الأسرى والسبايا (2)
سهيلة زين العابدين حماد
السبت 04/07/2015
 
 أواصل الحديث عن عدم صحة ما نُسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته من استرقاق الأسرى، والتسرّي بالسبايا والإماء، فالرسول قد تزوّج بالسيدتين جويرية بنت الحارث، وصفية بنت حُيي -رضي الله عنهما- بعقد زواج شرعي،

 بعد إطلاق سراحهما، أمّا ما ورد من روايات عن تسرّي الرسول بمارية القبطية، وريحانة بنت شمعون اليهودية، فهذه روايات موضوعة؛ ليبيحوا لأنفسهم التسرّي بالإماء، وملك اليمين؛ فالقرآن لم يُبحْ ذلك، بل نصَّ في آيات قطعية الدلالة على الزواج من الإماء، وملك اليمين، ولا يمكن أن يخالف الرسول ما أمر به خالقه: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ).
والذي أحدث هذا اللَّبس في الفهم أنّ استرقاق الأسرى من الموروثات لدى الأمم والحضارات، ولم يستوعب بعض المفسّرين والفقهاء والمؤرّخين تحريم الإسلام استرقاق الأسرى، واغتصاب السبايا من النساء، فليس هناك فرق بين الأسرى والرق في كُتبهم، ويُفسّر قوله تعالى: (ومَا مَلكَتْ أّيْمَانُكم) أيّ الأسيرة التي تُستعبد وتستمتع بمجرد ملك اليمين بالبيع والشراء، والذين ضمّوا أسرى الحروب إلى ملك اليمين خالفوا ما جاء في القرآن الكريم عن الأسرى الذي تبيّنه الآية الكريمة (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا).
فبعد انتهاء الحرب يكون الوضع بالنسبة للأسرى إمّا إطلاق سراحهم بلا مقابل، أو طلب فدية، تشمل مالاً، أو تبادل الأسرى، ولم يتطرّق القرآن إلى استرقاق الأسرى، كما أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم شرع لنا تبادل الأسرى في كثير من أحاديثه الصحيحة، وألحَّ على ذلك، كما روى مسلم في كتاب السير في حديث أياس بن سلمة عن أبيه أنّه أخذ امرأة من العرب رقيقًا بعد غزوة فزارة، فمازال رسول الله يطلب منه أن يهبه هذه المرأة حتّى فعل، فبعث بها رسول الله إلى مكّة، وفدى بها ناسًا من المسلمين كانوا أسرى هناك.
ولكن للأسف القول بنسخ هذه الآية جعل بعض العلماء يفتون باسترقاق الأسرى من قبيل المعاملة بالمثل، لأنّ الأعداء يسترقّون أسرى المسلمين، ويستبيحون أعراض الأسيرات المسلمات، وهذا يتنافى مع ما جاء في القرآن الكريم، ومع تحقيق قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
فلكي نكون خير أمة أُخرجت للناس، علينا أن نتجنّب المنكرات، ومنها استرقاق الإنسان، واغتصاب عرضه، وإن كان أعداؤنا يفعلون ذلك بأسرانا، فلا ننزل إلى مستواهم، ولنرفعهم إلى مستوانا باتباعنا تعاليم ديننا، وللأسف نجد كثيرًا من كتب التاريخ والفقه والتفسير تعتبر الأسيرات إماء مسترقات، فيطلق أصحابها عبارة أعتقها على الأسيرة، وأعتق الأسرى عند حديثهم عن زواج الرسول من السيدة جويرية بنت الحارث، فيقولون أعتقها وتزوجها، وعندما سمع الصحابة بذلك، قالوا عن بني المصطلق أصهار رسول الله، فأعتقوا مئة من بني المصطلق، وكأنّهم أصبحوا عبيدًا بمجرد وقوعهم في الأسر، بل نجد القائلين بالناسخ والمنسوخ نسخوا كلمة (وأسيرًا) من آية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، فقالوا الآية كلها محكمة باستثناء (وأسيرًا) فهي منسوخة!!

suhaila_hammad@hotmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 – Stc
635031 – Mobily
737221 – Zain

Leave a Reply