صحيح البخاري(2)
أين مخطوطة الإمام البخاري لصحيحه التي خطّها بيده ؟

                  بقلم/د. سهيلة زين العابدين حمّاد
 بيّنتُ في المقاليْن السابقيْن تضعيف بعض الأصوليين والمحدّثين  قدامى ومحدثين لبعض أحاديث الإماميْن  البخاري ومسلم، وقبل أن أبيّن المزيد من تلك الأحاديث رأيتُ أن أوضّح حقيقة هامة غابت عن الكثيرين بمن فيهم المنتقدين، وهي: 

 أنّ أحاديث الصحيحيْن الضعيفة والمناقضة للواقع المعايش، وللقرآن الكريم، والتي نال بعضها من عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالزعم أنّه همّ بالانتحار ،وتزوّج السيدة ميمونة رضي الله عنها وهو مُحرم، وغيرها من الأحاديث قد يكون مدسوسًا على الإماميْن البخاري ومسلم، فلا توجد مخطوطة بخط يد الإمام مسلم عن صحيحه، لكن توجد مخطوطة  كتبت عام 368 هجرية على انّها صحيح مسلم، أي بعد وفاة الإمام مسلم ب 107 سنة.
 والنسخة الأصلية لجامع صحيح البخاري غير موجودة، وما وصل إلينا عن طريق تلامذته، وأقدم  مخطوطة لصحيحه كتبت بعد وفاة البخاري بأكثر من مائتي سنة!
    فقد سمعه تسعون ألف رجل” من الإمام البخاري نفسه رحمه الله (ت256ه)، كما أخبر بذلك أحد أشهر تلاميذه، وهو محمد بن يوسف الفربري(ت320هـ). [انظر” تاريخ بغداد”(2/9)، وقد اشتهرت رواية الفربري لصحيح البخاري لطول عمره، وإتقان نسخته، فقد سمعها من البخاري رحمه الله في ثلاث سنين، ثم أخذها عنه جماعة من الرواة الثقات، وعنهم اشتهر أيضا هذا الكتاب.
  يقول المستملي(ت376هـ)– أحد الرواة عن محمد بن يوسف الفربري–:” انتسخت كتاب البخاري من أصله كما عند ابن يوسف، فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا، ومنها أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض” انتهى. رواه الباجي في” التعديل والتجريح”(1/310)، وقد أورد هذا القول ابن حجر في مقدمة “فتح الباري”
ولقد تصدر الأمر الباحث العراقي عواد كوركيس عضو المجلس العلمي العراقي، بكتاب [أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم] وهي المخطوطات المكتوبة منذ صدر الإسلام حتى القرن الخامس الهجري. ونسخة الكتاب محفوظة بمكتبة جامعة الدول العربية بالقاهرة، وهو من منشورات وزارة الثقافة والإعلام العراقية عام 1982. وتم توثيق الكتاب بدار الكتب والوثائق المصرية عام 1983.وفيه: توجد مخطوطات ثلاثة لصحيح البخاري: أقدمها في العالم تمت كتابتها عام 407ه، أي بعد رحيل الإمام البخاري ب151 سنة وهي الوثيقة رقم( 303)،ثانيها: في القدم الوثيقة رقم(304)والتي كتبت في عام 424 ه، أي بعد رحيل البخاري ب 168 عام تقريبًا، وثالثها: الوثيقة رقم (305) كتبت في عام 495 ه، أي بعد رحيل الإمام ب 239 عام.
 والمخطوطات الموجودة لصحيح البخاري في المغرب 12 مخطوطة من أجزائه أولها: جزء يبتدئ بحج أبي بكر بالناس إلى آخر كتاب التفسير، تحتفظ به خزانة القرويين بفاس، برقم(969)، ترجع كتابته إلى أوائل القرن الخامس الهجري، وبآخره سماعات بتاريخ 481هـ على أبي الحسن طاهر بن مفوز بن أحمد بن مفوز(ت484هـ). وآخرها يبتدئ من باب من أراد غزوة فورّى بغيرها، وينتهي بآخر حديث الإفك، تحتفظ به الخزانة العامة بالرباط، برقم(93 ك) وقع الفراغ من كتابته في 17 ربيع الآخر عام 789هـ.
    وكذلك توجد في المغرب مخطوطةٌ فريدة في العالَم الإسلامي، وهي  نسخةٌ مِن المجلد الأول الموافي للخُمس الثاني من الأصل للجامع الصحيح بخطِّ يدِ الحافظ أبي عمران موسى بن سعادة الأندلسي، وقد عُثِرَ عليها بخِزانة جامع القرويِّين الكُبرَى، وتُعتَبر مِن الأهميَّة بمكان؛ لأنَّ رواية ابن سعادة ظلَّت مُعتمَد المغارِبة أجمعين بنفس اعتمادِ المشارقة على روايةِ اليونيني، وقد أتَى هذا الاهتمام مِن كَوْنِ ابن سعادة رَوى عن الصدفي عن الباجي عن أبي ذرٍّ عن شُيوخه الثلاثة عن الفَرَبْرِي عن البخاري؛ فبينه وبيْن الإمام خمس وسائط، وقد قام المستشرق الفرنسي  ليفي بروفنسال مدير معهد الدروس العُليَا آنذاك بالعمل على تحقيقها.
  هذا وقد قدّم الدكتور  محمد بن عبد الكريم بن عبيد أستاذ السنة النبوية وعلومها المشارك بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، دراسة قيمة بعنوان:” روايات ونسخ الجامع الصحيح للإمام البخاري” تحدّث فيها عن نُسخ الجامع الصحيح المطبوعة، وبدأ حديثه عن النسخ المطبوعة بقول الأستاذ عبد الغني عبد الخالق: “طبع في 3 أجزاء بليدن: سنة 1862م، باعتناء المستشرق(كرهل وطبع جزء منه في بطرسبرج، سنة 1876م .الطبعة التي كتب مقدمتها العلمية الشيخ عبد الغني، وكُتِب عليها أنّها من تحقيق محمود النواوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، ومحمد خفاجي. وذكر أنّها أحدث طبعات” الجامع الصحيح” وأحسنها تنسيقًا، فقد تحدث رحمه الله عن مجمل عمل الجماعة المذكورين فيها، وبتأمل كلامه نلاحظ مواطن الخلل في هذه الطبعة، وتصرف المحققين خلاف ما يقتضيه المنهج العلمي السديد، يقول:” وقد وجدوا في كتاب” تفسير القرآن” من” الجامع الصحيح” أنّ بعض نسخ الأصل يكتفى في العنوان بذكر اسم السورة، وبعضها يضيف إليه كلمة” تفسير”، والبعض يضيف البسملة، إما قبل السورة، أو بعدها، فرأوا أن يأخذوا بالأحوط، فأثبتوا البسملة في أول كتاب” التفسير”، ثم ذكروا العناوين الأخرى بلفظ: سورة كذا، مسبوقة بالبسملة أيضًا، متابعين في ذلك-غالباً- نسخة أبي ذر الهروي، وبعض الشراح.
 ووجدوا كذلك أنّ بعض النسخ تنفرد عن غيرها: بأن تزيد قبل الأحاديث لفظ” باب” أو” باب قوله كذا” ثم تسرد فقرة من آية قرآنية، تتناسب مع الحديث الآتي بعد ذلك، فرأوا أيضًا متابعة هذه النسخ، وأثبتوا ما زادته بعد أن تثبتوا من أن صنيع الهروي مواف ل .”
وهكذا لو رحنا نعدد نسخ الصحيح المنتشرة في مكتبات المخطوطات في العالم ، وقربها من عصر تأليف الصحيح ، وكثرة رواتها وثقتهم ومقابلتهم نسخهم على النسخ الكبيرة المعتمدة لطال المقام جدا ، ويكفيك أن تذهب إلى إحدى المكتبات التي تشتمل على المخطوطات ، وتسأل عن صحيح البخاري لتقف على المئات منها ، بأسانيدها الصحيحة إلى الإمام البخاري نفسه . وقد أحال ” الفهرس الشامل ” على (2327) موضعاً في مكتبات العالم المختلفة توجد به مخطوطات هذا الكتاب . انظر: ” الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط، الحديث النبوي وعلومه ” (1/493 – 565).
وقد تحدَّثَ صاحب مقدمة المخطوطة المذكورة عن النواحي التي جعَلتْ من رواية ابن سعادة روايةً مفضَّلة عن غيرها من روايات الإمام البخاري ونُسَخه المنتشرة في بلاد الإسلام.
 وكان أبرز مُرجِّح ومُؤثر لها على ما سِواها أنها نُسخَتْ من نسخة شيخه وصِهره، الحافظ أبي عليٍّ الصدفي التي طافَ بها في الأمصار وسمعها وقابَلَها على نُسَخِ شيوخه بالعراق ومصر والشام والحجاز والأندلس، ولا شكَّ أنَّ أصلاً كهذا – في التداوُل وتناوُل الأيدي – لا يَعدِله في الصحة شيءٌ، وبالإضافة إلى هذا فقد كان الصدفي يتوفَّر على نسخةٍ من الصحيح مقروءة على أبي ذرٍّ الهروي، وأبو ذر أخَذ عن تلاميذ الفربري الذي كان يمتلك نسخةً للصحيح بخط البخاري.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/32057/#ixzz3BArkucGC
وتوجد مخطوطة صحيح البخاري بخط إسماعيل البقاعي، (296) صفحة، تاريخ النسخ: (800 ه) المصدر: مكتبة كوبرلي رقم (355) إسطنبول ، وتوجد نسخة مفهرسة من صور المخطوطة المرفوعة أصلا من قبل أبي عبد الله الجبر http://www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php/t-240008.html
وتوجد مخطوطة لصحيح البخاري في جامعة الملك سعود مقدّر تاريخ نسخها في القرن التاسع الهجري[http://makhtota.ksu.edu.sa/makhtota/1494/1#.U_fdLWfloY0]وفي ظل اعتماد الناس قديمًا على النسخ باليد ، وفي ظل ضعف وسائل الإعلام آنذاك ، وعدم التزام النساخ في بعض المواضع بما في الأصل ، بل وعدم وقوفهم على التعديلات التي يجريها المؤلف نفسه على كتابه ، فيقع الاختلاف بين النسخ ، كما وقع في ” سنن الترمذي ” ، و ” سنن أبي داود ” ، و” الموطأ ” للإمام مالك ، و ” مسند الإمام أحمد بن حنبل “، وغيرها، إضافة إلى أن يكون بعض المغرضين قد دس فيها روايات موضوعة وضعيفة.
من خلال هذا العرض نجد الآتي:
•    أنّ لا وجود لمخطوطة الجامع الصحيح للبخاري بخط يد البخاري نفسه،
•    أنّ المخطوطة المكتوبة بخط تلميذه ابن يوسف الذي سمع الصحيح منه غير كاملة، كما قال المستملي.
•    أنّ المخطوطات الموجودة باختلاف تواريخ كتابتها، كُتبت سماعًا من تلامذة البخاري.
•    أنّ أقدمها كتب بعد وفاة البخاري ب(250) سنة.
•    المخطوطات الموجودة لا تحوي الجامع الصحيح بكامله، بل أجزاء مفرّقة، ومتناثرة في عدة دول ،ومكتبات.
•    وجود أخطاء كثيرة في هذه المخطوطات، وتقديم وتأخير وحذف وإضافة، وهذا ما ذكره  المستملي(ت376هـ)أحد الرواة عن محمد بن يوسف الفربري، والشيخ عبد الغني عبد الخالق في مقدمة طبعة بليدن.
•    تولى تحقيق بعض مخطوطات” الجامع الصحيح” مستشرقان هما: ليفي برونفسال، وهركل.
والسؤال الذي يطرح نفسه أين هي مخطوطة البخاري التي كتبها بخط يده؟
•    وجود أخطاء في مخطوطات كتاب التفسير، وحديث الإفك.
•    لا وجود لمخطوطة بخط الإمام مسلم لصحيحه.
ومع هذه المعطيات من البديهي أنّه توجد روايات ضعيفة وموضوعة ومخالفة للقرآن الكريم، وتشكك في صحة القرآن، وتشوّه صورة النبي صلى الله عليه وسلّم ، وتطعن في عصمته. ويتحمّل علماء الأمة الإسلامية المسؤولية أمام الله على تقريرهم أنّ جميع أحاديث الصحيحيْن صحيحة، وتكفير من ينتقدهما، وفيهما روايات تسيء للإسلام، ولم يكلفوا أنفسهم دراسة جميع المخطوطات الموجودة في مختلف دور الكتب والوثائق في العالم، والموازنة بينها، وبيان الدخيل عليه، خاصة أنّ مستشرقيْن تدخلا في تحقيق وطباعة صحيح البخاري، وإن ثبت أنّ الأحاديث التي انتقدها الأصوليون والمحدّثون والباحثون والشراح قدامي ومحدثين هي موجودة بالفعل في صحيح البخاري يعلنوا هذا ،ويبيّنوه في الهوامش، فلا يُرجع إليها، ولا تُبنى عليها أحكام فقهية وقضائية، مع بيان الدخيل عليه، بحيث يطلع عليها كل من يرجع إلى الصحيح.
  إنّ حماية السنّة ليس بقبول ما يخالف القرآن، وتشويه صورة نبي الأمة، وتوجيه إليه اتهامات خطيرة باطلة بالتأكيد على صحته، واتهام من يُبيِّن ضعفه بالجهل والكفر والزندقة، والانصراف عن مناقشته المناقشة العلمية الجادة ،إمّا بإيقافه عن النقاش، وكتم صوته أو باتهامه بأنّه يجهل اسم كتاب  صحيح البخاري، وكيف ينتقده، وهو لا يعرف اسمه. ولنكن على مستوى المسؤولية، فليس البخاري ومسلم نبيين معصوميْن من الخطأ.
ولمَ هذه المغالطات والمكابرات، ولديهم كل هذه المعطيات حول صحيح البخاري، واختفاء نسخته الأصلية؛ وكذا الحال بالنسبة لصحيح مسلم، والمسانيد وباقي السنن؟
إنّ الإصرار على صحة جميع أحاديث الصحيحيْن بما فيهما من أخطاء ومغالطات واتهامات للرسول صلى الله عليه وسلّم، استغلّها أعداء الإسلام في تضليل شبابنا، ودفعهم إلى الإلحاد.
للحديث صلة.
Suhaila_hammad@hotmail.com

One Comment

Leave a Reply