الخطاب الديني وانحراف الشباب إلى الإرهاب أو الإلحاد(2)
بقلم/ د. سهيلة زين العابدين حمّاد
أواصل الحديث عن بعض ما يردده خطابنا الديني كوجوب جهاد الطوائف جميعها التي تمتنع عن أداء أية فريضة من الفرائض كما جاهد المسلمون مانعي الزكاة وجاهدوا الخوارج وأصنافهم وجاهدوا الخرمية والقرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف أهل الأهواء والبدع الخارجين عن شريعة الإسلام”
فهذه الطوائف والفرق لم تُقاتل لخروجها عن شريعة الإسلام، ولكن لخروجها على الدولة كحال داعش الآن الواجب قتالها لخروجها على الدولة وانتهاكها الأعراض والأرواح والأموال وحرمة الأوطان، فبابك الخرمي تفاقم خطره في عهد المعتصم بعد دخول أذربيجان تحت حوزته، وأعانه ملك أرمينيا وامبراطور الدولة البيزنطية، وانتشرت جيوشه، وأدخل الرعب في نفوس أهالي البلاد الواقعة بين أذربيجان وإيران التي كانت ولا تزال تموج بالمذاهب المختلفة: فهناك الزرادشتية والمانوية والمزدكية والأبو مسلمية (أتباع مسلم الخراساني)، وكل هذه العقائد مجتمعة تكون عقيدة الخرمية.
أمّا القرامطة فهم من الباطنية، فقوتلوا لأنّهم أغاروا على مكة المكرمة يوم التروية من سنة ٣١٧ ھ والناس محرمون، فقتلوا الحجيج حول الكعبة وفي جوفها، وردموا زمزم ، كما قتلوا غيرهم في سكك مكة وما حولها، زهاء ثلاثين ألفًا من غير الحجيج ، وسلبوا كسوة الكعبة وجردوها ، وأخذوا بابها، وحليتها قبة زمزم، وجميع ما كان فيها من آثار الخلفاء والتي زينوا بابها، واقتلعوا الحجر الأسود من موضعه، وأخذوه إلى بلدهم، وطلع رجل منهم البيت ليقلع الميزاب، فلما صار عليه سقط، فاندقت عنقه .
فالقرامطة والخرمية فعلوا كما تفعل داعش الآن في سوريا والعراق، وفي عرسال في لبنان، وهي الواجب قتالها، لإنقاذ المسلمين من فتنتها , ومن المؤسف أنّ صانعي داعش استغلوا الفتاوى التكفيرية التي أخذ يرددها خطابنا الديني منذ عصور خلت ولا يزال، وأقاموا داعش عليها لبث الرعب وإباحة سفك دماء وإشاعة الفرقة بين المسلمين بتكفير بعضهم البعض ،وقتال بعضهم البعض.
ثانيًا: حديث الفرقة الناجية
وهو من الأحاديث التكفيرية، وقد رواه الترمذي في سننه بإسناده عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، وإنّ بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلّا ملة واحدة، قال: من هي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي”
فهذا الحديث من حيث الإسناد يشتمل على الضعاف حسب موازينهم الحديثية، فقد ضعفه ابن حزم وغيره،
فكل طرقه الثمانية(عوف بن مالك ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن عوف المزني، وأبي أمامة الباهلي، وأنس بن مالك ،وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين.)مناكير وغرائب ضعيفة ومنكرة، فعند تخريج حديث عوف بن مالك مرفوعاً نجد من رواته صفوان بن عمرو، ولم يتابع عليه، فروايته تعد منكرة لتفرده، مع عدم قوته، كما قال الذهبي “وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكراً، وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظاً أو إسنادا يصيره متروك الحديث”.[تهذيب الكمال: المزي، تحقيق بشار عواد، ط1 سنة 1413هـ، الرسالة، بيروت.] فأحسن طرقه حديث أبي هريرة وهو حديث حسن، مع تساهل كبير في تحسينه لتفرد محمد بن عمرو به، وهو صدوق له أوهام خاصة في روايته عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ولهذا كان القدماء يتقون حديثه، كما قال يحيى بن معين.
أمّا من حيث المتن، فهو:
أولًا: يبيّن أنّ الأمة الإسلامية دون اليهود الذين انقسموا إلى واحد وسبعين فرقة، في روايات، ومن النصارى الذين انقسموا إلى اثنتيْن وسبعين، والمسلمين ثلاث وسبعين، وهذا يتناقض مع قوله تعالى:(كنتم خير أمة أُخرجت للنّاس)، فكيف نكون خير أمة أخرجت للناس، ونحن أسوأ من اليهود والنصارى؟
كما يتناقض مع قوله تعالى(وكذلك جعلناكم أمة وسطًا)، والسنة لا تناقض القرآن، والحديث الذي يناقض القرآن دليل على عدم صحته.
ثانيًا: تناقضه مع أحاديث أخرى، مثل ما رواه البخاري” إنّ الله حرّم على النّار من قال أنّ لا إله إلّا أن لا إله إلّا الله يبغى بذلك وجه الله”، وفي لفظ مسلم” لا يشهد أحد أنّ لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله فيدخل النار أو تطعمه” والسنة لا تناقض نفسها.
ثالثًآ: اضطرابه، ومن وجوه الاضطراب والاختلاف في روايته:
1. الاختلاف في عدد فرق أمته صلى الله عليه وسلم، ففي بعض طرقه ورد أنّ أمته صلى الله عليه وسلم ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كما في مسند أحمد من رواية أنس، وفي بعضها أنّها ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة، كما في رواية ابن ماجه في سننه ، وبعضها تشير إلى افتراقها إلى ثلاث فرق، أو أربع فرق.
2. الاختلاف في عدد الفرق الناجية أو الهالكة، فبينما تحدد غالب الروايات ب(72)، أو (71) فرقة تبعًا للاختلاف الآنف في عددها نجد بعضها يعكس الأمر، فيذكر أنّ الهالك منها، هو فرقة واحدة ،والباقي في الجنة، كما أنّ بعضها يذكر أنّ الناجي مما كان قبلكم هو ثلاث، والباقي هالك[كتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم الضحّاك (ت 287ه) تحقيق ناصر الدين الألباني، ص 15،16]، وأما أبو هريرة رضي الله عنه فإنّه يروي الحديث دون أن يرد فيه إشارة عن الناجي والهالك من الفرق.
3. الاختلاف إلى حد التباين في توصيف وتحديد الفرقة الناجية والفرق الهالكة بحيث نلاحظ أنّ كل فرقة أعطت الحديث الرواية التي تناسبها، فأهل السنة جعلوا الفرقة الناجية هي أهل السنة، والمعتزلة جعلوها فرقة المعتزلة، بينما أنّ بعضهم تلاعب في متن الحديث، فذكر في آخره” من أخبثها الشيعة” مع أنّ المعتزلة والشيعة وغيرها لم تكن موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهكذا نجد أي خطأ وقع فيه خطابنا الديني باعتماده هذا الحديث رغم ضعفه سندًا ومتنًا، وكان لاعتماده تأثير بالغ الخطورة على وحدة المسلمين وتماسكهم، فقد عمّق الهوة بينهم، وحال دون تقاربهم وتلاقيهم، ونجد الأعداء استغلوا هذا النفور والتكفير، فأشعلوا جذوة الفتنة الطائفية بين المسلمين، وخططوا لتقسيم بلادنا على أساس ديني وطائفي ومذهبي.
Suhaila_hammad@hotmail.com