دولة الخلافة (2)
كل حزب وتنظيم دولي وإقليمي متبنٍ مشروع إقامة دولة الخلافة يريد أن تكون الخلافة له، وسيتصارع جميعهم عليها، وستتحول بلادنا العربية والإسلامية إلى صراع دموي دائم !!
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 21/10/2014
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 21/10/2014
ممّا لا يختلف عليه اثنان أنّ العصر النبوي، ثمّ الراشدي طبّق فيهما الإسلام التطبيق الأمثل، ولا أحد يُنكر عظمة الدولتيْن الأموية والعباسية والحضارة الإسلامية التي ازدهرت فيهما، ولكن لم تشهد هاتان الدولتان استقرارًا وأمنًا طوال فترة حكمهما؛ إذ شهدتا ثورات وانفصالات وانقسامات وفتناً، أدت إلى ضعفهما وسقوطهما.
بل نجد الفتن ثارت منذ عهد ثالث الخلفاء الراشدين التي أدت إلى مقتله، والتي أشعلها” عبد الله بن سبأ اليهودي” ؛ إذ أدت إلى حدوث خلاف على خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وانتهى الخلاف باستشهاده، وعندما حوّل معاوية بن أبي سفيان الخلافة إلى حكم وراثي رفض ذلك الحسين بن علي، وأعلن نفسه خليفة، وأدى هذا الخلاف إلى حدوث معركة كربلاء التي استشهد فيها الحسين، وعند تنازل الحَكَم بن يزيد بن معاوية عن الحكم، بويع عبد الله بن الزبير خليفة في العراق، بينما بويع مروان بن الحكم بالأغلبية، وانتهى الصراع بينهما بقتل عبد الله بن الزبير في مكة. فإن كان قد حدث كل هذا الخلاف حول النظام الذي يتم به اختيار خليفة المسلمين بين بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل واحد منهم يرى في أنّ ما يراه ينصّب في صالح الأمة، ولكن استغل الأعداء هذه الخلافات فأشعلوا الفتن بينهم، فكيف ستكون الحال في عصرنا هذا، والصراع على الخلافة لن يكون من أجل الحكم على منهج النبوة كما يدّعون، ولكن رغبة في السلطة والوصول إلى الحكم؟
فكل حزب وتنظيم دولي وإقليمي متبنٍ مشروع إقامة دولة الخلافة يريد أن تكون الخلافة له، وسيتصارع جميعهم عليها، وستتحول بلادنا العربية والإسلامية إلى صراع دموي دائم، وهذا ما يريده أعداء الأمة الإسلامية، الذين يستعينون بهم الآن لقلب أنظمة الحكم في بلادهم ليستولوا عليه،وقد وجدوا بُغيتهم في تمزيق البلاد الاسلامية وتفتيتها، وتحويلها إلى دويلات قائمة على أساس عرقي ومذهبي وطائفي لتكون إسرائيل هي الدولة الكبرى في المنطقة، بل لتحقيق مخطط هذه الدويلة بتكوين دولة إسرائيل الكبرى، ومن الغباء والسذاجة أن يعتقد البعض أنّ دول الغرب، تُرحب بقيام دولة خلافة إسلامية كبرى موحدة تحت راية واحدة، وهي تبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، فبريطانيا احتلّت عددًا من الدول العربية، وأعطت لليهود وعد بفلور، وسلمتهم فلسطين بعد انتهاء انتدابها عليها، والولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لإسرائيل سياسيًا وعسكريًا ولوجستيًا، واقتصاديًا، مستخدمة حق الفيتو ضد أي قرار إدانة لإسرائيل في ما تقوم به من جرائم وأعمال وحشية ضد اخواننا الفلسطينيين، فقد احتضت الدول الغربية الكبرى مع إسرائيل مشروع دولة الخلافة لتحقيق أهدافها وتنفيذ مخططاتها، فقد كشف الموقع الأمريكي Veterans Today، أنّ أمير جماعة “داعش” الاجرامية المدعو أبو بكر البغدادي ليس إلا عميلاً للموساد الإسرائيلي ويدعى “سايمون إليوت” أو “إليوت شيمون”، تم تدريبه ليرأس تنظيم داعش بهدف نشر الفوضى في الدول العربية المجاورة لإسرائيل.
وأكد التقرير الذى نشره الموقع أنّ “أبو بكر البغدادي” ولد لأبوين يهوديين والتقطته أجهزة المخابرات الإسرائيلية، ليحصل على تدريب عالٍ على التجسس، ومن ثمَّ تم زرعه في أحد البلاد العربية ليقيم تنظيم “داعش”، الذى ينشر الفوضى في ربوع العالم العربي ويقوم بهدم الدول، مما يزيد من فرص سيطرة إسرائيل على منطقة الشرق الأوسط. واستدل الموقع بتصريحات أدلى بها “إدوارد سنودن” – الأمريكي الذى سرب تفاصيل برامج التجسس لوكالة الأمن القومى الأمريكية – الشهر الماضي لإحدى الصحف، حيث أكد “سنودن” أن تنظيم داعش ليس إلا نتاج خطة أمريكية وإسرائيلية وبريطانية، تهدف إلى جمع أغلبية مجاهدي العالم المتطرفين داخل تنظيم واحد، لنشر الفوضى في الشرق الأوسط وهدم الدول، مما يعطى إسرائيل والعالم الغربي فرصة أكبر للسيطرة على ثروات تلك المنطقة.
ودعاة عودة دولة الخلافة يُفسّرون الحديث وفق ما يريدون، فرغم أنّ الحديث- إن سلّمنا بصحته- يشير إلى أنّ دولة الخلافة هي فترة حكم الخلافة الراشدة، والدول الأموية والعباسية والعثمانية فترة الملك العاض، ويستثنون من هذه الفترة فترة حكم الخليفة عمر بن عبد العزيز، ومع هذا يعتبرونها دولة خلافة إسلامية بما فيها الاحتلال العثماني الذي خضعت البلاد العربية والإسلامية في عهده للاستعمار الأوربي، ثمّ نجدهم يعتبرون فترة حكم الأنظمة الحالية هو الحكم الجبري، ويرون أنّ ما سُميّت بثورات الربيع العربي من تدافع الناس الوارد في الآية (251) من سورة البقرة، وحكم جماعة الأخوان الإرهابية في تونس ومصر وليبيا هو فترة انتقالية لقيام دولة الخلافة.
وللأسف نجد المروّجين لدولة الخلافة يُزوِّرون الحقائق التاريخية مصوّرين أنّ نظام دولة الخلافة في كل مراحله جعل الدولة الإسلامية قوية مهابة من الكافرين، وأنّ نظام الحكم في الإسلام” الخلافة لا غير” ، هذا ما جاء في الكلمة الافتتاحية لمؤتمر “دور العلماء في إقامة الخلافة” الذي نظّمه التنظيم الدولي” حزب التحرير “الذي انعقد في جاكرتا بإندونيسيا يوم الثلاثاء 18/11/ 1434هـ الموافق 24/9/ 2013م” كان المسلمون طَوَالَ عهد خلافتهم أقوياء بربهم أعزاء بدينهم، إذا قالوا قولة دَوَّت في جنبات الدنيا، وإذا فعلوا فعلاً أدخل الرعب في قلوب الكافرين”
ففي هذا القول مغالطة تاريخية كبرى ليصوّروا للناس أنّ نظام الخلافة الذي يدعون إليه هو النظام الأمثل فكلنا نعرف أنّ دولة الإسلام في عهد الخلافة العباسية لم تكن على نمط واحد من ناحية سلطة الخلفاء، وإنّما تفاوتت هذه السلطة، ممّا جعل المؤرخين يُقسِّمون مدة الخلافة العباسية إلى عصور ثلاثة، تختلف ملامح كل عصر منها عن سواها بمقدار ما كان للخلفاء من سلطان، هي:
العصر الأول(132-232هـ)وفيه كان الخلفاء يتمتعون بالسلطة في الدولة الإسلامية ماعدا الأندلس، ودول أخرى بدأت تظهر خلال هذا العصر، وتستقل استقلالًا تامًا كالأدارسة، أو استقلالًا شبه تام كالأغالبة والطّاهرية والزيادية.
العصر الثاني(232-590هـ): وفيه ضاعت السلطة من أيدي الخلفاء، وآلت إلى:
أ.الأتراك(232-334هـ) مع ملاحظة أنّ هذا العصر يشمل عهد صحوة الخلافة خلال خلافة المعتمد والمعتضد، وعهد الاضطراب، وسلطة نساء القصر بعد هذه الصحوة، وعهد إمرة الأمراء في السنين العشر الأخيرة منها.
ب.البويهيين(334-447هـ)وقد شمل سلطان العراق وفارس والأهواز وكرمان.
ج.السلاجقة(447-590هـ)وقد شمل حكمهم العالم الإسلامي كله ما عدا الأندلس ومصر وشمال إفريقية.
العصر الثالث:(590-656هـ) وفيه استعاد الخلفاء العباسيون السلطة، ولكن في منطقة بغداد ،وما حولها، وظلوا كذلك حتى دهم التتار العالم الإسلامي، ودمروا صورًا ضخمة من حضارته، وقتلوا الخليفة العبّاسي، وأنهوا أسرة بني العبّاس.[د. أحمد شلبي:التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، 4/23،24.]وفي العصريْن الثاني والثالث قامت أيضًا الدولة الطولونية في مصر(254- 292هـ)، ثمّ قامت الدولة الأخشيدية(323-358هـ/945-969م)،وقامت الدولة الفاطمية في تونس، ثم في مصر(358-567هـ/969-1171م)، وقامت دولة المرداسيين في حلب(414-472هـ/1023-1079م)، ودولة البوريون في دمشق(497-549هـ/1103-1154م)،والدولة الزنكية في الموصل والجزيرة، وسوريا، ومصر(521-660هـ/1127-1262م)والدولة الأيوبية في مصر وسوريا (564- 648هـ/1169-1250)،ودولة المماليك في مصر وسوريا(648-923هـ/1250-1517م)، وكذلك في الهند وأندونيسيا.
للحديث صلة.
suhaila_hammad@hotmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 – Stc
635031 – Mobily
737221 – Zain