إلى خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود
خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد…
أصدق التعازي أقدمها لمقامكم السامي في المغفور له بإذنه تعالى خادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ طيّب الله ثراه ــ مع أطيب تهاني لمقامكم السامي، ولأبناء الشعب السعودي بتوليكم حكم المملكة العربية السعودية، أعانكم الله على تحمّل أعباء ومسؤولية الحكم
ولا سيما في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها بلادنا والمنطقة العربية، وأنتم أهل لتحمّل هذه المسؤولية ،وكلنا ثقة بقدراتكم وحكمتكم وخبراتكم وعلمكم وثقافتكم لاجتياز هذه المرحلة بأمان، كما أنّنا على ثقة بمدى حرصكم على حماية حقوق المواطنين، وقد أكدتم على هذا في كلمتكم للمواطنين والمواطنات يوم الثلاثاء 19 جمادي الأول 1436هـ – 10 مارس 2015م، بأنّكم ستعملون على مواصلة البناء وإكمال ما أسسه من سبقوكم من ملوك هذه البلاد – رحمهم الله – وذلك بالسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة، والعدالة لجميع المواطنين، وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة في إطار نظم الدولة وإجراءاتها، وأنّكم عازمون بحول الله وقوته على وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن.
وإن تحدّثنا عن الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن، نجد حوالي 260 ألف مواطن من أبناء المدينة المنورة سيُهجّرون قسريًا من بيوتهم المقرّر نزع ملكيتها في لتوسعة الحرم النبوي الشريف؛ إذ بلغ إجمالي المزمع ازالته في المدينة المنورة (14) حيًا سكنيًا، تشمل :
1.(14300)مبنى، منها(1470)مبنى ضمن توسعة المسجد النبوي وساحاته والباقي ضمن المنطقة المركزية الجديدة.
2. عدد المحلات التجارية والدكاكين(10000) دكانًا ومحلًا تجاريًا.
3. عدد الفنادق المزالة(310)فندقًا، معظمها فنادق حديثة بُنيت طبقًا للمواصفات المطلوبة، ولا يدخل ضمن المساحة المطلوبة لتوسعة وميادين الحرم النبوي الشريف، وسيترتب عن ذلك حرمان(12) ألف موظف وموظفة من وظائفهم من العاملين في هذه الفنادق ، مما سيزيد من نسبة البطالة، إضافة إلى أنّه سيسبب أزمة خانقة لإسكان الحجاج والمعتمرين، فعندما يُزال في وقت واحد(14300) مبنى، و(310) فندقًا، (130) وقفًا أهليًا وخيريًا، و (10000) محلًا تجاريًا، فأين يسكن ويتسوّق ضيوف الرحمن، وزوار المسجد النبوي الشريف، دون توفير بدائل؟
4. عدد المدارس المزالة (106) مدرسة.
5. عدد المراكز الصحية والمستشفيات(57)مركزًا صحيًا ومستشفى.
6. عدد المباني الوقفية (130) وقفًا أهليًا وخيريًا، تعيل أرامل وأيتام وأسر لا دخل لها إلّا من هذه الأوقاف.
7. عدد المساجد المزالة (175 )مسجدًا، منها (71)مسجدًا أثريًا يدخل ضمنها مساجد خطها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى فيها مثل مسجد الفتح ، وهو ضمن المساجد السبعة ومسجد الجمعة الذي أقيمت فيه أول صلاة جمعة في الإسلام، مع العلم أنّ مناطق هذه المساجد ليست داخلة في توسعة الحرم النبوي الشريف، فمسجد الجمعة سيزال من أجل جعل طريق السنة(300)م.
8. (10) خدمات أمنية.
9. (21) خدمات ترفيهية.
10. (18) خدمات حكومية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو أين سيسكن سكان (14) حيًا سكنيًا الذين تتراوح أعدادهم بين مائتي ومائتي وستين ألف؟ وأين سيُعالجون، وقد أزيل( 57) مركزًا صحيًا ومستشفى؟ وأين سيصلون، وقد أزيل(175) مسجدًا ، وأين سيدرس أولادهم وبناتهم ، وقد أُزيلت(106) مدرسة؟ وأين سيعمل أصحاب عشرة ألاف محلًا تجاريًا ودكانًا قد أُزيلت في أعمال التوسعة؟ وأين سيعمل (12)ألف موظفَا وموظفة بعدما تزال الفنادق التي كانوا يعملون فيها؟
فإن كان تقرير وزارة الحج تضمن اقتراح تأجيل نزع ملكيات المنطقة المركزية إلى نهاية حج عام 1436هـ، لتأمين سكن للحجاج فترة تواجدهم في المدينة المنورة التي لا تتجاوز بضعة أيام، فماذا عن توفير السكن والمستشفيات والمدارس والمساجد والمحلات التجارية لأكثر من ربع مليون من أهالي المدينة المنورة ومقيمها المقيمين بها إقامة دائمة؟
ثم أنّ التأجيل بضعة أشهر لن يحل مشكلة تأمين السكن للزوار والمعتمرين على مدار السنة، لأنّ البديل سيتوفر بعد عدة سنوات، بما يفوق الطاقة المالية لمعظم الحجاج والمعتمرين الذين يشكل أغلبيتهم من ذوي الدخل المحدود، وأحوالهم المالية لا تمكنهم من السكن في أبراج سكنية بارتفاع مائتي، ومائتي وخمسين مترًا؟
كما نجد أنّ ما تم نزع ملكيته، وما سيُنزع مخالفًا للمادة (18)من النظام الأساسي للحكم، فلقد اعتبر النظام الأساسي للحكم في المادة(17) الملكية أولى المقومات الأساسية في الكيان الاقتصادي والاجتماعي في المملكة؛ ومن الحقوق الخاصة إذ نصّ على : “الملكية ورأس المال، والعمل، مقومات أساسية في الكيان الاقتصادي والاجتماعي للمملكة. وهي حقوق خاصة تؤدي وظيفة اجتماعية، وفق الشريعة الإسلامية.”؛ ولذا نصّت المادة (18)من النظام الأساسي للحكم على كفالة الدولة حرية الملكية الخاصة وحمايتها”: تكفِل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها، ولا ينزع من أحد ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يُعوض المالك تعويضاً عادلاً.”
ووافقت المادة(18) من النظام الأساسي للحكم المادة الأولى من نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة ووضع اليد المؤقت للعقار الصادر بمرسوم ملكي رقم م/15، وتاريخ 11/3/1424هـ/ 12/5/2003م، والتي تنص على: ” يجوز للوزارات والمصالح الحكومية وغيرها من الأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة نزع ملكية العقار للمنفعة العامة لقاء تعويض عادل بعد التحقق من عدم توفر الأراضي والعقارات الحكومية التي تفي بحاجة المشروع، ولا يجوز نزع ملكية عقارًا إلّا لتنفيذ مشروع معتمد في ميزانية الدولة.”
وأصدر مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره الرابع المنعقد بجدة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ الموافق 6-11 شباط (فبراير) 1988م، القرار رقم : 29 ( 4/4) بشأن انتزاع الملكية للمصلحة العامة حيث تضمن هذا القرار : “لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إلا بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية:
1 – أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل ‚.
2 – أن يكون نازعه ولي الأمر أو نائبه في ذلك المجال .
3 – أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إليها ضرورة عامة أو حاجة عامة تنزل منزلتها كالمساجد والطرق والجسور .
4 – أن لا يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الاستثمار العام أو الخاص ‚ وألا يعجل نزع ملكيته قبل الأوان‚ فإن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الأرض والغصوب التي نهى الله تعالى عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم ‚ على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية استرداده لمالكه الأصلي، أو لورثته بالتعويض العادل، والله أعلم.”
ومع هذا نجد القائمين على تنفيذ مشروع توسعة الحرميْن الشريفيْن ينزعون ملكيات عدد كبير من العمائر والأسواق التجارية المحيطة بالحرمين الشريفيْن، والواقعة خارج نطاق المساحة الداخلة في التوسعة، وفي ساحات الحرم، لإعادة تخطيطها وبيعها بأضعاف قيمة تقديرها لأصحاب رؤوس أموال ضخمة لإقامة فنادق خمسة، وسبعة نجوم عليها، كما حدث في التوسعة السابقة، كما يُلاحظ أنّ لجان التقدير مجحفة في تقديراتها، حيث رفعت(482) قضية للمحكمة الإدارية بالمدينة المنورة بشأن التظلم من قرارات التثمين المتعلقة بمشروع خادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبد الله ـــ طيّب الله ثراه ــ لتوسعة الحرم النبوي الشريف، وقد كشف عن هذا مصدر مسؤول في ديوان المظالم لـصحيفة “المدينة”، وأوضح ذات المصدر أنّ عدد القضايا المقيدة لعام 1435هـ بلغت(411 قضية) فيما بلغت القضايا المقيدة لعام 1436هـ ضد الجهة سالفة الذكر(71 قضية)حتى الآن.(أي خلال شهر واحد من عام 1436هـ.)[جريدة المدينة المنورة: العدد الصادربتاريخ1/2/1436هـ،الموافق23/11/2014م
http://www.al-madina.com/node/571330
لذا أناشد مقامكم السامي ب:
1. قصر نزع الملكيات على المساحة المطلوبة لتوسعة مبنى الحرم النبوي وساحاته ليستوعب الزيادات المرتقبة من الحجاج والمعتمرين، على أن تكون مواقف السيارات تحت الأرض، فعلى سبيل المثال إنّ عدد المباني المطلوب إزالتها لتوسعة الحرم النبوي الشريف (1470) مبنى فقط، كما هو مثبت، ومبيّن في هذا الشكل:
ويكتفى بما نزع من المنطقة الشرقية لتكون توسعة خادم الحرميْن الشريفين الملك عبد الله ـــ طيّب الله ثراه ــــ أفقية من هذه الناحية فقط، أمّا ما سيُضاف إلى توسعة الملك فهد ــــ طيّب الله ثراه فلتكن الإضافة رأسية، وإبقاء الفنادق التي لم تُزل بعد حفاظًا على ملكية أصحابها لها، ولتفادي أزمة إسكان الحجاج والمعتمرين، كما يكتفي بما تم نزعه من عقارات من الناحية الشمالية الشرقية والشمالية الغربية لشارع الملك فيصل وكذلك المنطقة الجنوبية لنفس الشارع لتقوم عليها فنادق تستوعب الحجاج والمعتمرين، وأمّا ما تبقى من ملكيات الأراضي والمساكن والأسواق والفنادق يظل في ملكية أصحابها، والقديم والمتهالك منها يُطلب من أصحابها إعادة بنائها طبقًا للمواصفات المطلوبة، وتعطى لهم قروض طويلة الأجل لبنائها، والذي يعود منها لأوقاف خيرية أو أهلية، أو لا يملك أصحابها سواها، ويعيشون من دخلها تصرف الدولة لهم قيمة إيجاراتها السنوية إلى أن ينتهي بناء ما هُدم ، فبذلك نحقق العدل والتطوير معًا، على أن تُدار الفنادق من قبل أصحابها، وعدم إسناد إدارة فنادق مكة المكرمة والمدينة المنورة لشركات أجنبية.
2. إلغاء مشاريع الشوارع ذات عرض 300م، التي أوجدها المخططون كمشروع” درب السنة” في المدينة المنورة، ويكتفى بشوارع عرضها(100)م؛ إذ لا يوجد شوارع بعرض(300)م في أية مدينة في العالم، ولاسيما في الأحياء القديمة، فإن كان عرض قناة السويس الجديدة(320)م التي تعبر خلالها سفن تجارية كبيرة، وناقلات، فما حاجة المدينة المنورة لشوارع بعرض(300)م تخترق المدينة المركزية، وما حولها؟
3. تخطيط حلقات دائرية أخرى، وتوفير لها كافة الخدمات من ماء وكهرباء، وهاتف، وإنترنت، وصرف صحي، ومساجد ،ومدارس ومستشفيات، وأسواق ومحلات تجارية، ومواقف سيارات، و.. إلخ، لتستوعب الزيادة السكانية المتوقعة.
4. ربط المدينة المنورة شمالها بجنوبها وبشرقها وغربها بشبكة مترو أنفاق، بعد تحسين البنية التحتية للمدينة المنورة ، وفي مقدمتها شبكات الصرف الصحي، ومياه الشرب.
5. إعادة تخطيط المناطق العشوائية، في المدينة المنورة، وإيصال كافة الخدمات والمرافق العامة إليها، وإعادة بناء مبانيها على شكل فلل الإسكان الشعبي، ويكون ذلك على نفقة الدولة من الميزانية المرصودة لتطوير المدينة المنورة.
6. يكون التطوير بالتخطيط لأحياء جديدة، مع الحفاظ على المباني القديمة وأسواقها وأحيائها الحالية لأنها تمثل حقبة زمنية من تاريخها، والتي ستصبح بعد عدة عقود تراثًا معماريًا، فكفى المدينة ما هدم وطُمس ما بها من آثار نبوية وتراث معماري عبر العصور الإسلامية المختلفة!!!
7. إنشاء لجنة للحفاظ على آثار المدينة المنورة من أبنائها يكون منهم خبراء ومتخصصون في التاريخ والآثار لإظهار ما هدم وردم وطمس من آثار، والمشاركة في تخطيط مدينة تاريخية، للمدينة المنورة تتبع هذه اللجنة للهيئة العامة للسياحة والآثار.
8. يُعطى للقطاع الخاص تراخيص إقامة قرى سياحية، بها فنادق على مختلف المستويات لتوافق الحالة المالية للحجاج والمعتمرين، وذلك بتكوين شركات سياحية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة برأس مال كبير لكل شركة، ويتركز نشاط هذه الشركات على جلب الحجاج والمعتمرين من كل من دول الخليج ومسلمي دول أوربا والأمريكيتين وأستراليا ونيوزيلندا لتفادي تخلف الحجاج والمعتمرين من جهة، ومن جهة أخرى زيادة عدد الحجاج والمعتمرين، وهذا سيُدر دخلًا للبلد، كما سيوفر مليارات الريالات التي كانت ستُفق على نزع الملكيات، وسيُسهم في خفض نسبة البطالة بتوفير فرص للعمل.
خادم الحرميْن الشريفيْن
أنا على ثقة تامة بمدى حرصكم على حقوق المواطنين، وحماية ملكياتهم الخاصة، ولن يرضي عدالتكم أن يُنزع متر منها لغير الصالح العام ، كما لا يرضيكم أن يُبعد جيران الرسول صلى الله عليهم وسلم من جيرته لتُحوّل ملكيات بيوتهم إلى أصحاب رؤوس الأموال الضخمة ليشيدوا عليها فنادق وأبراج سكنية استثمارية لا يسكنها إلّا الأثرياء ، أمّا فقراء الحجاج والمعتمرين الذين يُشكلّون الغالبية، وجيران الرسول صلى الله عليه وسلم من أهالي المدينة المنورة ومقيمها فلن يجدوا أمامهم سوى الخيام ليسكنوها بعد هدم مباني المنطقة المركزية، و(14) حيًا سكنيًا.
وفّقكم الله إلى ما فيه الخير والصلاح
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقدمته/ المواطنة
سهيلة زين العابدين حمّاد
حرر في الرياض 13/6/1436هـ، الموافق 2/4/2015م