لقد بيّن النص أنّ المسلمين حاربوا الدولتين البيزنطية والفارسية من أجل فرض الإسلام بالقوة بإشارته إلى معتقدي الدولتيْن، وهذا غير صحيح، فالهدف الأساس من الفتوح الأولى كان تأمين الدولة الإسلامية الناشئة ضد المتربصين بها .
د. سهيلة زين العابدين حماد
الثلاثاء 22/07/2014
من الحقائق التي أود توضيحها أنّنا أمام قضية خطيرة جدًا، وهي تورط بعض شبابنا في أعمال إرهابية والالتحاق بجماعات تكفيرية والذهاب إلى المناطق الملتهبة للقتال فيها، وإلحاد بعض آخر منهم، ومن واجبنا كأهل فكر وحاملي أمانة القلم البحث في الأسباب التي أدت إلى ذلك لتفاديها، وإعادة شبابنا إلى حضن المجتمع، فهناك خلل نفذ من خلاله من ضللوا أولادنا وجروا بعضهم إلى الإرهاب، أو الإلحاد، فلم نربِّ أولادنا على قاعدة عقدية ثابتة لا تتزعزع ،وممّا لاشك فيه أنّ مناهجنا الدراسية فيها خلل، ولابد أن نبحث في مواطن الخلل فيها لتفاديها، فليس من اللائق القول على من ينتقد المناهج الدراسية أنّه ينفذ أجندة غربية، بل العكس هو يسعى لإفشال ما يخططه الغرب ضدنا، لأنّ ما عليه بعض شبابنا الآن من إرهاب وإلحاد هو ضمن المخطط الغربي المحاك ضدنا، ومن المؤسف أنّنا نجد في مناهجنا الدراسية ما يخدم – عن غير قصد -أهداف أعدائنا في جر أولادنا إمّا إلى الإرهاب أو الإلحاد، بتشويه الإسلام وتاريخ العرب والمسلمين، فها هو منهج السيرة النبوية وتاريخ الدولة الإسلامية لسنة أولى ثانوي لعام 1424هـ/ 2003م، وقد وضعه وراجعه نفس الذين وضعوا منهج الحضارة الإسلامية لسنة ثانية ثانوي، يؤكد على فرية المستشرقين الذين قالوا إنّ الإسلام انتشر بحد السيف، ويظهر هذا في هذه النصوص:
1. في درس الفتوحات الإسلامية، وتحت عنوان” حالة الشرق الأدنى عند ظهور الإسلام” وأمّا باقي أجزاء الشرق الأدنى: فقد كان فيها معاصرًا للبعثة النبوية، ولتأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة الامبراطوريتان الساسانية والبيزنطية كأكبر قوتيْن عالميتين آنذاك، فأمّا الساسانية المجوسية المعتقد، وعاصمتها المدائن على نهر دجلة، فقد ملكت بلاد فارس والعراق بما فيه دولة المناذرة العربية وعاصمتها الحيرة، وديانة أهلها النصرانية، وأمّا الامبراطورية الرومانية، أو البيزنطية التي كانت على دين النصرانية، وتتخذ من القسطنطينية(استانبول حاليًا) عاصمة لها، فقد سيطرت على آسيا الصغرى، وأجزاء من قارة أوربا وشمال إفريقية ومصر وبلاد الشام، بما فيها دولة الغساسنة العربية وعاصمتها بصرى. وبعد أن سطع نور الإسلام على الجزيرة العربية ليبلغها الناس كافة امتثالًا لقوله تعالى(وما أرسلناك إلّا كافة للناس بشيرًا ونذيرًا) وقد سار الخلفاء الراشدون ومن جاء بعدهم على نهج الرسول عليه الصلاة والسلام وتبليغ الشعوب دعوة الإسلام، وإليك عرضًا موجزًا لامتداد الدولة الإسلامية]”[ ص47ــ48]2. تحت عنوان” ميادين القتال مع الروم في مصر وشمال أفريقية” فلنقرأ معًا هذا النص:” بعد أن انتهى عمرو بن العاص من مهمته في فتح فلسطين استأذن الخليفة عمر بن الخطّاب في السير بجنده إلى مصر، وكان هذا الإجراء طبيعيًا لضمان استقرار المسلمين بفلسطين، كما أنّ في اعتناق أهلها للإسلام قوة للمسلمين، ولمّا جاءه الإذن، زحف نحو مصر فاستولى على العريش، وحصن بابليون، ثم اتجه نحو الإسكندرية ؛حيث فرض حصارًا اضطر معه المقوقس حاكم مصر إلى عقد صلح مع عمرو بن العاص نص على مغادرة الروم مصر بمتاعهم، وأن يترك للسكان حريتهم الدينية.”[ص53]هذان النصّان يبينان الآتي:
1.في حديثهم عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي السرح وغيرهم رضوان الله عليهم لم يُرضّوا عليهم، وكأنّهم يُربّون أولادنا على عدم الترضية على صحابته عليه الصلاة والسّلام.
2. لقد بيّن النص الأول أنّ المسلمين حاربوا الدولتين البيزنطية والفارسية من أجل فرض الإسلام بالقوة بإشارته إلى معتقدي الدولتيْن، وهذا غير صحيح، إنّ الهدف الأساس من الفتوح الأولى كان تأمين الدولة الإسلامية الناشئة ضد المتربصين بها من كل جانب. فلقد هدّد إمبراطور الفرس بالهجوم على المدينة بعد لقائه بمبعوث الرسول عليه الصلاة والسّلام، كما قتل الغساسنة- أحلاف البيزنطيين- مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وهددوا كذلك بغزو المدينة، وقد كان عرب الشام بصفة عامة يتحرشون بدولة المدينة، ويجدون من أحلافهم الروم(البيزنطيين)كل عون وتشجيع. وموقعة مؤتة خير شاهد على ذلك، فقد ذهب المسلمون إلى مؤتة ليؤدبوا الغساسنة على قتلهم مبعوث الرسول عليه الصلاة والسلام إليهم، فإذا بهم يواجهون جموع الروم الحاشدة هناك، ويتعرضون لمحنة قاسية فقدوا خلالها قادتهم الثلاثة، ولولا الانسحاب البارع الذى أحكم خطته خالد بن الوليد رضي الله عنه – بعد أن آلت إليه القيادة- لأنزل الروم بالمسلمين خسائر فادحة. ومن أدلة الخطر الذي كان يداهم الدولة الإسلامية الوليدة أنّ هرقل إمبراطور الروم أمر بوضع رابطة في البلقاء بالشام على الحدود مع شبه الجزيرة العربية، وذلك بعد الحملة التي أعدها الرسول عليه الصلاة والسلام قبيل وفاته ونفذها أبو بكر رضي الله عنه في صدر خلافته، وهبت الحملة التي كانت تهدف إلى تأديب عرب الشام- أتباع الروم- لاستفزازهم المستمر للمسلمين، وهذا ما جعل الرسول عليه الصلاة والسلام يختار لقيادتها أسامة بن زيد الذى كان والده-رضي الله عنهما- أحد القادة الثلاثة الذين استشهدوا في مؤتة. فالموقف على الجبهتين الفارسية والبيزنطية في صدر الخلافة الراشدة كان مهددًا بالانفجار في أية لحظة، وهذا يُفسّر لنا بدء المصادمات بين المسلمين والقوتين العظميين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسّلام لتأمين الجبهة الإسلامية، ودرء للخطر المحدق بها من كل جانب.
3. لم يبيّن مؤلفو الكتاب أنّ البلاد التي تمّ فتحها كانت محتلة من قبل الفرس والرومان، وكان سكانها يُعانون من اضطهاد، فكان لمسيحيي العراق والشام ومصر من النساطرة واليعاقبة والأقباط أصحاب مبدأ الطبيعة الواحدة للسيد المسيح عليه السلام الدور المهم في تقديم الدعم والمؤازرة لجيوش الفتح الإسلامي تخلصًا من نير اضطهاد أباطرة بيزنطة من أصحاب مبدأ(الطبيعتين)حيث تمكن المسيحيون العرب في ظل الدولة الإسلامية من ممارسة حقوقهم الدينية بحرية مطلقة مستفيدين من المناخات التقريبية التي وفرها لهم إخوانهم المسلمون طبقًا لمضامين شريعتهم السمحاء، التي أمرتهم بمعاملة أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن. ونهتهم عن فرض الدين الجديد بالقوة. وهذا ما شجع أهل الكتاب على تسخير طاقاتهم الإبداعية والفكرية في خدمة المجتمع الإسلامي، وكان لهم فضل كبير في إثراء الحركة العلمية ونشاطهم في ترجمة المصنفات من اليونانية والفارسية الى العربية واعتبرتهم الدولة الإسلامية مواطنين صالحين ومخلصين لها.
للحديث صلة.
suhaila_hammad@hotmail.com
المصدر: جريدة المدينة http://www.al-madina.com/node/546410