أرى أنّ الحدود والتعزيرات ينبغي تدريسها في كليات الشريعة والمعاهد العليا للقضاء برؤية واجتهادات توافق عصرنا هذا، وليس لأطفال مراهقين في سن الخامسة عشرة.
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 19/08/2014
أواصل الحديث عن منهج الفقه للسنة الأولى ثانوي لعام 1424هـ / 2003م، وما يحويه من دروس قد تدفع -عن غير قصد- ببعض متلقيه إلى التطرف، أو النفور من الإسلام ،والاستجابة لدعاوى الإلحاد، وبينتُ في الحلقتيْن السابقتيْن ما تضمنه درسا الديات والحدود من أفكار خطيرة تسيء الى الإسلام وتشوّه صورته ،وتُفقده إنسانيته، وأواصل الحديث عن هذا المنهج بالدرس (23) عن التعزير
عرّف معد المنهج في صفحة150 التعزير لغة: المنع، ويأتي بمنع التأديب، واصطلاحًا: التأديب على كل معصية لا حد فيها، ولا كفارة ولا قصاص، وذكر أنّ من دلائل مشروعيته من الكتاب، قوله تعالى (وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)[ النساء: 34] وذكر من أسباب التعزير ترك واجب تأخير الصلاة عن أوقاتها[ ص118]، ونستخلص من هذه النصوص الآتي:
1-أنّ تعريفه للتعزيرات لا يتفق مع تعريف فقهاء لها بأنّها” العقوبة المشروعة على معصية أو جناية لاحد فيها ولا كفارة” [د. وهبة الزحيلي: موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته.7/5591] فهناك أحكام على ارتكاب جرائم وجنايات قد تصل إلى الإعدام تعزيرًا.
2- إقحامه آية النشوز كدليل من القرآن على مشروعية التعزير ليس في محله، ولم أقرأ استدلالًا بهذه الآية على مشروعية التعزير في كتاب فقه، فهو يريد أنّ يُربي أولادنا على أنّ المرأة دون الرجل، وأنّ من حقه تعزيرها ضربًا بدنيًا لتأديبها، وهذا ليس من الشرع الإلهي، وإنّما من الفقه البشري، فقد فسّر المفسرون والفقهاء معنى(واضربوهن) بمعنى الضرب البدني، مع أنّ” الضرب” له أكثر من(28) معنى في معاجم اللغة، والمعنى الذي يتفق مع سياق الآية والسنة الفعلية هو: “الاعتزال ومفارقة البيت”، وهو السلوك الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما غضب من زوجاته، اعتزلهن خارج البيت لمدة (29) يومًا، ولم يضرب امرأة قط، فلو كان الضرب البدني هو المعني به في الآية لمارسه الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته، فالضرب البدني للزوجة يتناقض مع قوله تعالى:(وعاشروهن بالمعروف)، وقوله تعالى(إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، وقوله صلى الله عليه وسلم:”خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي”. فمعد المنهج عندما يُقحم آية النشوز في درس التعزير لطلبة وطالبات أولى ثانوي وهم في سن الخامسة عشرة سيجعل الذكور من هؤلاء الأطفال، إمّا ممارسي العنف ضد زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم، أو النفور من هذا الدين وكراهيته لامتهانه المرأة(أُمًا وزوجة وأختًا وابنة) وإعطاء الرجل(زوج، وأب وأخ وابن) حق تأديبها، في حين نجد معد المنهج لم يستدل بآية القتل الخطأ على مشروعية الدية في درس الديات، لأنّه في درس الديات أعطى ايحاء بأن الإسلام يميز روح الذكر على الأنثى، وروح المسلم على غير المسلم، والحر على العبد، لأنّه يمثل فكر جماعته المنتمي إليها، ولا يمثل الإسلام في شيء.
3- أمّا عن أنّ من أسباب التعزير ترك واجب تأخير الصلاة عن أوقاتها، فالله جل شأنه قال(لا إكراه في الدين)فكيف يُكره على الصلاة بتعزيره إن لم يصلِّ جماعة في المسجد، وقد جاء في الصحيحيْن عن عتبان بن مالك، قال:” كنتُ أصلي لقومي بني سالم فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ إِنَّي أنكرتُ بصري، وإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فوددتُ أَنْك جئت فصليت في بَيْتِي مكانًا حتى اتخذه مَسْجِدًا، فَقَالَ:” أفعل إن شاء الله”، فغدا عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه بعدما اشتد النهار، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنتُ له، فلم يجلس حتى قال: أين تحب أن أصلي من بيتكم؟ فأشرتُ إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبّر وصففنا وراءه، فصلى ركعتيْن، ثم سلّم وسلّمنا معه”
فليس باستطاعة كل إنسان أداء الصلوات الخمس في المسجد يوميًا، فقد لا تسمح ظروفه الصحية، أو ظروف مرضية لأحد أفراد أسرته، أو ظروف اجتماعية طارئة بذلك، خاصة إن كان المسجد يبعد عن بيته، فلماذا التضييق على العباد، والإسلام دين يُسر، وليس دين عسر. فتعزير من لا يصلي جماعة في المسجد يوحي بإكراه الناس على الصلاة في المساجد، وهذا يجعل منفذًا لأعداء الإسلام ينفذون منه لتنفير شبابنا من الإسلام، وإعطائهم مجالاً باتهام الإسلام بالتناقض؛ إذ كيف يقول الله تعالى:(لا إكراه في الدين)، ويُلزم الناس بالصلاة جماعة في المساجد، ومن يتخلف من أصحاب المحلات التجارية يُعزّر بالسجن، وإغلاق محله التجاري بالشمع الأحمر، وقد يُعزّر بالجلد.
وأرى أنّ الحدود والتعزيرات ينبغي تدريسها في كليات الشريعة والمعاهد العليا للقضاء برؤية واجتهادات توافق عصرنا هذا، وليس لأطفال مراهقين في سن الخامسة عشرة، وبرؤية مجموعة معينة.
وبعد ..هذا نموذج لما دُرّس لأولادنا من طلبة أولى ثانوي في مادة الفقه، ونجده يناقض نفسه، ففي الدرس الأول يتحدث عن حفظ الشريعة للضرورات الخمس التي منها حفظ النفس، وعند حديثه عن الديات نجده يفرق بين نفس الذكر ونفس الأنثى ،وبين نفس الحر والعبد ،وبين نفس المسلم والكتابي والمجوسي، مع أنّ الروح البشرية هي روح يجب الحفاظ عليها باختلاف أديانها ومعتقداتها، والغريب أنّ معد المنهج استدل بقوله تعالى:( ولا تقتلوا أنفسكم )[ النساء : 29] واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم ” لايزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يُصب دمًا حرامًا” ولم يميز الرسول صلى الله عليه وسلم دماً عن دم.
وهكذا نجد مثل هذا المنهج قد يدفع ببعض أبنائنا إلى التشدد، أو الإلحاد لعدم تقديمه صورة الإسلام الحقيقية، وتحريم ما أباحه.
suhaila_hammad@hotmail.com
للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS
تبدأ بالرمز (26) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى
88591 – Stc
635031 – Mobily
737221 – Zain
المصدر : جريدة المدينة http://www.al-madina.com/node/551733/