اللغوي ، وما ورد في الأحاديث

4.   
﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء
مِن
بَعْدُ
وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ

[ الأحزاب: 52]

تقرر هذه
الآية أنّه لا يحل لرسول صلى الله عليه وسلم الزواج من النساء، ولو أعجبه حسن بعض
النساء ، وكيف يعجبه حسنهن دون رؤية وجوههن ؟ مع العلم أنّ الرؤية هنا غير رؤية
الخاطب الذي يحلّ له الزواج ، ويعزم على الخطبة ؟ ، فهذا العزم إذا أعلن يدعو
المرأة التي ألفت النقاب أن تخلعه . إذن الرؤية هنا هي الرؤية العابرة التي يرى
فيها الرجال وجوه النساء في عامة الأحوال، والتي قد يتبعها إعجاب بحسن إحداهن ،
وليست الرؤية بقصد الخطبة. وكما تذكر الآية الكريمة إمكان إعجاب الرسول صلى الله
عليه وسلم بحسن بعض النساء عند رؤيته العابرة لهن ، تشير عدة أحاديث إلى إمكان
وقوع مثل هذا الإعجاب من عامة الرجال ، وذلك نتيجة كشف النساء وجوههن في عامة
الأحوال عند لقائهن بالرجال ، أو مرورهن أمام الرجال  . [عبد الحليم أبوشقة : تحرير المرأة في عصر
الرسالة ، 4/ 88.]

 

5.    ﴿ وَلاَ
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ
أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن
لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ
تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
﴾ [
البقرة: 235]

 وقد أورد الطبري في
تفسيره لهذه الآية عدة روايات عن الصحابة والتابعين في كيفية التعرّض بالخطبة في
زمن عدة الوفاة ، وعدة الطلاق البائن :

       فعن
ابن عبّاس، يقول الرجل : إنّي لأحب امرأة من أمرها وأمرها… يعرض لها بالقول

بالمعروف.

وعن مجاهد يقول :
“إنّك لجميلة وإنّك لنافقة
 )نافقة أي
مرغوب فيها.
(، وإنّك إلى خير.

       حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي مالك, عن عبد الرحمن
بن القاسم, عن أبـيه أنه كان يقول فـي قول الله تعالـى ذكره: وَلا جُناحَ
عَلَـيْكُمْ فِـيـما عَرّضْتُـمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النّساءِ أن يقول الرجل
للـمرأة وهي فـي عدة من وفـاة زوجها: إنك علـيّ لكريـمة, وإنـي فـيك لراغب, وإن
الله سائق إلـيك خيرا ورزقا, ونـحو هذا الكلام .

عن
فاطمة بنت قيس قالت : “أرسل إليّ زوجي أبو عمرو بن حفص بن المغيرة عيّاش بن
أبي ربيعة بطلاقي ، وأرسل معه بخمسة آصُع تمر وخمسة آصُع شعير ، فقلتُ : أما لي
نفقة إلا هذا ، ولا أعتد في منزلكم ؟ قال : لا . قلتُ : ثلاثًا، قال : “صدق
ليس لك نفقة ، اعتدي في بيت ابن عمك ابن أم مكتوم ، فإنّه ضرير البصر ، تُلقي ثوبك
عنده ، فإذا انقضت عدتك ، فآذينيني
( أعلميني)، وفي
رواية : “وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك” [ رواه
مسلم : كتاب
الطلاق ، باب المطلقة ثلاثًا لا نفقة لها.]

       قال النووي : وفي الحديث جواز التعريض بخطبة البائن ، وهو الصحيح
عندنا ( أي عند الشافعية)

[انظر : شرح
النووي لمسلم،10/97.]

 وبالتأمل يبدو أنّ المرأة جاءت سافرة الوجه ،
فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما جعله يعجل بترشيحها لتكون زوجة لأسامة
، فعرّض بخطبتها وهي في عدتها . ولا عجب ،فقد كانت رضي الله عنها – كما قال الحافظ
ابن حجر- من المُهاجرات الأُول ،وكان لها عقل وجمال. [
ابن حجر : فتح البازي
، 11/402.]

 إنّ الدخول على المرأة في عدتها قرينة على أنّها
سافرة الوجه ، فإنّها لو كانت تألف الستر لكان الدخول عليها ممّا يتحرّج منه الرجل
، وتتحرّج منه المرأة . فإذا أُضيف إلى الدخول القوْل : “إنّك لجميلة” و
” إنّي بك لمعجب”. وما أشبهه ، فهو يؤكد غلبة سفور الوجه . وقد نهى
الشارع المرأة عن التزيّن بالكحل وغيره في فترة العدّة مخافة أن يراها الرجال في
زينتها، ومجال التعريض بالخطبة أحد مجالات رؤية الرجال المرأة المعتدة، ويؤكد غلبة
سفور الوجه أيضًا أنّ الخاطب يُحسن أن يرى وجه المخطوبة ، لأنّ ذلك أحرى أن يؤدم
بينهما ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف تتم الرؤية في حال التعريض
، إلّا إذا كان الوجه مكشوفًا عادة؟ والمرأة لن تكشفه عمدًا لأنّه لا مجال لإعلام
مُسبق بنية الخطبة لدى المعُرِّض. [
عبد الحليم
أبو شقة : تحرير المرأة في عصر الرسالة ، 4/ 90.]

ثانيًا: من السنة

هذا ما سأبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله ، فللحديث
صلة.

suhaila_hammad@hotmail.com



[1] .
وأحب أن  أذكر هؤلاء بأنَّ الإمام السيوطي
قد أخذ العلم عن  آسية بنت جار الله الطبري
،وهي محدثة ولدت بمكة سنة 796هـ .   
 

6 Comments

Leave a Reply